ثورة الثامن من آذار 1963

عودة للموسوعة

ثورة الثامن من آذار 1963

كمال خلف الطويل
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

ثورة الثامن من آذار، وهي انقلاب عسكري جرى في سوريا بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي فيثمانية آذار / مارس 1963 للإطاحة بما يطلق عليه حكومة الانفصال التي وصلت إلى السلطة بعد الانتخابات التي تلت الانفصال عن مصر. وقد أصبح من ذلك الوقت يوماً تجرى فيه الاحتفالات الرسمية في سورية باعتباره "ثورة العامل والفلاح".

أجريت الانتخابات وقام البعثيون بتشكيل مجلس لقيادة الثورة اشتمل على مجموعة من الأعضاء العسكريين والمدنيين.

خلفية

كان النصف الأول من عام 1963 حافلا بالأحداث التي طبعت ببصماتها حقبة الستينات من القرن الماضي، واستمر تأثيرها بدرجات متفاوتة عبر العقود الثلاثة التالية من ذات القرن . كانت البداية في الانقلاب الدموي صبيحة الثامن من شباط/ 14 رمضان في بغداد , والذي دبره وقاده حزب البعث , واشهجر فيها , دون سابق تجهيز, الضباط القوميون - الناصريون . اتخذت القيادة القومية لحزب البعث قرارها بالانقلاب في النصف الثاني من عام 1962 , وكان السباق لاهثا بين تحضيراتها وبين تلك التي كانت تعدها حركة القوميين العرب تحت قيادة نايف حواتمة المسؤول حينها عن الساحة العراقية . كان الاصطفاف القومي عموما ضد نظام عبد الكريم قاسم قاطعا ونهائيا ، وما عادت الا مسألة مسالة وقت قبل حتى يقع الصدام النهائي بكل احتمالاته المفتوحة .

والطريف في الأمر أنه لما انبلج فجرثمانية شباط كان قائدي المحاولتين البعثية والناصرية في السجن ( حواتمة، وعلي صالح السعدي ) ، لكن طاقم البعث القيادي خارج السجن , وعلى رأسه حازم جواد ، سارع بالتحرك قبل انقضاض نظام قاسم على بقاياه في الخارج وعمل ، في حين حتى توقيت حواتمة لانقلابه كان بعد أسبوعين أوما يقارب . وبالرغم من ذلك، سارع الضبط القوميون , حال إحساسهم بما لاح , بإلقاء ثقلهم خلف كوادر البعث العسكرية والمدنية التي تحركت إلى وزارة الدفاع ـ قلعة قاسم .

الحديث عن ترتيبات البعث له مكان آخر، خصوصا في ضوء ما تكشّف من وثائق أمريكية حديثة حول عزم وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) إسقاط نظام قاسم ، وفي ضوء مرجع حنا بطاطووحيثياته ، وما نقل عن علي السعدي بـ"إننا أتينا إلى السلطة بقرار أمريكي" المهم هنا هوحتى البعث بجناحيه المعتدل والمتطرف (حازم جواد، علي السعدي ) وصل إلى السلطة مع شركائه الصغار من فصائل قومية ومعهم رئيس الجمهورية المعين عبد السلام عارف .

كان لهذا الوصول عمل السحر في إنهاض حزب البعث , أوما تظل منه بزعامة ميشيل عفلق ، من ركوده وسباته الطويل منذ خروجه من حكم الوحدة , وعبر فترة الانفصال وما أدت إليه من انفجار الحزب إلى شظايا أربع : القيادة القومية ( عفلق والبيطار ) والاشتراكيون العرب (أكرم الحوراني) والقطريون (عيد عشاوي ورهطه) والوحدويون الاشتراكيون (سامي صوفان). علاقة البعث العفلقي بعبد الناصر حينها كانت في الدرك الأسفل , ولوحتى درجة وحجم سوئها لم يخرج للعلني، بل اقتصر على المجالس والمنشورات والاجتماعات . مبعث ذلك من وجهة نظر عبد الناصر حتى البعث خرج من الوحدة , وليس من الحكم , حين استنطق رجالاته من الوزارة في ديسمبر 1959 .

فاقم ذلك توقيع صلاح البيطار ومنصور الأطرش على وثيقة الانفصال في أكتوبر 1961، ثم بيانات القيادة القومية التي تلت الانفصال وحملت الكثير من النقد المرير لحكم الوحدة . من جهة أخرى كان قادة البعث يحسون بالمهانة من تهميشهم خلال فترة الوحدة ومن سياسات الإقصاء التي اتبعت نحوهم - أوهكذا اعتقدوا - , سيّما وحتى ميشيل عفلق كان يتطلع لأنقد يكون مفكر النظام إلى جانب قائده عبد الناصر، وإلى حتى يتصدر البعث سلطة الوحدة في إقليمها السوري لكونه الجهة الأجدر بذلك من سواه . المهم أنه عندما وصل تلامذة عفلق للسلطة في بغداد لم تكن الأحوال على ما يرام بينه وبين القاهرة , ورغم ذلك سارع عبد الناصر إلى تأييد انقلاب البعث بكل قوته واستضاف نجومه بعد أسبوعين في احتفال عيد الوحدة بتعبير "الحمد لله" . كان تقدير عبد الناصر حتى البعث على جميع "عيوبه" أفضل ألف مرة من عبد الكريم قاسم ، وأن الكثير من القادة العراقيين لا ذنب لهم في " مساوئ " عفلق ومجموعته السورية ، وأن الزمن كفيل بحلحلة العلاقة مع البعث في مجمله صوب آفاق أفضل ، خصوصا وأن الاصطفاف القومي سيملي اعتباراته على أي عوامل للفرقة ، وفي ضوء حتى الوضع العربي والإقليمي المحيط يسهّل لم الضم (السعودية، الأردن، إيران وهجريا ناهيك عن الغرب) .

كان في ذهن عبد الناصر كضمان محلي لعلاقة معقولة، وجود عناصر قومية غير بعثية في النظام الجديد على رأسها عبد السلام عارف , وأن تفاعلات الوضع الرجراج في دمشق ستفضي إلى نظام أقرب إليه من البعث، وبالتالي فالتوازن باد في الأفق . أدرك عبد الناصر في ذلك التاريخ حتى سقوط الانفصال في دمشق مسألة وقت وأن انقلاب بغداد هوالمفاعل الأخير. شهر واحد فصل ما بين حدثي بغداد ودمشق وأتى بجنين عجائبي مشوّه حمل معالم تحالف بعثي ـ ناصري ـ مستقل لا يجمع بين أطرافه شيء سوى حافزالانقلاب على الانفصال , وكل لمبتغاه . تشكّل مجلس قيادة الثورة من 11 ضابطا , منهم أربعة ناصريين وثلاثة بعثيين وأربعة مستقلين . ضمّ عن البعث : محمد عمران وصلاح حديث وموسى الزعبي , وعن الناصريين : راشد قطيني وفواز محارب وكمال هلال ودرويش الزوني , وعن المستقلين : لؤي الأتاسي وزياد الحريري وغسان حداد وفهد الشاعر. تشكلت مع المجلس، وزارة برئاسة القطب البعثي صلاح البيطار, تناصف مقاعدها البعث والفئات الوحدوية (9 بعثيين وتسعة وحدويين) .


نظرة عبد الناصر للوضع بعدثمانية آذار

لم تكن صيغة نظام كهذا مريحة لعبد الناصر, لولا أنها على علاتها أفضل من نظام الانفصال بكل المقاييس . لكن هاجسا جديدا ارتفع الآن في الأفق أمامه... كان هاجسا صغيرا مع انقلاب شباط في بغداد وأصبح باسقا مع انقلاب آذار في دمشق ... هذا الهاجس هوحكم غلّاب للبعث في الهلال الخصيب يشكل قطبا منافسا ومحورا مزاحما لقيادته ، ويقع بين طرفيه كما لوبين المطرقة والسندان . عادلت هذا الشعور بالقلق حقيقة حتى الشارع السوري كان ناصريا في جلّه ، وأن كوادر الجيش السوري كانت تعج بالناصريين , ومن ثم صعوبة تمكن البعث من حسم الموقف لصالحه هناك ....أوهكذا افترض . كان نداء الوحدة في الشارع السوري صاخبا ومهيمنا , مما نادى سلطتي بغداد ودمشق الجديتين على جميع تناقضاتهما الداخلية لأن تسعى لعبد الناصر طلبا لوحدة ثلاثية . عفلق , من جهته , كان يخطط لمسعى وحدوي يضع فيه عبد الناصر داخل قفص المشاركة النديّة من واقع تأثير البعث الأساسي في القطرين . فيما كان عبد الناصر غير قادر على الرفض لتعارض ذلك مع أساسيات قناعاته في طلب الوحدة. المتغيّر الغائب عن ذهن كليهما , في حينه , كان مخطط اللجنة العسكرية للبعث السوري في التمهيد للتخلص من قيادة عفلق البعثية ، وفي التملص من العودة لعباءة عبد الناصر. ساهم في تفعيل هذا المخطط النفور الشديد والمستحكم في العلاقة الناصرية ـ العفلقية مما يسّر لعسكر البعث حتى يمضوا قدما في نهجهم . تجلى ذلك المخطط في " بعثنة " بعض المستقلين من أعضاء مجلس الثورة (غسان حداد وفهد الشاعر) , وفي إقصاء أهمّهم (زياد الحريري) ، والأهم في تسريح الضباط الناصريين بالتدريج. ساير عفلق هذا المخطط في حينه ، ظنّا من أنه بذلك يوطد سلطة البعث في سوريا , وبما يجعل من صيغة المشاركة في الدولة الاتحادية المقبلة يقينا مؤكدا وليس احتمالا مقلقلا.

ساعد هذا المخطط حتى توفّر له ضابط من خارج اللجنة العسكرية ... بعثي قديم ذوطابع بدوي , يحمل في طياته احتراما كبيرا لعدوعبد الناصر الأشد أكرم الحوراني , وبقايا ولاء لعفلق , وكراهية شديدة لعبد الناصر ورهطه المحلي ... هوأمين الحافظ , الذي ألقى بمجدافه في سفينة اللجنة العسكرية متصديا لأصعب المهمات ، سواء على صعيد منصبه كوزير للداخلية ونائب للحاكم العهدي , أم على صعيد صلاته بالضباط البعثيين غير المؤطرين في اللجنة العسكرية . بدأت جولات المفاوضات بين عبد الناصر وبين القيادتين السورية والعراقية بعد أيام من انقلاب آذار السوري وحفلت بتسجيل المواقف بين البعث وعبد الناصر ونبش الماضي وتحميل المسؤوليات حول القريب منه والبعيد . وكمحاولة من عفلق للوصول إلى صيغة تفاهم ، مضى ومعه البيطار إلى القاهرة فيما بدا استمرارا - لا أكثر - للجولة الأولى . عند ذاك المفصل كانت خيارات عبد الناصر قد ضاقت ما بين إيقاف التفاوض والاكتفاء بصيغة مطاطة للتعامل المعقول , بما تحمله تلك الصيغة من إحباط كبير للشارع الوحدوي في سوريا والعراق , وبين المضي قدما في الوصول لصيغة وحدوية بضمانات مقبولة أهمها توازن الوضع السوري ما بين قطبيه البعثي والناصري كصمام أمان لعدم وقوعه بين المطرقة والسندان . بيت القصيد هنا حتى وضعا كهذا استحال أمام إصرار اللجنة العسكرية على مخططها وبتغطية حزبية. لاح لعفلق اثرها حتى دولة للبعث في القطرين بديل ممكن وفي المتناول أمام إصرار عبد الناصر على تغليب شكوكه ، وانعدام ثقته في قيادة البعث في إطار وحدة ثلاثية .

الوضع الدولي والإقليمي

نأتي الان إلى تكييف الوضعين الإقليمي والدولي المحيط بتلك الفترة..... ليس مثارا للاستغراب حتى الولايات المتحدة , والمعسكر الغربي من خلفها , لم تكن سعيدة باحتمال قيام دولة عربية كبرى من الفرات إلى النيل , ويشاطرها ذلك الخوف، إسرائيل، إيران، هجريا , وأنظمة التبعية العربية . خفف من قلق الولايات المتحدة , مضفيا بعض طمأنينة , حتى عوامل التنافر داخل مثلث مصرـ سوريا ـ العراق، يرجح لها حتى تقي من تجسد ذلك الخطر.

كان هناك قلق لدى الاتحاد السوفيتي من احتمال الوحدة لشعوره أنها - وخصوصا بعد الضربة المدمرة للحزب الشيوعي العراقي في شباط - ستسحب البساط مرة وإلى الأبد من تحت أقدام الأحزاب الشيوعية العربية , وستبني محورا أكبر من المطلوب جنب حدودها الجنوبية ليس له فيه النفوذ الكافي . في اللقاء كان للولايات المتحدة كثير من الأمل مع سقوط نظام قاسم على يد البعث ، على حتى يبقي ذلك العراق خارج إطار النفوذ الناصري لفهمها بما يفرّق الطرفين من عوامل , بل وأن يصبح قطبا منافسا مع مرور الوقت .

السؤال الحيوي هنا : هل كان الفراق الناصري ـ البعثي قدرا محتما ربيع ذلك العام الحاسم 1963 ؟ الواضح حتى مجموعة مهمة من قيادة البعث (عبد الكريم زهور، جمال الأتاسي وسامي الدروبي) سعت بشكل حثيث نحوإيجاد علاقة جديدة وصحية بين البعث وعبد الناصر عبر إصرارهم على الانفتاح المخلص على باقي الفئات الوحدوية سواء في القطاع المدني أم العسكري , وعبر اقتناعهم رويدا رويدا حتى مستقبل البعث كقوة وحدوية يقع ضمن الإطار الكامل لقيادة عبد الناصر القومية الجامعة , خصوصا وأن الأخير أبدى تطورا ملحوظا نحوصيغة أكثر ديمقراطية للحكم تضم إقراره بوجود الأحزاب في إطار الدولة الجديدة ، ولوضمن جبهة قومية في جميع من القطرين , وتضم نقده الذاتي لحل الأحزاب القومية في دولة الوحدة المصرية ـ السورية .

ميثاق الوحدة في 17 نيسان 1963

ما الذي أوصل ميثاق 17 نيسان الذي وصلت إليه الأطراف الثلاثة المتفاوضة في ذلك التاريخ إلى الانهيار؟ لقد تم الاتفاق بعد الجولة الثالثة والموسعة، والتي بدأت فيخمسة نيسان واستمرت قرابة الأسبوعين . كانت افتتاحيتها عتابا مريرا بين عبد الناصر وقطب البعث البيطار غطّى خلافات الفترة السابقة، والتي هجرزت حول الصراع البعثي ـ الناصري في سوريا . ثم ما لبثت المحادثات حتى تطورت إلى اتفاق على شكل للوحدة فيه من الائتلاف أكثر من التوحد , ولكنه يرضي جميع الأطراف في الحد الأدنى .

إعلان عبد الناصر سقوط ميثاق الوحدة في 23 يوليو1963

إذن ما الذي جرى بين 17 نيسان و23 تموز حين أعرب عبد الناصر سقوط الميثاق ،يا ترى؟ هناك عاملان :

الأول : مضيّ اللجنة العسكرية للبعث السوري قدما في حملة تسريحات الضباط الناصريين , وبضمنهم قادتهم الكبار (القطيني وصحبه) , والاعتنطقات الكثيفة للعناصر الناصرية في العراق , وكلاهما سقط في شهر أيار وتواصل في شهر حزيران . خلال تلك الفترة استنطق الوزراء الناصريون من وزارة البيطار وجرت مظاهرات كبيرة في عديد من المدن السورية قمعها أمين الحافظ بعنف ملحوظ . كان ذلك فوق طاقة احتمال عبد الناصر, إذ شعر حتى ما خشيه من أول الدرب واصل إلى التحقق وتحت غطاء الميثاق ، ومن هنا اتى قراره .

هل كان توجسه من غضبة القطبين الأعظم حافزا له على التملص من تبعات الوحدة خصوصا وأنه ليس بمسيطر ان مضت الأمور في سوريا والعراق إلى نهايتهما البعثية ؟ يصعب الجزم بأهمية هذا العامل في غياب وثائق الدولة المصرية تلك الفترة عن أعين المؤرخين .


هل كان سقوط ميثاق الوحدة حتميا ؟

واضح حتى قيادة البعث , وإن سرّت في قراراتها من تصرفات اللجنة العسكرية ظنا منها بأن ذلك يقوي أوراقها إلا أنها كانت أيضا تخشى بأس عبد الناصر، وموالاة الشارع السوري له. من هنا محاولاتها بعد سقوط وزارة البيطار، حتى تأتي بوزارة يرأسها وجه بعثي مقبول لعبد الناصر مثل سامي الدروبي أوسامي الجندي، ومن باب المناورة وشراء الوقت . لقد كان ميشيل عفلق قوميا عربيا بلا جدال وذونزوع وحدوي لا شبهة حوله , لكن رؤاه لهذا النزوع وتجسده شابتها ذاتية حزبية نرجسية سقمية قادته إلى صدام مقادير مع عبد الناصر لم يراعي فيه ضرورات الأمن القومي العربي، وأول أبجدياته سلامة الجيش السوري ومنع إفراغه من كوادر كبيرة من شتى المراتب . كان نفس عبد الناصر ـ باللقاء ـ قصيرا في استيعابه لهواجس البعث وفي فصده العوامل المركبة لهذه الخيمة الكبيرة ـ البعث ـ من بعض لا يرضى بغير دوام الانفصال ـ تحت قناع الوحدوية ـ بديلا ... عن سواها من عناصر وحدوية الميول والغايات على تفاوت شرائحها .

لم يكن سقوط الميثاق حتمية تاريخية..... كان يمكن لشخص أساسي في القيادة المصرية حينها ـ كمال حملت ـ حتى يلعب من دمشق، دورا إيجابيا في لم الضم والوصول إلى قواسم مشهجرة تساعد مجموعة زهور من داخل البعث في تجسيد الوحدة . كان يمكن لعبد السلام عارف ورهطه في العراق حتى يلعب ذات الدور في إيجاد توازن - ولومختل - مع عصبة البعث هناك . وكان يمكن لوسطاء الخير مثل المهدي بن بركة وعبد الرحمن اليوسفي حتى يشكلوا جسر تفاهم يرعى للبعث مكانة مرموقة في إطار النظام الجديد , ويحفظ لعبدالناصر قيادته التاريخية في آن

كم أخطئوا جميعا في الولوغ عميقا في سرداب يفضي إلى الخيبة . لقد كان لمجرد قيام دولة الوحدة الثلاثية حتى يخلق في حد ذاته تيارا كهربيا يصد عنها الكثير من غوائل الزمان , وفق قدر معقول من التفهم المتبادل , وبواقع حتى عبد الناصر هوالقائد وحتى البعث فصيل أساسي جدا في بنيان القيادة . كان أول الخاسرين من سقوط الميثاق ـ بعد الأمة العربية جمعاء - هوميشيل عفلق.... إذ لم تمض سوى شهور ثلاث على اختطاف الحزب في سوريا منه بقيادة مجموعة ماركسية التفّت حول المنظّر ياسين الحافظ قامت , وبرعاية من اللجنة العسكرية , باسقاط صلاح البيطار في انتخابات القيادة القطرية ، وفرضت مناهجها الماركسية على المؤتمر القومي السادس في اكتوبر 1963 . ثم استمر مسلسل التراجع في سوريا رغم محاولات عفلق المضنية مطالع 1964 إعادة إحكام قبضته على الحزب , إذ ما لبث "القطريون" حتى دخلوا الحزب من أوسع أبوابه ـ وبرعاية اللجنة العسكرية ـ وصولا إلى صدامهم الدامي مع القيادة القومية في شباط 1966 .

باللقاء ما الذي ربحه عبد الناصر من هجر سوريا للبعث في تموز 1963 ؟ لا شيء إطلاقا..... إذ خرجت الحوادث هناك من تحت سيطرته لتشهد تفسخ البعث إلى شظايا بعد حتى ضرب الناصريون ضربة ماحقة بعد انقلابهم الفاشل في 18 تموز.

هل كان عبد الناصر على فهم مسبق بهذا الانقلاب المأساة ؟ لا مرشد مع أوضد بغياب الوثائق التاريخية , لكن انقلابا غير مضمون النتائج ما كان له إلا حتى ينقلب على معدّيه . لوكان يريد انقلابا عسكريا على البعث لأشار بذلك في الربيع عندما كانت قوة الناصريين في الجيش في أوجها , وقدرتهم على ترتيب تغيير جذري راجحة . ثم أيعقل حتى يومئ للانقلابيين بالتحرك في ذات اليوم الذي كان يستقبل فيه في الإسكندرية لؤي الأتاسي ومحمد عمران فيما وصف حينها بالمحاولة الأخيرة للإنقاذ ؟ لا بد وأنه فوجئ ، لكنه ما ان رأى ما وقع وفداحة رد العمل البعثي حتى هجر لارتكاسه العنان , اذ سقطت الواقعة وجرى سيل الدم جارفا فيما المشانق تعلق لأنصاره ومؤيديه . كان جاسم علوان ورهطه في المسقط الخطأ عندما فتحوا نيرانهم على البعث خصوصا وأن حجم الاختراق داخل صفوفهم كان مهولا (محمد نبهان) . والثابت أنه بمقدار ما كانت سيطرة عبد الناصر على حركة أنصاره في دمشق باهتة ، كان عفلق يرى حزبه وهويتسلل من بين يديه رويدا رويدا، ابتداء بالفوز الماركسي في دمشق وبغداد على يدي حمود الشوفي وعلي السعدي ثم مرورا بانقلاب عارف في بغداد، ثم بنزوع اللجنة العسكرية إلى السيطرة على الحزب في دمشق ونجاحها الملحوظ في ذلك .

لقد كانت تصرفات الأطراف عبثية في الغالب ودونما مراعاة لمتطلبات الأمن القومي العربي , عاكسة نفسا بالغ القصر، ومحلّة الثانوي في مقام الرئيسي من خلاف . والحق عندي حتى البعث , في مجمله , يتحمل القسط الأوفر من مسؤولية النهاية التي بلغها ربيع 1963 , لكن عبد الناصر باللقاء لم يستوعب متطلبات تلك الفترة محاولا اجتراح معادلة معقولة لضبط المواقف وتفاعلاتها , مرجّحا الأهم على المهم .

لنا حتى نتصور قيام دولة الوحدة الثلاثية خريف ذلك العام ـ كما نص الميثاق ـ وتأثيرات ذلك على حسم حرب اليمن وبناء الجبهة الشرقية وخلخلة نظام آل سعود والسنوسية وحسن المغرب ، عدا عن تحجيم هاشميي عمان وردعهم عن دور الحليف السري لإسرائيل . كان للمنطقة العربية حتى تكون ندا رانادى لمركّب الشاه الإيراني وحكام هجريا الأطلسيين ونظام السنتوفي الباكستان , ومن خلفهم الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا . كان لدولة الوحدة حتى تحسم وبسرعة إجلاء الإنكليز عن جنوب اليمن والخليج العربي وإخلاء القواعد الغربية في السعودية والمغرب وليبيا، وفي إثيوبيا وقبرص ومالطا مع الوقت . وكان لها حتى تهيمن على نفط العراق من منبعه إلى مصبه وأن تفرض حدثتها في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) كدولة مقررة لسياسات النفط وتسعيره . ربما عانى عبد الناصر من لسع رجالات البعث حوله ، لكنه - وبعد تجربة وحدة 1958 -أضحى أكثر خبرة في التعامل مع "الخارج" العربي وأكثر واقعية .

هل خشي عبد الناصر من الوحدة الثلاثية وتبعاتها؟

تلك نقطة تقودنا إلى السؤال المحير: هل خشي عبد الناصر من الوحدة الثلاثية وتبعاتها ؟ هل اضطر للتوقيع متماشيا مع التيار الجارف ، ولكن مصمما على الخروج في الوقت المناسب وبعذر مقنع ،يا ترى؟ هل نطق الزعيم السوفييتي خروشوف في اجتماعه مع علي صبري بعد توقيع الميثاق مباشرة شيئا أقنع عبد الناصر بعدم صواب الخيارأوتوقيته ؟ هل نصحه الزعيم اليوغسلافي تيتوبالتروي تحت حجة حتى عملا ضخما كهذا سابق لأوانه وسيجلب له عداء مريرا من الغرب , مقرونا بخشية من الشرق ؟ أسئلة بحاجة لإيضاح ينتظر فتح ملفات الدولة المصرية .

الثابت الوحيد هوحتى فرصة تاريخية نادرة ضاعت على العرب , وبمزيج من الحماقة والجهل


اللجنة العسكرية لحزب البعث

قامت اللجنة العسكرية في 23 شباط (فبراير) 1966 بقيادة صلاح حديث ومشاركة القائد حافظ الأسد بالانقلاب على القيادة القومية لحزب البعث من بينهم مؤسس الحزب ميشيل عفلق ورثيس الجمهورية أمين الحافظ وقد تخلى بعدها صلاح حديث عن رتبته العسكرية ليتفرغ للسيطرة على حزب البعث وحكم سوريا بينما تولى حافظ الأسد وزارة الدفاع.

في عام 1971 قام حافظ الأسد بما يطلق عليه الحركة التسليمية وقاد انقلاباً داخلياً أزاح من خلاله الرئيس نور الدين الأتاسي وعين مكانه الرئيس أحمد الخطيب لفترة انتنطقية، وبعدها بأربعة أشهر تم أجراء الانتخابات الدستورية وتم انتخاب حافظ الأسد بموجبها رئيسآ للجمهورية.


المصادر

  • د. كمال خلف الطويل:ثمانية شباط ،ثمانية آذار ، 17 نيسان، 2009-02-08


هذه بذرة منطقة عن الجمهورية العربية السورية بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-05 18:59:56
التصنيفات: سياسة سوريا, 1963 في سوريا, ثورات, انقلابات عسكرية في سوريا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:16:59
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 95%

بنزيما يكشف سبب عدم أخذه صورة مع رونالدو في السعودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:10
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 95%

العثور على وثائق سرية جديدة في منزل بايدن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:08
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 98%

كوريا الشمالية لغوتيريش: امتلاكنا أسلحة نووية واقع سيستمر للأبد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:16:58
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

عاصفة جديدة تضرب كاليفورنيا وتوقعات بـ"فيضانات كارثية"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:07
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 87%

الدوري الإيطالي.. ميلان ينجو من الخسارة أمام ليتشي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:09
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 99%

ضابط استخبارات أمريكي: روسيا ستنهي الحرب بالنصر هذا العام

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:06
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

رئيس الوفد يصدر قرارا بتشكيل لجان الأقسام بالقاهرة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:19:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

محامو رئيس موريتانيا السابق يخشون تعرضه لمحاكمة جائرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:02
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 93%

مراسل RT: الحزب الجمهوري يعدّ خطة طوارئ لمواجهة رفض الإقراض

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:05
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 85%

"فاغنر" تكشف تفاصيل خطة اقتحام سوليدار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:00
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 99%

بسبب صوتها.. إيقاف مذيعة مصرية والتحقيق مع العاملين ببرنامجها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:52
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 85%

رسالة من الخطيب للاعبات طائرة الأهلي بعد التتويج بـ سوبر الطائرة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:19:14
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 35%

بقيمة 350 جنيه.. الشروط والفئات المستحقة لمعاش الطفل 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:19:33
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

المالك الإماراتي لبيراميدز المصري يهدد بسحب استثماراته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:09
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

"أمهات المختطفين اليمنيين" تدين أحكاما حوثية بإعدام وسجن 20 مدنيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:18:13
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 100%

بعد تحرك شعبي غاضب.. إطلاق سراح شقيق أحد ضحايا انفجار بيروت

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:17:31
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 94%

الجمهوريون يفتحون تحقيقا حول انسحاب أميركا "الفوضوي" من أفغانستان

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:18:06
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية