هوالفهم الذي بيحث في أحوال الرواة من حيث قبول رواياتهم أوردّها. وهومن أبرز أنواع علوم الحديث وأعظمها شأناً وأبعدها أثراً, إذ به يتميز السليم من السقيم, والمقبول من المردود, لما يترتب على مراتب جميع من الجرح والتعديل من أحكام مختلفة.

الجرح والتعديل لغة واصطلاحاً

الجرح

لغةً :مصدر من جرحه يجرحه, إذا أحدث في بدنه جرحاً يسمح بسيلان الدم منه. وينطق : جرح الحاكم وغيره الشاهد على ما تسقط به عدالته من كذب وغيره.

اصطلاحاً : هوظهور وصف في الرواي يثلم عدالته أويخل بحفظه وضبطه, مما يترتب عليه سقوط روايته أوضعفها وردّها. والتجريح وصف الرواي بصفات تقتضي تضعيف روايته أوعدم قبولها.

العدل

لغةً : ما قام في النفوس أنه مستقيم, وهوضد الجور. ورجل عدل: مقبول الشهادة, تعديل الرجل تزكيته.

اصطلاحاً: هومن لم يظهر في أمر دينه ومروءته ما يخل بهما, فيقبل لذلك خبره وشهادته إذا توفرت فيه شروط أهلية الأداء. والتعديل وصف الراوي بصفات تزكيه فتظهر عدالته ويقبل خبره.

مشروعية الجرح والتعديل

دلت قواعد الشريعة العامة على وجوب حفظها على المسلمين , وبيان أحوال الرواة سبيل قويم لحفظ السنة. نطق الله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا إذا اتىكم فاسق بنبأ فتبينوا حتى تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما عملتم نادمين ) ونطق تعالى : ( استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لمقد يكونوا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) والمقصود بالسقمي من الشهداء من ترضون دينه وأمانته, وليس نقل الحديث وروايته بأقل من الشهادة, لهذا لا يقبل الحديث إلا من الثقات. ونطق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيينة بن حصن رضي الله عنه , حين استأذن للدخول عليه: " بئس أخوالعشيرة " فهذا مرشد على مشروعية الجرح. ونطق خالد بن الوليد رضي الله عنه : " نعم عبد الله وأخوالعشيرة خالد بن الوليد, سيف من سيوف الله, سله الله عز وجل على الكفار والمنافقين " فهذا مرشد على مشروعية التعديل.

نشأة فهم الجرح والتعديل

نشأ فهم الجرح والتعديل مع نشأة الرواية في الإسلام, إذ كان لا بد لفهم الأخبار السليمة من فهم رواتها, فهم تمكن أهل الفهم من الحكم بصدقهم أوكذبهمحتى بتمكنوا من تمييز المقبول من المردود. لذلك سألوا عن الرواة , وتتبعوهم في مختلف أحوال حياتهم الفهمية وعهدوا جميع أحوالهم , وبحثوا أشد البحث حتى عهدوا الأحفظ فالأخفظ , والأضبط فالأضبط مجالسة لما فوقه ممن كان أقل مجالسة. إلى جانب ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد وصلنا كثير من أقوال الصحابة في هذا الباب, وتحدث بعد الصحابة في الرحال التابعون وأتباعهم وأهل الفهم من بعدهم, وكانوا يبينون أحوال الرواه وينقدونهم ويعدلونهم حسبة لله خدمةً للشريعة.

أشهر المتحدثين في الرواة

من أشهر من تحدث في الرواة

من التابعين

محمد بن سيرين ( - 110 هـ ) عامر الشعبي ( 19 - 103 هـ ) شعبة بن الحجاج ( 82 - 160 هـ ) مالك بن أنس ( 93 - 179 هـ )

من تابعي التابعين

منهج الفهماء في بيان أحوال الرواة

شروط المعدل والجارح

فهم العدالة

تعارض الجرح والتعديل

قد تتعارض أقوال الفهماء في تعديل راوٍ واحد وتجريحه , فيجرحه بعضهم ويعدله آخرون , وحينئذ لا بد من البحث لفهم حقيقة ذلك. فقد يحدث بعضهم عهده بفسق قديم منه فيجرحه, ثم تاب وفهمت توبته لمن عدله, فلاقد يكون هناك تعارض بين القولين. وقد يعهد بسوء حفظ عن شيخ لم يخط عنه لاعتماده على ذاكرته, في حين أنه موثوق به, حافظ عن غير هذا الشيخ لاعتماده على خطه مثلاً., فلاقد يكون هناك تعارض بين ذاك الجرح وهذا التوثيق. أما اذا لم يفهم أي من هذه الأمور ولم يمكن التوفيق فللفهماء في هذا ثلاثة أقوال:

القول الأول

مضى إلى هذا القول المحدثون المتقدمون والمتأخرون وهوتقديم الجرح على التعديل ولوكان المعدلون أكثر من الجارحين, لان الجارح اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل, وهوقول جمهور أهل الفهم.

القول الثاني

يقدم التعديل على الجرح إذا كان المعدلون أكثر من الجارحين, لأن كثرة المعدلين تقوي حالهم, رد هذا القول لان المعدلين وإن كثروا لا يخبرون بما يرد قول الجارحين.

القول الثالث

لا يترحج أحدهما على الاخر إلا بمرجح, أي يتوقف عن العمل بالقولين حتى نطلع على مرجح لأحدهما.

جرح الأقران

احتاط الفهماء لورعهم وتقواهم في تقديم الجرح على التعديل فيما دار بين الأقران من قدح أوخلاف ممضىي. وأحمع الفهماء على عدم قبول قول الأقران في بعضهم البعض.

المجهول عند المحدثين

أقل ما ترتفع الجهالة عند المحدثين حتى يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من أهل الفهم, وبهذا يرتفع اسم الجهالة, إلا أنه تثبت عدالته إلا بالتزكية عند جمهور المحدثين.

نطق الدارقطني :( من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته).^{[بحاجة لمصدر]}

وعند ابن عبد البر : جميع من اشتهر في غير الفهم بزهد أونجدة ونحوهذا فليس بمجهول.^{[بحاجة لمصدر]}

المستور

أومستور الحال , وهومن روى عنه اثنان فصاعداً فارتفعت عنه الجهالة, وهوعدل الظاهر إلا أنه لم يصدر عن أحد من الأئمة توثيقه أوتجريحه.

رد الجمهور روايته بينما قبلها جماعة بغير قيد.

أما رأي ابن حجر حتى روايه المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل يتوقف حتى تستبين الحال.^{[بحاجة لمصدر]} وهورأيٍ جيد.

هل رواية الثقة عن غيره تعديل له

اختلف الفهماء في رواية العدل عن شيخ هل تكون تعديلاً له؟؟

القول الأول

ليس تعديلاً, لأن العدل قد يروي عن غير عدل. وهوقول أكثر أهل الحديث.

القول الثاني

رواية العدل عن غيره تعديل له, لأن العدل إذا فهم جرحاً فيمن يروي عنه لذكره.

القول الثالث

حسب عادة العدل الراوي, فإذا كان من عادته حتى لا يروي إلا عن ثقة فروايته عن غيره تعديل له, وإلا فلا.

الرواية عن المبهم( من لم يسمّ)

الرواية عن أهل الأهواء والبدع

خبر التائب عن الفسق

إذا تاب الراوي الجروح لفسقه عن فسقه ، وحسنت حاله، وعهدت عدالته بعد توبته تقبل أخباره بعدها ، وهذا عام في جميع المعاصي ما عدا الكذب في الحديث النبوي ، فإنه لا يقبل خبر من كذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن تاب عن الكذب وحسنت حاله بعد ذلك ، وقد نقل هذا عن كبار الأئمة^{[بحاجة لمصدر]}. نطق أبوبكر الصيرفي: (كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر)^{[بحاجة لمصدر]}. ونطق أبوالمظفر السمعاني:(من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه)^{[بحاجة لمصدر]}. إن تشدد الفهماء في هذا من باب حفظ السنة والاحتياط في نقلها ، والزجر عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لأن في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ضرراً عاماً ومفسدة بالغة وقد حذر صلى الله عليه وسلم متعمد الكذب عليه في حديثه بقوله:(من كذب عليَّ متعمداً فل يتبوأ مقعده من النار). وهوحديث متواتر كما نطق الفهماء. لكل هذا مضى بعض الفهماء إلى تكفير متعمد الكذب في الحديث النبوي ، حتى إذا بعضهم أوجب قتله.