تاريخ نيجيريا

عودة للموسوعة

تاريخ نيجيريا

حكيم نجم الدين
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع
تاريخ نيجريا
  • التاريخ المبكر
    هجرات واستيطان
  • التاريخ قبل 1500
    الدول الأولى
  • (1500-1800)
    الإگبوودويلات الساڤانا
  • الإستعمار
    (1800-1960)
  • 1960-1979
    الإستقلال, الحكم العسكري, والحرب الأهلية
    • الحرب الأهلية
      (1967-1970)
  • 1979-1999
    الجمهورية الثانية, المزيد من الحكم العسكري
  • (1999-الوقت الحالي)
    العودة للديموقراطية
    

تاريخ نيجريا


التاريخ المبكر

نحت من حضارة نوك، اللوڤر.

منذ آلاف السنين استوطن الإنسان المنطقة التي تعهد الآن بنيجيريا، وفي بعض أجزاء نيجيريا اكتشف فهماء الآثار أدوات حجرية يربوعمرها على 40,000 سنة. وقد وُجدت أيضـًا هياكل بشرية وبعض مخلفات المستوطنات البشرية التي تنتمي إلى عصور ماقبل التاريخ.

وخلال الفترة الواقعة بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي ازدهرت ثقافة نوك في أواسط نيجيريا، وتعد التماثيل الطينية التي خلفتها هذه الحضارة من بين أقدم الأمثلة المعروفة للنحت الإفريقي.

أظهرت الدراسة الأثرية حتى الناس يعيشون في جنوب شرق نيجيريا (وتحديدًا فيIgbo Ukwu, Nsukka, Afikpo و Ugwuele) منذ 100,000 عام. بينما أشار باحثون في فهم البليونتولوجيا أنهم عثروا – في “إيو-إليرو” (Iwo-Eleru) جنوب غرب نيجيريا – على أقدم مثال معروف للهيكل العظمي البشري الأحفوري في غرب أفريقيا والذي كان عمره 13,000 سنة، مما يعضد تاريخ العيش في المنطقة.

وتوفر أفران صهر الحديد في “تاروغا” (Taruga) – وهي مسقط أثري في جنوب شرق العاصمة النيجيرية “أبوجا” الواقعة في الحزام الأوسط – والتي يعود تاريخها إلى حوالي 600 ق.م أقدم مرشد على أعمال المعادن في أفريقيا جنوب الصحراء. كما حتى ثقافة “نوك” (Nok) – التي ازدهرت ما بين حوالي 900 ق.م – 200م في هضبة “جوس” (Jos Plateau) شمال شرق نيجيريا – تعدّ أقدم ثقافة نيجيرية استخدمت الحديد.

وقد طوّرت الأنطقيم الثلاثة التي تكونت منها نيجيريا – قبل الاستعمار – نظام الدولة القوية القائم على الملكية والامبراطورية؛ ففي الشمال نشأت إمبراطورية “هاوسا-بوكواي” أومجموعة المدن السبعة المترابطة, وظهرت امبراطورية “كانم-بورنو” في حوالي 700-1380م.

وأسّست اليوروبا في الجنوب الغربي؛ المدينة القديمة “إِلَيْ إِفَيْ Ile Ife” في حوالي 500 ق.م , ثمّ أقاموا امبراطورية “أَوْيَوْ Oyo” التي ضمّت في ذروتها ما يُعهد اليوم بغرب وشمال وسط نيجيريا. وظهرتْ في جنوب نيجيريا أيضا امبراطورية “أَيْدوEdo ” المعروفة أيضًا باسم مملكة “بنين Benin”.

وترتبط ثقافة “بنين” ارتباطًا وثيقًا بالأعمال الفنّية البرونزية التي أنتجت في المملكة باستخدام تقنية “الشمع المفقود”. بل وأصبح هذا الفن مساهمًا رئيسيًا في التراث الفني العالمي حيث توجد اليوم لوحات معدنية ومنحوتات من المملكة في أشهر المتاحف الأوروبية – وخاصة في بريطانيا التي استولتْ في عام 1897م على معظم هذه اللوحات والأمور الأخرى وحملتْها معها إلى بلادها خلال حملة امبرالية شعواء دمّرت المملكة.

وتوجد في الشرق أوجنوب شرق نيجيريا, قبائل الإيبوالتي تشكلت ثقافتها من مناخ الغابات المطيرة والتجارة القديمة، والهجرة، والتاريخ الاجتماعي في مختلف ممالكها وعشائرها وقبائلها. ولعلّ ما ساهم في هجرتهم وهجرة المستوطنين الجنوبيين ما أشار إليه بعض المؤرخين: أنهم قابلوا هجوما من “تجار العبيد” من المنطقة المجاورة وعلى طول الساحل, فانتقلوا إلى الغابة لتجنّب آسريهم.

وهناك أيضا قبائل ومجموعات عرقية أخرى في الأنطقيم سابقة الذكر, إلا أنها تُنظر إليها على أنها أقلية في الإقليم الذي تتواجد فيه, أوتُعدّ مجموعة فرعية من المجموعات ذات الأغلبية سواء بفضل المجاورة والمعاملة التاريخية أوالتزاوج وغيره.

وبلغة الأرقام: توجد في نيجيريا اليوم حوالي 250 مجموعة عرقية. لكنّ أكثرها تأثيرا من الناحية السياسية ونسبة السكان هي: الهوسا والفولاني 29 ٪ ، اليوروبا 21 ٪ ، الإيبو18 ٪، إيجو10٪ (Ijaw)، كانوري أربعة ٪، إبيبيو3.5٪ (Ibibio)، تيف 2.5 ٪ (Tiv).

ومن الناحية اللغوية, يتحدّث النيجيريون الإنجليزية (لغة رسمية ولغة الممحرر)، الهوسا والفلاني، اليوروبا، الإيبو، وأكثر من 300 لغة أصلية أخرى.


تـواريـخ هـامـة
القرونستة ق.م. - ثلاثة م ازدهار حضارة نوك في أواسط نيجيريا.
القرون 11 - 15 بداية تطور ممالك مختلفة تضم بنين،كانم ـ برنو، أيف،
ودويلات الهوسا في أجزاء مختلفة من نيجيريا.
أواخر القرن 15 كان البرتغاليون أول من يصل إلى نيجيريا من الأوروبيين.
1851 بريطانيا تبسط سيطرتها على نيجيريا.
1914 البريطانيون يقيمون مستعمرة ومحمية لهم في نيجيريا.
1960 نيجيريا تصبح دولة اتحادية مستقلة.
يناير 1966 القادة العسكريون يطيحون بالحكومة
(يوليو) : انقلاب آخر يأتي بحكومة عسكرية.
1967 أعربت المنطقة الشرقية من نيجيريا نفسها دولة مستقلة باسم بيافرا.
1970 استسلام بيافرا وانتهاء الحرب الاهلية.
1979 عودة الحكم المدني إلى نيجيريا.
1983 القادة العسكريون يستولون على الحكم في نيجيريا.
1999 عودة الحكم المدني إلى نيجيريا.


الممالك القديمة

تطورت مملكة كانم في المنطقة التي تعهد الآن بتشاد خلال القرن الثامن الميلادي. ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي اعتنقت هذه المملكة الإسلام، ووسّعت ممتلكاتها تدريجيًا، وبنهاية القرن الرابع عشر الميلادي أصبحت برنوالتي تقع شمالي نيجيريا الحالية مركزًا لهذه المملكة. وقد كان لمملكة كانم علاقات تجارية مع عدد من الأقطار في إفريقيا وآسيا وأوروبا.

وفي القرن الحادي عشر الميلادي أسست قبائل الهوسا عدة دويلات في المنطقة الواقعة غربي برنو، وكان لبعض هذه الدويلات مثل: كانو، وكاسنا علاقات تجارية مع أقطار في شمالي إفريقيا والشرق الأوسط. وفيما بعد أصبحت كانووكبي، وبعض دويلات الهوسا الأخرى جزءًا من إمبراطورية صنغي، وهي دولة في غرب إفريقيا، ازدهرت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وخلال أوائل القرن التاسع عشر أعرب عثمان دان فوديوـ المعروف أيضـًا باسم عثمان ابن فودي، وهوزعيم ديني من قبائل الفولاني ـ الحرب على قبائل الهوسا، حيث تمكنت قواته من السيطرة على تام شمالي نيجيريا ـ تقريبًا ـ ماعدا برنو. تمكن بذلك من إنشاء إمبراطورية إسلامية باسم خلافة سكوتو.

وفي الجنوب قامت قبائل اليوروبا بإنشاء مركز ثقافي مهم بمنطقة أيف منذ عام 1000م. وفيما بعد أنشأت مجموعات من اليوروبا في منطقة أيف دويلات في أجزاء مختلفة في المنطقة المجاورة. من أهمها مملكة أويو، التي امتدت إلى مايعهد الآن بدولة بنين خلال القرن الثامن عشر الميلادي.

ازدهرت مملكة بنين خلال الفترة من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر الميلاديين. وقد تطورت هذه المملكة في المنطقة الواقعة بين لاجوس ودلتا النيجر، ثم تطورت إلى مركز تجاري مزدهر. وقد اشتهرت هذه المملكة أيضًا بمنحوتاتها من النحاس الأصفر والبرونز والعاج.

دخول الأوروبيين

كان البرتغاليون أول الأوروبيين الذين وصلوا إلى نيجيريا، وأنشأوا مركزاً تجارياً قرب بنين، في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ثم قاموا بتطوير تجارة الـرقيق، بالاشتراك مع زعماء القبائل الإفريقية.

وصل الرحَّالُ البرتغاليون الثلاثة (Joao de Santarem، Pero Escobar، Lopo Goncalves وFernao do Po) إلى ما يُعهد اليوم بنيجيريا في عام 1472م وألْفَوْها منطقة ذات حضارة راسخة, إذ كانت الامبراطوريات الرئيسية الأربعة (أويو, بنين, بورنووهوسا) التي تحكم المنطقة تتمتع بثقافات صناعية وزراعية وفنية. وبدأت “التجارة” بين امبراطورية “إدوْ Edo” والبرتغاليين في القرن الخامس عشر. وتولّى البريطانيون في القرن الثامن عشر زعامة الاسترقاق أوما يسمّى بـ”تجارة الرقيق” في المنطقة.

وفيما بعد كان البريطانيون والهولنديون وغيرهم من التجار الأوروبيين يتنافسون في هذه التجارة. وبنهاية القرن الثامن عشر الميلادي أصبح البريطانيون أبرز تجار الرقيق في الساحل النيجيري؛ إلا حتى الحكومة البريطانية فرضت حظرًا على تجارة الرقيق عام 1808، ثم قامت بإبرام معاهدات مع الأقطار الأوروبية الأخرى والحكام الأفارقة المحليين، في محاولة منها لإنهاء هذه التجارة. ولتطبيق ذلك كانت السفن البريطانية تجوب الساحل النيجيري وتأسر السفن التي تحمل الرقيق، ثم تطلق سراحهم في ميناء فريتاون في سيراليون، حيث كان المنصرون البريطانيون يقومون بتعميد أعداد كبيرة من الرقيق المحررين لإدخالهم في النصرانية. وفيما بعد عاد بعض الأرقاء المحررين إلى نيجيريا، وساعدوا البريطانيين في نشر النصرانية في المناطق الساحلية والجنوب الغربي.

الحكم البريطاني

بعد عام 1808 بدأ التجار البريطانيون في الاتجار في زيت النخيل وغيره من المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة الساحلية في نيجيريا، وكانوا يقومون باكتشاف نهر النيجر والممرات المائية الأخرى، بحثـًا عن الموارد الطبيعية القيمة. وفي عام 1851 استولت بريطانيا على ميناء لاجوس؛ لتكريس نفوذها في المنطقة، واستخدمته قاعدة واصل منها البريطانيون حربهم ضد تجارة الرقيق. وفي عام 1861 أصبحت لاجوس مستعمرة بريطانية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أنشأت بريطانيا محميات في أجزاء من جنوب نيجيريا وظلت شركة تجارية بريطانية تسمى شركة النيجر الملكية تحكم معظم أجزاء شمالي نيجيريا حتى عام 1900. وفي تلك السنة غيرت بريطانيا تلك المنطقة إلى محمية تسمى محمية شمالي نيجيريا. وفي عام 1906 أصبح الجنوب النيجيري بما فيه لاجوس مستعمرة ومحمية جنوبي نيجيريا. ولقد حارب النيجيريون في جميع المناطق الاستعمار الإنجليزي وبخاصة في المناطق الشمالية، ولكن الإنجليز قاوموهم وفي عام 1914. وحَّدَت بريطانيا كلاً من شمالي نيجيريا وجنوبه في وحدة واحدة سميت محمية اتحاد نيجيريا.

قسّمت الدول الأوروبية قارة أفريقيا فيما بينها (يُعهد أيضا بـ التدافع على أفريقيا) بعد مؤتمر برلين عام 1884. فكان الاسم الرسمي الذي أطلقه الاستعمار البريطاني على المنطقة هو: “أنطقيم شركة النيجر الملكية Royal Niger Company Territories”.

وإذ قسّمت الدول الأوروبية قارة أفريقيا فيما بينها (يُعهد أيضا بـ التدافع على أفريقيا) بعد مؤتمر برلين عام 1884، إلا أنّ الصحفية “ليدي فلورا شو” – وهي زوجة اللورد فردريك لوگارد المسؤول الاستعماري البريطاني – قد اقترحتْ تسمية المنطقة بـ “نيجيريا Nigeria” فيثمانية يناير عام 1897، وهوالاسم الذي تعهد به المنطقة (ثم الدولة النيجيرية بعد الاستقلال)، وذلك في منطقتها لجريدة “TIMES” البريطانيةالتي وصفت فيها “نهر النيجر River Niger” الذي يتدفق ويجري عبر المنطقة (أو“Area” في اللغة الانجليزية)، أي (Niger + Area).

أحد الاحتفالات بالاستقلال حضره ممثلوبريطانيا لافتتاح المجلس التشريعي الاتحادي في لاجوس. وقد نالت نيجيريا استقلالها عن بريطانيا عام 1960.

الاستقلال

بدأ النيجيريون، خلال العشرينيات من القرن العشرين المطالبة بالتمثيل في الحكومة الاستعمارية، وفي الوقت نفسه سبب التنافس بين المجموعات القبلية المتنوعة في نيجيريا خلافات بين المواطنين.

وعلى الرغم من أنّ نيجيريا أصبحتْ رسميّا في عام 1901 جزءا من الإمبراطورية البريطانية الضخمة, إلا حتى بريطانيا – رغم الاستيلاء على الأنطقيم في البلاد – قابلتْ مقاومة محلية وصعوبات في الإدارة السياسية لهذه الأنطقيم التي تكونتْ منها البلاد والتي أطلقت عليها: “المحمية الجنوبية”، و“المحمية الشمالية” و“مستعمرة لاگوس”.

وتتمتّع جميع من هذه المحميات المتنوعة بالكثير من التنوعات وأساليبها الخاصة في الحُكم. ويعني هذا الهيكل الإقليمي أيضا حتى هناك قوانين مختلفة لكلّ من هاتين المحميتين (جنوب وشمال) و”مستعمرة لاگوس”، وأنها كلها مستقلة ذاتيّا مما صعّب عملية إداراتها (بالنسبة للبريطانيين).

وللتغلب على هذه الصعوبات, ضمّت بريطانيا “مستعمرة لاگوس” مع “المحمية الجنوبية” في مايو1906 وسمّتْها “مستعمرة ومحمية جنوب نيجيريا”. وأدتْ معاناة “محمية شمال نيجيريا” من عجز في الميزانية – وسعي بريطانيا إلى استخدام فوائض الميزانية من جنوب نيجيريا لتعويض هذا العجز – إلى قيام “اللورد فردريك لوگارد” بدمج “مستعمرة ومحمية جنوب نيجيريا” مع “المحمية الشمالية” في عام 1914، وذلك لتشكيل مستعمرة واحدة أطلقت عليها “محمية نيجيريا”. وكل هذه التغييرات في النهاية كانت لأجل تعظيم عوائد الإدارة الاستعمارية وليست لأجل مصالح النيجيريين.

وانتُقدتْ بريطانيا أيضا على نظام حكمها الاستعماري في نيجيريا المعروف بـ”الحكم غير المباشر”, لكنّ بريطانيا نفتِ الانتقادات بدعوى حتى هذا النظام لا ينطوي على حكم وإدارة السكان بشكل مباشر، ولكن من خلال حكامهم التقليديين وزعمائهم. وكان هذا أحد العوامل التي أدت إلى فقدان الثقة في الزعماء المحليين واتهامهم بالعمالة والخيانة من قبل السكان المحليين – وخصوصا في إقليم الشمال, بل وغذت النزعة “القومية” بين النيجيريين بشكل عام.

في عام 1946 قسمت بريطانيا نيجيريا إلى ثلاثة أنطقيم: شمالي، وغربي، وشرقي، وأنشأت بكل إقليم جمعية تتكون من أعضاء بريطانيين ونيجيريين، وكانت هذه الجمعيات تمثل هيئات استشارية للحكومة المركزية في لاجوس. وفي عام 1954 صدر دستور يمنح هذه الجمعيات مزيداً من السلطات، ويجعل من نيجيريا دولة اتحادية. وفي عام 1957 أصبح السير أبوبكر تفاوا بليوا ـ وهوزعيم الشمال ـ أول رئيس وزراء للاتحاد. وفي أول أكتوبر 1960 منحت بريطانيا نيجيريا الاستقلال، واستمر أبوبكر تفاوا بليوا رئيسـًا للوزراء.

وفي عام 1961 أجرت منظمة الأمم المتحدة استفتاء في الكاميرون الغربي ـ وهوإقليم تحت وصايتها ـ يقع على الحدود الشرقية لنيجيريا ونتيجة للاستفتاء اختار الجزء الشمالي من الإقليم الانضمام إلى نيجيريا، بينما اختار الجزء الجنوبي الانضمام إلى الكاميرون.

وفي أوائل ستينيات القرن العشرين اشتد التنافس بين المجموعات العرقية المتنوعة على السلطة السياسية داخل الأنطقيم الثلاثة. وفي عام 1963 انفصل الإقليم الغربي الأوسط عن الإقليم الغربي، كما طالب بعض سكان الإقليمين الشمالي والشرقي بتكوين وحدات سياسية منفصلة. وفي الوقت نفسه تنافست مجموعات مختلفة، على السيطرة على الحكومة المركزية. أما سكان الجنوب وبخاصة قبائل الإيبوفلمقد يكونوا راضين عن القوة السياسية المتزايدة لقبائل الهوسا الشمالية. ويرجع السبب في سيطرة الشماليين على الحكومة المركزية إلى حتى الشمال يضم عددًا من السكان أكبر من الأنطقيم الأخرى، وقد كشف تعداد السكان الذي أجري عامي 1962 و1963 حتى عدد سكان الشمال كان أكبر مما كان متسقطـًا، مما دفع الكثير من الجنوبيين إلى الاحتجاج على نتائج التعداد. كذلك أدت الاتهامات بعدم التزام الأمانة في الانتخابات الاتحادية لعام 1964 والانتخابات الإقليمية لعام 1965 إلى حدوث اضطرابات خطيرة زادت من حالة عدم الاستقرار في البلاد.


محاولات أولية للاستقلال وولادة دساتير

تصاعدت الضغوطات من قبل الشعب النيجيري من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني. وقد قاد هذه المحاولات – ما بين عامي 1922 و1959 – عقولٌ لامعة وشخصيات بارزة ممن حملوا راية النضال من أجل استقلال نيجيريا إدارة وحكما.

وقدّمتْ بريطانيا – نتيجة لأنشطة “القوميين” النيجيريين ولعوامل أخرى خاصة بالإدارة الاستعمارية – دساتير مختلفة في محاولة لتهدئة الضغوطات ولتخفيف نزعة الحكم الذاتي والاستقلال المتصاعد. وتضمنت هذه الدساتير جميع من:

  • دستور كليفورد لعام 1922 (Clifford Constitution of 1922), والذي ألغى “المجلس النيجيري” لعام 1914 وأبدله بمجلس تشريعي حديث يُمنح من خلاله النيجيريون سلطة محلية عبر المبادئ الانتخابية؛
  • دستور ريتشاردز لعام 1946 (Richards Constitution of 1946), والذي قُدِّم لضمان مشاركةٍ أكبر للنيجيريين في مناقشة شئونهم الخاصة. فأتى الدستور بالنظام الإقليمي (أنطقيم الشرق, والغربية والشمال) وهوأيضا بمثابة حجر الأساس للفيدرالية في نيجيريا؛
  • دستور ماكفرسون لعام 1951 (Macpherson Constitution of 1951), الذي تميّز بتعديله لدستور ريتشاردز لعام 1946, وذلك بالمشاورات الواسعة مع مختلف شرائح المجتمع النيجيري قبل إنشاء الدستور في عام 1951, وأُنشئ بموجبه مجلس النواب الذي يتألف من الحاكم و136 عضوا يُنتخبون من المجالس الإقليمية وستة أعضاء خاصّين يعيّنهم الحاكم العام؛
  • دستور ليتلتون في 1954 (Lyttleton Constitution of 1954), والذي أسّس المبدأ الفدرالي ومهّد الطريق أمام النيجيريين الأعضاء في البرلمان لطلب استقلال نيجيريا.

كما حتى من أهمّ إنجازات قادة الأنطقيم الثلاثة؛ حتى مُنح جميع منها حكما ذاتيا (إقليم الغرب في عام 1956, إقليم الشمال في عام 1959، وإقليم الغرب الأوسط في عام 1963 – أي بعد الاستقلال).

شخصيات ناضلت من أجل تحقيق استقلال نيجيريا

لم يتوقّف الصخب المتواصل لاستقلال نيجيريا التام عن الحكم الاستعماري, ولم تكن هذه الرحلة سهلة حيث شارك فيها عشرات بل مئات من النيجيريين وخاصة الأعضاء في مجلس النواب.

ومن الأشخاص الذين أسسوا المدخل لمقاومة الاستعمار البريطاني في نيجيريا وبرزوا لمجهوداتهم أكثر من غيرهم في النضال من أجل الاستقلال النيجيري: هربرت ماكاولي، أوبافيمي أوولوو، نمدى أزيكيوي، تافاوا باليوا، أنتوني إيناهورو، أحمدوبلّو، فونملايورانسوم-كوتي، جاجا واتشوكو، وغيرهم من “القوميين” الذين أصرّوا على تحقيق الهدف المشهجر.

وقد نجح هؤلاء الشخصيات ليس فقط لأنهم قادرون على إقناع المسئولين الاستعماريين بالحاجة إلى الاستقلال، بل لأنهم أثبتوا أنهم قادرون على الحكم الذاتي. وكانت السمة الرئيسية المشهجرة بينهم جميعا هي التعليم وتطبيق ما تعلّموه لصالح شعبهم والهدف العام.

وفي حدّ تعبير المحرر النيجيري, أوموتايويوسف:

“كان من الواضح حتى أي محاولة لإجبار المستعمرين على الخروج من نيجيريا ستكون كارثية لأن البلاد غير متساوية مع بريطانيا عسكريًّا. ولذلك كان من الضروري استخدام القلم الذي كان ورقة اللعب لدى القيادة. إذا أولئك الذين “تحدوا” المستعمر وطالبوا بالحكم الذاتي لمقد يكونوا مطّلعين أكاديميًّا فحسب, بل أظهروا أنهم مستعدون وأثبتوا ذلك من خلال عرضهم في البرلمان وحجّتهم المنطقية.”

وفيما يلي نبذة مختصرة لهؤلاء الشخصيات:

هربرت ماكاولي (Herbert Macaulay)

وُلد الزعيم “هربرت ماكولي” (14 نوفمبر 1864 –سبعة مايو1946) في جنوب غرب نيجيريا. وكان “قوميًّا” وسياسيا ومهندسا معماريا، وصحفيا نيجيريًّا. ويُعتبر من قبل كُتاب تاريخ نيجيريا كمؤسس “القومية النيجيرية”. ومما اشتهر به أنه كان معارضا قويّا للحكم البريطاني في نيجيريا؛ ففي عام 1919 نجح في جداله ومقاومته أمام مجلس الملكة الخاص في لندن نيابة عن الزعماء المحليين الذين استولى البريطانيون على أراضيهم، مما أجبر الحكومة الاستعمارية البريطانية على دفع تعويضات لهؤلاء الزعماء. وقد أثار هذا غضبَ المجلس البريطاني في “ماكاولي” فسجّنوه مرتين.

في 24 يونيو1923، أسس ماكولي “الحزب الوطني الديمقراطي النيجيري” (NNDP) – وهوأول حزب سياسي نيجيري. وشارك في عام 1944 مع الدكتور “نمدي أزيكيوي” في تأسيس “المجلس الوطني لنيجيريا وكاميرون” (NCNC) وأصبح “ماكولي” رئيس الحزب. وكان حزب (NCNC) منظمة وطنية تهدف إلى جمع النيجيريين من جميع الأطراف للمطالبة بالاستقلال.

وفي عام 1946 مَرِض “ماكاولي” في كانووتوفي لاحقا في لاگوس. وكانت حدثاته الأخيرة أنْ:

“أبلغوا مندوبي (حزب) المجلس الوطني بالتوقف أينما كانوا لمدة أربعة أيام لـ(وفاة) ماكاولي ثم تابعوا (أنشطتكم في مقاومة الاستعمار).

أبلغوا (ابني) أوليفر أودن ماكولي بأن يحافظ على العلَم (والراية) مرفوعًا.”


نمدي أزيكيوى (Nnamdi Azikiwe)

كان الزعيم “نمدي أزيكيوي” (16 نوفمبر 1904 – 11 مايو1996) رجل الدولة النيجيرية وأحد الشخصيات القيادية في “القومية النيجيرية” الحديثة الذي لعب دورا رئيسيا في بروز نيجيريا كدولة ذات سيادة ومستقلة. وقد استغلّ منصبه كمحرّر لصحيفة “أفريكان مورنينغ بوست” لمناهضة الاستعمار البريطاني والترويج لأجندة مؤيدة لاستقلال الدول الأفريقية.

وكان أزيكيو– الذي وُلد لأبوين من الإيبو(Igbo) – أول نيجيري مدعوّ للانضمام إلى المجلس الخاص للمملكة المتحدة وأصبح الحاكم العام في اليوم نفسه. كما أنه مستشار للزعيم “كوامي نكروما” الذي أصبح رئيسا لغانا – أول دولة أفريقية تحررت من الحكم الأوروبي.

وقد مضىت قيادة حزب “NCNC” إلى “أزيكيوي” بعد وفاة “هربرت ماكولي” وانتُخب في عام 1947م للمجلس التشريعي في نيجيريا. وفي 16 نوفمبر 1960م (بعد الاستقلال النيجيري) أصبح “أزيكيوي” أول حاكم عام من أصل نيجيري لاتحاد مكوّن من الأنطقيم الثلاثة: الشمال والشرق والغرب، مع كون لاگوس عاصمة الاتحاد. وكان أيضا أوّل رئيس لنيجيريا حيث تولّى المنصب في 1 أكتوبر 1963 بعد حتى أصبحت نيجيريا دولة جمهورية.

أنتوني إيناهورو(Anthony Enahoro)

كان الزعيم “أنتوني إيناهورو” (22 يوليو1923 – 15 ديسمبر 2010) أكاديميّا وأحد النشطاء الرئيسيين المناهضين للاستعمار البريطاني, وهومعروف أيضا لدعواته للحكم المدني في نيجيريا إبان الانقلابات العسكرية. وكان من مواليد “أورومي (Uromi) بولاية “إيدو” (Edo state).

في سنّ 21 من عمره, أصبح “إيناهورو” رئيس تحرير للصحيفة التي أسّسها “نمدي أزيكيوي”، وهي (Southern Nigerian Defender)، مما جعله أصغر محرّر في نيجيريا. وكان “إيناهورو” أوّل من قدّم مقترحا لاستقلال نيجيريا في البرلمان الاتحادي, كما كان أيضًا مندوبًا في معظم المؤتمرات الدستورية التي أدّت إلى الاستقلال, وهوموقف أكسبه لقب “أبوالدولة النيجيرية”.

أوبافيمي أوولوو(Ọbáfẹ́mi Awólọ́wọ̀)

ولد الفيلسوف الزعيم “أوبافيمي أوولوو” (6 مارس 1909 –تسعة مايو1987) في “إكنّي” (Ikenne) بولاية “أوغون” جنوب غرب نيجيريا. وكان “”قوميًّا” له دوره الملموس في حركة استقلال نيجيريا. وقد بدأ مسيرته كـ”قوميّ” في “حركة الشباب النيجيري” (Nigerian Youth Movement) وارتقى إلى سكرتير الإقليم الغربي. وكان أوّل من نادى إلى تبنّي النظام الفدرالي في نيجيريا, وذلك في كتابه الذي صدر عام 1947 بعنوان: “الطريق إلى الحرية النيجيرية” (Path to Nigerian Freedom). كما حتى له دورا بارزا في إنشاء المشاريع التنموية والبنى التحتية في جنوب غرب نيجيريا, إضافة إلى كونه أوّل رئيس الوزارة للإقليم الغربي.

ويعتبر “أوولوو” مسئولا عن الكثير من التشريعات الاجتماعية التقدمية التي جعلت نيجيريا دولة حديثة؛ فقد كان مفوض نيجيريا الاتحادية للمالية، ونائب رئيس المجلس التطبيقي الاتحادي في الحرب الأهلية (أوحرب بيافرا). وقاد “أوولوو” – بدءا من عشية الاستقلال – كزعيم حزبَ ” Action Group” للمعارضة في البرلمان الفيدرالي. وعلى الرغم من أنه لم يفز بالانتخابات الرئاسية في عامي 1979 و1983 ، فقد حصل على ثاني أعلى عدد من الأصوات. وكانت “دولابوأوسينباجو” – زوجة البروفيسور “ييمي أوسينباجو” (نائب الرئيس النيجيري الحالي محمد بخاري) حفيدة لـ “أوولووو”. وهوالرجل الشهير بالنظارات المستديرة في فئة 100 ₦ من عملة نايرا النيجيرية.

أحمدوبلّو(Ahmadu Ballo)

كان الحاج السير “أحمدوبَلّو” (12 يونيو1910 – 15 يناير 1966) داعية إسلاميا وسياسيا نيجيريا؛ فهوسليل الشيخ “عثمان بن فوديو” مؤسس “خلافة سوكوتو”, وأول رئيس الوزارة في إقليم شمال نيجيريا. وكان “بلّو” الملقّب بـ “سردونا سوكوتو” (Sardauna of Sokoto) قد جمع بين صفات القيادية التقليدية وفهم بـ”الحكم الغربي”.

ولعب “أحمدوبَلّو” و“تافاوا باليوا” دورا كبيرا في المفاوضات حول مكانة الإقليم الشمالي في نيجيريا المستقلة. وكزعيم لحزب “مؤتمر الشعب الشمالي”، فقد كان شخصية مهيمنة في السياسة النيجيرية في الفترة المبكرة للاتحاد النيجيري والجمهورية النيجيرية الأولى.

أبوبكر تافاوا باليوا (Abubakar Tafawa Balewa)

كان الحاج السير “أبوبكر تافاوا باليوا” (ديسمبر 1912 – 15 يناير 1966) سياسيا نيجيريا، ورئيس الوزراء الوحيد في نيجيريا المستقلة. وقد انتُخب في عام 1946 في مجلس النواب للمستعمرة الشمالية، وفي الجمعية التشريعية في عام 1947م. واستغلّ منصبه كمشرّعٍ للمطالبة بحقوق شمال نيجيريا، وأسّس مع الحاج “أحمدوبلّو” مؤتمرَ الشعب الشمالي (NPC). وقد عُيّن في عام 1957 رئيس الوزراء (Chief minister), واحتفظ بمنصب رئيس الوزراء (Prime minister) عندما نالت نيجيريا استقلالها في عام 1960، وأعيد انتخابه في المنصب في عام 1964. (سبق حتى نشرتُ هنا منطقةً خاصة عن “تافاوا باليوا”)

فونملايورانسوم-كوتي (Funmilayo Ransome-Kuti)

وُلدتْ “فونملايورانسوم-كوتي” (25 أكتوبر 1900 – 13 أبريل 1978) في أبَيْأَوْكُوتا (Abeokuta) بولاية أوغن جنوب غرب نيجيريا. وكانت مُدرّسة وسياسية وناشطة في مجال حقوق المرأة وأرستقراطية تقليدية في نيجيريا. واشتهرتْ أيضا كوالدة “فيلا كوتي” (Fela Kuti), المغني العالمي ورائد “Afrobeat”. وتعدّ “رانسوم-كوتي” واحدة من أبرز قادة جيلها؛ فهي أول امرأة قادتِ السيارة في نيجيريا. ونظرًا لنشاطها السياسي ونفوذها، فقد وُصفتْ كـ”عميدة حقوق المرأة” في نيجيريا ، ولُقّبتْ أيضا ب”أم أفريقيا”.

في عام 1942، أسّستْ رانسوم-كوتي “نادي سيّدات أبَيْ‌أَوْكُوتا” (Abeokuta Ladies’ Club) للنساء المتفهمات العاملات في الأعمال الخيرية, كما أطلقتْ برنامجا للمساعدة في تثقيف نساء الطبقة العاملة (أول برنامج تعليم الكبار للنساء في نيجيريا). وبمشاركة مع “إينيولا سوينكا” (شقيقة زوجها وأم الأديب النيجيري الحائز على جائزة نوبل, وولي سوينكا)، قامتْ “رانسوم-كوتي” بدمج “ناد السيدات” مع برنامجها لتثقيف النساء, وذلك لتشكيل “اتحاد نساء إيبا” (Egba Women’s Union) والذي يضمّ أكثر من 20،000 فرد. ومن خلال هذا المشروع ناهضتْ البريطانيون ودعمتْ حركة الاستقلال في نيجيريا. وهي أيضا واحدة من المندوبين الذين تفاوضوا على استقلال نيجيريا مع الحكومة البريطانية.

جاجا واتشوكو(Jaja Wachuku)

وُلد “جاجا واشوكو” (1 يناير 1918 –سبعة نوفمبر 1996) في نبواسي (Nbawsi) بولاية أبيا (Abia) جنوب شرق نيجيريا. وكان أميرا ملكيّا – من نغولاند (Ngwaland) وسليل 20 أجيال من الزعماء والملوك في أرض الإيبوبشرق نيجيريا. وإذ يعتبر رجل دولة نيجيرية ومناصرا للوحدة الأفريقية، إلا أنه أيضا كان محاميا وسياسيا ودبلوماسيا ومُحسِنًا خيريًّا.

ولم يكن “واتشوكو” فقط أول وزير خارجية نيجيري, وأول رئيس لمجلس النواب النيجيري، وأول سفير نيجيري وممثل دائم في الأمم المتحدة؛ إذ قام أيضا – كوزير خارجية نيجيريا الذي يحظى باحترام واسع – بالتدخل والتحدث مع حكومة جنوب أفريقيا لإنقاذ “نيلسون مانديلا” وآخرين من عقوبة الإعدام في محاكمة ريفونيا لعامي 1963-1964.

تقديم مقترحات الاستقلال في البرلمان الاتحادي (1953-1959)

كان الزعيم “أنتوني إيناهورو” من أطلق الطلقة الأولى لما أدّى إلى استقلال تام لنيجيريا, وذلك بتقديمه مقترحا في البرلمان في عام 1953 من أجل استقلالٍ تحقّق في نهاية المطاف في عام 1960 بعد عدة انتكاسات سياسية وهزائم في البرلمان الاتحادي.

وبحسب الباحثين في التاريخ النيجيري، فقد كان أحد الأسباب التي ساهمت في انتكاس هذا المقترح من أجل الاستقلال في البرلمان الاتحادي؛ أنّ أعضاء البرلمان الشماليين نظّموا وقفة ضد المقترح وانسحبوا من البرلمان لأنهم يرون حتى “نيجيريا ليست مستعدة بعدُ للاستقلال”.

وفي مقترح مضادّ لمقترح “إيناهورو”, استبدل الحاج “أحمدوبلّو” زعيم حزب “مؤتمر الشعب الشمالي” (NPC), عبارةَ “في عام 1956” التي اتىت في مقترح “إيناهورو”, بعبارة أخرى وهي: “في أقرب وقت ممكن عمليًّا”. وقدّم عضوشمالي آخر في البرلمان مقترحا لتأجيل مقترح استقلال نيجيريا، وهواقتراح اعتبره الأعضاء الجنوبيون في حزب “Action Group” وحزب “المجلس الوطني النيجيري وكاميرون” (NCNC) بمثابة تكتيكات لتأخير استقلال البلاد, وانسحبوا جميعا من البرلمان نتيجة لمقترح التأخير.

وقد برّر عدد من الشخصيات الشمالية موقفهم هذا بأنّ الحصول على الاستقلال وقتذاك سيمنح الجنوبيين هيمنة على السلطة المركزية, خصوصا وأن الجنوب تتمتع بأفراد وشخصيات كثيرة كانوا متعلّمين وحاصلين على شهادات عليا وحديثة, بينما كانت نسبة المتفهمين والحاصلين على مثل هذه الشهادات في الشمال معدودة. لكن هذا الاتهام نفسه هوالذي وجّهه الجنوبيون والشرقيون (ولا يزالون يوجهونه اليوم) ضد الشمال, حيث يقولون إذا الشمال هيمنتْ/وتُهيمن على السلطة والقطاعات الهامة والحساسة بمساعدة متعمّدة من بريطانا قُبيل الاستقلال وبعده.

وكان من أبرز اللقاءات التي ساهمتْ في لمّ الضم بين النيجيريين من جميع الأنطقيم بعد حادثة البرلمان وطلب الشماليين للانفصال: مؤتمر لندن في يوليوعام 1953م لمناقشة مستقبل نيجيريا وموقف جميع الأحزاب السياسية والأنطقيم من مشروع نيجيريا. وضمت قائمة المندوبين في المؤتمر زعماء كثيرين بمن فيهم: “أوبافيمي أوولووو”, “أبوبكر تافاوا باليوا”, “نمدي أزيكيوي”, “أحمدوبلّو”, “لادوكي أكنتولا”, “أنتوني إيناهورو”, الشيخ “أمينوكانو” وغيرهم الكثير.

كما أنه برغم الانتكاسات والاختلافات بين أعضاء البرلمان من الجنوب والشمال, فقد عزّزت مقترح “إيناهورو” لاستقلال نيجيريا حركةٌ شعبية واسعة وضغطا موجّها ضد البريطانيين, وهيّج الرأي العام ضد الحكم الاستعماري البريطاني.

وفي عام 1957, قدّم الزعيم والمحامي “لادوكي أكينتولا” (Samuel Ládòkè Akíntọ́lá) مقترحا جديدا خاصا بالاستقلال على أساس مقترح “إيناهورو”، فوافق عليه البرلمان ولكن بريطانيا رفضته، وبالتالي فشلت المحاولة.

ثمّ أعاد الزعيم القانوني والناشط الحقوقي “ريمي فاني-كايودي” (Remi Fani-Kayode) في أغسطس عام 1958 تقديمَ مقترح استقلال ثالث للبرلمان. وبالعمل نجحت المحاولة وكان إنجازا عظيما لنيجيريا؛ إذ قبلتْ بريطانيا هذا المقترح ولكنها لم توافق على تاريخه, لأن مقترح “فاني-كايود” طلب منحَ نيجيريا استقلالها في 2 أبريل 1960, بينما نطقت السلطات الاستعمارية البريطانية أنها بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى لـ”وضع جميع شيء في مكانه” قبل مغادرة الأراضي النيجيرية.

الطريق نحو1 أكتوبر 1960

في عام 1959 قدّم الحاج “تافاوا باليوا” مقترحا آخر لتعديل مقترح 1958 (مقترح فاني-كايودي) الذي قد تم إقراره, وذلك بأنقد يكون تاريخ الاستقلال (1 أكتوبر) بدلا من (2 أبريل الذي رفضه البريطانيون). فتمّ إقرار مقترح “تافاوا باليوا” ووافق عليه البريطانيون بعد سلسلة من الضغوطات من مختلف الأطراف السياسية. وأعرب الحاكم الاستعماري قرار ملكة إنجلترا بمنح نيجيريا استقلالها في 1 أكتوبر 1960.

يقول “سولومون لار” حاكم ولاية بلاتوالسابق قبل وفاته في عام 2013، وهويستذكر كيف من الممكن أن استقبلت نيجيريا استقلالها العملي في 1 أكتوبر 1960:

“في 12 يناير 1960، عقدنا نحن البرلمانيون المنتخبون اجتماعنا الأول وبعد يومين, في 14 يناير 1960، أقررْنا مقترحا لاستقلال نيجيريا، والذي أخذه رئيس الوزراء السير أبوبكر تافاوا باليوا – الديمقراطي العظيم – إلى لندن لوضع اللمسات الأخيرة على النقاش من أجل تحقيق 1 أكتوبر 1960 كعيد الاستقلال.”

وفي تمام الساعة 12:00 في 1 أكتوبر 1960، أصبحت نيجيريا دولة مستقلة. ورُفع الفهم النيجيري الجديد, كما غُيّر النشيد الوطني من “حفظ الله الملكة” إلى “نيجيريا، نحن نهنئك” (النشيد الوطني القديم من 1960 حتى 1978م). وانتُخِب الزعيم الحاج “أبوبكر تافاوا باليوا” كأول رئيس وزراء نيجيريا. بينما أصبح الزعيم الدكتور “نامدي أزيكيوي” الحاكم العام الجديد – ثم أول رئيس نيجيري في عام 1963 عندما أصبحت نيجيريا دولة جمهورية.

وحلّ “جاجا واتشوكو” أيضا – عند الاستقلال – محلّ المسئول البريطاني السير” فريدريك ميتكالف” كأول رئيس (من أصل نيجيري) لمجلس النواب النيجيري. وقد حصل أيضا – بصفته أول رئيس لمجلس النواب – على أداة نيجيريا للاستقلال المعروفة أيضًا بـ “ميثاق الحرية”, وذلك في 1 أكتوبر 1960 من الأميرة “ألكسندرا كينت” ممثلة الملكة البريطانية في احتفالات الاستقلال النيجيرية.

ولكنْ… على الرغم من العرض السريع لتاريخ نيجيريا وأهمّ محطاته ومقارنة ذلك بما يجري اليوم في البلاد من الأزمة الأمنية والانفصالية وقضايا أخرى تعيق تقدم البلاد وتسيئ في سمعتها, أعتقدُ أنّ كلّ نيجيري غيور على وطنه بحاجة إلى إدامة النظر في قول الفيلسوف الزعيم “أوولوو” في رسالة له من السجن بتاريخ 28 مارس 1966:

“إن واحدة من الوحوش التي تهدد الحياة العامة في هذا البلد حتى 14 يناير من هذا العام (1966) هي الانتهازية مع شرورها المرافقة لاستغلال الوظيفة لتحقيق مكسب شخصي، والارتشاء، والفساد، والمصلحة الذاتية بلا خجل. .. إذا أيّ إنسان مفعم بالنشاط والقبول العام يجب حتى يقبل منصبًا عامًا ليس لما يمكنه الحصول عليه لنفسه – مثل كسب المخط وبهائه – ولكن للفرصة التي يوفرها له لخدمة شعبه بأفضل ما لديه، وتعزيز رفاهيتهم وسعادتهم.”

الحرب الأهلية

في يناير 1966 م، قام بعض ضباط الجيش ـ وكان معظمهم من الإيبوـ بالإطاحة بالحكومات المركزية والإقليمية، وقتلوا رئيس الوزراء أبا بكر تفاوا بليوا، وكلاً من رئيس وزراء الإقليمين الشمالي والغربي، واستولى اللواء جونسون أجويي إرونسي القائد العام للجيش، والذي ينتمي إلى قبائل الإيبوعلى السلطة. وفي مايو1966م قام أجويي إرونسي بإلغاء النظام الاتحادي للحكم، وأنشأ حكومة مركزية قوية، وعين عدداً كبيراً من الإيبومستشارين، مما أثار مخاوف كثير من الشماليين من حتى تؤدي تلك الإجراءات إلى سيطرة الإيبوعلى القطر بكامله، وسرعان ما أدى ذلك إلى اضطرابات في الشمال اغتال فيها الآلاف من الإيبو. وفي يوليو1966م ثار بعض ضباط الجيش من الشماليين على الحكومة، وقتلوا أجويي إرونسي وأصبح يعقوب جاوون ـ رئيس أركان الجيش ـ رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، ولكن المقدم أودوميجوأوجوكوالحاكم العسكري للإقليم الشرقي رفض الاعتراف بيعقوب جاوون رئيسـًا للدولة.

وفي عام 1967م استبدل يعقوب جاوون بالأنطقيم السياسية الأربعة للقطر اثنتي عشرة ولاية، لإعطاء بعض المجموعات العرقية الصغرى قوة سياسية أكبر، ولكن أوجوكورفض تقسيم المنطقة الشرقية إلى ثلاث ولايات، وفي 30 مايو1967م قام أوجوكوبإعلان الإقليم الشرقي جمهورية مستقلة باسم بيافرا. وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية بين بيافرا وبقية مناطق نيجيريا في يونيوعام 1967م انتهت باستسلام بيافرا في يناير 1970م.


نيجيريا اليوم

تسببت الحرب الأهلية في اغتال عدد كبير من الأشخاص، وأحدثت دمارًا على نطاق واسع في جنوبي نيجيريا. وفي السبعينيات من القرن العشرين نفذت الحكومة عددًا من برامج الإغاثة وإعادة التعمير؛ للتغلب على آثار الحرب، وعُيُّن كثير من الإيبوفي مناصب حكومية بما فيهم من حاربوا في صفوف القوات المتمردة.

وخلال أوائل سبعينيات القرن العشرين كانت الصناعات النفطية النامية توفر لنيجيريا موردًا مهمًا للثروة. وقد مكنت عائدات النفط الحكومة من تخطيط برامج تنموية، لتحسين مستوى المعيشة لجميع النيجيريين، وكان من بين الأهداف الرئيسية لتلك البرامج إنشاء الصناعات التحويلية، وإقامة المدارس، وتحسين وسائل النقل. ولكن بالرغم من ذلك ظلت نيجيريا تعاني من المشاكل السياسية.

وفي عام 1975م قامت مجموعة من ضباط الجيش بالإطاحة بحكومة اللواء يعقوب جاوون، وأصبح اللواء مرتالا رامات محمد رئيسًا للدولة وقائدًا عامًا للقوات المسلحة. وفي عام 1976م قامت مجموعة من ضباط الجيش بمحاولة قلب نظام الحكم، ولكن المحاولة باءت بالفشل بعد مقتل اللواء مرتالا محمد، وقد خلفه في المنصب الفريق أول أوليسيجون أوباسانجو. وفي عام 1976م قررت نيجيريا زيادة عدد ولاياتها من 12 إلى 19 ولاية. وفي عام 1979م أُنهي الحكم العسكري في نيجيريا، وتم انتخاب حكومة مدنية، لتحل محل الحكومة العسكرية، حيث أصبح شيخوشاجاري رئيسًا للجمهورية، وأعيد انتخابه عام 1983م.

لقد تسببت عائدات النفط في تدفق أعداد كبيرة من الوافدين من الأقطار المجاورة، بحثـًا عن العمل، ولكن تدني أسعار النفط في أوائل ثمانينيات القرن العشرين أثّر سلبًا في اقتصاد نيجيريا. لذلك قامت الحكومة في عامي 1983م و1985م بإبعاد الأجانب المقيمين في القطر بصورة غير شرعية.

وفي عام 1980م بدأت الحكومة النيجيرية في بناء مدينة جديدة بالقرب من وسط البلاد سميت أبوجا؛ لتحل محل لاجـوس، عاصمة للبلاد.

ومنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين تحول عدد كبير من الممحرر الحكومية إلى أبوجا وأصبحت هي العاصمة الرسمية في عام 1991م.

وفي ديسمبر 1983م أطاح العسكريون بالحكومة المدنية، وأصبح الفريق أول محمد بهاري رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، ولكن ضباطًا آخرين أطاحوا به في عام 1985م، وحل محله الفريق أول إبراهيم بابنْجيدا رئيسًا للحكومة العسكرية. جرت انتخابات في يونيو1993م، إلا حتى بابنجيدا ألغى نتائجها، ثم قدم استنطقته بعد حتى عين حكومة انتنطقية برئاسة أرنست شونيكان الذي استنطق في نوفمبر 1993م فتسلم السلطة الجنرال ساني أباشا ونصب نفسه رئيسًا للحكومة المؤقتة وأعرب حل الجمعية الوطنية. وفي عام 1995م، حمل الرئيس أباشا الحظر عن الأحزاب السياسية. ظلت وحدة عسكرية نيجيرية تعمل ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية في ليبيريا حتى عام 1997م. وفي يونيو1998م، توفي الرئيس ساني أباشا فجأة إثر نوبة قلبية وخلفه الرئيس أبوبكر عبدالسلام. وفي عام 1999م، أجرت نيجيريا انتخابات نيابية تمهيداً لعودة الحكم المدني كما تم صياغة دستور حديث للبلاد. فاز أوليسيجون أوباسانجو، الذي كان حاكماً عسكرياً للبلاد إلى عام 1979م، في الانتخابات وتولى زعامة البلاد بوصفه حاكماً مدنياً هذه المرة.

للاستزادة

  • الجمهورية النيجيرية الأولى
  • الجمهورية النيجيرية الثانية
  • الجمهورية النيجيرية الثالثة
  • الجمهورية النيجيرية الرابعة

الهامش

  1. ^ حكيم نجم الدين (2018-10-05). "تاريخ نيجيريا.. والطريق نحوالاستقلال". najimdeen.com.

وصلات خارجية

  • Upper and Lower Nigeria - Article from the historic Catholic Encyclopedia on Nigeria.
  • History of Nigeria - Offers a history of Nigeria from ancient days to the present.
  • BBC Timeline: Nigeria - Chronology of key events
  • [1] - Offers a view of one of the main sources of income for the country.
تاريخ النشر: 2020-06-06 17:13:21
التصنيفات: تاريخ نيجريا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

التشكيلة المتوقعة للمنتخب المغربي أمام أنغولا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:41
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 78%

دار للنشر تهدد بمقاضاة المكتبة الوطنية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:31
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 77%

وزارة التجهيز والنقل تحذر مستعملي الطرق (بلاغ)

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:36
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 81%

"لم تكن على جدول أعماله".. بلينكن يزور إسرائيل يوم الجمعة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:40
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 96%

إنزال جوي أميركي أردني مشترك في شمال غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:32
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 93%

واشنطن توسع قائمة عقوباتها ضد روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:41
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 98%

بايرن ميونخ يقدم عرضه الأخير لألفونسو ديفيز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:45
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 92%

ليفربول يعلن عن اسم مديره الرياضي الجديد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:48
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

بركة وقيوح والفاسي يقودون مساعي الصلح بين مضيان والمنصوري

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:28
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 70%

سيمبا: الأهلي لن يحقق الريمونتادا علينا حتى وإن لعبنا 3 أيام

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:00
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 46%

بلومبرغ: "بوينغ" تدرس بيع وحدتي صناعات دفاعية بعد سلسلة انتكاسات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:07:34
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 89%

تحذير من وزارة التجهيز إلى مستعملي الطرق

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:08:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

ما الذي قاله مدرب موريتانيا عن مواجهة “أسود الأطلس” المرتقبة؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-20 18:09:24
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 75%

تحميل تطبيق المنصة العربية