هنكمان الألماني

عودة للموسوعة

هنكمان الألماني

ابراهيم العريس
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

هنكمان الألماني Hinkemann ، هي مسرحية من ثلاثة مجلدات تأليف المحرر المسرحي الألماني إرنست تولر.

مقدمة

لم تكن لإرنست تولر قامة برتولد بريخت في الكتابة المسرحية، ولم تكن له شاعرية جورج كايزر، أوقوة تعبيرية فرانتز فرفل، لكنه في الوقت نفسه كان أشرس منهم جميعاً في التعبير عن أفكاره، وكان أقدر أبناء جيله على حتى يرى الصواب. والصواب، بالنسبة إليه كان التشاؤم تجاه أحداث العالم. ولئن كان ثمة تناقض كبير بين تشاؤمه، وعمله الثوري المثالي الذي ظل يمارسه من دون كلل على رغم فقره، والجراح التي سببتها له الحرب العالمية الأولى، إذ كان مجنداً في الجيش الألماني، على رغم سنوات سجنه، فإن هذا التناقض لم يزعزع إيمان تولر بمواقفه، هوالذي كان يرى حتى أية نزعة ثورية لا ترتكز الى ايديولوجية سياسية لن تكون مجدية. والغريب حتى إيمان تولر الثوري، نجده فقط في مواقفه ونضالاته السياسية وتزعمّه الانتفاضات الثورية، وصولاً الى مشاركته في ثورة بافاريا التي أسقطت الملكية وأنشأت أول سوفيات ألماني تحت اسم «الكونگرس الوطني الباڤاري».

أما في كتاباته السردية أوالمسرحية، فإن السوداوية هي الطاغية. بل إذا الكثير من تنبؤاته المتشائمة التي ملأت صفحات خطه، تحقّق، بما في ذلك انتحاره. فالحال حتى إرنست تولر كان في مسرحية هنكمان الألماني التي خطها إثر خروجه من السجن في عام 1923، جعل بطله يضع حداً لحياته ومآسي هذه الحياة عند نهاية الفصل الأخير، وتقريباً على الشاكلة نفسها التي وضع هونفسه بها حداً لحياته بعد ذلك بست عشرة سنة في نيويورك، في عام 1939. واللافت حتى بطل «هنكمان الألماني» ينتحر بعد خروجه من الحرب، إذ كان يفترض به حتى يعيش حياة طافحة بالأمل، كما حتى توللر نفسه ينتحر بعدما كان بارح ألمانيا النازية وبدأ يحقق شيئاً من النجاح المأمول كمحرر مسرحي، ولكن أيضاً كمحرر للسيناريوفي الولايات المتحدة الأميركية. وفي الحالين كان موقف المحرر، من الحياة العامة، دعوة الى الثورة وأملاً في المستقبل!

في هذا المعنى يمكننا حتى نقول إذا أرنست تولر كان، بحق، واحداً من أكثر الكتاب الأوروبيين تعبيراً عن تناقضات العصر، وعن التفاوت بين ما يعيشه الثوري المحترف في حياته الايديولوجية المرسومة بخطوط مشددة، بوعي قد يصل الى حدود الدوگماتية والنادىية، وما يعيشه في صدق كتابته حين ينفرد مع أوراقه وأقلامه ليخط ما لا يمكنه حتى يماري فيه.

ليس المرء في حاجة طبعاً الى تحليل عميق حتى يدرك ما في هذا العمل من إدانة للحرب... وهي إدانة حملها معظم إنتاج تولر على أية حال. وإرنست تولر (1893 - 1939) جعل من مناهضته الحرب موضوعاً أثيراً لأدبه. وهذا ما جعله يسجن في بلده ألمانيا بعدما انتهت الحرب، بتهمة الخيانة (وهووضع كتابين في السيرة الذاتية حول فترة السجن تلك) خصوصاً انه شارك في انتفاضات كثيرة بعيد الحرب كما أسلفنا. وهوإذ أطلق من سجنه في الثلاثين من عمره، استأنف أواسط العشرينات حياته الأدبية بعدما خط أعمالاً عدة داخل السجن، منها مسرحيته الأشهر «الجماهير والإنسان» (1920). وهوعهد نجاحاً وشهرة أواخر سنوات العشرين، لكن حياته الزوجية، مع الممثلة كريستين گراوتوف أخفقت، كما أنه أنفق ما جمعه من مال في مساعدة منفيي الحرب الأهلية الاسبانية. وفي عام 1933 أحرق النازيون خطه، ما اضطره الى الهرب حتى وصل الولايات المتحدة. وهوهناك، بعد سنوات عمل مكثف، انتحر في نيويورك يائساً من جميع حرب ونضال.


السيرة

قد لا تكون مسرحية «هنكمان الألماني» أفضل أعمال تولر، إذ حتى كثراً من النقاد يفضلون عليها «الجماهير والإنسان»، أوحتى «هوب... لا... هكذا هي الحياة!». لكن «هنكمان الألماني» تبدوالأكثر دلالة وعمقاً، وحتى الأكثر مأسوية، بين أعمال تولر الرئيسة. ذلك أنها تعبّر عن الجرح الحقيقي الذي أصاب المحرر خلال مهماته العسكرية في الحرب العالمية الأولى. وهوغير الجرح الجسدي الذي أصيب به حقاً وكان، من ناحية، سبباً في تسريحه، قبل حتى تنتهي الحرب، ومن ناحية ثانية، في خلفية مساره التالي المناهض للحرب بصفتها المكان الذي يفقد فيه الإنسان كرامته وغده، إذا لم يفقد حياته. وفي هذا الإطار يتساوى توللر، مع هنكمان بطل مسرحيته.

مسرحية «هنكمان الألماني» تعهد عادة بأنها «تراجيديا ذات فصول ثلاثة»، وبأنها «واقعية في أسلوبها، رمزية في أجوائها ودلالاتها»... غير حتى الأصح من هذا كله هوحتى هذه المسرحية تنتمي، حقاً، الى عالم شديد الخصوصية، وأنها تكاد تكون النص الأكثر انتماء الى المسرح التعبيري بين ما خط توللر من مسرحيات. وهي إضافة الى هذا كله تنتمي الى نوع خاص من الإبداع هوذاك الذي يخط، في شكل أوفي آخر، لمناهضة الحرب عبر التصوير الواقعي لمصائر الناس خلال الحرب أوبسببها، انطلاقاً من فكرة حتى ليس في الحرب منتصر أومهزوم، على صعيد الأفراد، حتى وإن جرى الحديث دائماً عن فوزات أوهزائم للأمم التي تخوض الحرب. فالفرد هوالخاسر في النهاية، هوالذي تدمره الحرب، تجرحه، تقتله، تفقده جميع أحلامه وآماله، بصرف النظر عن مصير الأمة. وفي هذا الإطار بالتحديد تكمن رسالة «هنكمان الألماني» الفكرية والإبداعية، التي لن يفوتنا أبداً ملاحظة تناقضها التام مع مجرى حياة المحرر ونضاله.

الأحداث

تدور أحداث المسرحية، إذاً، حول الجندي السابق يوجين هنكمان، الذي كانت الحرب جرحته وأفقدته رجولته، وها هويعود الآن الى حياته التي كان يفترض حتى تكون طبيعية والى زوجته التي كان تجاوز له حتى عاش معها حكاية حب طويلة. لكن الحياة التي يأتي هنكمان الآن ليعيشها ليست أبداً حياته القديمة... إذ ها هوعاجز عن معاشرة زوجته. وهو، لما كان قوي البنية جسدياً، سيجد حتى لا مناص لديه من حتى يستفيد من قوته هذه كمصدر عيش له، إذ انه للطفه لا يريد حتىقد يكون عبئاً على الآخرين. إلى غير ذلك يجد لنفسه عملاً يقوم في نفخ عضلاته أمام المتفرجين في الأحياء الفقيرة، وكذلك في أكل الفئران الحية في لقاء فتات مال يدفعه له المتفرجون. وكان هنكمان يأمل في ألا يتنبه أحد من معارفه أوأقربائه، أوحتى زوجته لـ «مهنته» الجديدة هذه، في الوقت الذي تكون الزوجة، إذ يئست من استئناف زوجها حياته الطبيعية معها، التجأت الى صديق العائلة، بول، الذي كان في الأصل حبيبها القديم قبل الزواج، وهجرته تماماً حين ارتبطت بهنكمان، تعود إليه باحثة لديه ولدى العلاقة معه، عن عزاء لحالها ولوضعها. والزوجة في البداية لا تدري شيئاً عما يعمل زوجها خارج البيت طوال النهار، بل يخيل إليها انه يتعمد هجرانها. ولكن لاحقاً يحدث للزوجة حتى تدرك الحقيقة، وتفهم حتى هنكمان انما يحاول حتى يكسب عيشه من دون رمي ثقله عليها أوعلى أي إنسان آخر، إلى غير ذلك تندم على ما بدر منها ويستبد بها القلق والندم. لكن بول، الصديق والعشيق،قد يكون لكل ذلك في المرصاد، إذ ها هويتجه الآن الى هنكمان لإقناعه بأن زوجته، إذ اكتشفت حقيقة مهنته، باتت مشمئزة منه وتريد الانفصال عنه. هنا ينصرف هنكمان الى الشرب حتى يثمل، ويعود مساء الى البيت وقد قرر في نفسه حتى يقتل زوجته بعدما فهم جميع شيء عن علاقتها ببول. لكن هنكمان حين يجابه الزوجة يفاجأ بها تقرّ بما عملت وتكشف له السبب مبدية ندمها وحبها له. وهنا لاقد يكون أمامه إلا حتى يسامحها. لكنه إذ يعمل هذا وينصرف الى أفكاره يدرك كم حتى حياته، بل أيضاً حياتها معه، صارت من دون جدوى... وإذ يصارحها بهذا، تقفز هي منتحرة من النافذة، فيما يشنق هونفسه واضعاً حداً لحياته.

المصادر

  • ابراهيم العريس (2010-12-18). "«هنكمان الألماني» لتوللر: الإنسان هوالخاسر الأكبر في جميع حرب". جريدة الحياة اللبنانية.

وصلات خارجية

  • Hellmuth Karasek, Vom Hinkemann zum Nusser
  • Theaterportal, Hinkemann
  • Chronik 1924
تاريخ النشر: 2020-06-05 02:53:53
التصنيفات: مسرحيات إرنست تولر, مسرحيات ألمانية, مسرحيات 1923

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مدبولى: طرح 10 شركات قطاع عام وشركتين للقوات المسلحة فى البورصة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:49
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

تيم حسن ينتهى من تصوير «الهيبة» فى تركيا خلال أيام

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

مدبولى: احتياطى السلع الاستراتيجية يكفى 4 أشهر.. والزيت حتى 6 أشهر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:49
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

هبة جامع مديرًا عامًا لغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:21:07
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 70%

«إنجي شهدي».. قصة ابنة دمياط شاعرة جامعة بني سويف (فيديو)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

«النصابون يمتنعون».. مشروعات صغيرة لاستثمار آمن وربح مضمون

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:55
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

شكري: حريصون على مشاركة فعالة لكافة الأطراف خلال قمة المناخ «COP 27»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:21:02
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

لا إصابات.. السيطرة على حريق شقة فى أكتوبر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:56
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

بعد تأجيله حدادا على الشيخ خليفة بن زايد.. موعد حفل «حماقي» بالكويت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 52%

بمشاركة «أوكسانا».. تعرف على موعد طرح كليب «ماى بيبى»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:59
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

علي الحجار يحيى حفلا غنائيا بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.. الجمعة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

صحف ليبية: اجتماعات ليبيا في القاهرة تشكل إنعطافة إيجابية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:21:04
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

انقلاب سيارة ملاكى على الطريق الدائري في أكتوبر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

جهود «حماية المستهلك» لضبط الأسواق في 20 محافظة خلال أبريل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:49
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

محافظ الدقهلية يتفقد سير امتحانات الإعدادية للفصل الدراسي الثاني

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:20:54
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

هشام عطوة: «قصور الثقافة» توفر إصداراتها في كافة المحافظات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:21:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

كيفية معرفة الرصيد بعداد الكهرباء مسبوق الدفع

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-15 15:21:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية