تاريخ يهود النيلهوكتاب من تأليف جاك حسون، ترجمة يوسف دريوش ونشرته دار الشروق للنشر في 2008.

وصف الكتاب

هذا الاسم الذي أطلقة جاك حاسون ليؤرخ فيه تاريخ طائفة كان واحدا منها.. جاك حاسون إنسان محوري له سيرة غريبة أغرب من سيرة خروجه من مصر، فهوطبيب نفسي مصرى الأصل عاش في فرنسا بعد حتى تم طرده من البلاد مع من طردوا، تقابل مع الراحل يوسف درويش وأهدى له كتابه الذي اتى بعنوان "تاريخ يهود النيل" والذي تحدث فيه عن حقيقة يهود مصر وحبهم لها، لم يكترث درويش بذلك الأمر وعلى حسب ما أكدته "ابنته نولة" أثناء لقائها مع "البوابة نيوز" أنه لم يكن يهتم كثيرا بتاريخ اليهود ولكن بعد عام 2001 تقريبًّا قرأ الكتاب وبدأ يشعر بأهمية ما يحتوية، خصوصًا وأن الذي خطه كان مصريًّا.

في هذا الصدد تقول "نولة درويش": "بعد حتى قرأ الكتاب عجبه جدًّا وبدأ يترجمه ليجهزه للنشر ويكون سهلا على المصريين في قراءته وليتعهدوا على جزء من تاريخ بلدهم وبعدها بفترة الدار اتصلت بي لتعديل بعض الأمور التحريرية الصغيرة وتم نشره مرة أخرى". ما سمعناه من "نولة درويش" عن الكتاب جعلنا نبحث عنه مرارا وتكرارا لقراءته وتوجهنا للدار الأم ولكن لم نعثر عليه وفهمنا حتى الدار توقفت عن إصداره حاولنا البحث عنه وعن خط أخرى تتحدث عن اليهود في مصر ولكن دون جدوى. ما استوقفنا خلال رحلة البحث عن الكتاب هوما نطقه أحد أصحاب الممحرر بوسط البلد لنا، حين سألناه عن هذا الكتاب فأجاب: "أنا هنا ببيع خط شبابية بس غريبة أول مرة أشوف شاب يسأل عن الخط دي، أصل الخط دي مالهاش سوق مافيش شاب هاييجى يطلبها غير لومضطر وعنده درس وعشان كده أنا ببيع الخط إللى بيهتم بها الشباب"، لم نرغب في التعليق على ما نطق ولا فتح أي نوع من أنواع النقاش معه.

في البداية تحدث درويش عن "كيف أهداه جاك حسون هذا الكتاب وما الذي دفعه لترجمته بعد فترة ليست بقليلة توسطت ما بين تسلمه الكتاب وترجمته"، وأرجع ذلك باختصار إلى أنه لاحظ في تلك الفترة اهتمامًا خاصًا من المثقفين والكتاب على ما كان عليه اليهود في مصر وسيرة هجرتهم وأكد أنه قرأ وتفهم أمور عديدة من هذا الكتاب كان يجهلها. ثم يعود للتوضيح في الفرق بين اليهود والصهاينة قائلّا: "بادئ ذي بدء، يجب التأكيد في هذا المقام على حتى الصهيونية ليست اليهودية وليست اليهودية هي الصهيونية فاليهودية ديانة والصهيونية سياسة، ليس اليهودى من الصهاينة وليس جميع يهودى يؤمن بالصهيونية، بل أغلب اليهود لا يؤمنون بها ولهم اتجاهات سياسية مختلفة ومتنوعة فيما بين الرأسمالية والليبرالية ومنهم من اعتنق صراحة الفكر الاشتراكي والفكر الشيوعى، أقول ذلك وأؤكد عليه لأن هناك في هذا الشأن لبس خطير بل مفتعل إذا لم يكن مقصودًا، وهذا ما يؤدى إلى الكثير من التعامل الخاطئ بل أدى بالعمل في بلادنا وفى غيرها من البلاد العربية إلى الكثير من صور الأحداث السيئة والمضايقات والمعاملات المشينة.

وذكر حتى الكثير من اليهود وحاخامتهم على مستوى العالم وقفوا تجاه إسرائيل موقف المعاداة ورفضوا فكرة الوطن الواحد، وأكدوا حتى التوراة لم تأت بأى شيء من هذا القبيل، وذكر الكثير من اليهود المعروفين عالميًّا والذي كان لهم موقف عدائى واضح وصريح ضد إسرائيل مثل "تونى كليف" أحد مؤسسي الحركة الشيوعية ذات الاتجاه التروتسكى والذي كان يعيش في فلسطين قبل إقامة دولة إسرائيل وفى عام 1944 هاجر منها وعاد إلى موطنه الأصلى إنجلترا ولم يرغب في البقاء في إسرائيل، وناعوم تشومسكى الذي ملأت تصريحاته جميع الصحف معاداته للصهيونية وعدم رضائه على إقامة دولة إسرائيل.

وذكر أيضا جؤيل بنين واصفا إياه بأنه شخصية معروفة تماما في مصر بين أوساط المثقفين والكتاب وهوأستاذ تاريخ بجامعة ستانفورد بأمريكا وكان له الكثير من المؤلفات ضد إسرائيل مثل معاداة الصهيونية ومعاداة السامية والطائفة اليهودية في مصر عام 1935 وكتاب الهوية اليهودية المصرية وأخيرًا وليس آخرا كتاب الفهم الأحمر بين مصر وإسرائيل، كما ذكر أيضا حتى جوئيل بنين أعرب أكثر من مرة أنه يعادى الصهيونية ويرفضها رفضًا قاطعًا وغير مرتاح لما يحدث على أرض فلسطين. وبلهجة استنكارية اعتراضًا على ما قيل عن اليهود المصريين بأنهم منتمون للصهيونية نطق: "ولنقل أولا حقيقة لا بد من ذكرها على الملأ، ذلك حتى أول من هاجم الصهيونية في مصر هم اليهود، بل أنهم من أكثر من هاجم الصهيونية علنا وجهارًا.

وأضاف أنه هووريمون دويك كانا يقومان بتوزيع منشورات باللغة الفرنسية والعربية في شوارع القاهرة ولا سيما في آخر شارع عماد الدين أمام محال " الأمريكين " وعند نهاية ترام مترومصر الجديدة وكان ذلك تحديدا في الأعوام 1935 وحتى قيام الحرب العالمية الثانية ثم نطق: " كافحت ضدها - إسرائيل - منذ ذلك الوقت ولقد تربينا نحن اليهود وغيرنا في أحضان تلك العصبة - عصبة أنصار السلام - في غطار مبادئها الشامخة.

كما ذكر منطقه الذي خطه بتاريخ 17 أكتوبر 1945 في مجلة الضمير العمالية في العدد 274 والذي كان بعنوان " لن تمروا " موجها إلى الصهاينة كمقارنة بينهم وبين الفاشية، مؤكدا أنهم سيفشلون في التمدد في الشرق العربي كما كان الشأن للفاشية في إسبانيا.

وما قام به أحمد صادق سعد صاحب كتاب " فلسطين بين مخالب الاستعمار والصهيونية " وأكد أنه حين قام بكتابة هذا الكتاب كان لا زال يهوديًّا وهوأول كتاب من هذا النوع في مصر وأشاد الفلسطينيون به.

جدير بالذكر حتى يوسف درويش وأحمد صادق سعد وريمون دويك ثلاثتهما كانوا يهودا وأسلموا فيما عدا الأخير رفض تغيير دينه ولكنه ظل باقيًّا في مصر حتى النهاية، وظلوجميعهم رفقاء في الكفاح ولم يتخل أي منهم عن الآخرين. وذكر أيضا مشاركات الحاخام الأكبر في الثورات المصرية مثل ثورتى عرابى وثورة 1919 كما شارك أيضا مع جميع من شيخ الأزهر وأنبا الأقباط في المسيرة الكبرى أكتوبر 1951 بالقاهرة، كما أشار إلى منطقه الذي خطه باللغة الفرنسية في مجلة " الشبان القرائيين" والتي كانت تصدر في القاهرة باللغة العربية والذي اتى بعنوان "التسامح في الإسلام".

وكان من الصعب حتى ينسى الرئيس الراحل عبد الناصر والذي لا تزال تدور حوله الكثير من التأكيدات أنه وراء طرد اليهود من مصر وذكر حتى عبدالناصر حين كان شابّا ويخشى من ملاحقة البوليس لنشاطه السياسي كان يأوى إلى إحدى العائلات القرائية في السكاكينى، وهى نفسها العائلة التي قامت بزيارته وهوفي قمة السلطة تطلب منه عدم تطبيق حكم الإعدام في "الدكتور مرزوق" الذي كان متهمًا في قضية لافون وهولم يمتثل لذلك إطلاقًا.

وبلهجة شديدة أكد حتى الحكومة المصرية هي التي كانت تحمى وتتهاون مع الصهاينة في مصر وكانت تحمى لهم "النادي الصهيونى" الذي كان متواجدًا في شارع مراد بمصر الجديدة، وكد أنه كانت هناك مفاوضات تتم بين السلطات الإنجليزية والمصرية على حتىقد يكون وطن اليهود القومى في سيناء ولكن الحمد لله أنه لم يتم.

وقبل النهاية يذكر واحدة تعد من أبرز الشهادات التي ذكرها متسائلا " ماذا نقول إذا عهدنا حتى السلطات المصرية هي التي حظرت في العام 1947 إقامة ونشاط "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية" والتي كان من مؤسسيها المرحوم شحاته هارون صاحب كتاب "يهودى في القاهرة" وكذلك الرفيق ألبير إريية، المقيم الآن في القاهرة، ثم ماذا كان تصرف السلطات المصرية نحواليهود الصهيونيين حين اعتقلتهم في العام 1948 في الهايكستب الذي كان به أيضا الشيوعيين والإخوان المسلمين، لقد كانوا يعاملون معاملة خاصة وكان العنبر الخاص بهم مزودا بوسائل الترف، بل كان يسمح لرؤسائهم بالتوجه يوم في الأسبوع إلى منازلهم للالتقاء بزوجاتهم وأولادهم، وأخيرًا.. ألم يكن في فهم السلطات المصرية معهدتها حتى اليهود بدون – أي الذين لا جنسية لهم وبالتالى ليس لديهم جوازات سفر – عمدت الحكومة المصرية إلى تزويدهم بـ"ورقة طريق" للتوجه إلى روما في إيطاليا، حيث كان ينتظرهم "بفهم السلطات المصرية" رجال الموساد لتوصليهم للعيش في إسرائيل.

وأخيرا نطق "لماذا نسيان جميع هذا؟.. أليس ذلك مقصودا؟.. أليس الجهل المتعدد يعد في هذا الشأن من الجرائم السياسية؟

في النهاية كان غريبا علينا ما فهمناه حتى "درويش" وافته المنية بعد شهر واحد من كتابة هذه الحدثات، في عام 2006 وكأنه كان يشعر بما سيحدث له لذا رغب في حتى يسجل جزءا مهما جدا من شهادته التي لم يرغب في الإفصاح عن جميعها لتسجل داخل كتاب جاك حسون ذاك المصرى المطرود الذي حين قابل وفدا من مصر كان في فرنسا ظل يصرخ ويقول "أنا مصرى" تلك الجملة التي أكدها المحرر إبراهيم أصلان داخل كتابه "خلوة الغلبان" تلك القرية الصغيرة التي ولد وعاش فيها جاك حسون في مصر والذي ظل يتذكرها حتى نهايته.

"خلوة الغلبان" ذلك هواسم سيرة من قصص السير الذاتية التي دونها إبراهيم أصلان عن ما عاشه في حياته في كتاب حمل نفس الاسم ويقول أنه كان مسافرا في باريس وهناك التقى مع الوفد المرافق له شخصى يدعى جاك حسون فهم أنه يهودى وفهم حتى معظم المتواجدين يهود لذا وبطبيعة الحال لأى مصرى بدأ إبراهيم أصلان يشعر بشيء يرغمه على الرحيل فلا يجوز له حتى يجالس يهود، يذكر أصلان حتى حسون ظل يصرخ بأنه مصرى وكأنه شعر بالحنين لموطنه الذي فقده منذ سنوات عديدة وحكى له أمنية والده بأن ينثر على قبره حين يموت حفنة من تراب مصر ولكنه للأسف لم يلحق ولكن عوض ذلك على قبر أمه ونثر بالعمل على قبرها حفنة من تراب مصر أخذها من هنا مخصوص لذلك، لكن رغم جميع ذلك لم يرق قلب أصلان ولم يتفهم الأمور ورحل وطالبهم هوحتىقد يكون لهم زيارة أخرى قبل الرحيل ولكن أصلان أخلف وعده وحين عاد لمصر وسمع عنه وفهم الحقيقة وعد نفسه بأن الزيارة القادمة لباريس يفترض أن يهاتفه ويزوره ولكن للأسف ذات يوم رأى في الصحف "وفاة جاك حسون طبيب النفس المشهور المصرى الأصل" وبدأ أصلان يعيد ترتيب أوراقه بشأن معاملته لليهود المصريين وما يعهده عنهم.

تلك السيرة لم تكن خيالية بل حدثت بالعمل، ويبقى لنا ما نطقه يوسف درويش في رثاء صديقه قائلا: "كان شحاتة هارون شريفًا مع نفسه، ومع رفاقه، ومع جميع الناس، ومع المبادئ التي اعتنقها وناضل من أجل تحقيق أهدافها"، بتلك الحدثات رثى ودافع درويش عن صديقه شحاتة هارون رفيق الدرب كما نطق أيضا في رسالة رثائه المكونة من ثلاث صفحات أوفدها إلى أهل هارون يوم وفاته لصعوبة الحضور "أبدا لم يكن شحاتة انتهازيا أووصوليا بل كان وطنيًّا من الأعماق يدافع عن وطنه وعن الطبقات الشعبية الفقيرة، أقول لمارسيل وماجدة ونادية: إذا منازلنا جميعها مفتوحة لكم على الدوام وأن شحاته لا يزال حيًّا يشرق في قلوبنا وخمائرنا".

وحتى في رثائه لصديقه لم ينس دفاعهما ضد الصهيونية، قائلا: في نهاية الرسالة "فلنعمل جميعا بيد واحدة ضد الصهيونية وضد جميع أشكال التمييز العنصرى وغير العنصرى ومن أجل حماية مصرنا العزيزة من جميع عدوان واعتداء ولنناضل من أجل تحقيق حياة كريمة للطبقات الشعبية ولنساند الطبقة العاملة في مطالبها وأهدافها.. أقول إليك يا شحاتة منى ومن جميع من عهدك جميع التقدير والحب والإعتزاز.. ذكراك يفترض أن تكون على الدوام في قلوبنا وخمائرنا"، كان ذلك في 31 مارس 2001.

انظر أيضاً

• تاريخ اليهود في مصر

المصادر