الباخرزي

أبوالحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخَرْزي (ت. ذوالقعدة 467هـ/1075م) أديب من الشعراء الكتاب. من أهل باخرز (من نواحي نيسابور) تفهم بها وبنيسابور، وقام برحلة واسعة في بلاد فارس والعراق. وقتل في مجلس أنس بباخرز. كان من كتاب الرسائل. وله فهم بالفقه والحديث.

أبوالحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي كان واحد عصره وعلامة دهره ساحر زمانه في ذهنه وقريحته، وكان في شبابه يتردد إلى الإمام أبي محمد الجيوني ولازمه حتى انخرط في سلك أصحابه ثم هجر ذلك وشرع في الكتابة واختلف إلى ديوان الرسائل وسافر وكانت أحواله تتغير خفضاً وحملاً ودخل العراق مع أبيه واتصل بأبي نصر الكندري ثم عاد إلى خراسان، وقتل في بعض مجالس الأنس على يدي واحد من الأتراك في أثناء الدولة النظامية وظل دمه هدراً، وكان قتله في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة بباخرز. قرأ الباخرزي القرآن والحديث والفقه، وقد تفقه على الشيخ الجويني (ت 438هـ) والد إمام الحرمين الشريفين وأوحد زمانه فهماً وزهداً وفهم في فقه الشافعية. وتكاد تجمع الأخبار على أنه بعد حتى هجر حلقة الشيخ الجويني شرع في فن الكتابة والإنشاء واختلف إلى ديوان الرسائل.

اشتهر بكتابة دمية القصر وعصرة أهل العصر وهوذيل ليتيمة الدهر لأبي منصور الثعالبي يترجم فيه لثلاثين وخمسمائة شاعر من معاصريه. وأهدى كتابه للوزير نظام الملك. وديوان شعره سائر مشهور في الآفاق.

أكثر الباخرزي في حياته من الرحلة والتجوال، فزار عدداً من البلدان، وقصد المخطات طلباً للفهم والفهم، والتقى في أثناء تجواله كبار فهماء عصره كعبد القاهر الجرجاني الذي تفهم على يده النحووالبلاغة والنقد، وأبي بكر القُهسْتاني الذي تفهم على يده علوم الأوائل والفلسفة، وابن كرّام الذي تفهم على يده فهم الكلام والاعتزال، وقد أشار الباخرزي إلى كثرة أسفاره في كتابه «دمية القصر» بقوله: «ولا أزال أهبّ في جميع بقعة مذكورة وأحط رجلي من كورة إلى كورة».

وإلى جانب الفهماء التقى الباخرزي عدداً من القضاة والأمراء والوزراء والأدباء والشعراء، وكان كثير الصحبة والمعاشرة لكبار متنفذي عصره مما يشير على حملة مكانته وشهرته في أي مكان حلّ فيه أوارتحل إليه. فقد زار بغداد كما زار البصرة وهراة، وقصد بلخ ومرووالريّ وأصفهان وهمذان وواسط، ويذكر أنه ورد بغداد في بداية عهد الدولة السلجوقية بطلب من الوزير أبي نصر الكندري الذي استوزره السلطان طغرل بك «عميد الملك».

ويذكر ياقوت الحموي «أن الباخرزي كان شريك الكُندُري في مجلس الإفادة من الإمام الموفّق النيسابوري سنة 434هـ». وينطق: إنه اكتسب رضا الكُندري بعد حتى هجاه مداعباً بقصيدة أولها «أقْبَلَ». فلما صار الكندري وزيراً محكّماً قدم عليه الباخرزي فألحقه بحاشيته قائلاً له: أنت صاحب «أقبل». ويبدوأنه كان يتردد على مجالس الأنس والشراب، وقد ارتفعت به الأحوال وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب سفراً وحضراً.

صنّف الباخرزي كتاب «دمية القصر وعصرة أهل العصر» وهوذيل «يتيمة الدهر» للثعالبي، حققه سامي مكي العاني سنة 1985م، ويقع الكتاب في سبعة أبواب هي: شعراء البادية وشعراء الحجاز وشعراء الشام وديار بكر وأذربيجان وشعراء العراق والجزيرة وسائر بلاد المغرب، وشعراء الري والجبال وأصفهان وفارس وكرمان، وشعراء خراسان وقوهستان وبست وسجستان وغزنة، وكان القسم السابع في طبقة من أئمة الأدب لم يجر لهم في الشعر رسم. وقد ذيّلت بعض مخطوطات «الدمية» بمختارات من شعره، ووضع على الكتاب أبوالحسن علي بن زيد البيهقي كتاباً سماه «وشاح الدمية» وهوكالذيل عليه، كما ذكر العماد الأصفهاني حتى كتاب الدمية بعثه على تأليف كتابه «خريدة القصر وجريدة العصر» استوفى فيه شعراء العالم الإسلامي في القرن السادس الهجري.

وللباخرزي ديوان شعر حققه محمد التونجي سنة 1973م، وتتوزع أغراض الديوان بين المديح والغزل والهاتى والفخر ووصف الخمرة ومجالس الأنس، وقد أكثر في هذا الديوان من مدح نظام الملك وأكثر فيه من المحسنات واستخدم الألفاظ الفارسية، وفي الديوان قصائد كاملة خطها بالفارسية، وشعره عامة يغلب عليه التكلف والتصنع، ومن مشهور شعره قوله:

كم مؤمنٍ قرصته أظفارَ الشتا

فغدا لسكانِ الجحيم حسودا

وترى طيورَ الماءِ في وَكَناتها

تختار حرَّ النار والسُفّودا

شهد له معاصروه بالأدب والفهم والفضل، وقد ألّف خطاً ذكرها في كتاب «الدمية» منها «شعراء باخرز»، و«غالية السُّكارى»، وهوفي صفة نيسابور و«الأربعون في الحديث» و«التعليقات والفوائد».

مات الباخرزي مقتولاً في مجلس أنس في باخرز.