گيورگ ڤيلهلم فريدريش هيگل

عودة للموسوعة

گيورگ ڤيلهلم فريدريش هيگل

گيورگ ڤيلهلم فريدريش هيگل
G.W.F. Hegel
وُلـِد 27 أغسطس, 1770 (شتوتگارت، ألمانيا)
توفي نوفمبر 14, 1831(1831-11-14) (عن عمر 61 عاماً) (برلين, ألمانيا)
العصر فلسفة القرن التاسع عشر
المنطقة الفلسفة الغربية
المدرسة المثالية الألمانية; مؤسس الهيگلية Hegelianism

جورج ڤِلهلم فريدرِش هيگل (27 أغسطس 1770 - 14 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني. يعتبر أحد أكثر الفلاسفة الألمان تأثيرًا في المذاهب الفلسفية الحديثة. جادل هيجل في المقولة التي تفيد بأنه لكي نفهم أي ثقافة من الثقافات الإنسانية، يجب حتى نعيد تتبع وفهم تاريخها.

نص كتاب العالم الشرقي - هيجل(1)انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب العقل والثوره - هيجل انقر على الصورة للمطالعة

وقد ركز هيجل كثيرًا على أهمية الفهم التاريخي لتطوير الدراسة التاريخية للفلسفة، والفن، والدين، والفهم، والسياسة. وانتشر المنهج التاريخي للثقافة الإنسانية الذي أشاعه هيجل حتى خارج حدود ألمانيا.

نص كتاب اصول فلسفة الحق - هيجل(1) انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب فلسفة الروح - هيجل انقر على الصورة للمطالعة

النشأة

ولد جورج ڤلهلم فريدرش هيگل في 27 أغسطس عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. كان والده موظفاً في الدولة الپروسية. وبعد حتى أنهى دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتگارت ولج إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنگن. وهناك تفهم التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه هولدرلين الذي سيصبح شاعراً كبيراً فيما بعد، وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة. فيلسوف ألماني ولد في شتوتگارت، ڤورتمبرگ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيگل أحد أبرز الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أبرز مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر.

أتم تعليمَه في توبنگر شتيفت (كلية الكنيسة البروتستانتية في ڤورتمبرگ)، حيث ربطته صداقة مَع فلاسفة المستقبل فريدريك شلنگ وفريدريك هولدرلين. بعد ذلك جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، والثورة الفرنسية.


سيرته

عندما قرأ الفيلسوف شوپن‌هاور كتابات كانط، خط في سنة 6181 كان الناسُ مضطرين للنظر فيما هوغامض على أنَّه ليس دائماً - بلا معنى. لقد كان يظن (أي شوبنهور) أنَّ فيشته وشيلنج هما الميزة الكبيرة لنجاح كانط مع الغموض، لكن شوبنهاور واصل كلامه قائلاً:

إنَّ ذروة السخف في حتى يكرس المرء هدفه لخدمة اللا معنى وأن يجمع معاً بين ما لا معنى له وحشدٍ من الحدثات المتسمة بالإسراف والمبالغة، ولم نكن نعهد جميع هذا قبل حتى يستخدمه هيجل إلا في مستشفى المجانين، لكنه وصل إلى هيجل أخيراً وأصبح أداةً لأكثر أنواع الغموض والتعمية جمالاً مما لم نسمع به من قبل، والنتيجة ستظهر بشكل لا يُصدق للأجيال القادمة، وستبقى دليلاً قائماً على الغباء الألماني(13).

تقدّم هيجل الشّاك

كان جورج فيلهيلم فريدريش هيجل حيا ومزدهراً عندما نُشر هذا اللحن الحزين (8181) وعاش بعد ذلك ثلاثة عشر عاماً. وهوابن أسرة من الطبقة الوسطى من شتوتجـارت متدينـة تدينـاً شــديداً، ورهنـت الأسـرة أمـلاكها لترســل ابنهــا جــورج (هيجل) لدراسة اللاهوت في معهد توبنجن Tubingen اللاهوتي (8871 - 3971) وكان هناك الشاعر هولدرلين Holderlin، ووصل إليها شيلنج في سنة 0971، وقد استاء كلاهما من جهل مدرسيهم ورحبوا بفوزات فرنسا الثورية، وطوّر هيجل اهتماماً خاصاً بالدراما الإغريقية، وكان امتداحه للوطنية الإغريقية مقدمة لفلسفته السياسية في شكلها الأخير:

بالنسبة للإغريقي كانت فكرة أرض آبائه (الدولة) هي الحقيقة الأسمى غير المنظورة التي يعمل من أجلها.. وكانت ذاتيته (أوفرديته individuality) لا شيء بالمقارنة بهذه الفكرة (فكرة أرض آبائه)، فأرض الآباء تعني دوامه وبقاءه واستمراره حياته.. فالإغريقي لم يكن يرغب أويدعولنفسه بحياة الخلود كفرد، فهذا لم يخطر له على بال(23).

وبعد أنّ تخَرّج حاصلاً على درجة فهمية في اللاهوت، أزعج والديه برفضه الدخول في سلك الكهنوت. وراح يعولُ نفسه بتقديم دروس خصوصيّة في بيرن Bern في منزل أحد الأرستقراطيين، وكان في هذا المنزل مخطة عامرة، فراح يقرأ في هذه المخطة (وبعد ذلك في احدى مخطات فرانكفورت) كتابات ثيوسيديد Thucydides ومكيافيللى Machiavelli وهوبز Hobbes وسبينوزا وليبنز (ليبنش) ومنتسكيوولوك وفولتير وهيوم Hume وكانط، وفيشته Fichte، فكيف كان يمكن لإيمانه المسيحي اُلْمصَّل أَنْ يَصْمد أمام فيض أفكار هذه الثُّلّة من المتشكِّلَين،يا ترى؟ إذا التمرَّد الطبيعي لشاب متحمس نشط عثر ساحة للعربدة في مهرجان وثنى (المقصود في أفكار غير متفقٍة مع المسيحية التقليدية).

وفي سنة 6971 ألَّف كتابه (حياة يسوع Das Leben Jesu) الذي ظلَّ غير منشور حتى سنة 5091. لقد كان كتابه هذا على نحوٍ من الأنحاء إرهاصاً بكتاب آخر يحمل الأسم نفسه (حياة يسوع) (5381) الذي بدأ به ديفيد شتراوس David Strauss - أحد أتباع هيجل - هجوما ضاريا على قصّة يسوع (المسيح) كما وردت في الانجيل. لقد وصف هيجل يسوع بأنه ابن يُوسف ومريم، ورفض المعجزات المنسوبة للمسيح، كما رفض تفسيرها تفسيرا طبيعيا. لقد صوَّر المسيح (كمصلح) يُدافع عن الوعى الفردي ضد القواعد الكهنوتية، وخلُص إلى أَنّ المتمرِّد المصلوب (يقصد المسيح عليه السلام) قد تمَّ دفنه، ولم يُحدِّثْنا عن قيامته. وقدم لنا وصفا للإله الذي يجب الإيمان به حتى النهاية العقل الخالص الذي لا تحدّه حدود هوالله Deity نفسه(33). وفي سنة 9971 توفي والد هيجل تاركاً له 451.3 فلورين. لقد خط إلى شيلنج يطلب مشورته عن مدينة ذات مخطة عامرة و(43) ein gutes Bier فاقترح عليه شيلنج مدينة يينا Jena وعرض عليه الإقامَة في مقر إقامته، وأتى هيجل في سنة 1081 وسُمح له بإلقاء محاضرات في الجامعة على ألاّ تدفع الجامعة له راتبا، وإنما يتلقَّى أجره من طلبته الذي يجب ألاَّ يزيدوا عن أحد عشر طالبا (ويُعهد المحاضر الذي يعمل على وفق هذا النظام في الجامعات الألمانية باسم Privatdozent) وبعد ثلاث سنوات من هذه المهمة الشّاقة تمَّ تعيينه (استاذا في مهمّة خاصة) أوبتعبير آخر استاذاً مكلّفاً Professor extraordin avius، وبعد عام أصبح له لأول مرة ولج ثابت (مانة شيلر Thalers) وكان هذا بناء على تدخّل جوته (جيتة). ولم يكن أبداً مدرساً ذا شعبية، لكنه في يينا Jena (وبعد ذلك في برلين) أثَّر في عدد من الطلبه فارتبطوا به ارتباطا خاصا مكَّنهم من التوغّل إلى ما وراء القشرة الظاهرية الصعبة للغته للوصول إلى أسرار فكره المُفعم نشاطاً وحيوية.

وفي سنة 1081 بدأ في كتابة منطق مهم عن دستور ألمانيا Kritik der Verfassung Deutschlands لكنه لم يُكمل كتابته (أي هجره منقوصا) ولم ينشر هذا العمل إلاّ في سنة 3981. لقد راح وهويتأمل أحوال ألمانيا يتذكر الكيانات الصغيرة التي كانت تتكوَّن منها إيطاليا في عصر النهضة مما أدّى إلى وقوعها لُقمة سائغة في أفواه الغزاة الأجانب، كما راح يتذكر نصائح مكيا فيللى لأمير قوى كي يهوى بمطرقته على تلك الكيانات الإيطالية المتفرقة ليجعل منها أمّة (واحدة). ولم يكن هيجل يُعِّول على الإمبراطورية الرومانية المقدّسة وتنبأ بانهيارها الباكر: إنّ ألمانيا لم تعد دولة... فمجموعة من البشر لا يمكنها حتى تسمّى نفسها دولة إلاَّ إذا ترابط أفرادها معا للدفاع المشهجر عن جميع ما يخص هذه المجموعة البشرية. لقد نادى إلى توحيد ألمانيا لكنه أضاف قائلاً: ولنقد يكون هذا أبداً نتيجة فكر أوحماسة، أنَّه لاقد يكون إلاَّ بالقوّة... إذا جماهير الشعب الألماني لابد حتى تتجّمع لتصير كُتلة واحدة للقاءة أحد الغزاة(53).

ومن المفترض أنه لم يكن يفكر في نابليون آنئذ، لكن عندما احتاج نابليون (5081) النمساويين والروس في أوسترليتز من الممكنقد يكون هيجل - ساعتها - قد تساءل عمّا إذا كان هذا الرجل (نابليون) هوالذي عينَّه القدر لتوحيد أوربا كلها وليس ألمانيا وحدها. وفي العام التالي، عندما كان الجيش الفرنسي يقترب من يينا Jena وبدا مستقبل أوربا مُزَعْزَعاً غير واضح المعالم، ورأى هيجل نابليون يمتسطى صهوة جواده في شوارع يينا (31 أكتوبر 6081) خط لصديقه نيتهامر Niethammer لقد رأيتُ الإمبراطور راكباً يتفقّد المدينة. لقد بدا كأنّه روح العالم. ياله من إحساس رائع حقا حتى يرى المرءُ مثل هذا الفرد (الإمبراطور) متمركزا هنا في بُقعة بعينها ممتطيا حصانا بعينه، ومع هذا فهوُ منتشر ممتد عبر العالم، ومن هذه البقعة يحكمه (يحكم العالم)... حتى يحدث هذا التقدم من يوم الخميس إلى يوم الأحد، فهذا محال إلاّ إذا كان على رأس المتقدّين رجل فذ غير عادي، إننَّا لا نملك غير الإعجاب به... إذا الجيمع الآن يتمنون للجيش الفرنسي حظّا طيبا(63).

وفي اليوم التالي ساد الجيش الفرنسي، وبدأ بعض الجنود الفرنسّيين ينهبون المدينة بعيدا عن عيني روح العالم (الإمبراطور) ودخلت إحدى مجموعات الجنود غرفة هيجل المستأجرة. وعبّر الفيلسوف عن أمله حتى رجلا مميّزا على هذا النحو(إشارة إلى قائد المجموعة الذي يحمل فوق سترته العسكرية شارة التميز العسكري المعروفة باسم Cross of the Legion Honor) سيعامل باحثا ألمانيا سهل معاملة كريمة. وتحلّق الغزاة (الجنود الآنف ذكرهم) حول زجاجة نبيذ لكن انتشار السلب، أرعب هيجل فلاذ بمخط نائب رئيس الجامعة.

وفيخمسة فبراير 7081 أنجبت كريستينا بوركهاردت Christna Burchardt زوجة صاحب الفندق الذي يقيم به اعترف به الأستاذ وهوغائب العقل (في حالة غيبوبة) أنه واحد من أعماله غير المنسوبة إليه (التي لم يخط اسمه عليها). ولأن دوق ساكس فيمار Saxe - Weimar كان يجد صعوبة في تمويل كلية يينا (هيئة التدريس بها)، فقد عثر هيجل حتى الوقت أصبح مناسبا ليجرّب مدينة أخرى وامرأة أخرى وعملاً آخر، فغادر يينا في 02 فبراير ليصبح محررا لصحيفة Bamberger Zeitung. وفي خضم الإضطرابات نشر (في سنة 7081) كتابه Phanomenologie des Geistes، فلم يبدُ حتى أحداً تشكك في حتى هذا العمل سيصبح في وقت لاحق هوأبرز أعماله، وهوالإسهام الفلسفي الأكثر صعوبة، والأكثر اسهاما في تكوين منطلقات فكرية فيما بين كانط وشوبنهَوَر.

وغادر هيجل بامبرگ (8081) لما سبّبته له الرقابة الحكومية من إزعاج، ليكون ناظر مدرسة في نورمبرج Nuremberg، وراح يعمل في هذا المجال الجديد بإخلاص وضمير حي، يدرّس ويوجّه لكنه كان دوماً توّاق للعمل في جامعة مميزة تتيح له منصبا فهميا آمنا يركن إليه. وفي 61 سبتمبر 1181 - وكان قد بلغ الواحدة والأربعين - تزوّج ماري فون توشر (توخر) ابنة سيناتور نورمبرج ذات العشرين ربيعا. وبعد الزواج بفترة يسيرة فاجأت كريستينا بوركهاردت العروسين بزيارة قدمت لهما فيها لودفيج Ludwig ابن هيجل ذي السنوات الأربع. وتقبَّلت زوجة هيجل الوضع بشجاعة وتبنت الطفل وجعلته بين أفراد أسرتها.

ولأن هيجل كان يحلم بمنصب في برلين فقد قبل في سنة 6181 دعوة من جامعة هايدلبرگ ليكون استاذ الفلسفة الأول بها. وبداً يدرّس لخمسة طلاب، سرعان ما زادوا ليصبحوا عشرين قبل انتهاء الفصل الدراسي.

ونشر وهوفي المنصب موسوعة العلوم الفلسفية (7181)، وكان هذا العمل أكثر منادىة لإطراء المثقفين وحكومة برلين من عمله السابق (Logik) الذي كان قد تجاوز نشره في سنة 2181. وسرعان ما نادىه وزير التعليم البروسي ليشغل كرسي الفلسفة الذي ظل شاغراً منذ موت فيشته (4181). لقد كان هيجل قد بلغ الآن السابعة والأربعين من عمره، فراح يساوم حتى حصل أخيرا على المكافأة التي طال انتظاره لها والتي عوّضته عّما فات. لقد طلب بالاضافة إلى الراتب السنوي البالغ الغى ثالر Thaler مبلغاً آخر يعوّض غلاء الأسعار والإيجارات في برلين، ومبلغا للأثاث الذي اشتراه والذي عليه حتى يبيعه الآن بثمن أقل من الثمن الذي اشتراه به (أي يبيعه بالخسارة) ومبلغاً كمصاريف انتنطق (بدل سفر) إلى برلين مع زوجته وأطفاله، وأكثر من هذا فقد كان عليه حتى يحب وفرة بعينها في الإنتاج(73) وكان جميع هذا مضموناً ففي 22 أكتوبر 8181 بدأ هيجل في جامعة برلين تولِّي منصب الأستاذية حتى وفاته. وفي هذه السنوات الثلاث عشرة عُرِفت محاضراته بالغموض لكنها أخيراً أصبحت ذات معان عميقة فكَثُر مستمعوه شيئاً فشيئاً حتى سعى إليه الطلبةُ من مختلف أنحاء أوروبا بل ومن خارج أوروبا. إنه الآن يقدم لنا أكثر النظم الفكرية اكتمالاً وتأثيراً في التاريخ الأوروبي بعد كانط.


المنطق كميتا فيزيقا

لقد بدأ هيجل بالمنطق - ليس بمعناه الذي نعهده اليوم كقواعد للاستنتاج، وإنما بمعناه القديم والكلاسي كنسبة ratio أوعرض للأسباب والمبادئ أوالمعنى الأساسي لأي شيء وما ينطوي عليه من عمليات، وذلك على نحوما نستخدم مصطلحات مثل الجيولوجيا لنعني بهما معنى الأرض وما تنطوي عليه من عمليات أومصطلح البيولوجيا لنعني به معنى الحياة وما تنطوي عليه من عمليات أومصطلح السيكولوجيا لنعني به معنى العقل أوالنفس وما تنطوي عليه من عمليات. وعلى هذا فقد كان المنطق بالنسبة إلى هيجل يفهم معنى أيِّ شيء وما ينطوي عليه من عمليات. وبشكل عام فإنه يهجر العمليات للفهم، كما حتى الفهم يهجر المعنى للفلسفة. إنه يقترح حتى يحلّل لا الحدثات بطريقة عقلية (للخلوص منها باستنتاجات) وإنما السبب أوالعقل أوالمنطق في الحقائق realities وسيعطي لمصدر هذه الأسباب اسم الرب أوالله God وهوفي هذا يشبه إلى حد كبير الصوفيين (ذوي الاتجاه الباطني) القدامى الذين يجعلون الرب the deity واللوجوس Logos (الحدثة) شيئاً واحداً - منطق العالم وحكمته.

فالعقل المدرِك (الواعي) يُضفي معنى للأشياء بدراسة أبعادها في المكان والزمان وعلاقاتها بالأمور الأخرى المُدركة أوالمُتذكَّرة. وكان كانط قد أطلق على مثل هذه العلائق اسم المقولات Categories، وعدَّد منها اثنتي عشرة مقولة رئيسية: الوحدة والتعددّية والكلية وأيضاً الحقيقة والنقيض والقَصْر، والسبب والنتيجة والوجود والعدم، والاحتمال والحتم. وأضاف هيجل مقولات أخرى كثيرة: الموجود المطلق، والانجذاب والتنافر، والتشابه والاختلاف.. فكل شيء في نطاق خبرتنا هونسيج معقَّد من مثل هذه العلاقات، فهذه المنضدة - على سبيل المثال - لها مكان خاص، وعمر خاص وشكل خاص وتحمُّل خاص ولون خاص ووزن خاص ورائحة خاصة وجمال خاص، وبدون هذه العلاقات الخاصة تصبح المنضدة مجرد فوضى غامضة تُعطى مشاعر متنافرة منفصلة، أمّا إذا وجدت هذه العلاقات استطاعت الحواس إدراكها كموجود (مُدْرَك) موحَّد. وهذا الإدراك في ضوء ما تعيه الذاكرة، وفي ضوء فهم الغرض تُصبح هناك فكرة. ومن هنا فإن العالم - بالنسبة إلى جميع منا - هوأحاسيسنا (الداخلية والخارجية) حولتها المقولات (بالمعنى الآنف ذكره) التي نسقتها إلى أفكار ومُدركات مختلطة بالذكريات ومتأثرة بإرادتنا.

والمقولات ليست أشياء، وإنما هي طرائق وأدوات للفهم تقدم الشكل والمعنى لأحاسيسنا. إنها المقولات تكون النسق العقلي والمنطق والتكوين والسبب لكل شعور أوفكرة أوشيء. إنها جميعاً تكوِّن المنطق والعقل ولوجوس الكون، على وفق فهم هيجل.

والوجود الخالص Pure Being هوأبسط أنواع المقولات وأكثرها كونية فعن طريق الوجود الخالص نحاول فهم خبرتنا - أعني الوجود كما ينطبق على جميع الأمور أوالأفكار دون تخصيص. وكونية Universality هذه المقولة الأساسية هي أنها مقدّرة ومحتومة its fatality: فبافتقادها أي شكل أوسمة لا تستطيع حتى تمثل أي شيء موجود، ومن هنا فإن فكرة الوجود الخالص أوالكينونة الخالصة Pure Being هي من حيث نتائجها أومن حيث مفعوليتها مساوية للمقولة المناقضة لها - ونعني بها العدم أوعدم الوجود أوعدم الكينونة أواللاشيء Nichts، ومن هنا فهما بالعمل (الوجود والعدم) ممتزجان، فما كان غير موجود (غير كائن) يُضاف للوجود (لما هوكائن) Being ويجرّده من لا حتميته أويجرده من كونه محضاً خالصاً، فالوجود والعدم Being or nonbeing يصبحان على أىة حال أمراً سالباً على نحوما أوتحتوي الفكرة على شيء من السَّلب. أما مقولة الصَيرورة Becoming الغامضة (Werden) فهي المقولة الثالثة، وهي أكثر المقولات فائدة، فبدونها لا يمكن إدراك أي شيء وهويحدث أويتخذ شكلاً. وتتبع جميع المقولات اللاحقة النسق نفسه أي أنها تظهر من المزاوجة بين الفكرة ونقيضها.

من هذا التلفيق الهيجلي Heglian Prestidiyitation نشأ الكون (مثل آدم وحواء) من اتحاد أواقتران (بين فكرتين) مما يعيد للذاكرة فكرة العصور الوسطى القائلة بأن الله خلق الكون من اللاشيء (من العدم). لكن هيجل حاجّ بأن مقولاته هذه ليست أشياء، وإنما هي طرائق لإدراك الأمور، ولجعل سلوكها أوتحركها مُدْركاً أومفهوماً، ويمكن التنبؤ به غالباً، بل ويمكن أحياناً السيطرة عليه.

لقد طلب منا بعض التقييد (التكييف) في معنى الفكرة ونقيضها (تلك الفكرة المقدسة في المنطق القديم) وهوحتى A P لا يمكن حتى تكون إلا A P أي لا يمكن حتى تكون نقيض not A P. حسناً جداً لكن A P قد تصبح لا P أونقيض P (not - A) فالماء قد يصبح ثلجاً أوبخاراً. فكل حقيقة - كما أدركها هيجل - هي في عملية متطورة من المواءمة أوالملاءمة. إنها - أي الحقيقة reality ليست في حالة وجود استاتيكي (ثابت) a static Parmenidean world of Being وإنما هي في حالة سيّالة متحوّلة. فكل شيء ينساب. ففي رأي هيجل حتى جميع حقيقة وكل فكر وكل شيء وكل تاريخ ودين وفلسفة هي جميعاً في حالة تطور مستمر ليس من قبيل الانتخاب الطبيعي، وإنما من خلال تطور التناقض الداخلي (الفكرة ونقيضها) وما يتمخض عنه من نتائج، ومن ثم التقدم نحوفترة أوحالة أكثر تعقيداً.

هذا هوالديالكتيك الهيجلي الشهير (وهودياليكتيك فيشته سابقاً، وديالكتيك تعني حرفياً الحوار). إنه ديالكتيك الفكرة thesis ونقيضها autithesis والجميعة Synthesis (أي ما يتمخض عن الفكرة ونقيضها من فكرة جديدة): فالفكرة أوالموقف ينطوي في باطنه على نقيضه ويطوّره ويناهضه ثم يتحد معه ليتخذ وَإيَّاه شكلاً جديداً. والمناقشة المنطقية لابد حتى تأخذ شكل البناء الديالكتيكي من عرض ومعارضة وتوفيق. والتداول أوالتشاور الحسّاس لابد حتىقد يكون على هذا النحو- وزن الأفكار والرغبات بميزان التجربة. والمقاطعة أوالتداخلات في أثناء المناقشة هي كما أصرّت مدام دي ستيل هي حياة الحوار، لكنها تصبح موتاً له (للحوار) إذا لم نجد للتناقض حلا توفيقيا، أوكانت الفكرة النقيضة غير وثيقة بالموضوع، فالجميعة الحقيقية Synthesis (أي الفكرة الناتجة عن الفكرة ونقيضها) ترفض الإثبات والنفي، وتتيح مكاناً لعناصر من الموقفين (الفكرتين) المثبتة والنافية. وكارل ماركس - تلميذ هيجل - كان يرى أنَّ الرأسمالية تحوي في طياتها بذور الاشتراكية، بمعنى حتى الشكلين الاقتصاديين المتنافسين لا بد حتى يتصارعا حتى الموت، وأن الاشتراكية لابد حتى تسود، وتنبأ الهيجليون الأكثر تمسكاً بفكر هيجل حتى الرأسمالية والاشتراكية سيتحدان معاً كما نرى في أوروبا الغربية الآن. وكان هيجل أكثر الهيجليين تطرفاً. لقد راح يتتبع المقولات - ليُظهر كيف من الممكن أن حتى كلا منها - بالضرورة - ناتج عن فكرة ونقيضها. ونظم حججه وبراهينه، وحاول حتى يقسم جميع عمل من أعماله في شكل ثلاثي (الفكرة ونقيضها والجميعة) وطبق ديالكتيكه على الحقائق realities كما طبقه على الأفكار. فأظهر حتى التناقض والصراع والجميعة Synthesis تظهر في السياسة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ.

لقد كان محققا أوواقعيا realisl بالمعنى الوسيط (المعنى الذي كان سائدا في العصور الوسطى): فالكون أكثر حقيقة من أي من أجزائه (ذراته) التي ينطوي عليها: فالإنسان يضم كان البشر من كان منهم حيا أومن أغرق في الموت، والدولة أكثر حقيقة أوأعمق وجودا realer، وأكثر أهمية وأطول عمرا من أي مواطن من مواطنيها وللجمال قوة خالدة يبقي حتى ما مات، فتظل بولين بونابرت ويبقى الجمال حتى لوحتى أفروديت لم تكن قد وجدت في يوم من الأيام. وأخيرا وجدنا الفيلسوف الملزم (بكسر الزاي) يحمل كوكبة مقولاته على المقولة الأقوى والأضم والأبقى. إنها الفكرة المجردة التي تتمثل فيها كونية جميع شيء أوفكر أوعقل أوتكوين أوقانون، إنها الفكرة التي تمسك بالكون، إنها اللوجوس Logos أوالحدثة التي تجلل الجميع وتحكمه.


العقل

خط هيجل كتابه Phanomenologie des Geists في يينا Jena بينما كان جيش نابليون الأساسي يقترب من المدينة (يينا). ونشر الكتاب في سنة 7081 عندما كان أبناء الثورة الفرنسية يدمرون بروسيا بلا رحمة وبدوا وكأنهم يثبتون حتى العقل البشري قد ضل طريقه إلى الحرية في تلمسه التاريخي هذا لطريقه من الملكية إلى الإرهاب إلى الملكية مرة أخرى. وقرر هيجل حتى يفهم عقل الإنسان في ظواهره المتنوعة كإحساس وإدراك ومشاعر ووعي وذاكرة وخيال ورغبة وإرادة ووعي ذاتي وتفكير، فربما يستطيع في نهاية هذا الطريق حتى يكتشف سر الحرية. ولم يتهيب من هذا البرنامج فقرر حتى يفهم أيضا العقل الإنساني من خلال دراسته للمجتمعات والدولة، وفي الفن والدين والفلسفة. وكانت نتيجة بحثه هي تحفته الخالدة العامرة بالبلاغة والغموض، وكان لها تأثير في ماركس وكير كجارد Kierkegaard وهيدجر وسارتر Sartre بشكل أوآخر.

لقد بدأت الصعوبة مع حدثة Geist التي نشرت سحابا من الغموض واللبس على الروح والعقل والنفس (Ghost and Mind & Spirit & soul) وسوف نترجمها عادة بلقاء إنجليزي واحد هوmind (عقل أونفس) لكن في بعض السياقات سنجد من الأفضل استخدام حدثة روح spirit كما في تعبير روح العصر Zeitgeist. والجايست Geist (العقل أوالنفس) ليس جوهراً منفصلا أووجودا (أوكينونة) كامنا خلف النشاطات النفسية (السيكلوجية)، بل إنه هوهذه النشاطات نفسها. فليس هناك ملكات عقلية أونفسية faculties منفصلة وإنما هناك فقط العمليات العملية التي تحول بها التجربة إلى عمل action أوفكر.

وقد جعل هيجل الـگايست (العقل أوالنفس) في واحد من تعريفاته الكثيرة مساويا للوعي(83). والوعي بطبيعة الحال هوسر الأسرار لأنه - أي الوعي - يشبه العضوالذي يفسر التجربة ولكنه لايستطيع حتى يفسر نفسه. ومع هذا فإنه - أي الوعي - أكثر الحقائق جدارة بالملاحظة والإدراك بالنسبة إلينا. والمادة Matter التي قد تكون خارج العقل تبدوأقل غموضا رغم حتى معهدتنا بها أقل مباشرة. وهيجل يتفق مع فيشته في أننا نعهد الأمور فقط بقدر ما هي جزء منا كموضوعات مدركة (كموضوعات يمكن إدراكها)، لكنه - أي هيجل - لم يشكك أبدا في الكون الخارجي (الموجود خارج النفس أوالعقل)، فعندماقد يكون المدرك (بضم الميم وفتح الراء) كائناً آخر بتفاعله مع العقل، يصبح الوعي واعيا بذاته عن طريق التضاد (نقيض الفكرة) عندئد تولد الأنا (الإيجوEgo) بشكل واع وتصبح مدركة (بشكل غير مريح). إذا الصراع (أوالتنافس) هوسنة الحياة. ثم يقول فيلسوفنا الصارم إذا جميع إنسان يهدف إلى تدمير الآخر وموته(93) ويظل الصراع حتى يقبل أحد الطرفين التبعية(04) أوقد يكون مصيره الموت. وفي هذه الأثناء تتغذى الأنا Ego بالتجربة كما لوأنها مدركة أنها يجب حتى تتسلح وتتقوى لخوض تجارب الحياة ومحنها. جميع هذه العملية المعقدة التي تحول بها المحسوسات إلى مدركات (بضم الميم وفتح الراء) تخزن ذلك في الذاكرة وتحولها إلى أفكار يتم استخدامها في تنوير الرغبات وتلوينها وخدمتها، تلك الرغبات التي تشكل الإرادة. فالأنا Ego هي بؤرة الرغبات وتعاقباتها ومكوناتها، فالمدركات الحسية والأفكار والذكريات والتفكير المتروي مثل الأذرع والسيقان هي أدوات للنفس أوالأنا Ego تبحث عن البقاء والمسرة والقوة. وإذا كانت الرغبة عنيفة مفعمة عاطفةً، فإنها تتعزز سواء كانت رغبة صالحة أم شريرة. ولا يجب حتى ندين ما مفعم عاطفة وحماسا، فلا شيء عظيما في العالم يمكن تحقيقه دون عاطفة(14) إنها قد تؤدي للألم لكن هذا الألم لا يساوي شيئا إذا أسهم في الوصول إلى النتيجة المرغوبة. فالحياة لم توجد للسعادة وإنما لتحقيق الإنجاز.

هل الإرادة (أي رغباتنا) حرة،يا ترى؟ نعم لكن ليس بمعنى عدم الخضوع للسببية أومبدأ العلية أوالقانون. إنها حرة بقدر ما تتفق مع قوانين الواقع ومنطقه، فالإرادة الحرة هي التي ينورها الفهم ويرشدها العقل. فلاقد يكون التحرر الحقيقي - بالنسبة إلى الأمة أوالفرد - إلا من خلال تطور الفكر، والفكر فهم منظمة ومستخدمة. فالحرية في ذروتها هي في الفهم بالمقولات (بالمفهوم الهيجلي السابق ذكره) وعملياتها في مسار الطبيعة وفي اتحادها مع الفكرة المجردة (بالمفهوم الهيجلي) Absolute idea التي هي الله، وتناسقها معه. وهناك ثلاثة مناهج يمكن للإنسان من خلالها حتى يقترب من هذه الذروة من الفهم والحرية: عن طريق الفن والدين والفلسفة. وباختصار ففي كتابه فهم وصف الظواهر Phanomenologie وفي كتابه الآخر الذي نشر بعد وفاته عن فهم الجمال Vorlesungen uber Aesthetic) (حاول هيجل حتى يخضع الطبيعة وتاريخ الفن لفكرته ثلاثية الأبعاد (الفكرة ونقيضها والجميعة)، وكان عرضه في كتابه الثاني Vorlesungen أكثر تفصيلا. واتفق حتى استوحى معلومات مدهشة عن العمارة والنحت والرسم والموسيقا، ومعلومات مفصلة عن مجموعة الأعمال الفنية في برلين ودريسدن وفينا وباريس والأراضي المنخفضة. لقد شعر حتى الفن هومحاولة عقلية (نفسية) - بالبديهة أوالحدس intuition أكثر منها بالمنطق والحجج العقلية (ومعنى قولنا بالحدس أوالبديهة ينطوي على خبرة مباشرة وموسعة وإدراك حسّي مستمر)، والفن كمحاولة عقلية (نفسية) يقدم لنا معنى روحيا (معنويا) من خلال وسائط متعلقة بالحواس. لقد تعهد ثلاثة عهود للفن: (1) الشرقي Oriental حيث وجدنا العمارة تعمل على تدعيم الحياة الروحية والرؤى الباطنية (الصوفية) من خلال المعابد الضخمة كما في مصر والهند. (2) الكلاسيات الإغريقية الرومانية التي تحول المثل المنطقية والعقلية ممثلة في التوازن والهارمونية من خلال أشكال نحتية كاملة (متسمة بالكمال). (3) الرومانسية المسيحية التي راحت من خلال الرسم والموسيقا والشعر تعبر عن العواطف وتتوق إلى الروح الحديثة. وفي هذه الفترة الثالثة (الرومانسية المسيحية) عثر هيجل بعض بذور التحلل والفناء وافترض حتى أعظم مراحل الفن قد وصلت إلى نهايتها.

لقد أزعجه الدين وأربكه في أواخر أيامه لأنه (أي هيجل) اعترف بالدور التاريخي للدين في تعديل طبيعة الإنسان وفي دعم النظام الاجتماعي، لكنه (أي هيجل) كان شغوفا جدا بالعقل شغفاً يحول بينه وبين السعي للاهوت وفهم معاناة القديسين وعبادة رب متجسد Personal God والخوف منه(34). وناضل للتوفيق بين العقيدة المسيحية وديالكتيكه (الديالكتيك الهيجلي الآنف ذكر: الفكرة، نقيص الفكرة، الجميعة) لكن قلبه لم يكن مطمئنا لهذا التوفيق، وقد فسر أكثر أتباعه تأثيرا حتى رب هيجل هوعقل العالم (الكون) أوالقانون غير المشخص (المتجسد) والخلود متمثلا في آثار جميع لحظة بشرية على الأرض (وربما كان هذا الخلود بلا نهاية)(44) وفي أواخر كتابه عن وصف الظواهر Phanomenologie استوحى حبه الحقيقي - إنه الفلسفة. لم يكن مثله الأعلى هوالقديس بل الحكمة sage. وفي غمار حماسه لم يعترف بأي حد للفهم الإنساني مستقبلا. إذا طبيعة الكون ليس لها سلطان يمكنها من المقاومة الدائمة للجهود الشجاعة للذكاء البشري. فلابد حتى تفتح آفاقها في النهاية لهذا الذكاء ولابد حتى تفضي له بكل أعماقها وثرواتها(54) لكن لابد قبل الوصول إلى هذه الذروة الفلسفية حتى ندرك حتى الكون الحقيقي ليس هوالذي نلمسه أونراه وإنما هوالعلاقات والقواعد التي تضفي عليه النظام والنبالة. إنه القوانين غير المكتوبة التي تحرك الشمس والنجوم وتكون العقل غير المشخص (غير المتجسد) للكون. إلى هذه الفكرة المجردة أوعقل الكون يقدم الفيلسوف ولاءه. إنه (عقل الكون) هوإلهه الذي يتعبد له، ويجد عنده حريته ورضاءه التام.


الأخلاق والقانون والدولة

في سنة 1281 قد لنا هيجل عملاً كبيراً آخر هوحول فلسفة الحق Grundlinien der philosophie des Rechs والحق rechts حدثة جليلة مهيبة في ألمانيا. إنها حدثة تغطي الأخلاق والقانون كعنصرين لازمين بينهما صلة قربى لدعم الأسرة والدولة والحضارة. وقد تناول هيجل جميع ذلك في مجلد فخم هجر تأثيرا دائما في شعبه الألماني.

كان الفيلسوف عند تأليفه هذا الكتاب قد ولج عقده السادس. لقد أصبح معتادا على الاستقرار مشبعاً بالرضا. وكان يتطلع لشغل منصب حكومي(64). وكان قد أصبح بالعمل محافضا وهوالاتجاه المناسب لهذه الحقبة من العمر. وأكثر من هذا فقد كان الموقف السياسي قد تغيرا كبيرا منذ حتى احتفى (أي هيجل) بفرنسا وأعرب إعجابه بنابليون: كانت بروسيا قد هبت حاملة السلاح ضد نابليون وحاربت بقيادة بلوشر Blucher وأطاحت بالمغتصب، وأصبحت بروسيا الآن تعيد ترسيخ نفسها على أسس فريدريكية Frederican أساسها جيش منتصر وملكية إقطاعية كنادىمتين للاستقرار بين شعب أصابه فقر مدقع بسبب تكاليف الحرب التي انتصر فيها، وعمته الفرضى وراوده الأمل في الثورة وكبحه الخوف منها. وفي سنة 6181 نشر جاكوب فريز Jadob Fries الذي كان وقتها يشغل منصب أستاذ الفلسفة في جامعة يينا Jena بحثا عن الكونفدرالية الألمانية والدستور السياسي لألمانيا Von Deutschem Bund & Deutscher staatsver fassung عرض فيه الخطوط العريضة لبرنامج إصلاح أرعب الحكومات الألمانية فأصدرت مراسم عنيفة في كونجرس كارلسباد (9181) وطرد فريز من منصبه كأستاذ للفلسفة وأعرب مسئولوالشرطة أنه خارج حماية القانون (مهدر الدم)(74).

لقد خصص هيجل نصف مقدمة كتابه (عن فلسفة الحق) لمهاجمة فريز Freis باعتباره مغفلاً خطرا واتهمه بأن مثال لضحالة التفكير. لقد كان فريز يرى حتى شعبا يحكمه حاكم شعبي أصيل لابد حتى يتلقى جميع ما يتعلق بالأمور العامة (التي تخص الشعب) من الشعب نفسه وقد اعترض هيجل ذاكراً حتى هذا الرأي يعنى حتى عالم الأخلاق سيهجر للتقييم الذاتي (غير الموضوعي) وللأهواء. فبالعلاج الأسري البسيط الممثل في حتى نعزوللشعور عمل العقل والفكر يمكن بطبيعة الحال حتى نتخلص من جميع الاضطرابات في البصيرة والفهم التي يوجهها التفكير المحفوف بالمخاطر(84) وصب الأستاذ الغاضب (فريز) جام غضبه واحتقاره على فلاسفة الحواري (يقصد هيجل من بينهم) الذي يقيمون دولاً متسمة بالكمال بسبب الأحلام الوردية غير الناضجة(94). وأعرب فريز موقفه ضد هذا التفكير المرغوب فيه، باعتباره أساسا واقعيا لفلسفته (فلسفة هيجل) سواء السياسية أوالميتافيزيفية - وهومبدأ ما عقلي فهوعملي واقعي، وما هوواقعي عملي فهوعقلي(05). (إن ما يفرضه منطق الأحداث، هوما يجب حتىقد يكون في ظل الظروف نفسها) وهاجم الليبراليون الألمان المؤلف (هيجل) باعتباره طالب دنيا يبحث عن منصب ويخدم الوضع القائم وباعتباره الفيلسوف المكلل بالغار لحكومة رجعية.

إن الحضارة بحاجة للأخلاق والقانون معا مادامت تعني حتى نعيش كمدنيين (مواطنين) civis في مجتمع، ولا يمكن حتى يظل المجتمع قائما إلا في ظل تقييد الحرية لضمان الحماية (للآخرين). لابد حتى تكون الأخلاق ميثاقا عاما لا مجرد نزعة فردية. فالحرية في ظل القانون بناءة، والحرية بعيدا عن الالتزام بالقانون محالة في الطبيعة ومدمرة في المجتمع تماما كما وقع في فرنسا في بعض مراحل الثورة. فالقيود التي تفرضها الأخلاق المعتادة على الحرية الفردية هي الأقدم والأضم والأكثر دواما (الأحكام الأخلاقية تتطور مع تطور المجتمع). وما دامت مثل هذه القواعد الأخلاقية تنتقل أساسا من خلال الأسرة والمدرسة والكنيسة، فهذه المؤسسات أساسية للمجتمع وتشكل أعضاءه الحيوية. وعلى هذا فمن الحمق حتى نهجر الأسرة تقوم على أساس زواج الحب، فالرغبة الجنسية لها حكمتها البيولوجية في استمرار النوع واستمرار المجتمع، ولكنها أي الرغبة الجنسية لا تنطوي على حكمة اجتماعية تعين على حياة مشهجرة طوال العمر لرعاية الممتلكات والأطفال(15). ولابد حتى يكتفي الرجل بزوجة واحدة، كما لابد حتى توضع العراقيل أمام الطلاق ولابد حتى تكون ممتلكات الأسرة مشاعا لها لكن إدارتها لابد حتى تقع على كاهل الزوج(25). وللمرأة دورها المهم في الأسرة من حيث إخلاصها لها وبالتزامها الأخلاقي(35). ولايجب حتى يقيم التعليم أصناما للحرية واللعب (كما هوالحال في فكر بيستالوزي وفيشته)، فالنظام هوعصب الشخصية، ومعاقبة الأطفال المقصود منها هومنعهم من ممارسة الحرية فهذا المنع موجود في الطبيعة، لتكون القضايا الكلية في وعيهم وإرادتهم.

ولايجب حتى نقيم وثنا للمساواة، فنحن سواء فقط من حيث حتى لكل منا روحا، ولا يجب حتى نكون أداة لشخص آخر، لكن الواقع يقول إننا لسنا سواء، سواء من الناحية الجسمية أومن ناحية قدراتنا العقلية. وأفضل النظم الاقتصادية هي التي يتاح فيها لذوي القدرات الأعلى تطوير أنفسهم مع إتاحة حرية نسبية لتحويل الأفكار الجديدة إلى حقائق إنتاجية. ولابد حتى تكون الملكية خاصة وبدون هذا لنقد يكون هناك حافز لذوي القدرات الأعلى لإجهاد أنفسهم. ولابد لتحقيق أهداف الحضارة من الإبقاء على الدين كأداة مثلى لأنه يربط الفرد بالكل.

ما دام الدين عاملا متكاملا مع الدولة، يغرس معنى الوحدة في أعماق نفوس الناس، فلابد - حتى - حتى تطلب الدولة من جميع مواطنيها حتىقد يكونوا أعضاء في الكنيسة. فالدولة لا يمكنها حتى تتداخل مع الكنيسة لأن ايمان الفرد قائم على أفكاره الخاصة.

ولابد حتى تكون الكنائس منفصلة عن الدولة لكن لابد على الكنائس حتى تنظر للدولة كأمر متمم للعبادةقد يكون فيه هدف الدين توحيد الفرد مع الكل بقدر ما تسمح الإمكانات في هذه الدنيا(65). فالدولة إذن هي أسمى إنجاز بشري.إانها عضوorgan المجتمع المنوط به حماية الشعب وتطويره، إذ يقع على كاهلها والتوفيق بين النظام الاجتماعي من ناحية والنزوع الطبيعي للفردية، والصراع والغيرة بين المجموعات الداخلية (في داخل المجتمع) من ناحية أخرى. والقانون هوحرية الإنسان المتحضر لأنه يحرره من الظلم ويحميه من الخطر في لقاء موافقته على ألا يُلحق بالمواطنين الآخرين ظلما أويعرضهم للخطر. فالدولة هي بالعمل الحرية الرصينة(75) وكي تتحول الفوضى إلى حرية منضبطة لابد حتىقد يكون لدى الدولة الصلاحية بل وحق استخدام القوة في بعض الأحيان، فالشرطة أمر ضروري وفي الأزمات مع القوى الخارجيةقد يكون التجنيد الإلزامي ضروريا أيضا. لكن إذا كانت الدولة جيدة التنظيم حسنة الإدارة لأمكنها حتى تدعى أنها تنظيم عقلي. وبهذا المعنى يمكننا حتى نقول عن الدولة ما قلناه عن الكون ما عقلي هوحقيقي واقع، وما هوحقيقي واقع هوعقلي. هذه ليست يوطوبيا، فاليوطوبيا غير حقيقية. أكان هذا تقنينا مثاليا لبروسيا في سنة 0281،يا ترى؟ ليس تماما. عملى النقيض من هذا النظام، أخذت على عاتقها النجاح الكامل لإصلاحات شتاين وهاردنبرج Stein & Hardenberg. لقد دعت إلى ملكية (بفتح الميم) مقيدة وحكومة دستورية، وحرية العبادة وإعطاء حقوق المواطنة لليهود. لقد أدانت الحكم المطلق الذي عهدته بأنه حيث يختفي القانون، وعندما تتحكم إرادة بعينها سواء كانت إرادة العرش أوإرادة العوام (حكومة الدهماء Ochlocracy) وتصبح هذه الإرادة قانوناً أوتحل محل القانون، بينما تقتضي الدقة حتى توجد الحكومة الشرعية والدستورية في وضع مثالي(85) ورفض هيجل الديمقراطية برمتها:

فالمواطن العادي غير مهيأ لاختيار الحاكم الكفؤ، وغير مهيأ لرسم سياسة البلاد. وقبل الفيلسوف (هيجل) دستور الثورة الفرنسية الصادر في سنة 1971 ذلك الدستور الذي نادى لملكية دستورية يصوت فيه الشعب لاختيار أعضاء جمعية وطنية، وليس لاختيار الحاكم. والملكية الانتخابية هي أسوأ المؤسسات(95) لذا فقد أوصى هيجل بحكومة ذات مجلسين تشريعيين ينتخبها المواطنون ذووالممتلكات، ومجلس وزراء تطبيقي وإداري، وملكية (بفتح الميم) وراثية في يدها القرار النهائي(06). إذا تطوير الدولة إلى ملكية دستورية هوإنجاز العالم المعاصر(16).

ومن غير العدل حتى نصف هذه الفلسفة بالرجعية فهي متمشية تماما مع الاتجاه العقلي المحافظ لكل من مونتاني Montaigne وفولتير، وبورك Burke وماكولي Macaulay، وبها نصح بنيامين كونستانت ابن الثورة نابليون، وكذلك انتهى توكفيل بعد دراسة الحكومتين الفرنسية والأمريكية. ويهجر هذا النظام مساحة لحرية الفكر الفردية والتسامح الديني. ولابد حتى ننظر لهذا النظام في سياق الزمان والمكان: ولابد - كي نفهم هذا النظام - حتى نتصور أنفسنا في خضم الاضطراب الضخم الذي ساد أوربا بعد فترة نابليون بما اعتراها من إفلاس وإحباط، حيث كانت حكوماتها الرجعية تحاول إعادة نظم الحكم القديمة (السابقة على الثورة الفرنسية) - لابد حتى نتصور أنفسنا في فترة هذه صفاتها لنفهم رد عمل مفكرٍ كان هوأيضاً قد تقدم به العمر كثيراً بدرجة تمنعه من حتىقد يكون مغامراً فكريا وكانت أقدامه قد رسخت رسوخاً شديداً بدرجة تمنعه من التشوق للثورة، أوالمخاطرة بإحلال نظريات لم تُحككها التجربة محل حكومات قديمة أواستبدالها بحكم العامة. لقد كانت كتاباته في هذه المقدمة متعجلة غير منظمة بعناية ولم تكن جديرة باسم فيلسوف. لقد خاف الرجل العجوز من بلاغة فريز Fries وفصاحته وما يلقاه من استقبال حافل فاستدعى الشرطة ولم يكن آسفاً لقد التفتت الحكومات أخيراً لهذا النوع من الفلسفة(26) لقد كانت الفترة فترة محافظة لا مغامرة.


التاريخ

لابد حتى تلاميذ هيجل كانوا يحبونه، فقد عكفوا بعد موته على ملاحظاته notes وأضافوا ما خطوه في أثناء إلقائه لمحاضراته، ونظموا نتائجه في نسق منطقي، ونشروها باسمه. ومن هنا فقد ظهر لهيجل أربعة خط بعد موته: فهم الجمال Aesthetics وفلسفة الدين وفلسفة التاريخ، وتاريخ الفلسفة. وكانت هذه الأعمال هي أكثر أعماله وضوحاً ففيها أقل قدر من تعقيد الفكر والأسلوب.

فالفكرة الوحيدة التي أدخلتها الفلسفة لدراسة التاريخ وتأمله هي فكرة العقل (التعليل) البسيطة: فالعقل (التعليل) أي منطق الأحداث وقوانينها هي مَلِك العالم Sovereign of the World، وعلى هذا فتاريخ العالم يُقدم لنا عملية عقلية(36) وهنا أيضاً نجد ما واقع (ما هوموجود أوما عملي) هوأيضاً عقلي - إنه النتيجة الوحيدة المنطقية والحتمية لأحداث سبقت antecedents وغالباً ما يتحدث هيجل عن العقل الحاكم Sovereign Reason بمصطلحات دينية لكنه يعرّفه بالمزاوجة بين سبينوزا Spinoza ونيوتن Newton: العقل هوجوهر الكون، أعني أنه به (أي بالعقل) وفيه (أي في العقل) توجد جميع الحقيقة وتعيش ومن ناحية أخرى فهو(العقل) الطاقة المطلقة وغير المحدودة للكون أي حتى مقولات المنطق (Logik بالمفهوم الهيجلي الآنف ذكره) هي الوسائل الأساسية لفهم العلاقات الفاعلة التي تكوّن الهجريب النهائي للأشياء، وجوهرها Essence وحقيقتها.

وإذا كانت عمليات التاريخ تعبيراً عن العقل Reason - أي عن القوانين الملازمة لطبيعة الأمور - فلابد حتى هناك منهجاً لمسيرة الأحداث التي تبدوفي الظاهر غريبة. ويرى هيجل منهجاً (method) يحكم الأحداث أومسيرة الأحداث ونتائجها. إذا عمل العقل في التاريخ - كما هوفي الفكر - هوعمل ديالكتيكي: جميع فترة أوحالة هي فكرة (thesis) تحوي نقيضها (antithesis) وتتصارعان معاً (الفكرة والنقيض) لتظهر منهما الجميعة (Synthesis) وعلى هذا فالحكم المطلق يحاول قمع الرغبة الإنسانية في الحرية، فيقوم الراغبون في الحرية بثورة، فتكون النتيجة (الجميعة Synthesis) ملكية دستورية. أهناك إذن خطة عامة أوكلية وراء مسيرة التاريخ،يا ترى؟ لا، إذا كان هذا يعني قوة عليا واعية تقود جميع الأسباب والجهود للوصول إلى هدف محدد، ونعم إذا كان المقصود حتى المجرى العريض للأحداث كالتقدم في مضمار الحضارة إنما يحركه عقل كلي total of Geist or mind لتقريب الإنسان شيئاَ فشيئاً لهدفه الذي استغرقه (تشربه أوكمن فيه) ألا وهوالحرية من خلال العقل Reason. لا حرية من from القانون وإنما حرية من خلال through القانون (رغم حتى الحرية من القانون قد تأتي إذا وصل الذكاء البشري إلى منتهاه أي إلى ذروة تطوره)، وعلى هذا فتطور الدولة يمكن حتى تكون هبة للحرية. وهذا التقدم نحوالحرية ليس مستمراً لأنه في ديالكتيك التاريخ (الديالكتيك بالمعنى الهيجلي الآنف ذكره) هناك تناقضات يتعين حلها، وتعارضات يتعين تحويلها لتندمج مع غيرها وتباينات ناشزة مندفعة بعيدة عن المركز يتعين جذبها إلى مركز واحد بحكم طبيعة العصر أوجهود بشر غير عاديين.

هاتان القوتان (الزمن والعبقرية) هما مهندسا التاريخ وعندما يعملان معاً تكون لهما قوة لا تُقاوم. واعتقد هيجل - مستوحياً أفكار كارلايل Carlyle - في الأبطال وفي عبادة الأبطال. والعباقرة ليسوا بالضرورة طاهرين أخلاقياً، رغم حتى من الخطأ حتى نتصورهم أنانيين، فنابليون لم يكن مجرد غاز يغزولمجرد الغزو، فقد كان - سواء كان واعياً بذلك أم لا - ممثلاً لأوربا في تسقطها للوحدة وحاجتها لقوانين متماسكة لها طابع الدوام. لكن العبقرية تصبح بلا مُعين لها إذا لم تتمثل روح العصر ومتطلباته (سواء كان العبقري واعياً بذلك أم لا) فالعباقرة لهم بصيرة نافذة بمتطلبات العصر - أوبتعبير آخر أنهم يدركون ما الذي نضج ووصل لفترة القابلية للتطوير. هذا هوالأكثر فائدة لعصرهم وعالمهم، حتى يدركوا ما الذي تشكل عملاً في رَحِم الزمن(56) إذا اعتلى العبقري هذه الموجة (مثل جاليليووفرانكلين وجيمس وات) سيصبح قوة دافعة للتطور حتى ولوسبب بؤساً لجيل كامل، فليس معنى العبقرية ترويج السعادة وتاريخ العالم ليس مسرحاً للسعادة، ففترات السعادة فيه صفحات عقيمة لأنها فترات الهارمونية (التناسق) عندما تكون الفكرة المضادة antithesis في حالة معطلة (أوبتعبير آخر في لا فاعلية مؤقتة in abeyance)(66) هنا ينام التاريخ.

والعقبة الرئيسية في تفسير التاريخ كحركة تقدم مستمر هي الحقيقة التي مؤداها حتى الحضارة يمكن حتى تموت أوتختفي تماما. لكن هيجل لم يكن هوالرجل الذي يهجر هذه العوارض لتفسد ديالكتيكه. لقد قسّم ماضي البشرية (كما قلنا آنفاً) إلى ثلاث فترات: الشرقية، والإغريقية - الرومانية، والمسيحية ورأى في تعاقبها بعض التقدم. الشرقية أعطت الحرية لرجل واحد وهوالحاكم المطلق، والحضارة الكلاسية أعطت الحرية لطبقة تستخدم الرقيق، والعالم المسيحي منح لكل إنسان روحا تسعى لتحرير الكل. لقد لاقت مقاومة في تجارة الرقيق لكن الثورة الفرنسية أنهت هذا الصراع. وعند هذه النقطة (نحوسنة 2281) نجد هيجل يتفجر بتسبيحة شكر مدهشة لهذه الثورة أولما وقع في أثنائها في السنتين الأوليين:

الأوضاع السياسية في فرنسا لم تكن تقدم شيئاً إلا امتيازات كثيرة غير منظمة، كانت جميعا تُنافي الفكر والعقل وعمت المفاسد الأخلاقية وتدنت أرواح الناس. لقد كان ولابد حتىقد يكون - التغيير عنيفاً لأن الحكومة لم تأخذ على عاتقها مهمة إعادة التحويل أوإعادة تشكيل أوضاع جديدة (فقد كان البلاط والنبلاء ورجال الدين يعارضون ذلك).. وأثبتت فكرة الحق سلطانها، ولم يستطع النظام القديم القائم على الظلم حتى يُقاوم. إنه فجر عقلي ونفسي باهر، فكل الموجودات المفكرة تشارك في التهليل والترحيب (بالثورة الفرنسية). إذا الحماس الروحي ملأ العالم.

وسوّد الغوغاء صفحة هذا الفجر لكن بعد حتى ضُمِّدت الجراح ظل التقدّم الجوهري، وكان هيجل لايزال عالمي النظرة حتى إنه اعترف بفضل الثورة الفرنسية الكثير على ألمانيا - لقد أدخلت إليها القوانين النابليونية (المدوّنة القانونية) وألغت الامتيازات الإقطاعية ووسعت قاعدة الحرية ووسعت دائرة الملاك..(86) وباختصار فإن تحليل هيجل للثورة الفرنسية في الصفحات الأخيرة من كتابه (فلسفة التاريخ) يثبت حتى هذا المحافظ العجوز لم ينبذ تماماً أفكار شبابه.

واعتبر هيجل حتى الخطأ الرئيسي للثورة الفرنسية هومعاداتها للدين. فالدين هوذروة العقل وسنام العمل. ومن السخف حتى نعتقد حتى القسس قد ابتدعوا الدين ليخدعوهم به ويحققوا لصالحهم المكاسب من ورائه(96) وعلى هذا فمن الغباء حتى نظن أننا قادرون على إنشاء دساتير سياسية بمعزل عن الدين(07). فالدين هوالجوالعام الذي تعطي الأمة نفسها من خلاله معياراً لما هوسليم True،... وعلى هذا ففكرة الله God تكوِّن الأساس العام لطبيعة (شخصية) أي شعب(17). وعلى العكس من ذلك فالشكل الذي يتمثل فيه التجسيد الكامل للروح Spirit هوالدولة(27) فالدولة كاملة التطور تصبح هي أساس جميع عناصر حياة الشعب الأساسية، ومحورها - فناً وتشريعاً وأخلاقاً وديناً وعلوماً(37) وبتأييد الدين ودعمه تصبح الدولة مقدَّسة.

لقد راح هيجل يطبق ديالكتيكه في مجال بعد آخر متطلعاً إلى تأسيس نظام فلسفي موحّد يتم شرحه بصيغة فلسفية واحدة. وقد أضاف تلاميذه إلى فلسفته للتاريخ مؤلفاً آخر نشر بعد وفاته وهوتاريخ الفلسفة. فالنظم (الفلسفية) القديمة المشهورة في تحليل الكون - في هذه النظرة - تتبع نسقاً مرتبطاً بشكل أساسي بتطور المقولات (بالمفهوم الهيجلي) في المنطق Logik (بالمفهوم الهيجلي أيضاً). لقد ركز بارمينيدز Parmenides على الوجود Being والاستقرار أوالثبات Stability، وركز هيراكليوتس Heracleitus على الصيرورة والتطور والتغير. ورأى ديموقرايطس Democritus (مادة) موضوعية أما أفلاطون فرأى فكرة ذاتية (غير موضوعية) وكان أرسطوهوالذي قدم الجميعة Synthesis (بالمفهوم الهيجلي). وكل نظام (فلسفي)، ككل مقولة وكل جيل يطوّق النظم السابقة عليه ويضيف إليها، لذا ففهم آخر النظم الفلسفية فهما كاملا يحتاج فهمها جميعا. فكل ما يحرزه جيل من تقدم في الفهم والإبداع يرثه الجيل الذي يليه. ويشكل هذا الميراث روحه وجوهره الروحي(47) ولما كانت فلسفة هيجل هي الأخيرة في سلسلة الفلسفات العظيمة، فهي (أي فلسفة هيجل) تضم (من وجهة نظر هيجل) جميع الأفكار والقيم الأساسية لكل ما سبقها من نظم (فلسفية) فهي (أي فلسفة هيجل) تمثل الأوج التاريخي والنظري لها جميعاً.


موت وعودة

كاد عصره - لفترة - يقدّره كتقديره لنفسه. لقد زاد عدد التلاميذ في فصوله رغم طباعه الصارمة وأسلوبه المبهم. لقد أتى رجال بارزون قاطعين مسافات طويلة لرؤية هيجل وهويوازن الكون بمقولاته. لقد أتاه كوزان Cousin وميشليه Michelet من فرنسا وهايبرگ من الدنمرك. وتم تكريمه في باريس في سنة 7281 وكرّمه جوته العجوز. وفي سنة 0381 اهتزت مسلّماته بانتشار الحركات الراديكالية والهياج الثوري، فهاجمها جميعاً وفي سنة 1381 أصدر من وراء القنال الإنجليزي دعوة لمناهضة وثيقة الإصلاح Reform Bill التي تعد علامة على قيام الديمقراطية في إنجلترا. وأعاد صياغة فلسفته لتصبح أكثر فأكثر مقبولة من رجال الدين البروتستنط، ومات في برلين في 41 نوفمبر 1381 إثر إصابته بالكوليرا وكان في الواحد والستين من عمره، وكان لا يزال وافر النشاط. وتم دفنه على وفق رغبته إلى جوار قبر فيشته، وانقسم تلاميذه إلى جماعتين متناقضتين - كما لوكان هذا تأكيداً لغموضه الحذر: الهيجليين اليمينيين وعلى رأسهم جوهان إردمان Erdmann وكونوفيشر Kuno Fischer وكارل روزنكرانتس Rosenkranz، والهيجليين اليساريين ومنهم لودڤيگ فويرباخ Feuerbach وديفيد شتراوس Strauss وبرونوباور Bauer وكارل ماركس. وقد برع اليمينيون (الهيجليون) في الدراسة وإن انحدروا بازدهار (موجة نقد الكتاب المقدس)، أما اليساريون (الهيجليون) فزاد هجومهم على السلفية الدينية والسياسية. وفسر اليساريون الهيجليون تعريف هيجل لله God والعقل Reason على اعتبار أنه يعني بهما حتى الطبيعة والإنسان والتاريخ خاضعة لقوانين مجردة غير قابلة للتغيير. واقتبس فويرباخ Feuerbach من أقوال هيجل ما فسره بأن الإنسان لا يعهد عن الله، إلا بقدر ما يعهد الله عن نفسه من خلال الإنسان(67) وعلى هذا فإن عقل الكون لاقد يكون واعياً إلا في الإنسان، فالإنسان وحده هوالقادر على التفكير في قوانين الكون. وكارل ماركس الذي عهد هيجل في الأساس من خلال كتاباته، حوّل الحركة الدياليكتيكية للمقولات الهيجلية إلى تفسير اقتصادي للتاريخ جعل فيه صراع الطبقات (النص حرب الطبقات) محل الأبطال، باعتبار هذا الصراع هوأداة التقدم الرئيسية. وأصبحت الاشتراكية هي الجميعة Synthesis الماركسية للرأسمالية وتناقضاتها الداخلية.

وتضاءلت شهرة هيجل لفترة حين اجتاحت آلام شوبنهور التهكمية المسرح الفلسفي. وتاه فلاسفة التاريخ مع تقدم الدراسات التاريخية. وبدت الهيجلية تموت في ألمانيا لكنها بُعثت من حديث في بريطانيا العظمى مع جون وإدوارد كيرد Caird وت. هـ. گرين Green وج. م. إ. مكتاگرت Mctaggart وبرنار بوسانكيه Bosanquet. وعندما ماتت (الهيجلية) في إنجلترا بُعثت من حديث في الولايات المتحدة. وربما ساعدت عبادة هيجل للدولة (أي توقيره الشديد لها) على تمهيد الطريق لبسمارك وهتلر. وفي هذه الأثناء عثر جميع من سورن كيركگارد Soren Kierkegaard وكارل ياسپرز Jaspers ومارتن هايدگر Heidegger وجان-پول سارتر في أفكار هيجل ملاحظات وإشارات حاسمة عن التنافس البشرى في عالم بعيد عن التوجيه الإلهي، فأصبح هيجل أباً روحياً للوجودية.

وباختصار فإن عصر جوته وبيتهوفن وهيجل كان إحدى الذرى في تاريخ ألمانيا. لقد وصلت ألمانيا أوكادت إلى ذُرى لا تقل عن ذرى سبقت في عصر النهضة الأووبية (الرينيسانس) وعصر الإصلاح الديني الأوربي، لكن حرب الثلاثين عاما حطمت الحياة الاقتصادية والفكرية للشعب وجعلت روح ألمانيا قاتمة وكادت تطرح اليأس على الروح الألمانية طوال قرن. وشيئاً فشيئاً وببطء أدى النشاط والحيوية الكامنان في روح هذا الشعب، والصبر الرواقي (الراضي بالواقع) الذي تتحلى به الألمانيات، وعمق الموسيقا الألمانية وقوتها ومهارة الحرفيين في ألمانيا ونشاط التجار - إلى إعداد ألمانيا لتلقي التأثيرات الأجنبية وهضمها وتحويلها ليتفق مع الذوق الألماني والشخصية الألمانية، ومن أمثلة هذا هضم الألمان لشكسبير وأشعار إنجلترا الرومانسية، وهضمهم لحركة التنوير والثورة الفرنسية. لقد طوّرت وعدّلت فولتير إلى جوته وفيلاند Wieland، وطوّرت وعدّلت روسّوإلى شيلر وريشتر (ريختر) Richter، وردت على نابليون بحرب التحرير وأفسحت الطريق لإنجازات الشعب الألماني المتعددة في القرن التاسع عشر.

إن الحضارة مجال تعاون كما أنها مجال منافسة، وعلى هذا فإنه لأمر طيب حتىقد يكون لكل أمة ثقافتها وحكومتها واقتصادها وأزياؤها وأغانيها. إنها - أي الحضارة - قد أخذت أشكالاً مختلفة من النظم والتعبيرات لتصنع الروح الأوروبية على هذا القدر من الذكاء والمهارة والتباين، ولتصنع من أوربا اليوم فتنة جميلة لا ينتهي جمالها، وتراثاً لا ينضب.

جدل هيجل

طور هيجل نظرية في التاريخ أصبحت معروفة بالجدلية الهيجلية. وقد افترض هيجل حتى لكل التطورات التاريخية ثلاث خواص رئيسية. أولاً: أنها تتبع مسارًا حتميًّا ـ أي لاتكون قد اتخذت أي مسار آخر. ولفهم التطور التاريخي في أي منطقة من فكر أونشاط الإنسان، يجب حتى نرى لما حدثت بالضرورة كما هي. ثانيًا: لا يمثل جميع تطور تاريخي تغييرًا فقط بل تقدمًا أيضًا. ثالثًا: ناقش هيجل بأن أي طور من أطوار التطور التاريخي يميل إلى حتى يقابل ويستبدل بنقيضه ويميل هذا النقيض، بدوره، إلى الاستبدال بطورقد يكون حلاً بطريقة ما لمرحلتين متعارضتين. سميت هذه الأطوار الثلاثة للتطور الجدلي التقليدي، في العادة، الفرضية والنقيض والجمع بينهما. إلا حتى هيجل لم يستخدم هذه الاصطلاحات.

طبق هيجل نظريته في الجدل على جميع مظاهر الحياة البشرية. مثال ذلك أنه نطق: “إن المحاولة لتحقيق الإشباع من خلال ممارسة القوة والملكية الخارجية تميل إلى حتى تُرفَض في لقاء محاولة تحقيق حالة توافق وهدوء داخليتين. هذا التعارض بين نشاط خارجي وحالة عدم نشاط داخلي للعقل يمكن حتى يُحَل عن طريق بُزوغ النشاط الخارجي للفرد من حالة داخلية موافقة. أوإذا طرحنا مثالاً سياسيًا؛ تميل الفترة المحددة بهجريز القوة السياسية في يد إنسان واحد إلى حتى تتبعها فترة تُوزَّع فيها القوة توزيعًا واسعًا. ويمكن حل هذا التعارض، بفترة يتم فيها بعض التوزيع وبعض الهجريز للقوة. لهذا، يمكن حتى تُستبدل الملكية المطلقة بديمقراطية مطلقة، وبدورها تُستبدل الديمقراطية المطلقة بصيغة مماثلة للحكومة”.


ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، والمجتمعَ في نظر هيغل عناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ الفهمِ ، بين العقلِ والطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة، بين الفهم والإيمان، وأخيرا بين التنوير والرومانسية.

كان مشروع هيگل الرئيسي الفلسفي أَنْ يَأْخذَ هذه التناقضاتِ والتَوَتّراتِ ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة، موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، نادىها "الفكرة المطلقة "أَو" الفهم المطلقة".

طبقاً لهيگل، الخاصية الرئيسية في هذه الوحدةِ أنها تتُطوّرَ وتتبدى على شكل تناقضات Contradiction وإنكارات Negation . تولد التناقض والإنكار لَهُما طبيعة حركية في جميع مجال من مجالات الحقيقة -- الوعي، التاريخ، الفلسفة، الفن، الطبيعة، المجتمع -- وهذه الجدلية هي ما تؤدي إلى تطويرِ أعمق حتى الوصول إلى وحدة عقلانية تتضمن تلك التناقضاتَ كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن جميع تطوري أضم. هذا الكل عقلي لأن العقل وحده هوالقادر على تفهم كُلّ هذه المراحلِ والأجزاءِ الثانوية كخطوات في عملية الإدراك . وهوعقلاني أيضا لأن النظام التطوري المنطقي الكامن يقبع في أساس وجوهر جميع نطافات الواقع والوجود وهوما يشكل نظام التفكير العقلاني .

تقوم فلسفة هيجل المثالية على اعتبار حتى الوعي سابق للمادة بينما تقوم النظرية الماركسية على اعتبار حتى المادة سابقة للوعي على اعتبار حتى المادة هى من تحدد مدارك الوعي وبالتالي يتطور الوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان، كان ماركس أحد رواد حلقات عصبة الهيجليين ثم انشق عنها مؤلفا فلسفته الخاصة به، لا تستطيع النظرية الماركسية بماديتها تفسير جميع ما يدركه الوعي لأنها تفترض - على المطلق - بأن الوعي هوانعكاس تام عن المادة ولكن إذا سألنا أنفسنا عن ماهية المادة التي أعطت الوعي بعض المفاهيم المثالية كالحق والعدالة والرحمة فإنه لن تكون هناك أية مواد مزودة للوعي الإنساني لتلك المفاهيم، هناك حقائق مطلقة في هذا الكون كما أسماها هيجل على المجاز يعمل العقل البشري بكل من المادة والوعي ضمن علاقة مركبة بينهما على اكتشاف تلك الحقائق والنواميس التي تجتاز في حقيقتها وماهيتها حدود المادة القاصرة نفسهاعلى تفسير مثل تلك الظواهر إذا ما حاولنا فهمها بمادية مجردة، قد يمتد هذا الفهم إلى الميتافيزيق نفسه وهوما أنكره ماركس تحت مسمى ( الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة ).

وفاته

مات هيگل بسقم الكوليرا عام 1831 أما خطه عن الجماليات وفلسفة الدين وفلسفة التاريخ فلم تنشر إلا بعد موته.

عهد عن هيجل ميله الحاد إلى التناقض والتعقيد, فقد نادى إلى الأخلاق ونادى بالمسيحية ولكنه في الوقت نفسه أنجب ولدا غير شرعي. تناقض هيغل إنعكس لاحقا على المعجبين به والناقدين له, فهوموجود في الماركسية وذا بصمة واضحة في الاجتهادات البروتستانتية وهوشاهد لدى الوجودين ومرجع للبراغماتين. انه هيجل المتناقض.

يقول هيجل عن فلسفته أنها احتوت الفلسفات السابقة جميعا. فهوامتداد وليس نشوء جيد بل هوتفسير لما اراد من سبقه من الفلاسفة ان يقوله ولم تسعفهم التجربة الإنسانية في الإستدلال أوالإيضاح. يقول ولاس في ذلك " إذا مايريد هيجل حتى يقوله ليس جديدا ولا هوممضى خاص, إنما هوفلسفة كلية عامة تتداولها الأجيال من عصر إلى عصر, تارة بشكل واسع, وتارة بشكل ضيق, ولكن جوهرها ظل هوهولم يتغير, وقد ظلت على وعي بدوام بقائها وفخورة بإتحادها مع فلسفة أفلاطون وأرسطو".

إلا ان هذا لايعني بحال ان هيجل كإمتداد للسؤال المعهدي الأزلي كان مجرد تكرار. فهومؤسس الديالكتيكية باعتبارها فهما فلسفيا يعمم التاريخ لكامل الفهم ويصوغ القوانين الأكثر شمولا لتطوير الواقع الموضوعي. ناقدا المنهج الميتافيزيقي, مستخلصاً قوانين ومقولات ديالكتيكية, ولكن أيضا ضمن إطار مثالي. لقد أقام هيجل في فلسفته متتالية من القوانين : تغير الكم إلى الكيف, التطور من خلال التناقض والصراع, نزاع المحتوى والشكل, اعتراض الإستمرارية, تغير الإمكانية إلى الحتمية. وهي اسس إستند إليها ماركس وأنجلس كما انها مهدت للإنطلاق الفهمي وفتحت العقل البشري على الذرة والأوزان الذرية. لقد عارض هيجل إقفال كانط للباب المعهدي ونفى حتىقد يكون هناك إستحالة في فهم الأمور لسبب يتعلق بذات الأمور أوبذات الطبيعة الكلية. فالقوةالخفية للعالم عنده لا تقف عطلة أمام التوسع المعهدي, كما حتى الأمور بذواتها ليست لها ممانعة معهدية. وهوأكد على وحدة الجوهر والمظهر نافيا الإنفصال الذي اسس عليه أفلاطون فلسفته. وهوما قاده إلى انكار الانفصال المطلق بين العقل والحواس كما عمل اليونان القدماء اوبين الحق والباطل كما عملت الأديان وتعمل اليوم الأصوليات الحديثة المتصارعة على المسرح الدولي.

لقد ميز هيگل بين ثلاث مفاهيم مبينا التداخل والانفصال فيها ،الحقيقة, والوجود, والوجود العملي. وعبر علاقة معقدة بينها وصل إلى ان الفهم مرتبطة بمدى إدراكنا للمادة وان هذا الإدارك متغير بتغير الزمن والتراكم المعهدي. فنحن نعطي للشيء تعريفه من خلال التصورات التي نملكها في مخزوننا الثقافي وتنطبق عليه. بيد حتى تلك التصورات لا تشكل الحقيقة النهائية للشيء. وهوهنا يناقش أفلاطون القائل: لست أنا الذي يصنف الأمور, لأن الفئات نفسها لها وجود مستقل عن ذهني, فالجانب الحقيقي في موضوعات الحس هوالكليات, ولكن المصدر الذي من خلاله نعهد الكليات ليس الاحساس وإنما العقل. لأن الإحساس لا يستطيع حتى يزودنا بالتصورات بما حتى التصورات تتكون عن طريق التجريد أوالإستدلال, ومن ثم فالعقل هومصدر الحقيقة الوحيد. لأن الإحساس يعطينا الظاهر, اما العقل فيعطينا الحقيقة. لقد أيد هيجل في نقاشه لمقولة أفلاطون تلك حتى هناك إنفصالا بين الحسي والعقلي ولكنه ليس إنفصالا مطلقا, بل علاقة متداخلة. وأن الفهم بكليتها ناتجة عن تلك العلاقة المتداخلة بني الحسي والعقلي. ومن هذا الاساس الجدلي نشأت فكرته عن الوحدة المطلقة بين الفكر والوجود وشكلت الأساس الذي قامت عليه فلسفته برمتها. لقد رأى هيجل ان الوصول إلى الوعي من المادة محال, كما يرى الماديون, كما حتى إستخلاص المادة من الوعي, كما تقول الأديان, محال بدروه. لذا نظر إلى الوعي بوصفه نتيجة للتطور السابق لجوهر أولي مطلق لايشكل وحدة مطلقة للذاتي والموضوعي دون أي تمايز بينهما, وعليه فالوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي وحدة الوجود والفكر. حيث يتمايز الذاتي والموضوعي, فكريا فقط.

كتابات هيجل

تناول هيجل في أول كتاب نشر له، فنومينولوجيا الروح (1807م) مع تطور صيغ الوعي، وتضم صِيَغُ الوعي هذه اختلافات ثرية ومحيرة لحالات العقل، ومناظرَ للعالم، ومواقف أخلاقية، ونظراتٍ دينية نصرانية، وأنواعًا للنشاط الطبيعي، وصيغًا لتنظيمات اجتماعية.

وقد حاول هيجل حتى يوضح كيف من الممكن أن تم التقدم فيما اعتبره تسلسلاً ضروريًا وتاريخيًا تحرك خلال تناقض وحل لمستويات نضج أكبر.

وحاول هيجل في كتابه الثاني، فهم المنطق (1812 – 1816م)، حتى يبين نوع الجدل نفسه في تطوير النظريات الفلسفية عن الحقيقة. واحتوت موسوعة العلوم الفلسفية (1817م)، نظامه الفلسفي في صورة مكثفة. وتشتمل على ثلاثة أقسام: صيغة قصيرة للكتابة عن المنطق، وفلسفة الطبيعة وفلسفة الروح. وحلل كتابه الأخير فلسفة الحق (1821م)، التطور الجدلي للنظم الاجتماعية، والأخلاقية، والقانونية. وبعد وفاة هيجل، نشر تلاميذه محاضراته عن فلسفة التاريخ، والدين، والفن، وعن تاريخ الفلسفة. وقد أعادوا كتابة المحاضرات بصورة أساسية، من مذكراتهم.

هامش


انظر أيضاً

  • Thesis, antithesis, synthesis
  • الوعي السياسي
  • The Secret of Hegel
  • إميل فاكنهايم
  • هاينريش موريتس تشاليبويس
  • African Uplands

أعماله

أعمال نشرت في حياته

  • Differenz des Fichteschen und Schellingschen Systems der Philosophie, 1801
    The Difference Between Fichte's and Schelling's Systems of Philosophy, tr. H. S. Harris and Walter Cerf, 1977
  • Phänomenologie des Geistes, 1807
    Phenomenology of Mind, tr. J. B. Baillie, 1910; 2nd ed. 1931
    Hegel's Phenomenology of Spirit, tr. A. V. Miller, 1977
  • Wissenschaft der Logik, 1812, 1813, 1816
    Science of Logic, tr. W. H. Johnston and L. G. Struthers, 2 vols., 1929;
    tr. A. V. Miller, 1969
  • Enzyklopädie der philosophischen Wissenschaften, 1817; 2nd ed. 1827; 3rd ed. 1830 (Encyclopedia of the Philosophical Sciences)
    (Pt. I:) The Logic of Hegel, tr. William Wallace, 1874, 2nd ed. 1892;
    tr. T. F. Geraets, W. A. Suchting and H. S. Harris, 1991
    (Pt. II:) Hegel's Philosophy of Nature, tr. A. V. Miller, 1970
    (Pt. III:) Hegel's Philosophy of Mind, tr. William Wallace, 1894; rev. by A. V. Miller, 1971
  • Grundlinien der Philosophie des Rechts, 1821
    Elements of the Philosophy of Right, tr. T. M. Knox, 1942;
    tr. H. B. Bisnet, ed. Allen W. Wood, 1991

كتابات له نشرت بعد وفاته

  • Lectures on Aesthetics
  • Lectures on the Philosophy of History (also translated as Lectures on the Philosophy of World History) 1837
  • Lectures on Philosophy of Religion
  • Lectures on the History of Philosophy

كتابات ثانوية

مقدمات عامة

  • Plant, Raymond, 1983. Hegel: An Introduction. Oxford: Blackwell
  • Singer, Peter, 2001. Hegel: A Very Short Introduction. Oxford University Press (previously issued in the OUP Past Masters series, 1983)
  • Beiser, Frederick C., 2005. Hegel. Routledge
  • Findlay, J. N., 1958. Hegel: A Re-examination. Oxford University Press. ISBN 0-19-519879-4
  • Kaufmann, Walter, 1965. Hegel: A Reinterpretation. New York: Doubleday (reissued Notre Dame IN: University of Notre Dame Press, 1978)
  • Taylor, Charles, 1975. Hegel. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-29199-2. A comprehensive exposition of Hegel's thought and its impact on the central intellectual and spiritual issues of his and our time.
  • Kainz, Howard P., 1996. G. W. F. Hegel. Ohio University Press. ISBN 0-8214-1231-0.

منطقات

  • Beiser, Frederick C. (ed.), 1993. The Cambridge Companion to Hegel. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-38711-6. A collection of articles covering the range of Hegel's thought.
  • Adorno, Theodor W., 1994. Hegel: Three Studies. MIT Press. Translated by Shierry M. Nicholsen, with an introduction by Nicholsen and Jeremy J. Shapiro, ISBN 0-262-51080-4. Essays on Hegel's concept of spirit/mind, Hegel's concept of experience, and why Hegel is difficult to read.

سير

  • Althaus, Horst, 1992. Hegel und die heroischen Jahre der Philosophie. Munich: Carl Hanser Verlag. Eng. tr. Michael Tarsh as Hegel: An Intellectual Biography, Cambridge: Polity Press, 2000
  • Pinkard, Terry P., 2000. Hegel: A Biography. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-49679-9. By a leading American Hegel scholar; aims to debunk popular misconceptions about Hegel's thought.
  • Rosenkranz, Karl, 1844. Georg Wilhelm Friedrich Hegels Leben. Still an important source for Hegel's life.
  • Hondt, Jacques d', 1998. Hegel: Biographie. Calmann-Lévy

تاريخية

  • Rockmore, Tom, 1993. Before and After Hegel: A Historical Introduction to Hegel's Thought. Indianapolis: Hackett. ISBN 0-87220-648-3.

تطور هيگل

  • Lukács, Georg, 1948. Der junge Hegel. Zurich and Vienna (2nd ed. Berlin, 1954). Eng. tr. Rodney Livingstone as The Young Hegel, London: Merlin Press, 1975. ISBN 0-262-12070-4
  • Harris, H. S., 1972. Hegel's Development: Towards the Sunlight 1770-1801. Oxford: Clarendon Press
  • Harris, H. S., 1983. Hegel's Development: Night Thoughts (Jena 1801-1806). Oxford: Clarendon Press
  • Dilthey, Wilhelm, 1906. Die Jugendgeschichte Hegels (repr. in Gesammelte Schriften, 1959, vol. IV)
  • Haering, Theodor L., 1929, 1938. Hegel: sein Wollen und sein Werk, 2 vols. Leipzig (repr. Aalen: Scientia Verlag, 1963)

كتابات حديثة بالإنجليزية عنه

  • Inwood, Michael, 1983. Hegel. London: Routledge & Kegan Paul (Arguments of the Philosophers)
  • Rockmore, Tom, 1986. Hegel's Circular Epistemology. Indiana University Press
  • Pinkard, Terry P., 1988. Hegel's Dialectic: The Explanation of Possibility. Temple University Press
  • Westphal, Kenneth, 1989. Hegel's Epistemological Realism. Kluwer Academic Publishers
  • Forster, Michael N., 1989. Hegel and Skepticism. Cambridge MA: Harvard University Press. ISBN 0-674-38707-4
  • Pippin, Robert B., 1989. Hegel's Idealism: the Satisfactions of Self-Consciousness. Cambridge University Press. ISBN 0-521-37923-7. Advocates a stronger continuity between Hegel and Kant.

فلسفة ظواهر الروح

(انظر أيضاً الموضوع فهم ظواهر الروح.)

  • Stern, Robert, 2002. Hegel and the Phenomenology of Spirit. Routledge. ISBN 0-415-21788-1. An introduction for students.
  • Hyppolite, Jean, 1946. Genèse et structure de la Phénoménologie de l'esprit. Paris: Aubier. Eng. tr. Samuel Cherniak and John Heckman as Genesis and Structure of Hegel's "Phenomenology of Spirit", Evanston: Northwestern University Press, 1979. ISBN 0-8101-0594-2. A classic commentary.
  • Kojève, Alexandre, 1947. Introduction à la lecture de Hegel. Paris: Gallimard. Eng. tr. James H. Nichols, Jr., as Introduction to the Reading of Hegel: Lectures on the Phenomenology of Spirit, Basic Books, 1969. ISBN 0-8014-9203-3 Influential European reading of Hegel.
  • Solomon, Robert C., 1983. In the Spirit of Hegel. Oxford: Oxford University Press.
  • Harris, H. S., 1995. Hegel: Phenomenology and System. Indianapolis: Hackett. A distillation of the author's monumental two-volume commentary Hegel's Ladder.
  • Westphal, Kenneth R., 2003. Hegel's Epistemology: A Philosophical Introduction to the Phenomenology of Spirit. Indianapolis: Hackett. ISBN 0-87220-645-9
  • Russon, John, 2004. Reading Hegel's Phenomenology. Indiana University Press. ISBN 0-253-21692-3.

المنطق

(See also the article Science of Logic.)

  • Hartnack, Justus, 1998. An Introduction to Hegel's Logic. Indianapolis: Hackett. ISBN 0-87220-424-3
  • Wallace, Robert M., 2005. Hegel's Philosophy of Reality, Freedom, and God. Cambridge University Press. ISBN 0-521-84484-3. Through a detailed analysis of Hegel's Science of Logic, Wallace shows how Hegel contributes to the broadly Platonic tradition of philosophy that includes Aristotle, Plotinus, and Kant. In the course of doing this, Wallace defends Hegel against major critiques, including the one presented by Charles Taylor in his Hegel.

السياسة

  • Avineri, Shlomo, 1974. Hegel's Theory of the Modern State. Cambridge University Press. Best introduction to Hegel's political philosophy.
  • Ritter, Joachim, 1984. Hegel and the French Revolution. MIT Press.
  • Marcuse, Herbert, 1941. Reason and Revolution: Hegel and the Rise of Social Theory. An introduction to the philosophy of Hegel, devoted to debunking the conception that Hegel's work included in nuce the Fascist totalitarianism of National Socialism; the negation of philosophy through historical materialism.
  • Rose, Gillian, 1981. Hegel Contra Sociology. Athlone Press. ISBN 0-485-12036-4.

الدين

  • Desmond, William, 2003. Hegel's God: A Counterfeit Double?. Ashgate. ISBN 0-7546-0565-5
  • O'Regan, Cyril, 1994. The Heterodox Hegel. State University of New York Press, Albany. ISBN 0-7914-2006-X. The most authoritative work to date on Hegel's philosophy of religion.
  • Dickey, Laurence, 1987. Hegel: Religion, Economics, and the Politics of Spirit, 1770-1807. Cambridge University Press. ISBN 0-521-33035-1. A fascinating account of how "Hegel became Hegel", using the guiding hypothesis that Hegel "was basically a theologian manqué".

سمعة هيگل

  • Popper, Karl. The Open Society and Its Enemies, vol. 2: Hegel and Marx. An influential attack on Hegel.
  • Stewart, Jon, ed., 1996. The Hegel Myths and Legends. Northwestern University Press.

وصلات خارجية

  • The new HegelWiki
  • A superior biography of Hegel with graphics
  • Hegel.net - resources available under the GNU FDL
  • Hegel.net - wiki article on Hegel
  • Alicia Farinati - Hegelian Works Several articles on Hegel. Available in English, Spanish and French
  • Commented link list
  • Hegel mailing lists in the internet
  • Explanation of Hegel, mostly in German
  • Discussion of the Hegelian tradition, including the Left and Right schism
  • The Hegel Society of America
  • Hegel in Stanford Encyclopedia of Philosophy
  • http://www.gwfhegel.org/
  • Hegel page in 'The History Guide'
  • Is Hegel a Christian?
  • Rethinking the Place of Philosophy with Hegel - Call for Papers for Cosmos and History

نصوص هيگل على الوب

  • أعمال من Georg Wilhelm Friedrich Hegel في مشروع گوتنبرگ
  • Philosophy of History Introduction
  • Hegel's The Philosophy of Right
  • Hegel's The Philosophy of History
  • Hegel by HyperText, reference archive on Marxists.org


تاريخ النشر: 2020-06-05 03:58:09
التصنيفات: Articles with hCards, گيورگ ڤيلهلم فريدريش هيگل, مواليد 1770, وفيات 1831, فلاسفة ألمان, فلاسفة القرن 19, فلاسفة قاريون, فلاسفة اللغة الألمانية, مثاليون, فلاسفة القانون, منطقيون, فلاسفة أخلاقيون, ميتافيزيقيون, فلاسفة سياسيون, منظرون سياسيون, رومانسية, فلاسفة اجتماعيون, نظريات التاريخ, Western mystics, لوثريون ألمان, طاقم تدريس جامعة هومبولت في برلين, أشخاص من شتوتگارت, وفيات بالكوليرا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اعتراف بعد 22 عاما يثير الدهشة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:03
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

انطلاق فعاليات أكبر مؤتمر دولي لخدمات الحج والعمـرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

بيل يهجر معشوقة الملايين السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:02
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

الحكومة اليمنية تنتقد الصمت الدولي على جرائم الحوثي ضد الأطفال

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:26:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

المصنفة الأول تشارك ببطولة أرامكو السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

مصرع 21 شخصا في انقلاب حافلة على الحدود الأوغندية الكينية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:26:27
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

إدارة الأهلي تحتج بالاستقالة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:24:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

خالد الفيصل يدشن أعمال معرض ومؤتمر الحج والعمرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:01
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

وزير الحج والعمرة: عودة الحج هذا العام بدون قيود أو شروط السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:04
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

ماريجا يزيد معاناة الهلال السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:24:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

عاجل| وزير الحج والعمرة: عودة الحج العام الجاري دون قيود أو شروط

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:26:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

المغرب في مرتبة متقدمة عالميا بين أكثر الدول أماناً في العالم

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:43
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

"الأمن البيئي" يضبط 13 مخالفا لإشعالهم النار في المناطق المحمية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:26:20
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

البرج: توقيف منتحل صفة جمركي وشاب يروج المهلوسات بجوار مؤسسة تربوية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:25:02
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية