للاستخدامات الأخرى لحدثة فونتنل، طالع فونتنل (توضيح).

برنار لوبوڤييه ده فونتنل Bernard le Bovier de Fontenelle (عاش 11 فبراير 1657 -تسعة يناير 1757) ويسمى أيضاً برنار لوبوييه ده فونتنل Bernard le Bouyer de Fontenelle، كان محرراً فرنسي.

برنار لوبوڤييه، الملقّب فونتنل ولد في مدينة روان وتُوفِّي في باريس. كان لخاله توماس كورني Thomas Corneille دور في تربيته وتوجيهه نحوالأدب. خالط الصالونات الباريسية، وتميّز بفصاحته وفكره المتوقد، لكن أعماله المسرحية لم تلقَ نجاحاً كبيراً، ومنها أوبرا «پسيشه» Psyché عام (1678) و«بليروفون» Bellérephon عام (1679)، والمسرحية التراجيدية «آسپار» Aspar عام (1680)، وبعض الأعمال الكوميدية (الملهاة).

ما يميز فونتنيل بحق هوأعماله الفكرية. ففي فترة شبابه خط رواية طوباوية تحمل عنوان «جمهورية الفلاسفة La République des Philosophes»، تخيل فيها نظاماً ديمقراطياً يقوم على الانتخاب ويديره فلاسفة ماديون. من أعماله المتميزة أيضاً منطق ساخر عن الصراع بين المذهَبَين الكاثوليكي والبروتستنتي. في هذين المؤلَّفَين يظهر فونتنيل حالة استثنائية في عصره الذي كان يمجّد الحكم الملكي المطلق للويس الرابع عشر، ويعيش صراعاً دموياً بين المذاهب الدينية. من المواقف المهمة لفونتنيل أيضاً دعمه لنظرية التطور الفكري في مؤلفه «استطراد حول القدماء والمحدثين» Digression sur les Anciens et les Modernes عام (1688). أما في كتابه «محادثات حول تعددية العوالم» Entretiens sur la pluralité des mondes عام (1686) فقد حاول تبسيط العلوم ووضعها في متناول الجميع، تماماً كما عمل حين حاول تبسيط اللاهوت في كتاب «تاريخ الكهنة العرافين» Histoire des Oracles عام (1687) الذي سخر فيه من الذين يعتقدون بالنبوءات التي ليست في رأيه سوى اختراع من الكهنة المشعوذين. أثار هذا الكتاب ضده عاصفة من النقد، لكن ذلك لم يمنع من انتخابه عضواً في الأكاديمية الفرنسية في 1691، ثم في 1697 في أكاديمية العلوم التي صار أمين سرها الدائم حتى 1740. في تلك الفترة خط فونتنيل مراثي مدح فيها أعضاء الأكاديمية المتوفين مثل ڤوبان Vauban ودارجنسون D’Argenson ومالبرانش Malebranche وغيرهم، فكانت بمنزلة دراسة عن تاريخ العلوم وما يمكن حتى تحمله للبشر.

كان فونتنيل أوّل من تحدث عن العلاقة الوثيقة بين العلوم، وعن ثبات قوانين الطبيعة، وعن ضرورة انفتاح الإنسان على فروع الفهم المتنوعة؛ لا بل إنه في آخر حياته خط مؤَلَّفاً بعنوان «شذرات Fragments» طرح فيه أفكاراً متعددة تناولت إحداها تنظيم العقل البشري وكيفية تشكل اللغة والصور فيه.

كان فونتنيل عالماً تجاوز عصره بأفكاره الجريئة المتحرّرة وبإيمانه بالفهم والعقل، وبمواقفه النقدية من التنطقيد والسلطة وكلّ المنظومات الجامدة التي ترفض استقراء الدروس من التاريخ، وبذلكقد يكون من الذين تميّزوا بفكر موسوعي مهد لعصر التنوير.

سيرته

ولد في روان في 11 فبراير 1657، ضئيلاً هزيلاً إلى حد أنهم عمدوه فور ولادته خشية حتى يموت قبل حتى ينقضي عليه اليوم. وظل على هذه الحال من الضعف طوال حياته، كانت رئتاه عليلتين وكان يبصق دماً إذا أجهد نفسه حتى في لعب "البليارد"، ولكن بالقصد والاعتدال في استخدام قواه إلا بمقدار والامتناع عن الزواج، وكبح جماح شهواته وأهوائه، والإغراق في النوم، استطاع حتى يعمر بعد جميع معاصريه، وتذكر موليير حين كان يتحدث مع فولتير.

وكان به بعض الميل إلى الأدب مثل خاليه پيير كورنـِيْ وتوماس كورنـِيْ. وكذلك كان يحلم هوالآخر بالمسرحيات، ولكن الروايات والأوبرات التي ألفها، وأناشيده الرعوية وقصائده الغزلية ومقطوعاته، كانت تعوزها العاطفة فماتت من البرودة. وكان الأدب الفرنسي يفقد الفن ويكسب الأفكار. ولم يجد فونتنيل نفسه إلا حين عثر حتى الفهم يمكن حتىقد يكون رؤيا أكثر إدهاشاً من سفر الرؤيا، وأن الفلسفة معركة تثير الأسى، وتفوق جميع الحروب. ولم يكن ذلك لأنه محارب، فقد كان رقيقاً إلى حد لا يقوى معه على الصراع، شغوفاً بالدنيا لا يحب حتى يفقد صبره أويتملكه الغضب في المناقشة، وواعياً جميع الوعي لنسبية الحقيقة فلا بد يقيد فكره المطلق. ومع ذلك أشعل نيران الحرب(48). وحيثما سار في محادثاته المتنوعة مع مركيزته الوهمية، هب جيش الاستنارة بفرسان فولتير الخفيفة السريعة الاندفاع ومشاة دولباخ الثقيلة، ومهندسي دائرة المعارف العسكريين الخبراء في بث الألغام، بالإضافة إلى مدفعية ديدرو.

في السنوات الأربعة الأولى من حياته التي امتدت مائة عام، شن برنارد لي بوفييه دي فونتنيل، حرب الفلسفة، مستقلاً عن بيل، وأحياناً قبله، وواصل الحرب، بلا هوادة، طيلة نصف قرن بعد وفاة بيل. وهوإحدى ظواهر طول العمر، وملأ الفراغ بين بوسويه وديدرو، ونقل إلى معهجر الحياة العقلية في القرن الثامن عشر شكوكية القرن السابع عشر الأكثر اعتدالاً وحرصاً.

أعماله

عن أصل الخرافات

وكان أول اقتحامه مجال الفلسفة رسالة من خمس عشرة صفحة "أصل الخرافات" والحق أنها كانت استقصاء سيولوجيا (اجتماعياً) عن نشأة الآلهة. ونحن لا نكاد نصدق محرر سيرة حياته في حتى الموضوع خط وهوفي سن الثالثة والعشرين، ولوحتى مخطوطته هجرت في حرص وحذر، حتى خفت وطأة الرقابة قي 1724. وتكاد تكون هذه الرسالة "عصرية" في روحها، تعقبت الأساطير، لا إلى مجرد اختراع الكهنة لها، بل إلى تخيلها البدائي، فوق جميع شيء، إلى استعادة العقول البسيطة لتجسيد العمليات، فإن نهراً فاض لأن إلهاً صب ماءه، فكل عمليا ت الطبيعة من عمل الأرباب. اعتقد الناس حتى كثيراً من العجائب فوق قدرتهم: حلول الصواعق وقصف الرعود، وهبوب الرياح وإثارة الأمواج.... وتخيل الناس كائنات أقوى منهم، قادرة على أحداث هذه الآثار. وكان لا بد لهذه الكائنات الأسمى حتى تتخذ شكلاً آدمياً، فأي شكل آخر يمكن تصوره؟... وعلى هذا كان الأرباب آدميين، ولكن أسبغت عليهم قدرة عليا.... وما كان في كقدور الناس البدائيين حتى يدركوا صفة أدعى إلى الإعجاب من القوة المادية. ولمقد يكونوا قد أدركوا بعد الحكمة والعدالة، ولم يكن لديهم أسماء لهما(49).

وقبل روسوبنصف قرن، نبذ فونتنيل ما نطقه روسوعن مثالية الهمج غير المتمدنين، ففي رأيه أنهم كانوا أغبياء، متوحشين. ولكنه أضاف "كل الناس متشابهون شبهاً كبيراً، وليس ثمة جنس أوعرق، لا نرتعد نحن فزعاً من حماقاته وسخافاته(50)". وكان حريصاً على حتى يضيف حتى تفسيره للأرباب، ذلك التفسير المبني على الممضى الطبيعي، لم يطبق على آلهة المسيحيين أواليهود.

ووضع هذه الرسالة جانباً انتظاراً لوقت أكثر أمناً واطمئناناً.

محاورات الموتى

وأمسك فونتنل بالقرطاس واستعار عنواناً من لوسيان، ونشر في يناير 1683 كتاباً صغيراً أسماه "محاورات الموتى" . واكتسب هذه المناقشات الخيالية بين مشاهير الموتى شعبية إلى حد اشتد معه الطلب على طبعة ثانية في مارس، وثالثة وشيكاً بعدها. وامتدحها بيل في صحيفته "الأخبار"، وقبل حتى ينصرم العام، ترجمت الرسالة إلى الإيطالية والإنجليزية، وذاع صيت فونتنيل وهوفي سن السادسة والعشرين، في جميع أوربا، وكانت الرسالة ميسرة في متناول الجميع في عالم يعج بالرقباء، وكادت جميع فكرة يعبر عنها أحد المتحدثين، يدحضها آخر ويبرأ منه المؤلف، وكان فونتنيل على أية حال أميل إلى النادىبة منه إلى الهرطقة. وكانت الأفكار التي ناقشها معتدلة، ولم تمس أي كاهن بسوء. فإن ميلون لاعب كروتون الرياضي النباتي يتباهى بأنه قد حمل ثوراً على كتفيه في الألعاب الأولمبية، فيعيره سمنديريد من سيباريس المجاورة-بأنه ينمي عضلاته على حساب عقله، ولكن السيباريسي يعترف بأن الحياة الإبيقورية (الانغماس في الملذات) عقيمة كذلك، حيث تصبح اللذة مملة بالتكرار، وتضاعف من مصادر الألم ودرجاته. ويثني هومر على عيسوب لتعليمه مع الخرافات، ولكنه يحذره من حتى الحقيقة هي آخر ما يرغب به البشر". إذا روح الإنسان تتعاطف مع الباطل إلى أبعد حد.... وينبغي حتى تلبس الحقيقة ثوب الباطل حتى يتقبلها البشر بارتياح(51)". ونطق فونتنيل "لوحتى الحقيقة كلها بين يدي فلا بد من حتى أحرص على ألا أفتحها(52)"، ولكن من الممكن كان هذا من قبيل العطف والإشفاق على البشر بقدر ما من قبيل الحب الطائش للمطاردة.

وفي ألطف المحاورات يلتقي مونتين بسقراط، في الجحيم لا ريب، ويناقش فكرة التقدم:

مونتين: أهذا أنت، سقراط المقدس،يا ترى؟ ما أسعدني بلقائك لقد جئت لفوري إلى هذا المكان، ومنذ تلك اللحظة كنت أبحث عنك. وأخيراً وبعد حتى ملأت كتابي باسمك وبامتداحك وبالثناء عليك، أستطيع حتى أتحدث إليك.

سقراط: أني سعيد حتى أرى إنساناً ميتاً يظهر أنه كان فيلسوفاً، ولكن حيث أنك جئت من هناك أخيراً... لنسأل عن الأخبار كيف من الممكن أن حال الدنيا،يا ترى؟ ألم تتغير كثيراً،يا ترى؟ مونتاني حقاً-تغيرت كثيراً. قد لا تعهدها.

سقراط: كم ابتهج بسماع هذا. أنا لم أشك قط في أنها ستصبح أحسن أوأعقل مما كانت في زماني.

مونتين: ماذا تقول،يا ترى؟ إنها أشد خبلاً وفساداً من أي وقت مضى. وهذا هوالتغيير الذي أردت حتى أناقشه معك. وكنت مترقباً حتى أسمع منك أبياتاً عن العصر الذي عشت فيه، والذي ساده كثير من الأمانة والعدل.

سقراط: وأنا، على العكس، كنت أنتظر لأعهد منك عجائب العصر الذي عشت فيه منذ أمد قصير. ماذا،يا ترى؟ ألم يصلح الناس من الأخطاء والحماقات القديمة؟.... كنت أؤمل حتى تتجه الأمور نحوالعقل، وأن يستفيد الناس من خبرة السنين الطوال.

مونتين: ماذا تقول؟يستفيد الناس من الخبرة،يا ترى؟ إنهم مثل الطيور التي كثيراً ما هجرت نفسها نهياً للشراك التي سقط فيها بالعمل مئات الآلاف من نفس النوع. إذا جميع فرد يدخل جديداً إلى الحياة، وتقع أخطاء الآباء على الأبناء.... وللناس على مر القرون نفس الميول والنعات التي لا سيطرة للعقل عليها. ومن فإنه حيثما عثر الناس وجدت الحماقات والأخطاء، بل هي هي نفسها....

سقراط: إنك أضفيت مثالية على العصور القديمة لأنك غاضب على عصرك.... إننا في حياتنا كنا نقدر أسلافنا أكثر مما كانوا يستحقون. والآن يمجدنا أعقابنا فوق ما نستحق. ولكن أسلافنا وأنفسنا وذريتنا كلهم سواء.

مونتين: ولكن أليست هناك أزمان أفضل وأزمان أسوأ؟.

سقراط: ليس هذا بالضرورة. فالملابس تتغير، ولكن هذا لا يعني حتى شكل الجسم يتغير كذلك. فالتهذيب والفظاظة والفهم والجهل.... ليست إلا خارج الإنسان، وهي التي تتغير، ولكن القلب لا يتغير بأية حال، وكل الإنسان هوفي القلب.... وبين الجمهور الغفير من الناس الذين يولدون على مدى مائة من السنين، تنثر الطبيعة هنا وهناك نفراً قليلاً لا يتجاوز عددهم ثلاثين أوأربعين. ممن يتمتعون بعقول راجحة(53).

استطراد القدامى والحديثين

وبعد بضع سنين من هذه الخاتمة المتشائمة، مال فونتينل إلى نظرة أكثر تفاؤلاً إلى حد ما في "استطراد القدامى والحديثين" Digression sur les Anciens et les Modernes (يناير 1688)"، وهنا أوضح المؤلف فارقاً بيناً صغيراً. وفي الشعر والفن لم يكن ثمة تقدم ملموس، لأن هذين يعتمدان على الشعور والخيال اللذين لا يكادان يتغيران من جيل إلى جيل. أما من حيث العلوم والفهم والثقافة التي تعتمد على تراكم الفهم تراكماً بطيئاً، فقد نتسقط التفوق على القدماء. ومضى فونتنيل إلى حتى جميع أمة تمر بمراحل، مثل الفرد، ففي عهد الطفولة تعكف على لقاءة حاجياتها المادية، وفي شبابها تضيف الخيال والشعر والفن، أما في فترة النضج فإنها قد تدرك العلوم والفلسفة(54). ونطق فونتينل بأنه رأى الحقائق تبرز وتنمومن خلال عملية التخلص التدريجي من الأفكار الخاطئة. "نحن مدينون للقدامى لأنهم لم يبقوا على شيء من النظريات الزائفة التي كان يمكن تكوينها، تقريباً"-أي حتى ننسى حتى بكل حقيقة عدداً لا يحصى من الأخطاء الممكنة. ورأى حتى ديكارت قد وفق إلى طريقة جديدة أفضل للتفكير والاستنتاج-الطريقة الرياضية، وتمنى للفهم الآن حتى يتقدم بخطوات سريعة.

حين نرى التقدم الذي أحرزته العلوم في المائة عام الأخيرة، على الرغم من الأهواء والعقبات وقلة عدد الأفراد الفهميين، فقد يغرينا هذا إلى حد كبير بأن نؤمل كثيراً في المستقبل، ولسوف نرى علوماً جديدة تنبع من لا شيء، على حين حتى ما عندنا منها لا يزال في المهد(55).

إلى غير ذلك صاغ فونتنيل نظرية التقدم "تقدم الأمور" وتصور، مثل كوندرسيه، أنه ليس لهذا التقدم حدود معينة يقف عندها في المستقبل، وهنا كان "بلوغ البشر حد الكمال بلا حدود". لقد وضعت النظرية القديمة قدمها على الطريق تماماً، وسارت بخطى ثابتة طيلة القرن الثامن عشر لتصبح أداة من أصلح أدوات الفكر الحديث.

علاقة جزيرة بورنيو

وأنا لنجد، في تلك الأثناء، حتى فونتنيل الذي كان خياله الرائع يسبح محاذراً غاية الحذر، قد بات قاب قوسين أوأدنى من سجن الباستيل. ذلك أنه حوالي 1685 نشر رسالة مختصرة "علاقة جزيرة بورنيو"، وهي رحلة وهمية، صورها المحرر في صورة واقعية (استبق به شبيهاتها عند ديفووسويفت) إلى حد حتى بيل طبعها في "الأخبار" على أنها تاريخ عملي. ولكن الصراع الذي وصفته هذه الرسالة بين أنيجوومريوكان هاتى سافراً للصراع الديني بين جنيڤ وروما. ولما اطلعت السلطات الفرنسية على الجناس التصحيفي (تغيير ترتيب الحروف في الحدثة) بدا حتى اعتنطق فونتنيل أمر لا مفر منه، لأن الملاحظة الساخرة بدت وكأنها تنطبق على إلغاء مرسوم نانت تماماً. فأسرع في نشر قصيدة يمتدح فيها "فوز الدين في عهد لويس العظيم". وقبل اعتذاره. ومن تلك اللحظة حرص فونتنيل على حتى تكون فلسفته غامضة يصعب على الحكومات إدراك مراميها.

محادثات في تعدد العوالم

وعاد إلى العلوم، وجعل من نفسه مبشراً بها في المجتمع الفرنسي. وكان شديد الكلف بالدعة والراحة، فلم يعكف بطريق مباشر على التجارب والأبحاث، ولكنه وعي العلوم وعياً حسناً، فقدمها لجمهور مستمعيه المتزايد، في جرعات صغيرة مغلفة بفن الأدب. ورغبة منه في تقريب فلك كوبرنيكس إلى الأذهان وجعله في متناول الناس، ألف "محادثات في تعدد العوالم" (1686). وعلى الرغم من حتى مائة وثلاثة وأربعين عاماً كانت قد انقضت على ظهور كتاب كوبرنيكس فإن قلة من الناس في فرنسا، حتى بين المتخرجين في الجامعات، كانت قد قبلت نظرية حتى الشمس هي مركز العالم، وأدانت الكنيسة جاليليولأنه اعتبر أمراً مفروغاً منه حتى هذه الفرضية حقيقية، وما يجرؤ ديكارت على نشر رسالته "العالم" التي اعتبر فيها حتى نظرية كوبرنيكس قضية مسلم بها.

المحادثات

وتناول فونتنيل الموضوع في كياسة تبعد عن النقمة، فتصور أنه يناقشه مع مركيزة مليحة يتحرك شكلها-غير مرئي ولكنه محسوس-أثناء الحوار بصورة مغرية فاتنة، لأن الجمال إذا اتخذ لقب البطولة أمكنه حتى يكسف النجوم. وكانت "المحادثات" الست أمسيات. وكان المشهد في حديقة قصر المركيزة بالقرب من روان. وكان الهدف من ذلك هوحتى يفهم الناس في فرنسا-أوعلى الأقل سيدات المجتمع-حركة الأرض وتعاقب دوراتها، ونظرية ديكارت في الدوامات. وزيادة في الإغراء أثار فونتنيل مسألة أخرى: هل القمر وسائر الكواكب مسكونة؟. وكان ميالاً إلى حتى يعتقد هذا. ولكنه تذكر حتى بعض القراء قد تزعجهم فكرة حتى في العالم نساء ورجالاً لم ينحدروا من آدم وحواء، ومن ثم أوضح في حزم ولباقة حتى سكان القمر والكواكب لمقد يكونوا بشراً حقيقيين. ومهما يكن من أمر فإنه أوحى بأنه قد يحدث لهم حواس أخرى، من الممكن كانت أدق من حواسنا، وإذا كان الأمر كذلك فإنهم قد يرون الأمور مختلفة عما نراها نحن، فهلا تكون الحقيقة عندئذ نسبية؟. وقد يقلب هذا جميع شيء رأساً على عقب، حتى أكثر مما عمل كوبرنيكس. وأنقذ فونتنيل الموقف بالإشارة إلى جمال الكون ونظامه، مقارناً إياه بساعة، مستدلاً بميكانيكية الكون على صانع بارع ذي ذكاء خارق.

تاريخ الوحي

ولما كانت الرغبة في التعليم من أقوى الرغبات فينا، فإن فونتنيل عاود المخاطرة بالاقتراب من الباستيل بإصداره في ديسمبر 1688 رسالة غفلاً من اسم المؤلف، هي أجرأ رسائله الصغيرة تحت عنوان "تاريخ الوحي" . واعترف بأنه اقتبس مادتها من كتاب "الوحي" الذي ألفه أحد الباحثين الهولنديين، ڤان وايل، ولكنه حورها بأسلوبه الواضح الرشيق. ونطق أحد القراء: "أنه يتملقنا لفهم الحقيقة" إلى غير ذلك قارن الرياضيين بالعاشقين. "ضع أمام الرياضي أقل قاعدة أومبدأ، ولسوف يستنتج منه نتيجة، ويجدر بك حتى تسلم له بها، ومن هذه النتيجة أخرى إلى غير ذلك....(56). إذا رجال اللاهوت كانوا قد قبلوا بعض الوحي الوثني باعتباره سليماً صادقاً، ولكنهم كانوا قد نسوا دقته المعارضة إلى أحياء شيطاني، واعتبروا برهانهم على قدسية أصل الكنيسة، حتى هذا الوحي انبتر منذ مجيء السيد المسيح، ولكن فونتنيل أوضح حتى الوحي استمر حتى القرن الخامس الميلادي. وبرأ الشيطان من أنه صانعه، فالإيحاءات كانت حيلاً من الكهنة الوثنيين الذين تحركوا في المعابد ليأتوا بمعجزات ظاهرة، أوليستولوا على الطعام المقدم من العابدين للآلهة. وادعى أنه ما تحدث إلا عن الوحي الوثني، وأنه استثنى صراحة الوحي والكهنة المسيحيين من هذا التحليل. ولم يكن هذا الموضوع ومنطق "أصل الأساطير" مجرد ضربتين إيذاناً بعصر الاستنارة، بل كانتا كذلك، مثلين لمدخل حديث إلى المسائل اللاهوتية- تفسير للمنابع البشرية للمعتقدات الدينية، وبهذا يضفي الحالة الطبيعية على جميع ما خارق للطبيعة.

عمله في الأكاديميتين

وكان "تاريخ الوحي" آخر العمليات التي استنزفت حيوية فونتنيل. وفي 1691 انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية برغم معارضة راسين وبوالو. وفي 1697 أصبح، وبقي لمدة اثنين وأربعين عاماً، السكرتير الدائم لأكاديمية العلوم. وخط تاريخها، وأطنب في امتداح من فارقوا الحياة من الأعضاء. وهذا يشكل سجلاً وعرضاً وضاءين للعلوم في فرنسا لمدة نصف قرن تقريباً. وبمثل هذه الجلسات الفهمية استطاع فونتنيل حتى ينفذ-بمثل القدر من الغبطة والسرور إلى الصالونات-صالون مدام دالمبرت أولاً، ومدام دي تنسين، ثم مدام دي جيوفرين. وكان موضع الترحيب، لا لمجرد شهرته باعتباره محرراً، بل لأن روح الكياسة واللطف والمجاملة لم تفتر فيه قط. أنه مزج الحقيقة بالتعقل، واستنكف حتى يعكر جوالمناقشة بالخلافات، ولم يكن ذكاؤه لاذعاً. "لم يكن في عصره من هوأكثر منه تفتحاً في الذهن أوتجرداً من الحقد والضغينة والتحيز(57)" واتهمته في حمق مدام دي تنسين، التي كانت سريعة الانفعال والغضب، بأن له مخاً آخر لا بد أنه كان يحتفظ فيه بقلبه(58). ولم يستطع الشباب قتلة الآلهة الذين كانوا يتكاثرون حوله حتى يفهموا اعتداله أكثر مما استساغ هوتعصبهم وعنفهم. "أني لتزعجني الحقائق التي تسيطر من حولي(59)". ولم ير شراً محضاً في ضعف سمعه حين تقدمت به السنون.

وفاته

وظاهر أنه في نحوالخمسين من العمر اعتزم ألا يقدم بعد ذلك إلا خدمات أفلاطونية للسيدات، ولكن كياسته لن تتداع. وعندما قدموه إلى سيدة جميلة، وهوفي سن التسعين، نطق: "آه: لوأني الآن في الثمانين فقط!(60)" وفي سن التاسعة والثمانين تقريباً افتتح حفل عام حديث بالرقص مع ابنة هلڤيشيوس البالغة من العمر عاماً ونصف العام(61). ولما نطقت مدام جريموذ متعجبة، وكانت في مثل سنه تقريباً "حسناً. ها نحن كلانا حي يرزق" وضع إصبعه على شفتيه وهمس "صه يا سيدتي، إذا الموت قد نسينا(62)".

ولكن الموت عثر عليه أخيراً فيتسعة يناير 1757، واختطفه في سكون، ولم يكن قد سقم إلا يوماً واحداً. وأوضح لأصحابه أنه كان "يعاني من وجوده" وربما كان قد أحس بأنه قد بلغ من العمر أرذله. وبقي له ثلاثة وثلاثون يوماً ليتم من العمر قرناً كاملاً. لقد كان مولده قبل حتى يتسلم لويس الرابع عشر دفة الحكم، وشب وسط فوزات بوسويه، وإلغاء مرسوم نانت واضطهاد البروتستانت. وعاش ليرى "دائرة المعارف"، وليستمع إلى ڤولتير وهويدعوالفلاسفة لشن الحرب على الموبقات.

المصادر

• حنان قصاب حسن. "فونتنيل (برنار لوبوڤييه)". الموسوعة العربية.

وصلات خارجية

• O'Connor, John J.; Robertson, Edmund F., "برنار لوبوڤييه ده فونتنل", MacTutor History of Mathematics archive 
• http://frenchphilosophes.weebly.com/fontenelle.html