قرض 1868
قروض سنة 1868 بقيمة 11,890,000 جنيه انجليزي.
اشهجر الخديوي في المعرض العام الذي أقيم في باريس سنة 1876 وظهر فيه بمظهر فخم يأخذ بالألباب، فأنفق في هذا السبيل وفي رحلته بباريس ملايين الجنيهات ، وغرضه من هذا الإسراف هوالظهور بمظهر العظمة واجتذاب ثقة البيوت المالية الأجنبية لتقرضه من حديث ، وضاع من قبل جانب من هذه الملايين في الرشا والهدايا التي بذلها في الآستانة ليحصل علي لقب (خديوي)، وقد نال الفرمان الذي منحه هذا اللقب فيثمانية يونيه سنة 1867. فلهذه الأسباب خلت الخزانة الحكومية من المال، ولجأ الخديوي إلي الآستانة من جديد. واقترض عملاً سنة 1868 قرضاً جديداً قدره 11.890.000 جنيه من بنك أوبنهايم. وحقيقة هذا القرض ، أي صافي ما ولج خزانة الحكومة 7,195,384 جنيه، أي حتى ثمن القرض 61%، فحلت بالخزانة خسارة فادحه من شروط هذا القرض، وخصص لسداد أقساطه السنوية إيراد الجمارك وعوائد الكباري وإيراد الملح ومصايد الأسماك، وقدر ولج هذه الموارد بمليون جنيه في السنة، وكان من شروط هذا القرض حتى يكف الخديوي عن الاستدانة مدة خمس سنوات. أنفق إسماعيل نحومليونين من هذا القرض في الآستانة علي حفلات والولائم، ورشا للسلطان ولرجال المابين. وأنفق جزءاً منه في إتمام بناء قصوره في عابدين والقبة والعباسية والجيزة وسراي مصطفى باشا بالإسكندرية وتأسيسها بفاخر الأثاث والرياش، ومن هذا القرض أيضا أنفق النفقات الباهظة علي حفلات افتتاح قناة السويس سنة 1869، وقد بلغت مليوناً ونصف مليون جنيه تقريباً.
فانظر كيف من الممكن أن حتى نفقات تلك الحفلات كانت من القرض، فكان الخديوي في هذا الموقف شبيهاً ببعض الذوات والأعيان في الاستدانة للإنفاق علي إقامة الحفلات والولائم، والظهور بمظهر الفخفخة والبذخ ، أمام قوم ليس في قلوبهم ذرة من الإخلاص لمضيفهم، فإن ضيوف القناة ومعظمهم من ذوي الرءوس المتوجة، وأصحاب النفوذ والسلطان المالي والسياسي في أوربا هم الذين استعبدوا مصر بعد تلك الحفلات، وهم الذين ضربوا عليها الوصاية المالية الشديدة الوطأة. أحدثت نفقات حفلات القناة فراغاً كبيراً في الخزانة ، وبدأت مظاهر الضيق والارتباك تبدوعلى وزارة المالية، لقرب المواعيد المضروبة لأداء أقساط الديون، ولم يكن في خزائنها ما يفي بذلك، فاضطر الخديوي تفريجاً للضائقة ، وكتماناً لأسرارها، حتى يستدين من أحد معارفه 300,000 جنيه، وقبلت وزارة المالية حتى تخصم البنوك سنداتها بفائدة 14% لمدة ثلاث أشهر، وبديهي حتى قبول هذه الشروط القاسية مرشد علي ما وصلت إلية الحالة من الضيق والإعسار. وكان الدين السائر يزداد يوماً بعد يوم ، بسبب حاجة الحكومة إلي المال ، حتى بلغ 12 مليوناً في أواخر عام 1869 ، أي بعد انتهاء حفلات القناة ، وهومبلغ فادح تنوء به ميزانية البلاد. فتأمل فيما جرت حفلات القناة علي البلاد من فادح الأضرار ، ومع حتى الخديوي كان قد وعد حتى ينفق علي هذه الحفلات من ماله الخاص ، إكباراً لشأنها، فإن البلاد وحدها هي التي احتملت نفقاتها. نطق مؤلف(تاريخ مصر المالي) في كتابه ص 95 : "إن بهر هذه الحفلات قد أنسى الناس إلي وقت ما أخطار الحالة المالية، ولكن لم تكد تنطفئ شعلة الحماسة التي أثارتها، حتى بدأ الناس يشعرون بأن هذه الأخطار آخذة في ازدياد، وأن هذه الحفلات ذاتها لم تكن إلا سلسلة متصلة الحلقات من أعمال جنونية لا فائدة منها، فإن البلاد لم تنل أي فائدة لقاء النفقات الفادحة التي بذلت فيها". أما الخديوي فأنه لم يفطن إلي الأخطار التي استهدفت لها البلاد، ومن المؤلم حتى حفلات القناة قد زادته غروراً وإمعاناً في عدم التبصر، فاستمر ينحدر في طريق الإسراف والاستدانة.
مراجع
- عبد الرحمن الرافعي (عصر اسماعيل)
- أحمد الحتة (تاريخ مصر الإقتصادي)
- جمال حمدان (عبقرية مصر)