جون لوك

جون لوك
جون لوك
وُلـِد 29 أغسطس, 1632 (رينگتون، سمرست, إنگلترة)
توفي 28 أكتوبر 1704 (إسكس، إنگلترة)
العصر فلسفة القرن السابع عشر
(الفلسفة المعاصرة)
المنطقة الفلسفة الغربية
المدرسة British Empiricism, عقد اجتماعي, القانون الطبيعي
الاهتمامات الرئيسية
الميتافيزيقا، نظرية الفهم، فلسفة سياسية، فلسفة العقل، تعليم
الأفكار البارزة
tabula rasa، "الحكم بموافقة المحكومين"؛ حالة الطبيعة؛ حقوق الحياة، الحرية والمِلكية

جون لوك John Locke (و.1632 - 1704) هوفيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي. ولد في عام 1632 في رينگتون (Wrington) في إقليم (Somerset) وتفهم في مدرسة وستمنستر، ثم في كلية كنيسة المسيح في جامعة أكسفورد، حيث انتخب طالبا مدى الحياة، لكن هذا اللقب سحب منه في عام 1684 بأمر من الملك. وبسبب كراهيته لعدم التسامح البيورتياني عند اللاهوتيين في هذه الكلية، لم ينخرط في سلك رجال الدين. وبدلاً من ذلك اخذ في دراسة الطب ومارس التجريب الفهمي، حتى عهد باسم (دكتور لوك).

وفي عام 1667 اصبح طبيباً خاصاً لأسرة أنتوني آشلي كوپر (1621-1683) الذي صار فيما بعد الإيرل الأول لشافتسبري، ووزيراً للعدل، ولعب دوراً خطيراً في الأحداث السياسية العظيمة التي سقطت في إنجلترا ما بين ســنة 1660 وسنة 1680. لعبت علاقة لوك باللورد آشلي دوراً كبيراً في نظرياته السياسية الليبرالية. وكان اللورد آشلي يتمتع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثل المصالح السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي خط لوك في عام 1667 منطقاً خاصاً بالتسامح (On Toleration) راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكل شؤون الكنيسة.

اعتقد الكثيرون لمدة طويلة ان لوك خط اشهر منطقتين سياسيتين نشرتا في عام 1690 بعنوان "منطقتان عن الحكومة" (Two Treatises on Government) تأييداً لثورة 1688 الكبرى. وهناك وجهة نظر تقول إذا الموضوعتين موجهتان ضد فيلمر (Filmer) وليس ضد هوبس كما كان يفكر البعض. وهاجر لوك إلى هولندا عام 1683 بسبب ملاحقة البوليس له، وذلك لاتصالاته الوثيقة باللورد آشلي، الذي كان معارضاً للقصر وبقي هناك حتى عام 1689، وفي هولندا خط لوك عدة منطقات منها: منطق خاص بالفهم البشري (Essay Concerning Human Understanding) وبعض الأفكار عن التربية وأخرى عن التسامح. وعندما اتىت الثورة الكبرى، استطاع لوك العودة إلى إنجلترا. وقد رفضت الجامعات القديمة فلسفته الحسية وآراءَه الليبرالية. ومع ذلك فقد عاصر شهرته الكبرى التي انتشرت في أنحاء العالم. وتوفي عام 1704.

النشأة

جون لوك

ولد أعظم فلاسفة العصر أثراً في رنجتون بالقرب من برستول، في نفس العام الذي ولد في سبينوزا. ونشأ وترعرع في إنجلترا التي قامت فيها ثورة دامية وقتلت مليكها، وأصبح الصوت المنادي بثورة سلمية وعصر يسوده الاعتدال والتسامح، ومثل التسوية الإنجليزية في أحكم صورة وأفضلها. كان أبوه محامياً بيوريتانياً ناصر مع شيء من التضحية قضية البرلمان، وشرح لابنه نظريتي سيادة الشعب والحكومة النيابية، وبقي لوك مخلصاً لهذه الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً بفضل أبيه في تعويده على الرصانة الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً لليدي ماشام عن والد لوك أنه:

سلك معه في صغره نهجاً تحدث عنها الابن فيما بعد في استحسان بالغ. ذلك أنه كان قاسياً عليه بإبقائه في رعب شديد منه، وعلى أبعد منه، حين كان صبياً. ولكنه كان يخفف من هذه القسوة شيئاً فشيئاً حتى استوى جون رجلاً، آنس منه رشداً ومقدرة فعاش مع صديقاً حميماً(104).

—جون لوك عن والده

ولم يقر لوك لمفهميه بمثل هذا الفضل. وفي مدرسة وستمنستر أرهق باللاتينية واليونانية والعبرية والعربية، ومن الجائز أنه لم يسمح له بشهود إعدام شارل الأول (1649) في ساحة قصر هويتهول القريب من المدرسة، ولكن هذه الحادثة هجرت أثراً في فلسفته. وعوقت اضطرابات الحرب الأهلية التحاقه بكلية كريست في أكسفورد حتى بلغ العشرين من عمره. وهناك تفهم أرسطومصوغاً في قوالب سكولاسية باللاتينية، كما تفهم مزيداً من اليونانية، وبعض الهندسة والبلاغة، وكثيراً من المنطق وفهم الأخلاق، لفظ معظمها فيما بعد، على انها عتيقة مهجورة موضوعاً. غير مستساغة ولا مقبولة شكلاً. وبعد حصوله على درجة الماجستير (1658) بقي بكليته باحثاً في الدراسة العليا، يفهم ويحاضر. وسقط لبعض الوقت في غرام "سلبني عقلي(105)"، ثم استرد عقله وخسر عشيقته. ولم يتزوج لوك قط، مثله في ذلك مثل جميع فلاسفة هذا العصر تقريباً- ماليرانش، بل، فونتنل، هوبز، سبينوزا، ليبنتز. ونصحوه بالالتحاق بإحدى وظائف الكنيسة، ولكنه تردد ونطق: "إذا رقيت إلى مكان قد لا أستطيع حتى أملأ فراغه فإن الهبوط منه لنقد يكون إلا سقوطاً مروعاً يسمع له دوي شديد(106)".

وفي 1661 توفي والده بالسل، تاركاً له ثروة ضئيلة ورئتين ضعيفتين. ودرس الطب ولكنه لم يحصل على درجة فيه إلا في 1674. وفي الوقت نفسه قرأ ديكارت، وأحس بسحر الفلسفة حين تحدثت في جلاء ووضوح. وساعد روبرت بويل في تجاربه المعملية، وملأه الإعجاب بالمنهج الفهمي. وفي 1667 تلقى دعوة للحضور والإقامة في قصر إكستر ليكون طبيباً خاصاً لأنطوني آشيلي كوبر الذي سرعان ما أصبح أرل شافتسبري الأول، وعضوالوزارة أيام شارل الثاني، ومنذ هذا التاريخ إلى ما بعده، وعلى الرغم من احتفاظه رسمياً بمنصبه في أكسفورد حتى 1683، عثر لوك نفسه غارقاً في خضم السياسة الإنجليزية حيث شكلت أحداثها ورجالاتها أفكاره.

وأنقذ لوك، الطبيب، حياة شافتسبري حيث أجرى له عملية بارعة لاستئصال ورم خبيث (1668). وساعد في المفاوضات لإتمام زواج ابن شافتسبري، وسهر على زوجة ابنه أثناء الوضع، وأشرف على تعليم حفيده، خليفته في الفلسفة. ويذكر هذا الحفيد، إرل شافتسبري الثالث أن:

مستر لوك حظي بتقدير كبير لدى جدي، حتى وأنه وقد عهد بالتجربة أنه عظيم في الطب، رأى حتى هذا جانب صغير من جوانب عظمته، وشجعه على الاتجاه بأفكاره إلى منحى آخر، ولم يسمح له بمزاولة الطب إلا في أسرته أومن قبيل العطف أوالرحمة بصديق حميم. وهيأه لدراسة المسائل الدينية والمدنية التي تهم البلاد، وكل مل يتصل بمهمة الوزير في الدولة. وقد أحرز في هذا نجاحاً كبيراً حدا بجدي إلى حتى يتخذ منه صديقاً يسأله المشورة في أية قضية من هذا النوع.

— إرل شافتسبري الثالث

ولمدة عامين (1673- 1675) اشتغل لوك سكرتيراً لمجلس التجارة والزراعة (المستعمرات) الذي كان يرأسه شافتسبري. وساعده على وضع دستور لكارولينا التي أسسها شافتسبري وكان أكبر ملاك الأرض فيها. ولم تطبق هذه "النظم الأساسية" في المستعمرة بصفة عامة، ولكن حرية الضمير التي تضمنتها هذه النظم لقيت قبولاً حسناً إلى حد كبير لدى المستوطنين الجدد(108).

ولما تخلى شافتسبري عن مهامه السياسية 1675 جال ولك ودرس في فرنسا حيث التقى هناك بفرانسوا برنييه الذي أظهره على فلسفة جاسندي التي عثر فيها رفضاً معقولاً "للأفكار الفطرية" وهي مقارنة عقل الطفل الذي لم يولد باللوح النظيف الخالي من أي شيء، والجملة المأثورة التي نقلت فيما بعد عبر القنال الإنجليزي: "ليس ثمة شيء موجود في العقل إلا كان موجوداً أولاً في الحواس".

وفي 1679 عاد لوك إلى إنجلترا وإلى شافتسبري، ولكن الأرل زج بنفسه أكثر فأكثر في غمار الثورة، فآوى لوك إلى أكسفورد حيث أستأنف الدرس والبحث. وأثار القبض على شافتسبري وهربه من السجن ثم فراره إلى هولندا شبهات الملكيين حول أصدقائه. وانبث الجواسيس في أكسفورد للقبض على لوك متلبساً بما يمكن حتىقد يكون أساساً لتقديمه إلى المحاكمة(109). فلما أحس بالخطر وتنبأ باعتلاء عدوه جيمس الثاني عرش إنجلترا، فإنه كذلك لجأ إلى هولندا (1683). على حتى ثورة دوق مونموث القصيرة الأجل التي ماتت في مهدها (1681) استنفرت الملك جيمس الثاني إلى حتى يطلب من الحكومة الهولندية تسليم خمسة وثمانين لاجئاً إنجليزياً بتهمة اشتراكهم في المؤامرة لقلب عرش الملك الجديد. وكان من بينهم لوك، فاختبأ وأتخذ اسماً زائفاً. وبعد سنة أوفد إليه جيمس عرضاً بالعفوعنه ولكنه آثر البقاء في هولندا. وأقام في أوترخت وأمستردام وروتردام، حيث لم يستمتع بصداقة الإنجليز اللاجئين فحسب، بل سعد كذلك بصداقة الفهماء الهولنديين مثل جين لي كلرك وفيليپ ڤان لمبروخ، وكلاهما من زعماء اللاهوت الإرميني المتحرر. وفي هذا الوسط عثر لوك تشجيعاً كبيراً لآرائه في سيادة الشعب والحرية الدينية. وهناك خط "بحث في العقل الإنساني"، والمسودات الأولى لأبحاثه في التعليم والتسامح الديني.

وفي 1687 اشهجر في مؤامرة لإحلال وليم الثالث محل جيمس الثاني على عرش إنجلترا(110). فلما نجحت حملة نائب الملك في هذه المغامرة أبحر لوك إلى إنجلترا (1689) على نفس السفينة التي أقلت الملكة المقبلة ماري(111). وقبل مغادرة هولندا خط باللاتينية إلى لمبروخ رسالة تفيض بأحر العواطف. مما يدحض أويصبح ما افترض من حتى اعتداله المألوف نبع من برودة طبعه:

إني إذا أرحل عنكم، أكاد أشعر إني أفارق بلادي وعشيرتي وأهلي فإن جميع شيء يتعلق بالقرابة والسنة الحسنة والحب والشفقة- جميع ما يربط الناس بعضهم ببعض بوشائج قوى من رابطة الدم- وجدته بينكم موفوراً. إني أهجر ورائي أصدقاء لا سبيل إلى نسيانهم أبداً. ولن أودع الرغبة في سنوح الفرصة لأستمتع ثانية بالرفقة الحقه لأصدقاء، لم اشعر وأنا بينهم بأي حنين أورغبة، حيث كنت بعيداً عن ارتباطاتي الخاصة، وأعاني من أشياء كثيرة، أما أنت يا أفضل الرجال وأعزهم وأنبلهم، فإني حين أفكر في فهمك وحكمتك وشفقتك وصراحتك وإخلاصك ورقتك ودماثة خلقك، يتضح لي إني وجدت في صداقتك أنت وحدك ما يجعلني أبتهج دوماً لأني أرغمت على قضاء هذا الكثير من السنين في رحابك.

— لوك

وفي إنجلترا التي تولى فيها أصدقاء لوك منطقيد الحكم، تقل الفيلسوف عدة مناصب رسمية. ففي 1690 كان مفوض الاستئناف، وفيما بين 1696- 1700 كان مفوض التجارة والزراعة، وكان صديقاً حميماً لجون سومرز النائب العام، وشارل مونتاگوإرل هاليفاكس الأول، واسحاق نيوتن الذي ساعده لوك في إصلاح العملة. وبعد 1691 قضى معظم وقته في أوتس مور في أسكس مع سير فرانسيس ماشام وقرينته ليدي داماريس ماشام إحدى بنات رالف كودورث. وظل في هذا الركن الهادئ يخط وينقح ما خط حتى وافته المنية.


الحكومة والملكية

كان لوك قد بلغ السادسة والخمسين من العمر حيث عاد من منفاه. ولم يكن قد نشر سوى بعض منطقات قليلة الشأن، وخلاصة بالفرنسية "للمنطق" في المخطة العالمية التي كان يصدرها لي كلارك (1688) ولم يكن يعهد عن اشتغاله بالفلسفة إلا نفر قليل من أصدقائه. وما هي إلا سنة واحدة، هي "سنة العجائب" حتى دفع إلى المطبعة ثلاثة خط سمت به إلى مصاف الشخصيات البارزة الكبرى في عالم الفكر في أوربا. وظهرت "رسالة عن التسامح" في مارس 1689، في هولندا، ثم ترجمت إلى الإنجليزية في الخريف. وأعقبتها في 1690 "برسالة ثانية عن التسامح". وفي فبراير 1690 أصدر منطقيه عن "الحكم المدني"، وهما حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديموقراطية في إنجلترا وأمريكا، وبعد شهر واحد أخرج كتابه "بحث في العقل الإنساني"، وهوأعظم المؤلفات أثراً في فهم النفس الحديث. وعلى الرغم من إتمامه هذا الكتاب الأخير قبل مغادرته هولندا فإنه عجل بطبع منطقي "الحكم المدني" قبله، لأنه كان تواقاً إلى تزويد "الثورة الجليلة 1688-1689 بأساس فلسفي. وقد أثبت هذا الهدف صراحة في مقدمة الموضوع الأول "لتثبيت عرش منقذنا العظيم مليكنا الحالي وليم الثالث، وتدعيم حقه الشرعي أمام الناس.... وأبرز عمل الشعب الإنجليزي في نظر العالم، ذلك الشعب الذي أنقذ حبه لحقوقه الطبيعية العادلة وتصميمه على المحافظة عليها، أنقذ الأمة التي كانت شفا العبودية والدمار(113)".

وكان الموضوع الأول والأصغر رداً على "دفاع عن السلطة الطبيعية للملك" الذي كان سير روبرت فيلمر قد ألفه حوالي 1642 تدعيماً لحقوق شارل الإلهية، والذي لم يكن قد وصل إلى المطبعة إلا مؤخراً (1680) في ذروة حكم شارل الثاني المطلق المنتصر. ولم يكن هذا الكتاب أحسن ما دبج قلم سير روبرت، فإنه نشر في 1648 دون حتى يذكر أسمه، "فوضى الحكم المختلط المحدد" الذي استبق به آراء هوبز. وعلى الرغم من إيداع فيلمر السجن لدفاعه عن قضية خاسرة فإنه دافع عنها ثانية في "ملاحظات على كتاب السياسية لأرسطو" الذي نشر غفلاً من اسم المؤلف في 1652، قبل وفاته بعام واحد. صور فيلمر الحكومة بأنها امتداد للأسرة. وأودع الله السيادة في الأسرة الإنسانية الأولى، في آدم الذي أنحدر من الآباء. وعلى أولئك الذين (مثل خصوم فيلمر) يؤمنون بأن الكتاب المقدس منزل من عند الله، حتى يسلموا بأن الأسرة الأبوية وسلطة الأب. أقرهما الله. وانتقلت هذه السيادة من الآباء إلى الملوك. وكان الملوك الأوائل آباء، وكان سلطانهم شكلاً من حكم الآباء، مشتقاً منه، فالملكية إذن ترجع إلى آدم، ومن ثم إلى الله. وسيادة الملوك، إلا إذا أمروا بخرق صريح للقانون الإلهي، مقدسة مطلقة. والتمرد عليها خطيئة وجريمة في وقت معاً(114).

وعلى نقيض النظرية التي تقول بأن الإنسان ولد حراً، يقول فيلمر بأن الإنسان ولد خاضعاً لعادات الجماعة وقوانينها، وللحقوق الطبيعية والشرعية للوالدين على أولادهم. "إن الحرية الطبيعية" خرافة رومانسية. وأنها لخرافة أيضاً حتى الحكومة قامت برضا أفراد الشعب واتفاقهم. "والحكومة النيابية" خرافة أخرى. فالممثل لا يختاره إلا أقلية ضئيلة نشيطة في جميع دائرة انتخابية(115). وكل حكومة هي من أغلبية عن طريق أقلية. ومن طبيعة الحكومة حتى تكون فوق القانون. فللهيئة التشريعية، بمقتضى تعريفها، سلطة سن القوانين وتغييرها أوإلغائها. "وأنا لنخدع أنفسنا إذا راودنا الأمل يوماً في حتى تحكمنا سلطة غير استبدادية(116)" وإذا كان للحكومة حتى تعتمد على إرادة المحكومين، فسرعان ما ينتهي الأمر إلى عدم وجود حكومة البتة، فإن جميع فرد أومجموعة أفراد ستزعم لنفسها الحق في العصيان والتمرد وفقاً لما يمليه "الضمير". وتلك هي الفوضى أوحكم الرعاع". وليس هناك طغيان يمكن حتى يقاس بطغيان الجماهير(117)".

وأحس لوك حتى مهمته الأولى، وهوالمدافع عن الثورة الجليلة حتى يدحض حجج فيلمر. ونطق "أنه لم يكن هناك يوماً مثل هذا الهراء المرتجل دون تروبمثل هذه الكثرة في لغة إنجليزية رنانة" كما اتى في منطقات سير روبرت. ليس لي حتى أتحدث بمثل هذه الصراحة على رجل لم يعد يستطيع حتى يرد"، لولم يعتنق المنبر السنين الخوالي علانية نظريته ويجعل منها عقيدة مقدسة رائجة في هذا العصر"- يعني لولم يعتنق رجال الكنيسة الأنجليكانية نظرية حقوق الملوك الإلهية حتى في عهد الملك الكاثوليكي جيمس الثاني، وانتقل لوك، في تهكم هازل، لاذع أحياناً، ليفترض على حتى فيلمر أرجع سلطة الملك إلى ما افترض من سلطة آدم وآباء التوراة، ولسنا في حاجة إلى تتبعه في طول دحضه للكتاب المقدس. ونحن اليوم نبرر خلافاتنا السياسية بوسائل أخرى غير الأسفار المقدسة حتى شائناً من تفكير فليمر لا يزال باقياً بعد حتى تناوله لوك بهذه الطريقة الخشنة- المحاولة مهما كانت خاطئة في تفصيلها لإلقاء الضوء على طبيعة الحكومة بالتماس أصولها في التاريخ، حتى في البيولوجيا. ومن المحتمل حتى فليمر ولوك كليهما انتقصا من قدر الدور الذي لعبه الغزووالقوة في إقامة الدول.

وفي الموضوع الثاني من "الحكم المدني" تحول لوك إلى مهمة البحث لحكم وليم الثالث في إنجلترا عن سند أقوى من الحق الإلهي الذي يعيد لسوء الحظ السلطة إلى جيمس الثاني. إذا لوك حين اسندج ارتقاء وليم العرش من رضا المحكومين افترض أكثر مما استطاع إثباته بالتاريخ: إذا الشعب لم يكن قد أعرب قبوله غزووليم لإنجلترا، كما حتى النبلاء أوأبناء الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا قد وضعوا الخطة لهذا الغزولمقد يكونوا فكروا في الحصول على موافقة الشعب، ولم يفكروا إلا في تجنب مقاومته، ومع ذلك فإن لوك في التماسه سنداً من الفلسفة لسلطة وليم، أتى بدفاع مؤثر عن سيادة الشعب. وفي سبيل دفاعه عن الملك الحاكم بسط نظرية الحكومة النيابية، وفي سياق عرضه الأساسي المنطقي لحركة الأحرار (الهويجز) والمدافعين عن حق التملك، صاغ إنجيل الحرية السياسية، وأنهى هيمنة هوبز على الفلسفة السياسية الإنجليزية.

وحذا لوك حذوهوبز في افتراض "حالة طبيعية" بدائية. قبل نشوء الدول. وشكل- مثل هوبز وفليمر- التاريخ وفقاً لأغراضه ولكنه على عكس هوبز، تصور حتى الأفراد في "الحالة الطبيعية" كانوا أحراراً متساوين، واستخدم هذه اللفظة، كما استخدمها جفرسون حين نسج من منواله، لتعني أنه ليس لأحد بالطبيعة "حقوق" أكثر مما لسواه، وهويبيح للإنسان في "الحالة الطبيعية" غرائز معينة بمثابة إعداد سايكولوجي للمجتمع، ويأتي لوك أحياناً بافتراضات لطيفة "من حيث حتى جميع إنسان حر بالطبيعة، فليس في إمكان أي شيء حتى يخضعه لأية سلطة دنيوية إلا برضاه وموافقته...(119)" ولم يكن "الطور الطبيعي" في هذه النظرية- كما صوره هوبز- حرباً بين الناس بعضهم بعضاً، لأن "سنة أوقانون الطبيعة" أيد حقوقهم بوصفهم حيوانات عاقلة. ومضى لوك إلى أنه بمقتضى العقل توصل الناس إلى اتفاق "عقد اجتماعي"، الواحد منهم مع الآخر تنازلوا فيه عن حقوقهم الفردية في القضاء والعقاب، لا لملك، بل للجماعة ككل. وعلى هذا تكون الجماعة هي السيد أوالحاكم الحقيقي، وهي تتخذ بأغلبية الأصوات رئيساً أعلى ينفذ مشيئتها(120). ويمكن حتى يسمى ملكاً، ولكنه مثل أي مواطن آخر ملتزم بطاعة القوانين التي تسنها الجماعة. فإذا سعى (مثل جيمس الثاني) إلى خرقها أوالمراوغة في تطبيقها، كان للجماعة الحق في سحب السلطة التي منحاه إياه.

والحق حتى لوك لم يكن يدافع عن وليم ضد جيمس، بل عن البرلمان (المنتصر الآن) ضد أي ملك، إذا أعلى سلطة في الدولة ينبغي حتى تكون السلطة التشريعية، التي يجب حتى تختارها الأصوات الحرة غير المشتراة. ويجدر حتى تسقط القوانين أشد العقوبة على جميع محاولة لشراء أصوات المواطنين أوالمشرعين. ولم يتنبأ لوك بأن وليم الثالث الذي أحب الفيلسوف به قد يضطر إلى شراء أصوات أعضاء البرلمان، وأن الأسرات القوية قد تستمر لمائة وأربعين عاماً بعده تتحكم في أصوات "المدن الفاسدة القابلة للرشوة" أوتقرر مصيرها. وينبغي حتى تكون السلطة التشريعية مستقلة تمام الاستقلال عن السلطة التطبيقية، وأنقد يكون جميع من جهازي الحكومة هذين رقيباً على الآخر.

ويقول لوك "ليس للحكومة من هدف إلا صيانة الملكية (حق التملك)" لقد كانت هناك شيوعية بدائية، حين نما الطعام دون زراعة، واستطاع الإنسان حتى يعيش دون كد ولا كدح، ولكن عندما بدأ العمل انتهت الشيوعية، لأن الإنسان أخذ لنفسه، ملكاً خاصاً به، أي شيء ذا قيمة أضفاها عليه جهده هو. فالعمل إذن هومصدر "99%" من جميع القيم المادية(122). (وهنا قدم لوك للاشتراكية الحديثة على غير قصد منه إطلاقاً، أحد مبادئها الأساسية). إذا المدنية تنموعن طريق العمل، ومن ثم عن طريق نظم الملكية بوصفها نتاج العمل. ومن الناحية النظرية ليس لإنسان لأن يمتلك أكثر مما يستطيع استخدامه(123). ولكن اختراع النقود مكنه من بيع فائض نتاج عمله، مما لم يستطع الانتفاع به، وعن هذا الطريق ساد التفاوت الكبير أوعدم المساواة في الملكية بين الناس- وربما كنا نتسقط، عند هذه النقطة، من لوك حتى ينتقد هجريز الثروة، ولكنه بدلاً من ذلك نظر إلى الملكية مهما كان سوء توزيعها، على أنها أمر طبيعي مقدس، فاستمرار النظام الاجتماعي والمدنية يستلزم حتى تكون حماية الملكية أسمى غرض للدولة. "وليس في مقدور السلطة العليا حتى تستولي على أي جزء من أملاك الإنسان إلا بموافقته ورضاه".

وعلى هذا الأساس لم يقر أية ثورة تنطوي على التجريد من الملكية. ولكنه بوصفه نبي الثورة الجليلة وصوتها لم يستطع حتى ينكر "الحق في قلب الحكومة(125)". إذا الشعب في حل من الطاعة إذا كان ثمة محاولات غير مشروعة للاعتداء على حرياته وممتلكاته، "لأن" هدف الحكومة هوالصالح العام للبشر. وأيهما أفضل لبني الإنسان: تعرض الناس دائماً للرغبة الجامحة في الطغيان، أوحتى يتعرض الحكام أحياناً للمقاومة إذا أسرفوا في استخدام سلطتهم واستغلالها في القضاء على ممتلكات الشعب، لا في المحافظة عليها(126)؟" وعلى حين أجاز بعض الهيجونوت والفلاسفة اليسوعيين الثورة لحماية الدين الحق الواحد، نجد لوك لا يقرها إلا لحماية الممتلكات. إذا النزعة الدنيوية كانت تغير من مركز القداسة وتعريفها.

وظل تأثير لوك على الفكر السياسي مسيطراً حتى ظهور كارل ماركس. وكانت فلسفته عن الدولة ملائمة لحكم الأحرار (الهويجز) وللخلق الإنجليزي إلى حد تجاهل أخطائها طيلة قرن من الزمان باعتبارها هنات هينات في عهد أعظم (ماجنا كارتا) جليل الشأن للبرجوازية. إنها لم تضف هالة على 1689 فحسب، بل، مع تجاوز مشهود، كذلك على 1776 و1789- أعني المراحل الثلاث لثورة العمل ضد المحتد. والمال ضد الأرض. ويسخر النقاد اليوم من لوك اشتقاقه للحكومة من رضا الأفراد الأحرار وموافقتهم في الطور الطبيعي، كما سخر هومن فليمر اشتقاقه الحكومة من الآباء ومن آدم ومن الله. إذا "الحقوق الطبيعية" مشبوهة ونظرية، والحق الطبيعي الوحيد في المجتمع ليس فيه قانون هوالقوة المتفوقة، كما هوحادث الآن بين الدول. أما في المدنية فالحق هوالحرية التي يرغب فيها الفرد ولا تكون ضارة بالجماعة "وقد يوجد حكم الأغلبية في الجماعات الصغيرة في الأمور غير الحيوية" وتمارس الحكم عادة أقلية منظمة. والحكومات الآن تضطلع بالتزامات أكبر من مجرد حماية الملكية.

ومع ذلك فإن تحقيق هذه الرسالة الثانية يظل إنجازاً عظيماً. إنه وسع من قيمة فوز البرلمان و"الأحرار Whigs على "المحافظين" Tories، حتى صاغ من هذا الفوز نظرية الحكومة النيابية المسئولة. تلك النظرية التي ألهبت مشاعر الشعوب الواحد منها بعد الآخر في تسلمها مراقي الحرية. ونبذت إنجلترا فكرة السلطات التي اتى بها لوك، وأخضعت الحكومة بأسرها للسلطة التشريعية، ولكن نظريته كانت تهدف إلى الحد من قوة السلطة التطبيقية. وقد تحقق هذا الهدف تحقيقاً كاملاً. حتى كثيراً من ثقته في حصافة الناس ولباقتهم، واعتداله في تطبيق النظرية على الممارسة أوالفهم على العمل، أصبح منهجاً قياسياً ذا قيمة معترف بها في السياسة الإنجليزية، جعل الثورة أمراً تدريجياً دقيقاً لا يكاد يدرك، بينما هي حقيقة واقعة. وانتقلت آراء لوك من إنجلترا إلى فرنسا مع فولتير في 1729، واعتنقها مونتسكيوعند زيارته لإنجلترا 1729-1731، وكان لها صدى عند روسووغيره قبل الثورة الفرنسية وفي أثنائها، وبرزت باحلى معانيها في "إعلان حقوق الإنسان" الذي أصدرته الجمعية التأسيسية 1789. وعندما ثار مستعمروأمريكا في وجه جورج الثالث حين استعاد قوة الملك وسلطانه، نراهم اقتبسوا آراء لوك وصيغه بل ألفاظه تقريباً في "إعلان الاستقلال" الذي أصدروه. كما حتى الحقوق التي أثبتها لوك أصبحت "وثيقة الحقوق" في التنقيحات العشرة الأولى للدستور الأمريكي. أما نظريته في فصل السلطات، كما وسعها منتسكيولتضم السلطة القضائية، فقد أصبحت عنصراً أساسياً في شكل الحكومة الأمريكية، كما أخذت عنايته البالغة بالملكية طريقها إلى التشريع الأمريكي، وأثرت منطقاته عن التسامح في الآباء المؤسسين في فصل الكنيسة عن الدولة وإقرار الحرية الدينية ويندر حتى نجد في تاريخ الفلسفة السياسية رجلاً بمفرده كان له مثل هذا الأثر الخالد الباقي.


الذهن والمادة

كان تأثير لوك شاملاً وعميقاً في فهم النفس قدر تأثيره في نظرية الحكم المدني. وظل يخط رسالته عن "العقل الإنساني" منذ 1670 ويتميز هذا البحث بأنه دفع به إلى المطبعة بعد عشرين عاماً قضاها في مراجعته وتنقيحه، ثم تسلم عن هذه التحفة الرائعة في فهم نفس التحليلي ثلاثين جنيهاً. ويعزولوك نفسه مشروعه في هذا البحث إلى مناقشة جرت في لندن 1670:

اجتمع في حجرتي خمسة أوستة من الأصدقاء، وكنا نناقش موضوعاً بعيداً عن هذا جميع البعد، وسرعان ما وجدنا أنفسنا في مأزق نتيجة الصعوبات التي اعترضتنا من جميع النواحي، وبعد حتى تملكتنا الحيرة لبعض الوقت دون الوصول إلى حل قريب لهذه الشكوك... خطر ببالي أننا نهجنا نهجاً خاطئاً. وأننا قبل حتى نشرع في التحقيق في طبيعة هذا الموضوع، كان لزاماً علينا حتى نختبر قدراتنا نحن، ونرى حتى "الموضوعات" تصلح، أولا تصلح أفهامنا لمعالجتها، وعرضت هذا على الرفاق الذين وافقوا جميعاً من فورهم، ومن ثم اتفقنا على حتىقد يكون هذا أول ما نبحث فيه. وكانت بعض الأفكار السريعة المهوشة التي عرضتها في اجتماعنا التالي، هي المدخل الأول لهذا المبحث(127).

ومن الواضح حتى الذي حفز لوك إلى كتابة "منطق عن العقل الإنساني" هوالخلاف الذي نشب بين الأفلاطونيين في كمبردج من الذين حذوا هنا حذوالفلاسفة السكولاسيين- في أننا نستمد أفكارنا من الله ومن المثل الأخلاقية العليا، لا من التجربة والخبرة، بل من الاستبطان، وأن هذه الأفكار فطرية أصيلة فينا، وجزء من جهازنا العقلي، مهما كنا غير واعين عند الولادة. وهذه الفكرة، لا بيانات ديكارت الثانوية عن "الأفكار الفطرية"، هي التي أدت بلوك إلى النظر في مسألة هل هناك أية أفكار لم تكن وليدة تأثيرات العالم الخارجي(128). وخلص لوك إلى القول بأن جميع الفهم بما في ذلك أفكارنا عن الله وعن الصواب والخطأ مستمدة من الخبرة، وليست جزءاً من الهجريب الفطري للعقل. وعهد أنه في محاولته للبرهنة على هذه النظرية التجريبية قد يسئ إلى كثير من معاصريه الذين أحسوا بأن الأخلاق تتطلب مساندة الدين لها، وأن الأخلاق والدين كليهما ينهار ويضعف إذا نبعت أفكارها الأساسية من منبع أقل شرفاً من الله سبحانه وتعالى. وطلب إلى قرائه حتى يتجملوا بشيء من الصبر معه، أما هومن جانبه فقد كان قاب قوسين أوأدنى من منزلق المناقشة الخطيرة، في روح من الشك المتواضع. "أنا لا أزعم أني ألقي درساً، بل أنا أسأل(129)". وفي إيجاز، اعترف بأنه كان "كسولاً مشغولاً إلى حد بالغ(130)".

ولكنه على الأقل استطاع حتى يحدد مصطلحاته، وهويعترض على "الغموض المتكلف عند بعض الفلاسفة(131)". إذا معهدتنا الدقيقة بما تدل عليه وتعنيه ألفاظنا قد ينهي.... النزاع... في كثير من الأحوال(132)". وينبغي التسليم بأن ممضى لوك في هذه النقطة يفضل ممارسته له. أنه يعهد "العقل" بأنه "قوة الإدراك الحسي"، ولكنه يستخدم الإدراك الحسي ليضم: (1) إدراك الأفكار في عقولنا. (2) وإدراك معاني الألفاظ، (3) وإدراك التوافق أوالتنافر بين الأفكار(133). ولكن ما هي الفكرة،يا ترى؟ إذا لوك يستخدم هذا الاصطلاح ليعني: (1) تأثير الأمور الخارجية على حواسنا(وهوما يجب حتى نسميه الإحساس)، أو(2) الوعي الداخلي بهذا التأثير (وهوما يجب حتى نسميه الإدراك الحسي)، أو(3) صورة الفكرة أوالذكرى المتصلة بها (وهوما يجب حتى نسميه الفكرة)، أو(4) "الحركة التي تجمع صوراً منفردة كثيرة لتكون مفهوماً عاماً أومجرداً أوشاملاً لمجموعة من الأمور المتشابهة. إذا لوك لا يوضح دائماً في أي معنى يستخدم اصطلاحه المزعج ".

لكن لوك يبدأ بنبذ "المبادئ الفطرية". حتى هناك رأياً ثابتاً لدى الناس بأن هناك في العقل بعض "مبادئ فطرية معينة، أوبعض مفاهيم غامضة أولية مطبوعة في ذهن الإنسان تتلقاها النفس منذ بداية نشأتها، وتأتي بها معها إلى الدنيا". ويأخذ في إيضاح "بطلان هذه الفرضية(135)". أنه لا ينكر "النزعات" الفطيرة0التي سميت فيما بعد الانتحاء (النزعة إلى الحركة استجابة لمنبه ما) أوالأفعال المنعكسة اللاإرادية أوالغرائز، ولكن هذه في رأيه عادات سيكولولجية، وليس أفكاراً. وحذا حذوهوبز فوصف مثل هذه العمليات بأنها "سلاسل من الحركات في روح الحيوانات، إذا انطلقت استمرت في المراحل التي اعتادت عليها، والتي تصبح بعد كثرة ارتيادها طريقاً ممهداً، كما تصبح الحركة فيه سهلة، وكأنها طبيعية" أوفطرية(136).

وهويميل إلى حتى يجوز توارد الخواطر في أنها طرق سيكولوجية. وكان ديكارت فقد مضى إلى حتى فكرة الله فطرية أصيلة فينا، ولكن لوك ينكر هذا الرأي. فإن بعض القبائل وجدت دون حتى تكون لديها فكرة عدالة، كما إذا بعض الذين يعتنقونها تتباين لديهم المفاهيم أوالصور عن الآلهة إلى حدقد يكون معه من الحكمة حتى نرفض فكرة "نشوئها بالفطرة أوبالسليقة"، وأن نبني إيماننا بالله على "لآيات البينات على كمال حكمته وقدرته... فيما خلق وأبدع(137)"- أعني الخبرة. وبالمثل ليس هناك "مبادئ عملية فطرية"- ليس هناك مفاهيم فطرية عما هوصواب وما هوخطأ. فالتاريخ يوضح لنا مجموعة متباينة، عظيمة أحياناً متناقضة أحياناً أخرى، من الأحكام الخلقية، مما لا يمكن معه اعتبارها جزءاً من التراث الطبيعي للإنسان، بل هي تراث اجتماعي يختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان(138).

وبعد حتى تخلى لوك عن "الأفكار الفطرية" اتى ليتساءل: كيف من الممكن أن تولد أوتنشأ الأفكار،يا ترى؟ "فلنفترض حتى العقل (عند الولادة)، كما يمكن حتى ينطق، صفحة بيضاء خالية من أي رسم أونقش، ومن أية أفكار، فكيف يتأتى تزويده؟.... وعلى هذا السؤال نجيب بحدثة واحدة، من الخبرة، وعليها تبنى جميع الفهم، ومنها تستمد في النهاية(139)". فكل الأفكار مستمدة أما من الإحساس والانعكاس على نتاج إحساسنا. والأحاسيس كلها مادية، ونتائجها العقلية هي الإدراك الحسي، وهو"أولى مواهب العقل"(140).

ولم يجد لوك سبباً للارتياب في إمكان حصولنا على فهم حقيقية سليمة عن العالم الخارجي، ولكنه قبل الرأي الذي أستقر منذ أمد طويل، ألا وهوالتمييز بين الصفات الأولية والصفات الثانوية للأشياء المدركة. أما الصفات الأولية "وهي التي لا يمكن فصلها عن الجسم إطلاقاً، في أية حالة مهما كانت" مثل: الصلابة، الامتداد، الشكل، العدد، والحركة أوالسكون. أما الصفات الثانوية "فليست شيئاً في هذه الأمور نفسها، بل مجرد قوى تحدث فينا إحساسات متعددة بصفاتها الأولية". فالألوان والأصوات والطعوم والروائح صفات ثانوية تحدث فينا بكتلة هذه الأمور وشكلها ونسيجها أوحركتها. أما الأمور نفسها فليس لها لون ولا وزن ولا طعم ولا رائحة ولا صوت ولا حرارة. وكان هذا التمييز قد ظهر منذ البرتوس ماجنوس وتوما الأكويني (القرن 13)، وقد قبله ديكارت وجاليليووهوبز وبويل ونيوتن، ولكن عرض لوك لفكرة التمييز هذه وتوكيده لها هيأ لها انتشاراً واسعاً من جديد. فقد تصور الفهم الآن حتى العالم الخارجي محايد صامت غير متحيز، فقدت أزهاره وثماره عطرها ونكهتها. وربما هبط هذا المفهوم بالشعر إلى الشعر المنثور في "العصر الأوجستي"- أوائل القرن الثامن عشر في إنجلترا، عهد الملكة آن، ولكنه اكتشف في آخر الأمر حتى الصفات المحسة حقيقة مثل الأجسام نفسها، وثارت الرومانسية لنفسها من الكلاسيكية حيث جعلت المشاعر أسمى حقيقة.

وأدى تحليل الشيء أوالجسم إلى صفات، على هذا النحو، إلى هذا السؤال: ما الجوهر الذي يظهر حتى الصفات الأولية تلازمه باعتبارها جزءاً منه،يا ترى؟ وأعترف لوك بأننا لا نعهد من هذا الجوهر الخفي الغامض شيئاً إلا صفاته، فإذا نزعت هذه الصفات فإن الجوهر- أي الأساس الضمني أوالمفهوم ضمنا لهذه الصفات- يفقد جميع معنى له، وظاهراً أيضاً أنه يفقد وجوده(141). وهنا يتدخل باركلي: إذا كنا لا نعهد إلا صفات الأمور أوالأجسام، ونعهد حتى هذه الصفات هي مجرد أفكار، فكل الحقيقة اذن إدراك حسي، وعندئذ يصبح لوك، بطل التجريبية العظيم- الخبرة هي مصدر جميع الفهم- يصبح مثالياً يحيل المادة إلى فكرة: أضف إلى ذلك حتى "العقل" افتراضي مثل الجوهر أوالجسم أوالمادة تماماً. وفي فقرة مشهورة يتجاوز لزك باركلي ويسبق هيوم:

ونفس الشيء يحدث فيما يتعلق بعمليات الذهن، مثل التفكير والاستنتاج والخوف وغيرهما، التي لا نخلص إلى القول بأنها توجد من نفسها ولا نعي كيف من الممكن أن تتبع الجسم أوكيف من الممكن أن يمكن حتى يحدثها الجسم، ولكنا نميل إلى الظن بأنها نشاط جوهر ما نسميه الروح، بواسطتها، ولوأنه من الواضح أنه ليس لدينا فكرة أومفهوم آخر من المادة إلا أنها شيء توجد هذه الصفات المحسوسة التي تؤثر على حواسنا، فأنه كذلك بافتراض جوهر فيه التفكير والفهم والشك والقدرة على الحركة وغيرها، فيكون لدينا فكرة واضحة عن الروح كما هوالحال بالنسبة للجسم: الأولى يفترض (دون حتى نعهد ماهيتها)، إنها جوهر لتلك الأفكار البسيطة التي نستمدها من الخارج، والآخر يفترض (مع نفس القدر من الجهل بماهيته) أنه جوهر لهذه العمليات التي نمارسها في داخل أنفسنا(142).

وحيث أقر حينئذ "بأن فكرتنا عن الجوهر غامضة، أوليس لدينا فكرة إطلاقا عنه في "العالمين" (الخارجي والداخلي) كليهما، وأن الأمر لا يعدو" حتىقد يكون افتراض الجهل بما يدعم هذه الأفكار التي نسميها أحداثاً، فإن لوك يخلص إلى أنه في كلتا الحالتين يسوغ لنا الاعتقاد بوجود جوهر، على الرغم من أننا لا يمكن حتى نعهده: في مادة وراء الصفات المحسوسة أوأنها تبعثها، وفي عقل وراء الأفكار أويحتويها- عامل روحي يؤدي مختلف عمليات الإدراك والتفكير والشعور والإرادة(143).

ومهما يكن من أمر العقل، فإن عملياته كلها من نوع واحد- حركة الأفكار أونشاطها. ويرفض لوك فكرة السكولاسية عن "المواهب" في العقل، مثل التفكير والشعور والإرادة. فالتفكير هواتحاد الأفكار أوالجمع بينها، والشعور هوترجيح فكرة سيكولوجية أوصداها، والإرادة فكرة تنطلق إلى العمل أوالتصرف، مثلما تنزع جميع الأفكار إلى العمل إلا إذا عوقتها فكرة أخرى .ولكن كيف من الممكن أن يمكن حتى تصبح العملية "الروحية" عملية فسيولوجية وحركة مادية،يا ترى؟ إذا لوك يقبل كارهاً ثنائية الجسم المادي والعقل غير المادي، ولكنه في فترة من فترات الطيش يوحي بأن العقل يمكن حتىقد يكون شكلاً من "المادة". وهناك في هذا الصدد تعبير مأثورة عن لوك:

من الممكن أنه لنقد يكون في مقدورنا أبداً حتى نعهد حتى مجرد كائن مادي يفكر أولا يفكر، وحيث أنه يستحيل علينا، بالتأمل في أفكارنا نحن، دون وحي أوإلهام، حتى نكتشف هل زودت القدرة الإلهية بعض أنواع المادة المالية بطبعها، بالقدرة على الإدراك والتفكير، أوأنها (أي القدرة الإلهية) ضمت إلى المادة الميالة على هذا النحو، أوثبتت فيها جوهراً مفكراً غير مادي، فإنه بالنسبة لأفكارنا، ليس يبعد عن الفهم حتى ندرك حتى الله قادر إذا شاء حتى يضيف إلى المادة "موهبة للتفكير"، أكثر من أنه سبحانه وتعالى يمكن حتى يضيف إليها جوهراً آخر فيه موهبة للتفكير.. إذا من يرى كيف من الممكن أن أنه من الصعب، في أفكارنا، توافق الإحساس مع المادة الممتدة، أوتوافق الوجود مع شيء ليس له امتداد إطلاقاً، يفترض أن يقر ويعترف بأنه بعيد جميع البعد عن فهم ماهية نفسه على وجه اليقين... وهذا الذي يطلق لنفسه العنان ليتأمل في حرية... يندر حتى يجد في عقله القدرة على تحديد موقفه تحديداً تاماً من "مادية النفس" سلباً أوإيجابياً(145).

وعلى الرغم من حتى لوك كان قد تغلب بالعمل على الجانب المادي من المعضلة، فإن الإيحاء باحتمال صدقه أوحقيقته، بالنسبة لتيار الفكر في ذاك العصر، أساء إلى الدين القويم إلى حد حتى مائة من المدافعين عن الديانة هاجموه بتهمة أنه أيد "في طيش وتهور" آراء الملحدين. ولم يلقوا بالاً لاحترامه وإجلاله للوحي، ولبيانه القديم "أن الرأي الأرجح والأكثر احتمالاً هوان الشعور مرتبط بجوهر فرد غير مادي، وهوحب هذا الجوهر والتعلق به(146)"، وربما تنبأ هؤلاء المدافعون بأن لامتري وهولباخ وديدرووغيرهم من فلاسفة المادية قد يرون في كلام لوك نزوعاً خفياً إلى وجهة نظرهم.. واتهمه الأسقف ستللنجفليت بمثل هذه النزعة المادية على وجه التحديد، وأنذره بأنها تعرض اللاهوت المسيحي كله للخطر. وتناسى لوك حرصه العهود، وأكد من حديث وبقوة، احتمال صدق الفرضية المادية وظل على خلاف بشأنها مع ستللنجفليت وغيره حتى 1697.

على حتى منطق "العقل الإنساني "على الرغم من نقاده وما فيه من تناقضات وغموض وإبهام، وغير ذلك من الأخطاء، تزايدت قيمته وأهميته وأثره عاماً بعد عام. وتهافت الناس على طبعاته الأربع في الأربعة عشر عاماً التي انقضت بين ظهوره ووفاة مؤلفه لوك. وظهرت له الطبعة بالفرنسية في عام 1700 ، وتقبلوه هناك في إعجاب حماسي. وأصبح حديث الناس في قاعات الاستقبال في إنجلترا. وأكد ترسترام شاندي لسامعيه حتى الرجوع إلى "الموضوع" يمكن أي إنسان من "الابتعاد بنفسه عن التفكير في الميتافيزقيا(147)". وكان تأثيره على باركلي وهيوم عظيماً إلى حد أننا نستطيع حتى نؤرخ بظهوره تحول الفلسفة البريطانية من الميتافيزقيا إلى الفهم. وربما كان لوك ماثلاً في ذهن بوب حين خط "أن الدراسة السليمة للجنس البشري هي الإنسان". وفي 1700 ظهرت طبعة بالفرنسية للمنطق، ولقيت هناك ترحيباً حماسياً بالغاً. وخط فولتير يقول: "بعد حتى صاغ بعض السادة المفكرين أسطورة رومانسية عن النفس، ظهر رجل واحد حكيم حقاً، وأمدنا بتاريخها السليم في أعظم حالة من التواضع يمكن تصورها. إذا مستر لوك قد كشف للإنسان تشريح النفس، كما لوحتى بعض فهماء التشريح يشرحون الجسم(148)". ونعود فنقول "إن لوك وحده" بسط العقل الإنساني في كتاب لا يضم إلا حقائق وهوكتاب بلغ حد الكمال والإتقان- لأن هذه الحقائق مبسوطة فيه بأحلى بيان(149)" وبات الموضوع الإنجيل السيكولوجي لعصر الاستنارة في فرنسا. وتبنى كونديللاك "الممضى الحسي الذي اتى به لوك وتوسع فيه ومضى إلى حتى شيئاً لم يستجد في فهم النفس فيما بين أرسطوولوك(150)- وهذا إجحاف واضح بالفلاسفة السكولاسيين (العصور الوسطى) وهوبز وينسب دالمبرت، في "بحث تمهيدي في دائرة المعارف" إلى لوك الفضل في خلق الفلسفة الفهمية، كما خلق (في رأيه) نيوتن الفيزياء الفهمية. وعلى الرغم من مجاهرات الموضوع بالمعتقد القويم، فإنه مهد لتجريبية عقلانية، سرعان ما نبذت النفس باعتبارها فرضية غير ضرورية، وانطلقت إلى تطبيق نفس التفكير بالنسبة لله سبحانه وتعالى.


الدين والتسامح

نص كتاب رسالة في التسامح. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

لم يتعاطف لوك نفسه مع مثل هذا التطرف، ومهما يكن من أمر شكوكه الخاصة، فإنه أحس، كأي رجل إنجليزي مهذب، بأن السلوك القويم والخلق الكريم يتطلبان من الكنيسة المسيحية دعماً شاملاً. وإذا كانت الفلسفة تنزع عن الناس إيمانهم بعدل الهي كامن وراء جور الحياة وشقائها، فماذا عساها تقدم لتقوية آمال الناس والإبقاء على شجاعتهم،يا ترى؟ تقدم بطيء نحويوتوبيا ديموقراطية،يا ترى؟ ولكن في مثل هذه اليوتوبيا هلا يبتدع الجشع الطبيعي في الناس وعدم المساواة بينهم وسائل جديدة ليستخدم الدهاة والأقوياء غيرهم من البسطاء والضعفاء أويسيئوا استغلالهم؟.

وكان أول همه حتى "يضع المقاييس والحدود بين العقيدة والعقل". وعمد إلى تحقيق هذا في الفصل الثامن عشر من الباب الرابع من الموضوع. "إني أجد جميع شيعة تحاول جهدها، بقدر ما يسعفها العقل، حتى تفيد منه عن طيب خاطر، وحيثما يخفق العقل تصرخ وتصيح بأعلى صوت: تلك مسألة إيمان وعقيدة فوق العقل(151)". إذا جميع ما أوحى به الله حق على وجه اليقين(152)". ولكن التأمل وحده في الدليل المتاح هوالذي ينبئنا إذا كانت الأسفار المقدسة هي حدثة الله، "وليس ثمة قضية يمكن تقبلها على أنها وحي إلهي، إذا كانت تناقض معهدتنا الأكيدة البديهية(153)". وإذا كان في مقدورنا تقرير مسألة ما بمثل هذه الملاحظة المباشرة، فإن معهدتنا تسموعلى أي وحي مزعوم، لأنها أوضح وأكثر توكيداً من أي توكيد بأن هذا الوحي الذي نحن بصدده إلهي حقاً. ومهما يكن من أمر "فهناك أشياء كثيرة لدينا عنها أفكار غامضة ناسيرة، أوليس لدينا عنها أفكار البتة، وثمة أشياء أخرى لا نستطيع بالاستخدام الطبيعي لمواهبنا، الوصول إلى فهم شيء عن وجودها في الماضي أوالحاضر أوالمستقبل، مطلقاً، ولكزنها فوق العقل، فإنها إذا كشفت، تكون "المادة السليمة للعقيدة والإيمان". ويخلص لوك إلى القول: "ليس هناك شيء يناقض أوامر العقل الواضحة البديهية أولا يلتئم معها، يحق له حتى يشجع أويؤكد على أنه مسألة عقيدة لا ولج للعقل فيها" "وثمة أمارة لا تخطئ" على حب الحق. "ألا نهلل ونرحب بأية قضية في توكيد أكبر مما تجيزه الأدلة التي تقوم عليها القضية". "وينبغي حتىقد يكون العقل أول حكم ومرشد لنا في جميع شيء".

ومن ثم نشر لوك في 1695 "معقولية المسيحية كما تنقلها الأسفار المقدسة". وأعاد قراءة العهد الجديد، كما يمكن حتى يقرأ الإنسان كتاباً جديداً، طارحاً جميع التعاليم والتعليقات جانباً (كما نطق). وسيطر عليه نبل السيد المسيح المحبب إلى النفس، وجمال جميع تعاليمه تقريباً، باعتبارها خير آمال الإنسان وأكثرها إشراقاً. وإذا كان ثمة شيء يمكن حتىقد يكون رسالة إلهية فإن هذه القصص وذاك الممضى تبدووكأنهما من عند الله. ورأى لوك حتى يتقبلها جميعاً على أنها مقدسة، بل حتى يقرها أيضاً، في جميع أساسياتها، باعتبارها متفقة جميع الاتفاق مع العقل.

ولكن بدا له حتى هذه الأساسيات أكثر اعتدالاً وبساطة من اللاهوت المعقد في المواد التسع والثلاثين، أواعتراف وستمنستر أوممضى أثناسيوس. واقتبس من الإنجيل فقرة بعد فقرة، لا تطلب كلها من المسيحي إلا حتى يؤمن بالله وبأن المسيح رسول من عند الله. وهنا- كما يقول لوك ديانة بسيطة صريحة واضحة، صالحة لكل إنسان، لا تعتمد على أي فقه أولاهوت. وفيما يتعلق بوجود الله، فقد شعر لوك "بأن أعمال الطبيعة بكل دقائقها أوفى مرشد على وجود الله(158)" وحاول لوك من وجوده هونفسه حتى يبرهن على "سبب أول"، وانتهى إلى حتى مثل هذه الخصائص لا بد حتى تنسب أيضاً إلى الله، والله "عقل سرمدي خالد(159)" وحينما شكا نقاد لوك من أنه أغفل بعض التعاليم الحيوية مثل خلود النفس والعذاب المقيم والنعيم المقيم، أجاب بأنه في الاعتراف بالمسيح ارتضى تعاليمه التي ضمت تلك الآراء والتعاليم. ومن ثم خرج لوك من الباب الذي ولج منه.

ومهما يكن من أمر، فإن لوك ألح على حتى تتمتع بالحرية الكاملة في إنجلترا جميع المذاهب المسيحية فيما خلا الكثلكة. وكان قد خط منطقاً عن التسامح في 1666. وعندما ارتحل إلى هولندا 1683 عثر هناك من حرية العبادة أكثر مما كان في إنجلترا. ولا بد أنه قرأ أثناء أقامته في هولندا دفاع بيل القوي عن التسامح الديني(1686). وحركت مشاعره هجرة الهيجونوت واضطهادهم (1685) فخط إلى صديقه لمبروخ رسالة استحث نشرها. فطبعت باللاتينية 1689 تحت عنوان "رسالة في التسامح" وظهرت ترجمتها إلى الإنجليزية قبل نهاية العام. واستنكرها أحد أساتذة أكسفورد، فدافع عنها لوك، وكان آنذاك في إنجلترا، في رسالة ثانية وثالثة" عن التسامح في 1690-1692. ولم يحقق قانون التسامح الذي صدر في 1689 من مقترحات لوك إلا قليلاً جداً، ذلك حتى القانون استبعد الكاثوليك والتوحيديين واليهود والوثنيين وحظر تولي الشئون العامة على المخالفين. إذا لوك أيضاً أتى باستثناءات فلم يكن ليتسامح مع الملحدين حيث رأى أنهم غير أهل للثقة ما داموا لا يخشون إلهاً ولا ديانة تسقط عذاباً مادياً، بالتضحية بالإنسان مثلاً، ولم يتسامح مع ممضى يحتاج الولاء لسلطة أجنبية، ومفهوم أنه كان يعني الكثلكة(160). ونادى صراحة إلى التسامح مع المشيخيين والمستقلين، وأنصار تجديد العماد، والأرمينيين والكويكرز. ولم يتجاسر على القول بالتسامح مع التوحيديين ولوحتى إرل شافتسبري الأول الذي قضي نحبه في أمستردام 1683 كان قد ذكر أنه قد استقى ممضى الأرمينيين والتوحيديين من سكرتيره لوك(161).

ونطق لوك بأن القانون ينبغي حتى يهتم فقط بالحافظة على النظام الاجتماعي. فإن القانون الحق في القضاء على جميع ما من شأنه العمل على التخريب في الدولة، ولكن ليس له ولاية ولا سلطان على نفوس الناس، وليس لآية الكنيسة سلطة لإرغام الناس على مشايعتها.. فما أسخف حتى يعاقب الناس في الدنمرك لأنهم غير لوثريين، أوفي جنيف لأنهم لا يتبعون ممضى كلفن، أوفي فيينا لأنهم لا يعتنقون الممضى الكاثوليكي. وفوق جميع شيء، أي فرد أوأية جماعة أتيح لها إدراك الحقيقة كاملة عن حياة البشر ومصير الإنسان،يا ترى؟ ولحظ لوك حتى معظم الديانات تنادي بالتسامح في أيان ضعفها، ولكنها تأباه في أيام قوتها.. ورأى حتى الاضطهاد مصدره شهوة السلطان والسيطرة، والحقد المقنع في ثياب الغيرة الدينية. والاضطهاد يصنع المنافقين، أما التسامح فإنه يشجع الفهم والحق، وكيف يعمد المسيحي إلى الاضطهاد والتعذيب والإساءة، وقد أخذ على نفسه عهداً بالبر والإحسان ومحبة الناس،يا ترى؟

وواصل لوك حملته من أجل التسامح حتى غابت شمس حياته.

وكان منهمكاً في كتابة رسالة رابعة في نفس الموضوع حين وافته المنية. وعاجله الموت 1704 بينما كان جالساً يصغي إلى ليدي ماشام تتلوالمزامير.

وحتى قبل موته كان قد وصل في مجال الفلسفة إلى مكانة لم يسم عليها إلى نيوتن في ميدان العلوم. وتحدثت عنه بالعمل بأنه "الفيلسوف" وعلى حين ختم حياته على تقوى قوية تقليدية تقريباً، فإن خطه التي لم تكن لتتغير مع الزمن، انتقلت عن طريق الطبعات والترجمات الكثيرة إلى فكر أوربا المتفهمة المثقفة. نطق شپنگلر: "إن الاستنارة الغربية من أصل إنجليزي ونبعت كلا عقلانية القارة من لوك". وليست كلها بطبيعة الحال. ولكن فيمن يمكن للمرء الآن حتى يغامر بمثل هذه المبالغة أوالإغراق؟.

قائمة أعماله الرئيسية

  • (1689) رسالة في التسامح
    • (1690) رسالة ثانية في التسامح
    • (1692) رسالة ثالثة في التسامح
  • (1689) Two Treatises of Government
  • (1690) An Essay Concerning Human Understanding
  • (1693) Some Thoughts Concerning Education
  • (1695) The Reasonableness of Christianity, as Delivered in the Scriptures
    • (1695) A Vindication of the Reasonableness of Christianity

مخطوطاته الرئيسية غير المنشورة أوالتي نُشرت بعد وفاته

  • (1660) First Tract of Government (or the English Tract)
  • (c.1662) Second Tract of Government (or the Latin Tract)
  • (1664) Questions Concerning the Law of Nature (definitive Latin text, with facing accurate English trans. in Robert Horwitz et al., eds., John Locke, Questions Concerning the Law of Nature, Ithaca: Cornell University Press, 1990).
  • (1667) Essay Concerning Toleration
  • (1706) Of the Conduct of the Understanding
  • (1707) A Paraphrase and Notes on the Epistles of St. Paul

شاهد قبر لوك

(مترجمة من اللاتينية):

"Stop, Traveller! Near this place lies John Locke. If you ask what kind of a man he was, he answers that he lived content with his own small fortune. Bred a scholar, he made his learning subservient only to the cause of truth. This you will learn from his writings, which will show you everything else concerning him, with greater truth, than the suspect praises of an epitaph. His virtues, indeed, if he had any, were too little for him to propose as matter of praise to himself, or as an example to you. Let his vices be buried with him. Of good life, you have an example in the gospel, should you desire it; of vice, would there were none for you; of mortality, surely you have one here and everywhere, and may you learn from it. That he was born on the 29th of August in the year of our Lord 1632, and that he died on the 28th of October in the year of our Lord 1704, this tablet, which itself will soon perish, is a record."

أعمال ثانوية

  • Ashcraft, Richard, 1986. Revolutionary Pollitics & Locke's Two Treatises of Government. Princeton: Princeton University Press. (Discusses the relationship between Locke's philosophy and his political activities.)
  • Bailyn, Bernard, 1992 (1967). The Ideological Origins of the American Revolution. Harvard Uni. Press. (Discusses the influence of Locke and other thinkers upon the American Revolution and on subsequent American political thought.)
  • G. A. Cohen, 1995. 'Marx and Locke on Land and Labour', in his Self-Ownership, Freedom and Equality, Oxford University Press.
  • Cox, Richard, Locke on War and Peace, Oxford: Oxford University Press, 1960. (A discussion of Locke's theory of international relations.)
  • Chappell, Vere, ed., 19nn. The Cambridge Companion to Locke. Cambridge Uni. Press.
  • Dunn, John, 1984. Locke. Oxford Uni. Press. (A succinct introduction.)
  • ------, 1969. The Political Thought of John Locke: An Historical Account of the Argument of the "Two Treatises of Government". Cambridge Uni. Press. (Introduced the interpretation which emphasises the theological element in Locke's political thought.)
  • Macpherson. C. B. The Political Theory of Possessive Individualism: Hobbes to Locke (Oxford: Oxford University Press, 1962). (Establishes the deep affinity from Hobbes to Harrington, the Levellers, and Locke through to nineteenth-century utilitarianism).
  • Pangle, Thomas, The Spirit of Modern Republicanism: The Moral Vision of the American Founders and the Philosophy of Locke (Chicago: University of Chicago Press, 1988; paperback ed., 1990), 334 pages. (Challenges Dunn's, Tully's, Yolton's, and other conventional readings.)
  • Strauss, Leo, Natural Right and History, chap. 5B (Chicago: University of Chicago Press, 1953). (Argues from a non-Marxist point of view for a deep affinity between Hobbes and Locke.)
  • Strauss, Leo, "Locke's Doctrine of Natural law," American Political Science Review 52 (1958) 490–501. (A critique of W. von Leyden's edition of Locke's unpublished writings on natural law.)
  • Tully, James, 1980. "A Discourse on Property : John Locke and his Adversaries" Cambridge Uni. Press
  • Yolton, J. W., ed., 1969. John Locke: Problems and Perspectives. Cambridge Uni. Press.
  • Zuckert, Michael, Launching Liberalism: On Lockean Political Philosophy. Lawrence, KS: University Press of Kansas.
  • Locke Studies, appearing annually, publishes scholarly work on John Locke.

انظر أيضاً

  • ليبرالية
  • Libertarianism
  • إسهامات في النظرية الليبرالية
  • نظرية لوك للوعي كأساس للهوية الشخصية.
  • Lockean proviso
  • الإخوان الپولنديون Polish brethren - الجماعة الدينية، والتي ضمّن لوك أفكارها في نظرياته.

هامش

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

  1. ^ Laslett 1988, Locke and Hobbes.

قراءات اضافية

  • Robinson, Dave (2003). Introducing Political Philosophy. Icon Books. ISBN 1-84046-450-X. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Rousseau, George S. (2004). Nervous Acts: Essays on Literature, Culture and Sensibility. Palgrave Macmillan. ISBN 1-4039-3453-3.

وصلات خارجية

  • John Locke (1632–1704), "the philosopher of freedom"
  • Free, full-text works by John Locke
  • أعمال من John Locke في مشروع گوتنبرگ
  • Stanford Encyclopedia of Philosophy entry on Locke
  • John Locke Bibliography
  • John Locke Manuscripts
  • More easily readable versions of the Essay Concerning Human Understanding and the Second Treatise of Government
  • John Locke’s Theory of Knowledge by Caspar Hewett
  • The Digital Locke Project
  • Portraits of Locke
  • Locke links


تاريخ النشر: 2020-06-07 20:12:58
التصنيفات: سيرة مع توقيع, Articles with hCards, Pages with citations using unsupported parameters, جون لوك, مواليد 1632, وفيات 1704, خريجو جامعة أكسفورد, فلاسفة بريطانيون, فلاسفة مسيحيون, British classical liberals, فلاسفة حديثون مبكرون, وضعيون, أنگليكان إنگليز, English Christian theologians, فلاسفة سياسيون إنگليز, منظرون سياسيون إنگليز, فلاسفة التنوير, منظرو المعرفة, زملاء جامعة أكسفورد, زملاء الجمعية الملكية, ميتافيزيقيون, أشخاص تعلموا في مدرسة وستمنستر، لندن, أشخاص من رينگتون, People of the Rye House Plot, فلاسفة اللغة, فلاسفة القانون, 17th-century English medical doctors, كتاب إنگليز من القرن 17, فلاسفة القرن 17

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

العازف يعود لقائمة الأخضر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 54%

لاتيني لقيادة الليث السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

فتح المسار الإلكتروني لحجاج الداخل بعد أيام - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:41
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

7 أرقام تكسر صمود التاريخيين السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:54
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

مزن ركامية تسقط أكوام البرد في السعودية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:48
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

المثقف النافع مرة أخرى – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:24:17
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

برنامج الأغذية العالمي: نسابق الزمن في غزة لتجنب المجاعة وال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

فضيحة تلاحق المنتخب الكاميروني بعد الإعلان عن قائمة "الكان"!

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 77%

باركود وبنوك مجتمعية لسلالة النباتات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:57
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

هلال خيسوس مختلف السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:51
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

أرامل يتقاضين معاشات "رمزية" ومطالب للحكومة بالالتفات لوضعهن

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:44
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 74%

الاحتلال يزعم أن أسراه في غزة محتجزون خلافًا للقانون الدولي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

وزارة بنموسى تدخل على خط "محضر اجتماع" أساتذة مضربين بثانوية بمراكش

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:46
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 81%

326 ألف شهادة إفصاح عن الآبار غير المرخصة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:26:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

هل يستفيد أبها من التوقف؟ السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

اليوتوبر "مول الكاسكيطة" يغادر أسوار سجن تيفلت

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:53
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 84%

فشل إسرائيلي ذريع بعد محاولة تحرير عسكري محتجز في غزة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:23:41
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 78%

إقبال على معرض آمن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:58
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 53%

التقارب النقطي يشعل Yelo السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:56
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

صيرفة إسلامية/بنك الجزائر الخارجي: طرح منتج جديد "مرابحة الاستثمار"

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-30 21:25:11
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

تحميل تطبيق المنصة العربية