إحسان

الإحسان هوإتقان العمل ليصبح على أكمل وجه، فإن كان العمل خاصا بالناس وجب تأديته على أكمل وجه وكأن صاحب العمل خبير بهذا العمل ويتابع العامل بكل دقة. وفي الإسلام يعد الإحسان مرتبة ثالثة من مراتب الدين، بعد الإسلام والإيمان. فهويعني عبادة الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فقد ورد في السنة قول النبي محمد في تعريف الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» "رواه مسلم وابن ماجه".

وقد ورد في القرآن قول الله تعالى:*إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*سورة النحل الآية:90. أي: حتى الله يأمر عباده بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به، وفي حق عباده بإعطاء جميع ذي حق حقه، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال، ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم، وينهى عن جميع ما قَبُحَ قولا أوعملا وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر والمعاصي، وعن ظلم الناس والتعدي عليهم، والله -بهذا الأمر وهذا النهي- يَعِظكم ويذكِّركم العواقب؛ لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها. وكذلك ورد قوله تعالى:*هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ*سورة الرحمن الآية:60، أي هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟ ونطق النبي محمد «إن الله خط الإحسان على جميع شيء». الأمر بالإحسان

 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*، ونطق تعالى*وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا*، ونطق الرسول  : "إن الله خط الإحسان على جميع شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" رواه مسلم وأحمد ، ويقول الحافظ ابن رجب: "الأمر بالإحسان تارةقد يكون للوجوب كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة، والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه وتارةقد يكون للندب كصدقة التطوع ونحوها" . جامع العلوم والحكم (1/312)

ويقول ابن سعدي: "الإحسان فضيلة مستحبة، وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والفهم، وغير ذلك من أنواع النفع، حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره" تيسير الكريم الرحمن (ص 447).

فضل الإحسان

اعتنى الإسلام بالإحسان وعظم منزلته، ونوه سبحانه بفضله وأبلغ في كتابه العزيز أنه يحب المحسنين وأنه معهم وكفى بذلك فضلًا وشرفًا فنطق سبحانه*وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*، ونطق*فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*، ونطق*إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ*،ونطق*وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ*.


جزاء الإحسان

نطق الله تعالى في سورة الرحمن*هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ*، وقد بين الله تعالى لعباده في هذه الآية حتى الأولى للعبد حتى يقابل جميع إحسان بإحسان رغم حتى الفرق كبير بين إحسان وإحسان، فماذا تعادل قطرة من إحسان من العبد مع بحور من الإحسان والفضل وقنوات العطاء من ربه، بل وإن إحسان العبد لربه ما إلا من إحسانه إلى عبده ولطفه به وذلك لأنه هداه لهذا فهوالمحسن الودود . ويعد الإحسان من أفضل منازل العبودية وأعلى مراتبها، كما يمكن اعتباره لبها وروحها وأساسها وهوحتى تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. نطق المصطفى : ( إذا الله خط الإحسان على جميع شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) كما قد ورد في الحديث السليم: ( حتى امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يُطيف ببئرٍ، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها ). الإحسان يحيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه، وبأسرته، والجماعة، وعلاقته بالبشرية بشكل عام، بل وعلاقته بالمخلوقات كلها ، فكل قوانين التعامل ترجع إلى الإحسان ، وقد اتى في فضل الإحسان حتى رسول الله*قرأ الآية: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ونطق: ( إذا ولج أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إذا لكم عند الله موعداً يريد حتى ينجزكموه، فيقولون: ما هو،يا ترى؟ ألم يثقّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار،يا ترى؟ نطق: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولأقرّ لأعينهم )،*وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ*، وقد أعرب جل وعلا محبته لعباده المحسنين في أكثر من آية فنطق الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*، وأبلغ تعالى حتى رحمته قريبة من المحسنين، فنطق*وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ*، وطمأن المحسنين بأن إحسانهم محفوظ، وعملهم مشكور، وعملهم مبرور، فنطق تعالى*وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ*، بل أدخل السرور عليهم، وأعرب البشارة لهم، فنطق في آيات كثيرة:*لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ*، كما حتى الله تعالى منح على الإحسان ما لم يعط على غيره فنطق تعالى*لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*.

صور الإحسان

صور الإحسان على جهة الإجمال، والتي منها الإحسان في العبادات، والإحسان في المعاملات، والإحسان إلى الحيوانات، والإحسان في الأعمال البدنية، فـالإحْسَان في باب العبادات حتى تؤدِّى العبادة أيًّا كان نوعها؛ مِن صلاة أوصيام أوحج أوغيرها أداءً سليمًا، باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أوعلى الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، فبهذا وحده يمكنه حتى يحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله ((الإحْسَان حتى تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)). وفي باب المعاملات فهوللوالدين ببرِّهما بالمعروف، وطاعتهما في غير معصية الله، وإيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما. وهوللأقارب ببرِّهم ورحمتهم والعطف عليهم، وعمل ما يَجْمُل عمله معهم، وهجر ما يسيء إليهم. وهولليتامى بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحسنى، والمسح على رؤوسهم. وهوللمساكين بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم وازدرائهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم بما يستطيع، وهولابن السَّبيل بقضاء حاجته، وسدِّ خلَّته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وبإرشاده إذا استرشد، وهدايته إذا ضلَّ. وهوللخادم بإتيانه أجره قبل حتى يجفَّ عرقه، وبعدم إلزامه ما لا يلزمه، أوتكليفه بما لا يطيق، وبصون كرامته، واحترام شخصيَّته. وهولعموم النَّاس بالتَّلطُّف في القول لهم، ومجاملتهم في المعاملة، وبإرشاد ضالِّهم، وتعليم جاهلهم، والاعتراف بحقوقهم، وبإيصال النَّفع إليهم، وكفِّ الأذى عنهم. وهوللحيوان بإطعامه إذا جاع، ومداواته إذا سقم، وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرِّفق به إذا عمل، وإراحته إذا تعب. وهوفي الأعمال البدنيَّة بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش)

الإحسان في عبادة الله

والإحْسَان في عبادة الله له ركن واحد بيَّنه النَّبيُّ*بقوله: ((بأن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)). فأبلغ النَّبيُّ*أنَّ مرتبة الإحْسَان على درجتين، وأنَّ المحسنين في الإحْسَان على درجتين متفاوتتين، الدَّرجة الأولى: وهي ((أن تعبد الله كأنَّك تراه)). الدَّرجة الثَّانية: حتى تعبد الله كأنَّه يراك، والمعنى إذا لم تستطع حتى تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي حتى تعبد الله كأنَّه يراك. فالأولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب .

الإحسان إلى الوالدين

اتىت نصوص كثيرة تحثُّ على حقوق الوالدين وبرِّهما والإحْسَان إليهما نطق تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا*. نطق القرطبي فأحقُّ النَّاس بعد الخالق المنَّان بالشُّكر والإحْسَان والتزام البرِّ والطَّاعة له والإذعان مَن قرن الله الإحْسَان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان، فنطق تعالى:*وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*الجامع لأحكام القرآن (5/183). وقوله تعالى:*قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نطق: ((سألت رسول الله*أيُّ العمل أفضل،يا ترى؟ نطق: الصَّلاة لوقتها نطق قلت: ثمَّ أي،يا ترى؟ نطق: برُّ الوالدين نطق قلت: ثمَّ أي،يا ترى؟ نطق: الجهاد في سبيل الله)) رواه البخاري ومسلم. نطق الرازي أجمع أكثر الفهماء على أنَّه يجب تعظيم الوالدين والإحْسَان إليهما إحسانًا غير مقيَّد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ*.

الإحسان إلى الجار

عن أبي شريح الخُزاعي حتى النَّبيَّ*نطق: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أوليسكت)) . رواه مسلم ويكرم جاره بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، وتحمل ما يصدر منه، والبشر في وجهه، وغير ذلك من وجوه الإكرام .

الإحسان إلى اليتامى والمساكين

ومِن الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين المحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم، والعطف عليهم، ومدُّ يد العون لهم، نطق تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ*(فإنَّ الإحْسَان إليهم والبرَّ بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم مِن أزكى القربات، بل إنَّ العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه نطق أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه، فنطق: ((امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين)) . رواه أحمد

الإحسان في المعاملات التجارية

قد أمر الله تعالى بالعدل والإحْسَان جميعًا، والعدل سبب النَّجاة فقط، وهويجري من التِّجارة مجرى سلامة رأس المال، والإحْسَان سبب الفوز ونيل السَّعادة، وهويجري من التِّجارة مجرى الرِّبح، ولا يُعدُّ مِن العقلاء مَن قنع في معاملات الدُّنْيا برأس ماله، فكذا في معاملات الآخرة ، ولا ينبغي للمتديِّن حتى يقتصر على العدل واجتناب الظُّلم، ويدع أبواب الإحْسَان وقد نطق الله تعالى*وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ*، ونطق عزَّ وجلَّ*إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*، ونطق سبحانه وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ*، وينال المعامل رتبة الإحْسَان بواحدٍ مِن ستَّة أمور: في المغابنة، فينبغي حتى لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأمَّا أصل المغابنة فمأذونٌ فيه، لأنَّ البيع للرِّبح، ولا يمكن ذلك إلَّا بغبن، ولكن يراعى فيه التَّقريب، ومَن قنع بربحٍ قليلٍ كثرت معاملاته، واستفاد مِن تكررها ربحًا كثيرًا، وبه تظهر البركة. في احتمال الغبن، والمشتري إذا اقتنى طعامًا مِن ضعيف أوشيئًا مِن فقير فلا بأس حتى يحتمل الغبن ويتساهل، ويكون به محسنًا وداخلًا في قوله عليه السَّلام: ((رحم الله سهل البيع وسهل الشِّراء)) ، وأما احتمال الغبن مِن الغني فليس محمودًا، بل هوتضييع مال مِن غير أجر ولا حمد، وكان كثيرٌ مِن السَّلف يستقصون في الشِّراء، ويهبون مِن ذلك الجزيل مِن المال، فقيل لبعضهم في ذلك فنطق: إنَّ الواهب يعطي فضله، وإنَّ المغبون يغبن عقله. في استيفاء الثَّمن وسائر الدُّيون والإحْسَان فيه مرَّة بالمسامحة وحطِّ البعض، ومرَّة بالإمهال والتَّأخير، ومرَّة بالمساهلة في طلب جودة النَّقد، وكلُّ ذلك مندوبٌ إليه ومحثوثٌ عليه، وفي الخبر: ((مَن أقرض دينارًا إلى أجلٍ، فله بكلِّ يوم صدقة إلى أجله، فإذا حلَّ الأجل فأنظره بعده، فله بكلِّ يوم مثل ذلك الدَّين صدقة)) ، ونظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلًا بدين، فأومأ إلى صاحب الدَّين بيده، أي: ضع الشَّطر، فعمل، فنطق للمديون: ((قم فأعطه)) . في توفية الدَّين، ومِن الإحْسَان فيه حسن القضاء، وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحقِّ، ولا يكلِّفه حتى يمشي إليه يتقاضاه، فقد نطق صلى الله عليه وسلم: ((خيركم أحسنكم قضاءً)) ، ومهما قدر على قضاء الدَّين فليبادر إليه ولوقبل وقته، وإن عجز فلينوِ قضاءه مهما قدر، ومهما كلَّمه مستحقُّ الحقِّ بكلام خشن، فليتحمَّله وليقابله باللُّطف اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا ردَّد عليه كلامه صاحب الدَّين، فهمَّ به أصحابه، فنطق: ((دعوه؛ فإنَّ لصاحب الحقِّ منطقًا)) ، ومِن الإحْسَان حتى يميل الحكم إلى مَن عليه الدَّين لعسره. أن يُقيل مَن يستقيله؛ فإنَّه لا يستقيل إلَّا متندِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بالبيع، ولا ينبغي حتى يرضى لنفسه حتىقد يكون سبب استضرار أخيه، وفي الخبر: ((مَن أنطق نادمًا صفقته، أنطق الله عثرته يوم القيامة)) . أن يقصد في معاملته جماعة مِن الفقراء بالنَّسيئة، وهوفي الحال عازم على حتى لا يطالبهم إذا لم يظهر لهم مَيْسَرة، وكان مِن السَّلف مَن يقول لفقير: خذ ما تريد، فإن يُسِّر لك فاقض، وإلَّا فأنت في حلٍّ منه وسعة.

الإحْسَان إلى المسيء

 وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُوحَظٍّ عَظِيمٍ*. ومن كانت طريقته الإحْسَان، أحسن الله جزاءه*هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ*. وذكر الهرويُّ أنَّ مِن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين (الفتوَّة)، ونطق: (هي على ثلاث درجات، الدَّرجة الأولى هجر الخصومة، والتَّغافل عن الزلَّة، ونسيان الأذيَّة والدَّرجة الثَّانية حتى تقرِّب مَن يقصيك، وتكرم مَن يؤذيك، وتعتذر إلى مَن يجني عليك، سماحةً لا كظمًا، ومودَّةً لا مصابرةً) . نطق ابن القيم في ذلك: (هذه الدَّرجة أعلى ممَّا قبلها وأصعب؛ فإنَّ الأولى تتضمَّن هجر اللقاءة والتَّغافل، وهذه تتضمَّن الإحْسَان إلى مَن أساء إليك، ومعاملته بضِدِّ ما عاملك به، فيكون الإحْسَان والإساءة بينك وبينه خُطَّتين فخُطَّتك: الإحْسَان. وخُطَّته: الإساءة.

الإحسان في الكلام

نطق تعالى*وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا*. نطق ابن كثير (يأمر تعالى رسوله*أن يأمر عباد الله المؤمنين، حتى يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والحدثة الطَّيبة؛ فإنَّهم إذا لم يعملوا ذلك، نزغ الشَّيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، وسقط الشَّرُّ والمخاصمة والمقاتلة، فإنَّ الشَّيطان عدوٌّ لآدم وذرِّيته مِن حين امتنع مِن السُّجود لآدم، فعداوته ظاهرة بيِّنة؛ ولهذا نهى حتى يشير الرَّجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنَّ الشَّيطان ينزغ في يده، أي: فربَّما أصابه بها) .

الإحسان في الجدال

يقول الله تبارك وتعالى *ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ*. نطق الشوكاني بالطَّريق التي هي أحسن طرق المجادلة. وإنَّما أمر سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الدَّاعي محقًّا وغرضه سليمًا، وكان خصمه مبطلًا وغرضه فاسدًا .

الإحسان إلى الحيوان

ومِن الإحْسَان إلى الحيوان، إطعامه والاهتمام به، وحدُّ الشَّفرة عند ذبحه، وأن لا يحدَّ الشَّفرة أمامه، وعدم الحمل إليه أكثر مِن طاقته نطق : إنَّ الله خط الإحْسَان على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وكره أبوهريرة حتى تُحَدَّ الشَّفرة والشَّاة تنظر إليها، وروى أنَّ النَّبيَّ*رأى رجلًا أضجع شاة، فوضع رجله على عنقها، وهويحدُّ شَفْرته، فنطق له ويلك، أردت حتى تميتها موتات،يا ترى؟ هلا أحددت شَفْرتك قبل حتى تضجعها ، وكان عمر بن الخطَّاب ينهى حتى تُذْبَح الشَّاة عند الشَّاة ونطق : ((عُذِّبت امرأة في هرَّة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النَّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي هجرتها تأكل خَشَاش الأرض)) .

الأمثال في الإحسان

اسق رقاش إنها سقاية يضرب في الإحْسَان إلى المحسن . إنما يجزي الفتى ليس الجمل ومعناه إنَّما يجزي على الإحْسَان بالإحْسَان مَن هوحرٌّ وكريم، فأمَّا مَن هوبمنزلة الجمل في لؤمه وموقه والموق هوحمق مع غباوة ، فإنَّه لا يُوصَل إلى النَّفع مِن جهته إلَّا إذا اقتُسر وقُهر . إنَّما هوكبَارحِ الأَرْوَى قليلًا ما يُرى وذلك حتى الأرْوَى مساكنُها الجبالُ، فلا يكاد النَّاس يرونها سانحةً ولا بارحةً إلَّا في الدَّهر مرَّة. يُضْرب لمن يُرى منه الإحْسَان في الأحايين . جزيته كيل الصاع بالصاع إذا كافأتَ الإحْسَانَ بمثله والإساءةَ بمثلها . وجدت الناس إذا قارضتهم قارضوك وهوإذا أحسنت إليهم أحسنوا إليك ، وإن أسأت فكذلك . --masarat-sa.net (نقاش) 05:05، 11 أبريل 2016 (EDT)

تاريخ النشر: 2020-06-04 17:48:21
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الباز يكشف مكاسب بايدن من زيارته لـ شرم الشيخ ومشاركته فى «كوب 27»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:44
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

«تجديد الشراكة».. سياسيون وخبراء يكشفون «مكاسب مصر» من زيارة بايدن

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:42
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

مونديال قطر 2022 .. مستجدات النسخة علامة فارقة في تاريخ اللعبة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:19:07
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 73%

الباز: شيرين تستحق الحجر عليها.. وصورتها مع حسام حبيب الأسوأ فى 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

نواب برلمانيون يتغيبون عن جلسة المصادقة على مالية 2023

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:19:04
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 74%

عضو غرفة السياحة: عودة المواطنين من المطارات بسبب «الباركود»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

موعد مستر أولمبيا 2022.. أبرز المشاركين المصريين والأساس بيج رامي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:47
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

جنازة مهيبة.. تشييع جثامين 6 من قرية واحدة فى الدقهلية (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:43
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

اقرأ غدا في عدد «الوطن»: إخوان الشر.. إرهاب لن يعود - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:15
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

تحت شعار 100 مليون صحة.. فحص 400 ألف طالب بالصف الأول الإعدادى

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:31
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

جامعة الملك سلمان تشارك في مسيرة لدعم العدالة المناخية (صور)

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:24
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

خطوات تسجيل استمارة التقدم لامتحان الشهادة الإعدادية لعام 2022-2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-12 21:20:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية