ڤينسنت ڤان گوخ

عودة للموسوعة

ڤينسنت ڤان گوخ

ابراهيم العريس
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع
ڤينسنت ڤان گوخ
فينتسنت فان غوخ، لوحة شخصية ذاتية لفترة من فترات مسيرة حياته

ڤينسنت ڤان گوخ - أو- "فان گوخ / فان كوغ" (بالهولندية:Van Gogh Vincent) عاش في (غروت زوندرت، برابند، هولندا 30 مارس 1853م - أوفير سور واز، فرنسا 29 يوليو1890) هورسّام هولندي. تتضمن صوره ورسومه من الأكثر والأفضل شعبية في العالم ومن البتر الأكثر غلاءاً. تميزت حياته القصيرة والمأساوية ، باضطراب حالته النفسية حيث عانى من نوبات متكررة لسقم عقلي - وهناك الكثير من النظريات المتنافسة حول هذا الموضوع - وفي أحد النوبات بتر جزء من أذنه اليسرى وكانت أحد الحوادث المشهورة في مسيرة حياته.


حياته

مطلع حياته (1853 - 1869)

ولد ڤان گوخ في قرية جروت زونديرت إحدى قرى هولندا عام، لم يكن المفضل بين الأبناء الستة للأب قسيس القرية. وحين بلغ السادسة عشر بدأ حياته العملية بائعا في محل جوبل لبيع اللوحات الفنية في لاهاي، وهناك انجذبت روحه الهائمة لأعمال رمبرانت وكورووميليه ومن لاهاي إلى لندن إلى باريس عمل في أفرع تابعة لمحل جوبل.


تاجر فني وداعية ديني (1869 - 1878)

Vincent van Gogh, c. 1876, photographer unknown

في لندن صدم عاطفيا، وفي باريس صدم فنيا بوجوده وسط كم هائل من أعمال الكبار. فظل يطوف باريس زائرا متاحف الفن منبهرا بالمدارس الفنية والأفكار الإنسانية وقع هذا عام 1876، وفصل من عمله واتجه لدراسة اللاهوت وقد ورث عن أبيه ميله إلى الدين فاتجه إلى بلجيكا ليعمل واعظا دينيا في منطقة البوريفاج عام 1878 حيث مناجم الفحم المظلمة والعمال اليائسين فقد كان مستعدا حتى يهب نفسه للناس. فشارك العمال حياتهم القاسية وطعامهم وشرابهم ومأواهم وتبعهم داخل سراديب الفحم ليهبهم الأمل ويذكرهم برحمة السماء. ولم تعجب تصرفاته محترفي الكهانة والكلام المحفوظ فاعتبره خارج على تعاليم الكنيسة والمسيحية، ذلك لأنه منح أكثر مما يجب.

ففي لوحاته فيما بعد استطاع حتى ينقل شعوره الديني طبقا لرؤيته تجاه الإنسانية بشكل سهل .. ذلك الشكل الذي تجاوز ورفض من الآخرين حين مارسه كرجل دين .. فنقل شعوره الديني في لوحاهت غير أنه لم يتناول موضوعات الديني التقليدية .. وخط لأخيه ثيوحين كان في باريس قائلا .. (بالرغم من حتى الأفكار الدينية تقدم لي عزاء كبير إلا حتى الصور لم تكن تتداعى إلي من رمزية الكهنوت والمعبودات ، ولكن تأتيني من الشعور بالطبيعة والناس البسطاء الذين هم جزء من الطبيعة).

وبعد فصله من عمله كواعظ بالمناجم ساوره إحساس بأنه قد خرج من ظلام المنجم الكهفي متعطشا إلى النور محاولا حتى يجد لنفسه سبيلا ينجح فيه ويفتح ثغرة داخل نفسه يندفع منها مكبوته الداخلي، وخط لأخيه نيوالذي كان يعمل في محل لتجارة اللوحات الفنية قائلا: "منذ سنوات ولا أعهد بالضبط كم فات من الوقت، أمضى بلا عمل أوأكاد متخبطا هنا وهناك، على حتى الشيء الوحيد الذي يؤرقني هو: كيف من الممكن أن أكون نافعا في هذا العالم،يا ترى؟ .. ألا يمكنني حتى أقدم هدفا وأصبح مجديا على نحوما .. هناك شيء داخلي .. ترى ماهو؟".

وبعد أشهر من البؤس بسبب الأحداث القاسية والفشل المتكرر حاول فان جوخ دراسة وليم شكسبير و[تشارلز ديكنز] وفيكتور هوجو.. وخلص إلى إدراك حتى عزاءه الشخصي في الرسم.

وبعد فترة قصيرة قضاها في بوريناج هينو، بلجيكا) ونويْنين (هولندا)، انتقل ليعيش في باريس (1886-1887 م)، قبل حتى يحل ضيفا على الـ بروفنس (مناطق الجنوب الفرنسي)، ويقرر الإقامة في مدينة آرل. اكتشف الضوء والطبيعة الخلابة للريف، فأصبحت لوحاته زاهية بالألوان. التحق به لبعض الوقت صديقة الفنان بول غوغان، وبسبب تدهور حالته العصبية في عام 1888م احتجز بملجأ سان-ريمي-دو-بروفنس (Saint-Rémy-de-Provence) للسقمى العقليين اثر نوبات عصبية حادة، أنجز أثناءها أشهر لوحاته، بعد خرج من المصحة، استقر (1890 م) في أوفير-سور-واز (Auvers-sur-Oise)، وواصل عمله الفني قبل حتى يقوم بوضع حد لحياته -أطلق النار على نفسه- (انتحر!) احب فتاة ولم يجد الهدية المناسبة التي تليق بها, فبتر اذنه وأعطاها اياه كهدية .

بوريناج، بروكسل، إتن ولاهاي (1879 - 1883)

The house where Van Gogh stayed in Cuesmes in 1880; it was while living here that he decided to become an artist.
Still-Life, arranged by Anton Mauve and executed by Van Gogh, December 1881
Vincent van Gogh: View from his atelier in The Hague, watercolour
المكتئب، 1890.

في البدء لم يكن واثقا من رغبته حتى يصبح رساما، ولكن رؤيته لرسومات الصور التوضيحية للفنانين الإنجليز في مجلة جرافيك خاصة في أعمالهم المهتمة بالعمال جعلته يعجب بهدفهم النبيل الذي يحققونه فأنجز صورة ليثوجراف وأسماها "الحزن" تمثل امرأة تجلس حزينة منكفئة على نفسها عارية. وأضاف إلى الصورة تعبير تقول: "حاولت نقل الإحساس ذاته في المشهد كما أحسسته في الشكل الإنساني .. ذلك الارتباط النفسي العاطفي بالأرض لكنه شبه الممزق بعصف الريح". وبهاتين اللوحتين تتضح رؤية فان جوخ لما هوواقعي ولما هورمزي مابين المرأة الوحيدة والجذع المشقوق كما نطق لأخيه: "إن الواقع كله حقيقي ورمزي أيضا في آن واحد".

وامتدت الرمزية متمثلة في وجدانه برؤيته اللوحة "باذر الحبوب" لميليه وظلت تطارد ذهنه حدثا بدأ في لوحة لما لها من رمزية كامنة وجلية في آن واحد .. فالأشكال عنده لم تعد لذاتها بل لما ترمز إليه .. أوبشكل آخر كان للأشكال لديه أبعاد درامية وإنسانية عنيفة حتى إنها كانت تؤلمه على المستوى الشخصي والإنساني وبدأ برسم الفلاحين وعمال المناجم بإحساس حزين فيه كثير من التعبير والرمزية معا.

ومنذ 1880 بدأ مرحلته الفنية الأولى بمحاولات التصوير الواقعي للبؤس والشقاء الإنساني في الطبقات الدنيا. وتلقى دروسا في الفن مستعينا بالمعونة المالية التي كانت تصله من أخيه ثيو. وكانت أول اسكتشاته لاستكشاف مقدرته عام 1881 لوحة طبيعة صامتة مكونة من كرنب وبطاطس رسمها أثناء تردده على أحد المراسم الخاصة أثناء الدرس الأول، وتتابعت دراساته الاسكتشية والملونة مثل "المنزل القديم" 1882، "الفلاحين الخمسة" 1883، "الكنيسة" 1884، "النساج على المغزل" 1884، "حمار يقود عربة" 1884، "وجه فلاح". وتبعه استكشات عديدة لنساء ورجال قرويين وكانت هذه الفترة من أنشط فتراته في استكشاف الوجه الإنساني وتعبيراته وأنجز خلالها مئات الرسوم التي برز من بينها وجوه كانت تتنبأ بوجوه فلاحية في لوحته "آكلوا البطاطس" التي رسمها فيما بعد عام 1885. ومن لوحاته في نفس العام "منظر ريفي" 1885، "طبيعة صامتة زجاجة وإبريق" 1885، "فلاحة تقلب الأرض جهة الشمال" 1885.



Nuenen (1883 - 1885)

The Potato Eaters (1885)

أنتويرپ (1885 - 1886)

Skull with a Burning Cigarette , oil on canvas, 1885.

باريس (1886 - 1888)

54, Rue Lepic, باريس


Vincent van Gogh, pastel drawing by Henri de Toulouse-Lautrec, 1887.

وبعد هذه التجارب تأتي مرحلته الحقيقية الأولى مع نهاية عام 1885 التي كان من أبرز لوحاتها "آكلوا البطاطس" ثم لوحته "طبيعة صامتة زوج الأحذية" 1887 الموجودة بمتحف الفن الحديث بالتيمورا.

لوحة زهور الخشخاش.

ولوحة "آكلوا البطاطس" الموجودة حاليا بمؤسسة فان جوخ بأمستردام تعتبر الثمة العظمى لهذه الفترة، وقد نفذها بطريقة خشنة في الملامس .. وإظلام داخلي شغل تام اللوحة إلا من ضوء مصباح غاز معتم يؤكد حالة البؤس التي يعيشها شخوص اللوحة وتنضج به وجوههم .. وقد وصف آكلوا البطاطس لأخيه ثيوقائلا : "إنني أعمل من حديث في لوحة أولئك الفلاحين الذين تجمعوا ليلا حول وجبة من البطاطس في إحدى الأمسيات .. وطول الأيام التي كنت أعمل خلالها في لوحتي هذه كان الأمر بالنسبة لي بمثابة معركة متصلة".

ولوحة فان جوخ آكلوا البطاطس رسمها على نسق الفنان ميليه لتأثره به وبدأ فيه مستواه الفني وكأنه معزول عن التطور الذي وقع للفنون الحديثة حتى ذلك الوقت .

اللوحة يخيم عليها جوساكن كجوالطقوس القديمة داخل غرفة مغلقة كأنها فرغت من الهواء أ:د ذلك تلك الكتل البشرية الفظة في شخوصه ومحاولته التأكيد بأنهم مجرد قرويين هولنديين ، وهذه الخاصية في التعبير يتعذر على أحد سوى فان جوخ أوميليه الشديدا الإنسانية حتى يقدما مثيلا لها في أعمالهم .. وتتميز اللوحة بالإضاءة الباهتة المبهمة المتوائمة نفسيا مع حالة الريفيون التعساء في اجتماعهم المرهق على العشاء بعد يوم شاق حتى ظهرت أيديهم وهم يأكلون بشكل فظ وكأن الجوع والبؤس شغلهم عن غسل أيديهم العالق بها طمى الأرض .. وكأيديهم بدت الوجوه رمادية يائسة .. وهنا نجد فان جوخ نجح في التعبير عن حياة البؤس والشقاء التي يعيشها الفلاحون البسطاء باستخدامه الألوان البنية والخضراء المعتمة والأصفر المائل للحمرة القاتمة . وقد حاول حتى يعطي اللوحة إضاءة خاصة منفصلة عن إضاءة المصباح الغازي الساقط من السقف باستخدام اللون بدرجات متقاربة ومتناقضة في ضوئها .. فاعتمد على ضربات الفرشاة الصفراء على الوجوه لتضيئها فتبرز على سطح اللوحة مبتعدا عن طرق التظليل بالأسود .. وقد ساعده اللون كما في الإضاءة على تحقيق البعد النفسي الإنساني والتأكيد على القيمة الفنية من تجسيم وظل .. واللوحة رغم سكونها القاتم نجد بها حركة داخلية ساكنة هادئة تحققت باتجاهات الأذرع والعيون خاصة تلك النظرات الحنونة في لقاءنا من الزوجة لزوجها المجهد .. كذلك تأتي حركة من يد الزوج الثاني مادا يده إلى زوجته إلى أقصى اليمين ببترة من البطاطس المسلوقة غير أنها مشغولة بإعداد الشاي .. كما أكدت حركة الفرشاه واتجاهاتها العنيفة الممتلئة باللون على لاحركة الداخلية المنسحبة على الجميع.

ولم يكن فان جوخ في نواح معينة سعيدا أبدا بآكلوا البطاطس وقد آلم به الحزن عندما انتقدها أحد أصدقائه بقوله: "إن هجريزه على الرؤوس والأيدي قاده إلى إهمال أجسام القرويين".

وبعد إنجازه لآكلوا البطاطس أوفد لأخيه يعبر له كم كان يتوق ويتمنى الإبتعاد عن ذلك الجوالهولندي الرتيب والتعهد على مزيد من شواهد الرسم الحديث.

وبالعمل سافر إلى باريس عام 1886 وقضى بها حوالي عامين بمساعدة أخيه ثيوالمادية وأيضا مساعدته في التعهد على الفنانين الفرنسيين .. وما لبث هذا الفنان الهولندي الحزين والمتأزم دائما حتى عثر نفسه بصحبة فنانين مهمين ومؤثرين في الحركة الفنية الحديثة في فرنسا مثل جوجان .. سينياك .. لوتريك .. بيرنار .. بيسارو.. ولكن للأسف لم يشعر أي منهم بالإنجذاب تجاهه أوتجاه لوحاته التي لم تتضح شخصيتها بعد .

وبدأ يسعى بشغف وبشكل دؤوب وراء ركاب الفن الحديث وشده التراث اللوني في لوحات التأثيريين وهجريبتهم اللونية .. واكتشف الرسومات اليابانية وفيها عثر ما يحتاج إليه وهوالصفاء والتوازن .. وجذبته بشدة لوحات ديلاكرواه ومونتسيللي .. ثم اِلإنطباعيين خاصة ديجاومونيه .. ثم ينتهي به بالمطاف أوالمرسى الفني والنفسي لدى الطليعيين رواد اِلإنطباعية الجديدة والهجريبية المتمثلين في صديقيه سينياك وبيرنار .

وبعد رؤية التأثيريين اختفت من لوحات فان جوخ ألوانه الرمادية والبنية وحل محلها الألوان الصافية .. كما اختفت الموضوعات القاسية أوالبائسة في أعماله .. فلم يرسم فان جوخ في باريس الفلاحين والعمال والمشاهد المألوفة لدى الفنانين لكنه عكف على رسم الموضوعات الغير شخصية والمجهولة للإنطباعية .

وفي تعاقب سريع توالت لوحاته الأخاذة وكان فيضا فاض عليه بعد عطش وطول انقطاع .. وبدأ مرحلته الفنية الثانية.

وفي ذلك العام 1886 رسم ستة صور شخصية له إحداها أمام حامل الرسم ورسم "الخفاش الليلي" وكوبري "كاروزيل" ومجموعة ضخمة لأنواع عديدة من الزهور مع نهاية العام.

ومع بداية 1887 توالت منهمرة مئات اللوحات من عبقريته السجينة سنوات طويلة .. ومن لوحات 1887 وهي البداية الحقيقية له أنجز البورتريه الشخصي .. ودراسات للعارى .. وطبيعة صامتة من زجاجات أوأحذية أوخضراوات .. ومشاهد من حي مونمارتر .. وقام بتقليد بعض الرسومات اليابانية .. وفي نهاية 1887 رسم أربعة وعشرين صورة ذاتية له منها اثنتان أمام حامل الرسم ثم عاد للطبيعة مرة أخرى ورسم مشهدين لمطعم من الداخل وأنجز في ذلك العام لوحته الرائعة "حقل قمح وطائر" .. وكذلك رسم لوحة «الأب تانغي» ..أما هنا فحسبنا ان نشير، على سبيل رسم خلفية تاريخية مختصرة، الى ان فان غوغ كان التقى تاجر اللوحات الفنية الأب تانغي في ضاحية آنيار شمال باريس، حيث كانا يعيشان. وكان تانغي في ذلك الحين معروفاً بمساعدته للفنانين الجدد، وإقراضهم من ماله على حساب متاجرته بلوحاتهم المقبلة. وفي مجال التعبير الفني كان فان غوغ في ذلك الحين (1887) يخوض نقاشات، صاخبة مع برنار وغوغان، يعبّر فيها عن رفضه لمبدأ ان الانطباعية كانت هي ذروة التعبير الفني وفن الحاضر والمستقبل. وهومن خلال اكتشافه لأعمال الفن الياباني وملصقاته، كان قد بدأ يرى للفن آفاقاً جديدة، ترتبط، مثلاً، بالتعبير الياباني وألوانه وأشكاله، في الوقت نفسه الذي بدأ يطور فيه تقنية «التنقيطية»... ولا يزال غير قادر على الخروج من رسم الكتلة الجسدية كما كان يرسمها في مرحلته الريفية الهولندية.

واذا تأملنا لوحة «الأب تانغي» التي كانت واحدة من اللوحات الكثيرة التي رسمها فان غوغ في ذلك الحين، سنكتشف كم ان هذه اللوحة تمكنت من التعبير عن ذلك كله، أي عن المخاض الذي كان فن فان غوغ يعيش فيه، ساعياً الى الانطلاق في أبعاد جديدة لم يكن، بعد، قادراً على تلمّسها كلها بوضوح، وإن كان في عفوية فنية واضحة، عبرّ عنها في مختلف جزئيات هذه اللوحة.

بالنسبة الى الأحجام التي اختارها فان غوغ للوحاته، تعتبر لوحة «الأب تانغي» كبيرة نسبياً، اذ ان ارتفاعها يصل الى 65 سم، فيما يصل عرضها الى 51 سم. أما الأب تانغي فإنه، كما نلاحظ، يشغل قابلة اللوحة كلها مهيمناً مباشرة على عين الناظر اليها. ولئن كان فان غوغ قد لوّن جسد تانغي وثيابه في كتلة، بنية وكحلية غامقة تذكّر مباشرة، من حيث ضخامتها وافتقارها الى التناسق ببعض لوحاته الريفية الهولندية من امثال «آكلوالبطاطا»، فإنه، حين رسم وجه صاحبه وقبعته انتقل الى أسلوب آخر تماماً، هوبالتحديد الإرهاص بأسلوب التنقيط الذي ستحمله لوحاته خلال السنوات التالية، بما في ذلك لوحاته الذاتية، وكذلك المشاهد الطبيعية التي ستأتي مكوّنة من نقاط لونية مدهشة. في هذه اللوحة «المبكرة» اذاً، اكتفى فان غوغ بتطبيق هذا الأسلوب في جزء من اللوحة، ما أقام تفاوتاً بين وجه الأب تانغي وجسده (أوبالأحرى كتلة ثيابه مضمومة اليها يداه الملونتان مثل بنطاله في شكل يختلف عن تلوين الوجه والرأس). غير ان هذا التفاوت يظل بسيطاً وثانوياً، مقارنة بالتفاوت بين جسم اللوحة الأساسي (صورة الأب تانغي في جلسته الفخمة اللقاءة ذات النظرة المحايدة في تناقض مع احتفالية اللوحة ككل) والخلفية، ذلك ان خلفية اللوحة تتألف من جدار غطّي كله بلوحات يابانية. من الواضح هنا اننا في صدد لوحات وملصقات نقلها فان غوغ بنفسه عن لوحات الفن الياباني، حيث من الممكن على الفور التعهد في تلك اللوحات المعلقة - في متجر الأب تانغي، أومن الممكن في استوديوفان غوغ - على أعمال منقولة ومقتبسة تحمل توقيع هذا الأخير، ولسوف تعتبر لاحقاً مجرد تمارين خاضها الفنان سعياً للوصول الى أسلوب فني جديد، استفاد كثيراً من «الملوّنة» اليابانية، ومن هجريبات المشهد الطبيعي الياباني الكاشف غالباً عن علاقة حميمة بين الإنسان والطبيعة. ولعل من المفيد ان نلاحظ هنا كيف من الممكن أن ان فان غوغ، عن تعمّد اوفي شكل عفوي، جعل للوحتين، ( وهما بورتريهات لشخصيتين يابانيتين، احداهما عند كتف الأب تانغي اليمنى، والثانية من اسفل اللوحة عند فخذه اليسرى)، مكانة مندفعة الى الأمام، وكأن الشخصيتين تنافسان الشخص المرسوم على اثارة اهتمام المتفرج. هنا، حتى من دون ان يقصد بالأحرى، تمكن فان غوغ من ان يرسم صورة للصراع بين أسلوبه المستقبلي وأسلوبه الماضي في الرسم والتلوين... غير انه لم يكتف بهذا، بحسب رأي بعض المتخصصين في فنه والدارسين لحياته، بل انه، اذ رسم بركاناً متفجراً في لوحة تعلورأس الأب تانغي، كان يبتغي على الأرجح ان يعلق - بطريقته الخاصة - على حياة صديقه تاجر اللوحات، الزوجية المتفجرة... اذ كان معروفاً ان زوجة الأب تانغي لم تكن تنظر في عين الرضى الى زوجها وهوينفق أمواله على رسامين ناشئين لم يكن في إمكان أحد ان يتنبأ بأي مستقبل فني اومادي لهم. وكل هذا طبعاً في هذه اللوحة «التزيينية» التي من الواضح ان فن فان غوغ خلال ما سيتبقى من سنوات حياته، سينطلق منها في تعبيرات هي التي جعلت منه، منذ ذلك الحين واحداً من كبار المجددين في فن الرسم. والأهم من هذا جعلت فنه عصياً على التصنيف. اذ يلفت في هذا المجال ان يطلق الفنانون على أسلوب فان غوغ اسم «ما بعد الانطباعية»، وهوكلام لا يعني اي شيء غير تحرر فان غوغ من جميع أسلوب.

وفي الوقت الذي رسم لوحته "حقل القمح" كان قد بلغ تفسيره الشخصي الخاص للإنطباعية التي وضعته على بداية أسلوبه المتميز الناضج .. فأصبح التكوين لديه هوالبساطة والتناسق والضوء عليه حتى يغمر الصورة .. واللون عالي النغمة .. وتمتزج النغمات معا لتكون لحنا واحدا تؤكده ضربات فرشاه متوترة .. واضحة .. فورية .

وفي بلدة آرل الجنوبية المشمسة التي غادر إليها من باريس عام 1888 عاش منزويا من حديث مركزا اهتمامه على رسم مناظرها الطبيعية وسكانها مستخدما اللون كما لم يستخدمه فنان بهذه الغزارة والتدفق .. وأيضا لم يسبق لفنان حتى هجر آثار فرشاته واضحة متحفزة على أسطح لوحاته مثل فان جوخ .. وخط لأخيه يقول : "بدلا من حتى أنقل ما أمام عيني أجدني استخدم اللون استخداما جائرا حتى أعبر عن نفسي بقوة أشد".

ثم أصبحت ألوانه تأخذ مسار لمسات قصيرة .. وأشرطة طويلة تتردد في إيقاع جميل .. وبدأ يهتم بتدفق الضوء واحتوائه لكامل المشهد.

وداوم على الخروج إلى الحقول يرسمها في حماس شديد .. وعشقا منه لتجربة الخروج إلى الطبيعة المشمسة التي افتقدها في حياته السابقة وولعه بالشمس وسطوتها عليه نسى نفسه وأخذ بسخونتها ودفئها .. وتحت الشمس وسطوتها عليه نسى نفسه وأخذ في نهم يرسم توهجها حتى دون حتى يقي نفسه ورأسه من شدتها .. وأكثر في لوحاته من اللون الأصفر الشمسي المتوهج في الحقول ليزيد من الإحساس بحرارتها .. وأسلوب مرحلته هذه أبرز ملمس الفرشاه والسطح بتكنيك فني عالي كما في لوحاته المتعددة عن حقول القمح .

واندفع في شغف وبقدر من العاطفة المتأججة ساعيا لتحقيق ما أسماه تزاوج الشكل واللون في مهمة البحث عن الداخل لا الخارج ، فحين يصور الشمس يحاول الوصول إلى الإحساس بالدفء والوهج .. وحين يصور إنسان فهويريد الوصول إلى أعماقه ليصورها ، وفي غمرة نشوته بالتحرر من الذات صور جميع شيء تقع عليه عينيه .. صور الطبيعة في الخلاء .. وفي قيظ الشمس .. وغطت لوحاته بغلالة صفراء فوارة لم يستطع حتى يتحرر منها وخط لأخيه يصف له إلى أي مدى وصلت علاقته بالطبيعة قائلا : ((قد تحدثت إلي الطبيعة فوضعت ما حدثتني به بإيجاز على مسطح اللوحة .. ورغم ما لم أستطع التفوه به فإنه من المؤكد حتى تعثر في عملي على شيء ما مما باحت لي به الغابة أوالشاطئ أوالشكل رغم اللغة الغير مألوفة)) .

ومع الطبيعة استخدم ألوانا ناعمة نقية في سطوح غمرها بكثير من ألوان الأخضر والأصفر والأحمر والأزرق وجعلها تبدوكما لوكانت طبعة من الزبد فوق القماش أوعجينة سميكة تسحبها خلفها الفرشاه الدؤوبة على هيئة شرائط أوضفائر أوخصلات سريعة متلاحقة الأداء . كما عمل فيما بعد أيضا في تصويره ((شجر السرو)) فهجر جرات الفرشاه هي التي تحتضن الشجرة .

وفي آرل اكتسب فان جوخ ثقته بنفسه وكما رسم حقول القمح رسم الأشجار الكبيرة وشجيرات الزهر الصغيرة الشبيهة بالشجر الياباني ، ورسم الكثير من لوحات "الكوبري المتحرك" من أكثر من منظور .. ورسم الحقول بغزارة والجند الزاواوي ومرابك تخوض بحر عاصف تتقاذفها الأمواج العالية ثم بعد ذلك يرسم قوارب على الساحل بعيدة عن العواصف ترسوهادئة في أمان .. وفي لوحته ((قوارب على الساحل 1888)) استخدام ألوان جريئة لمراكب رأسية إلى ساحل سانت ماريا وألوان اللوحة البراقة تشبه ألوان المطبوعات اليابانية التي جذبته بشدة وخط إلى صديقه أميل بيرنار يقول : ((على الساحل الرملي كان هناك عددا من القوارب الصغيرة .. خضراء وحمراء وزرقاء اللون بهجة المناظرين في أشكالها وألوانها .. ذكرتني بالأزهار)) .

وفي إبريل 1888 رسم عدة اسكتشات عن ((فلاح ينثر الحبوب)) في أكثر من وضع .. وأ÷م أعماله في هذا الموضوع تلك اللوحة التي أتمها يونيومن نفس العام باسم ((فلاح ينثر الحب مع غروب الشمس)) وقد رسمها بتكوين سهل .. يبرز في الفضاء الأمامي فلاح يملأ يديه بالحب ينثره في سعادة داخل حقله الواسع ومن خلفه تأتي الغربان السوداء .. وفي الخلفية سنابل القمح عالية تعلوخط الأفق .. في منتصف اللوحة إلى العمق يبرز قرص الشمس المضىي وقد أحال السماء إلى بحيرة مضىية .. وفي منتصف الحقل من أسفل مساحة فارغة من اللون الأزرق البرتنطقي مما منح إيحاء بممر للانطلاق تجاه الطبيعة إلى الداخل وحتى قرص الشمس في انطلاقه أصبح على أثرها اللون متداخل مع الشكل والخط والإيقاع .

وبدأ اللون الأزرق ينسحب على رسوم المناظر البحرية .. والمشاهد الليلية .. والأصفر ينعكس على لوحات نثر الحبوب والأزهار ، وقد أعطلى لكل لون مغزى ومدلول عاطفي خاص ، وأسرع إلى أخيه يقول : ((لقد أصبحت ملونا مستبدا)) .

وأضاف مشروحا أنه في لوحته صورة صديق الفنان : ((بدلا من حتى أرسم حائط الغرفة خلف الرأس رسمت شيئا لاحدود له أرضية ملونة بسيطة أشد مايمكن استخلاصه من الألوان زرقة)) . وفي تلك اللوحة قصد فان جوخ حتى تكون الأرضية زرقاء حتى يبرز اللون البرتنطقي لشعر الشخصية بشكل مبالغ فيه فخط لأخيه : ((أردت حتى أرسم الرجال والنساء بشيء يبقى عالقا في الأذهان عنهم ، صغيرا عنهم بالبريق الحقيقي .. بومضات اللون)) .. وقد كان يشعر في اللون بذبذبات عاطفية خاصة به ويترقب في شغف ويتطلع إلى التقريب بين الألوان . فخط يقول : ((أحاول آملا حتى أحقق اكتشافا حتى أعبر عن عشق اثنين من المحبين بالتزاوج بن لونين مكملين في امتزاجهما)) .

لكن نفس هذه الألوان المكملة التي أراد بها حتى يحقق حالة من العاطفة يتقارب بين الألوان نراه وقد استغلها بشكل مغاير وذلك العاطفة يتقارب بين الألوان نراه وقد استغلها بشكل مغاير وذلك عندما رسم ((المقهى الليلي)) 1888 في سبتبمر وذلك بعد لوحت الشهيرة ((الفلاح ينثر الحبوب مع الغروب)) بشهرين .. ولكن كان هناك فوق شاسع بين انطلاقة الفنان الفرح بالطبيعة وما وهبه لها من انطلاق لوني بديع وبين لوحته هذه التي هي رمزا إلى لاحالة الإنسانية في وحدتها ووحشتها واغترابها ، وقد استخدم الأخضر الباهت والمصفر والمزرق مما منح إيحاء قوي بالعتامة الوجدانية كما أنه أكسب المكان بعدا دراميا معبرا عن انحصاره تعبيرا عن انطباق الجدران عليه أوالكون بأسره ، وبذلك يعبر عن الهدوء الحاد في أقصى درجات حددته ووحشته ، وقد انقلب المقهى إلى مكان تجول فيه الكآبة وكأنه مكان مؤقت للإنتنطق إلى ماهوأكثر منه وحشة وكآبة .. وكأننا في منطقة للصراع النفسي ما بين الموجود والمتسقط في جميع لحظة من الترقب المشدود .. ونجح فان جوخ في التعبير بكل هذا الكم ، الصدق وباللون عن انفعالات الإنسان المريعة لإحساسه بالوحدة واليأس وفي هذا خط لأخيه : ((حاولت التعبير عن انفعالات الإنسان والرهبة التي تنتابه بتصوير المقهى الذي يؤدي بالمرء إلى تدمير نفسه فيندفع لارتكاب جريمة)) .. وكذلك في لوحته ((شارع المقهى)) 1888 نجد أيضا السماء المزدانة بالنجوم وقد كادت حتى تنطبق على المساكن الليلية التي ظهرت سوداء أمام السماء الزرقاء الداكنة وأسفلها بعض المارة يمرون أمام المقهى في صمت مطبق .

وما رايناه من انطباق الجدران في لوحة ((المقهى الليلي)) نجده أيضا واضحا في لوحته التي رسمها فيما بعد في مصحة سان ريمي والتي رسمها من الذاكرة لغرفة نومه في آرل واللوحة اسمها ((غرفة النوم في البيت ا|لأصفر)) 1889 الموجودة في مؤسسة فان جوخ بأمستردام وهي من الأعمال التي أوضحت في بلاغة من التكوين واللون عن مغزاها الأليم الموحش وعنها خط يقول لأخيه : ((إن حجرتي تزدان بالسكون العميق .. وما يسعدني هورسم هذا لامكان في وجود أحد)) .

فقد قصد فان جوخ حتى يجعل السكون يطبق على الغرفة مثلما يشعر بددرانها وأرضيتها تطبق عليه .. وأكد إحساسه بالسكون والوحشة باستخدامه الخطوط السميكة المباشرة والألوان في قوتها كالأحمر والأصفر والأخضر والأزرق استجداءا منه لحريته رغم ضيق المكان وفي عدم وجود آخرين وليؤكد راحه الإجبارية الموحشة للسكون المحيط وهوما يؤكد حالة العزلة والوحدة االتي حاصرت الفنان .. ورسم كرسيي الغرفة خاليان مثلما رسم دائما كرسيه القش خاليا تأكيدا منه لوحدته ولحالة السكون المطبق .. وفي لوحته هذه لغرفة نومه نقل حالة التوتر في الخط واللون مثلما هي في لوحة المقهى باعتماده الرؤية من ذلك المنظور الأرضي المنخفض الذي نشاهد من خلاله كلا من المقهى والغرفة وكأننا انطبحنا أرضا في مقدمة اللوحة لنراها أكثر وحشة وإرهاقا نفسيا من هذا المنظور .. وطبقا للرؤية من هذا الوضع المهرق نجد اللوحتين اتفقتا على إبراز حالة الجدران المطوقة والمطبقة على المشهدين .

وفي 1888 أنجز العددي من لوحاته الشخصية الشهيرة بسماتها الخاصة التي انفردت بها حاملة جميع مميزات شخصيته المتوترة الزائغة أوالمستسلمة العينين واملطبقة الشفتين وتكشف عن معاناة بتدأت تظهر على الوجه المتألم في صمت .. فأنجز في هذا العام ثمانية بورتريهات شخصية له .. ورسم عدة لوحات لجذوع أشجار مائلة أوعلى وشك السقوط وأسفلها يمر فلاح ينثر الحبوب .. أوجذوع أشجار على وشك السقوط وأسفلها يمر فلاح ينثر الحبوب .. أوجذوع أشجار شبه ميتة تشابكت فروعها الخشبية الرفيعة الغير مخضرة أومزهرة .

وفي ديسمبر 1888 رسم فان جوخ كرسيين الشهيران .. أحدهما كرسي القش الشهير وفوقه البايب الخاص به والموجود في جاليري بروكلين تيت بلندن . والكرسي الآخر فوقه شمعة مشتعلة وإلى جدار الغرفة معلق مصباح مضاء .. ورغم هذه الإضاءة إلا حتى المشهد لايوحي بالبهجة واللوحة موجودة حاليا في مؤسسة فان جوخ بأمستردام .

.. من المؤكد حتى استوعب فان جوخ في تلك الفترة المصاعب التي تقابله لجعل رسمه أكثر تعبيرا .. عما يموج بداخله من انفعالات جعلته يحاول اللجوء النفسي والفني إلى جوجان الذي نال في ذلك الحين شهرة كرسام وفي نفس الوقت هوصديق له .

وفي أواخر 1888 دعى فان جوخ جوجان ليشاركه مرسمه في الجنوب الفرنسي المشمس ، وكانت تلك الزيارة بداية المتاعب لفان جوخ والمقصود بها المتاعب الفنية والنفسية .. واتى جوجان .. وتوترت العلاقة بينهما .

ويرجع سبب التوتر بين الفنانين الكبيرين فان جوخ وجوجان إلى محاولات جوجان المستمرة بإقناع فان جوخ حتى يلجأ في لوحاته إلى تسوير المنظر المقرب الذي يبتر الشكل (الشخوص) من الوسط ويعطى انحناءة من الجانب عبر سطح اللوحة تؤدي بالمشاهد لدخول عمق اللوحة مباشرة كما في لوحة جوجان ((الرؤيا بعد الموعظة)) .

ورسم الفنانان نفس الموضوعات لكن كلا منهما لم يكن راضيا .. فلم يعجب فان جوخ إقحام جوجان لنساء (بريتون) (المكان الذي أتى منه جوجان قبل وصوله آرل) .

وأصبح جوجان يضيق ايضا بفان جوخ وخط جوجان إلى صديقهما المشارك بيرنار يقول : ((إنه متحمس لصوري ولكن بمجرد الإنتهاء منها حتى يبحث عن الأخطاء دائما .. إنه رومانسي حالم وأنا مشدود إلى البدائية والفطرة تأسرني .. كما أنه يحب استخدام اللون تلقائيا وأنا على العكس لاتستهويني الفوضى في التطبيق)) .


أرلز (فبراير 1888 - مايو1889)

Still Life: Vase with Twelve Sunflowers, August 1888 (Neue Pinakothek, Munich).
The Café Terrace on the Place du Forum, Arles, at Night, September 1888.
The Red Vineyard (نوفمبر 1888), متحف پوشكين, موسكو). Sold to Anna Boch, 1890.


سان ريمي (مايو1889 - مايو1890)

The Starry Night, June 1889 (The Museum of Modern Art, نيويورك.

أوڤر سور واز (مايو- يوليو1890)

Portrait of Dr. Gachet was sold for 82.5 million US dollars, current whereabouts unknown
L’Auberge Ravoux, in Auvers-sur-Oise, where Vincent Van Gogh spent his final months and where he died. It is now a restaurant.

وفي نوفمبر 1888رسم فان جوخ لوحته ((نزهة في آرل)) الموجودة حاليا بالأرميتاج بليننجراد . وفيها وضح بشدة تأثير جوجان الفني عليه .. واعتمد فان جوخ في لوحته هذه تطبيق فكرة جوجان بطريقة البتر عند الوسط في المنظر المقرب وبالعمل بتر اِلإمرأتين في لوحته عند الوسط ومن الخلف ظهرت امرأة منكفئة تجمع زهور من الحقل .

ومن خطا فان جوخ حتى حاول الرسم بطريقة ليست من أسلوبه أورؤياه في شيء فقد أصر جوجان حتى يرسم جوخ من الذاكرة لا من الطبيعة مما جعل مهمة الرسم عليه شاقة ومتعذرة .. كان إصرار جوجان الدائم على طريقة البتر النصفي للأشكال تزعج فان جوخ .. وصل الأمر حتى أخذ جوجان درس جوخ على لاتخلي عن ضربات الفرشاه المتميز بها ويلجأ إلى الخطوط السميكة المحيطة بالمساحات اللونية المسطحة .. هذا كان في نظر فان جوخ طريقة مصطنعة في الفن ..

وعلى إثر هذه التجربة خط فان جوخ لبيرنار قائلا : ((حين كان جوجان معي هنا في آرل دفعت نفسي مرتين وراء فكرة التجريدية ، وظننت حتى الطريق إليها ليس بعسير ، لكنس اكتشفت أنها أرض مسحورة غير مأمونة ، ففي أي لحظة يجد افنسان نفسه في لقاءة جدار عليه حتى يتسلقه ولكن لا قدرة له على ذلك)) .

وفي نهاية ديسمبر من نفس العام ومع الإحتفالات بأعياد رأس السنة انتابت فان جوخ نوبة عصبية ونوع من الصرع الهيستيري نتيجة مشادة سقطت بينه وبين صديقه جوجان بتر على أثرها أذنه .

وبعد هذه الحادثة مباشرة ولج مستشفى للأمراض العقلية في آرل .. وبعد أيام رسم لنفسه لوحتين (شهيرتين الآن) وقد أحاط بالرباط الأبيض أذنيه وراسه ليغطي الأذن المقطوعة .. وإحدى اللوحتين يظهر فيها وهوممسك بفمه البايب .. والأخرى بدون بايب وموجودة في لندن ، ومن الداخل المستشفى رسم ثلاث لوحات لعباد الشمس بإحساس وتكوين مختلف وتنبض لوحاته الثلاث بالحيوية وكثافة اللون في حرية .. وأحدهم توجد بمتحف الفن في فيلادلفيا .. والأخرى مقتنيات خاصة .. والثالثة في مؤسسة فان جوخ بأمستردام .

وفي إيريل 1889 تخللت حياة فان جوخ سلسلة مريرة من الإنعكاسات بعضها أشد وطأة وأثرا أقسى من الآخر وكان يعاني من حالة صرع تتكرر زادها حدة وقسوة إهمال فان جوخ والظروف السيئة التي أحاطته .. ومن شباك غرفته المعزولة بالمستشفى رسم أشجار شائكة بلا هوية ولا معالم . ونباتات أرضية نبتت فجأة متوحشة وكأنها نباتات شيطانية .. وعلى الجانب الآخر من هذا الإحساس يرسم لوحة ((الهدهدة) 1889 متحف ريكة أوترلومصورا فيها مدام رولان تهز مهدا وقد مثلت هذه اللوحة شكلا بدائيا للأمومة يهفوإليه فان جوخ .

ومع مايو1889 اضطر فان جوخ إلى الانتنطق إلى مصحة سانت ريمي حيث مكث فيها عام تام .. ولتنتهي بذلك فترة آرل الفنية ، أكثر مراحله ازدهارا وأكثر ذاتية وأصالة وتعبيرية لما كان يتصارع داخله مابين حالات التعبير الفني وحالات التنفيس النفسي .

ورغم حالته السيئة في المصحة لم يهجر يوما ألوانه ولا فرشاته وفي نفس شهر دخوله إلى مصحة سانت ريمي رسم لوحتين لمدخل المصحة من الداخل وما يميزه من أقبية كثيبة دون ملامح لأي تواجد إنساني في اللوحة .. ورسم الأرضية وكأنها في تصارع مع الجدران تجاه عمق المدخل .

وفي يونية رسم شباك غرفته بالمصحة من الداخل وقد رصت على حافته الداخلية زجاجتي دواء وكوبين .

ومن شباك غرفته بالمصحة رسم أيضا لوحته البديعة ((أزهار الايريس)) وقد رسم زهورها باللون الأزرق المكتوم كزهور حزينة شيطانية ورسم الأرضية حمراء وقد خرجت منها سيقان النبات الحامل للزهور متشنجة ملتوية في عنف درامي وكأنها تتصارع لتخرج نفسها من ظلمة التربة إلى النور .

كان تغيير المنظر الخارجي عبر نافذة غرفته بمستشفى الأمراض العقلية مختلف عن المنظر الذي يشاهده الآن من نافذة حجرته بالمصحة مما كان حافزا ومنشطا له وامتلأ شغفا لتصوير ما يراه ووجد لعواطفه المضطربة نظيرا في أشجار السروالتي تشبه وتحاكي ألسنة اللهب في تصاعدها العشوائي .

وبدأت تظهر أشجار السروفي لوحاته ..

وكان ظهور أول شجرة سروكاملة في يونية 1889 داخل لوحته المسماه (حقل القمح الأخضر وشجرة السرو)) وقد بد سيقان أعواد القمح إلى يسار اللوحة مندفعة إلى اليمين بشكل عشوائي عنيف وكأن ريحا تدفعها دفعا .. وفي عمق اللوحة قرب أفقها ظهرت شجرة سروتتوسط المنظر .. وبدى كأن شرر من لهيب بدأ يشتعل .. وتوالى ظهور أشجار السروفي لوحاته متوالية وقد تزايد تصاعد لهيبها كألسنة حارة ملتهبة ترنولشق عنان السماء .. ثم ظهرت أشجار السروتملأ جميع مقدم اللوحة . تحتلها بالكامل وكأن لا مكان في اللوحة وفي نفس الفنان إلا للحريق والإحتراق والإشتعال المستمر من ألسنة اللهب التي تشبه في اندفاعاتها والتوائها أشجار السرو.

وتكررت أسماء اللوحات بذات الاسم ((حقل قمح مع شجرة السرو)) حتى وهويرسم لوحته ((ليل ونجوم)) في يونيوأدخل في المشهد ايضا وفي مقدمته وبشكل متضخم وأساسي شجرة السروالتي بدت في ظلام ليل اللوحة بإيحاء شيطاني انبثق في الليل فجأة وسط البيوت الآمنة وقد شاركتها النجوم في السماء باتجاه حركتها الدوارة العنيفة التي تبدوفي لانهائية مرهقة وكأنها تشارك شجرة السروعنفها وفظاظتها لكن هذه الوحشية والفظاظة تكشف عن حالة من الألم واليأس الداخلي اعتصر الشكل الخارجي اعتصارا مثل ذلك الإعتصار الذي يعيشه الفنان حبيس معاناته .. حتى حتى سنابل القمح في تمايلها لا إراديا أمام عينيه شرقا وغربا بدت وكأن أمواج بحر هائج تدفعها في عنف مما أوحى لفان جوخ برؤية مثيرة لقدرية الأمور وما تلقاه من قسوة غير مبررة .

وسرعان ما ساءت حالته وانعكست حالة متزايدة من اليأس والاكتئاب على لوحاته .. فرسم نفسه ثلاث لوحات شخصية إحداها وهوممسك باليته ألوانه والفرشاه وينظر إلينا بعين زائغة وكأنه يظهر لنا حتى طوق نجاته في أدواته هذه .

وفي المصحة رسم لوحة ((الحاصد)) 1889 التي لوتأملناها نجده وقد رأى شخصية الفلاح الحاصد بمنجله لعيدان القمح وكأنه حاصد الموت في لوحة ساعد اتساعها في الأفق على الإحساس بالوحشة .

ولم يعد فان جوخ يملك الإيمان بسمتقبله الفني وأثر هذا عليه مسببا انتكاسة شديدة فخط لأخيه يقول : ((منذ أيام وأنا أعاني من تفاقم السقم غير أنني أصارع مع السقم قماشة لوحتي في صورة ((الحاصد)) التي غمرتها كلها بطلاء أصفر كثيف ورغم بساطة المشهد إلا أننني أرى ذلك الحاصد تحت وهج حرارة الشمس كأنه شبحا غامضا يقاتل كالشيطان لإنجاز مهمته .. فبدى لي صورة للموت .. وبدت لي سيقان القمح التي يجمعها بمنجله كأنها بشرا .. ولا أعهد كيف من الممكن أن خرج هذا الحاصد الشيطاني إلى الوجود لكنه أتى على النقيض ممن أردت رسمه من قبل .. ويثيرني حتى صورة الموت هذه تمضي في خطواتها الواثقة دون أي مظهر من مظاهر الحزن .. ماضية في جرأة في وضح النهار تحت ضوء الشمس المضىي الذي يغمر الأمور جميعا)) .

ومما أساء ودهور من حالته النفسية إحساسه الأليم بعدم قدرته على الخروج من المصحة لرسم موضوعات ومشاهد جديدة تنفس عما يعتمل في نفسه من شعور بالوحدة والإكتئاب .. كما أنه لم يرض حتى يتخذ من رفقائه سقمى المصحة نماذج لرسمه إشفاقا على مشاعرهم فلجأ إلى الذاكرة لرسم لوحته الهامة التي ذكرناها قبلا في لقاءة مع لوحته ((الملهى الليلي)) وهي لوحة ((غرفة نوم في البيت الأصفر في آرل)) وقد رسمها حنينا إلى غرفة نومه الخاصة والتماسا للعون من أيامه السابقة في آرل ، كما رسم لوحات بالأبيض والأسود يوحي لما رسمه فنانين آخرين معجب بهم .. فرسم لوحات نظيرة من وحي بعض أعمال ميليه وديلاكرواه ولونها بما يصلح لها .. فرسم في أكتوبر لوحة ((السهرة)) وظهر فيها أسرة قروية جالسة مكونة من رجل وزوجته وطفلهما الصغير داخل سريره في المساء وقد اعتمدوا علىم صباح غاز ليضيء جلستهم .. وقد استوحاها فان جوخ من لوحته ((الساهرة)) لميليه ونقلها بمفهومه إلى عصره ورؤيته الخاصة .

وفي نوفمبر 1889 ظهر لأول مرة في لوحات فان جوخ ملاك باسط جناحيه غير اللوحة ولم يظهر مرة ثانية في أية لوحة .

وفي هذه الأثناء في يناير 1890 رسم لوحته ((راحة الظهيرة)) وقد استوحاها أيضا من أعمال ميليه .. اللوحة يظهر فيها فلاح وزوجته مستلقيان تجاوران للراحة فوق كومة قمح تم حصده في حقلهما وقت الظهيرة .. وتظهر اللوحة بوضوح تأثر فان جوخ الشديد بلوحات ميليه وأسلوبها البسيط .

ورسم لوحات أخرى من الذاكرة لفلاحين أشبه بفلاحي ميليه وهم يعملون في الحقول إما لحصد القمح أونثر البذور ، ورسم لوحة ((راعي الغنم)) و((فلاحة أمام المغزل)) وظهر الفلاحين في لوحات فان جوخ هذه وقد تخلوا عن حالة البؤس والكآبة التي ظهروا بها في لوحاته القديمة وقد وصاروا مستسلمين لمصيرهم في لامبالاة .

وقد برر فان جوخ لجوئه لرسم لوحات كهذه مستوحاة من الذاكرة لفنانين آخرين في خطاب لأخيه قائلا : ((يطلب منا نحن الفنانين حتى نضع أنفسنا في التكوين وتكون جزء منه . نتقلص ولا نكون سوى مكونين ولا شيء سواه .. على حين لاقد يكون هذا الأمر في الموسيقى .. فالذي يعزف مقطوعة لبيتهوفن يضفي من نفسه على العمل .. وقد عملت نفس الشيء فجعلت لوحات ميليه وديلاكرواه تتمثل أمامي ثم منحتها لونا لم يكن كله مني ، بل حاولت حتى يتماثل اللون وصورهم .. لكن الذاكرة وإيحاءها لي بالإحساس الحق أجدها هي تفسيري الخاص وقد بدأت أقلد لوحاتهم من الذاكرة دون ترتيب مسبق مني ولكن اكشتفت حتى هذه الطريقة فهمتني أشياء .. ثم أنها وهذا الأهم أمدتني بالعزاء)) .

وقد قادت لوحات ميليه فان جوخ إلى اكتشاف هجريبات لونية جديدة وغريبة وأكثر إثارة من الألوان التي استخدمها في آرل .. فصارت الألوان في لوحاته مكتومة غير ناصعة .. قائمة أومنكسرة مما زاد من دراميتها .. وغالبا ما كونت إحساسا متواترا مع الأبيض فبدت مابين الشفافية والإعتام .. وظهر علىس طح لوحاته الأصفر الباهت المخضر والأزرق الليلي القاتم والوردي الشاحب .

وفي مصحة سانت ريمي رسم لوحاته بغزارة مدهشة وأنتج خوالي مائة وسبع وسبعين عمل تصويري ورسم .. وقد برزت من لوحاته هذه تصويره لنباتات وأشجار تتصارع في تصاعدها لأعلى .. وطرق صاعدة ملتوية وسط أشجار متشجنة متشابكة الأغصان ولكن في قيم فنية إبداعية عالية لم يضاهيه فيها فنان آخر .. فقد بلغ قمة تعبيره الفني في هذه اللوحات المليئة بالصراع الدرامي وأيضا بالحيوية والجاذبية الفنية الطاغية وكان يعمل بغزارة وحيوية مدهشة رغم آلامه المتزايدة .

وفي هذه الفترة أوفد لأخيه ثيوقائلا : ((عملي هوطوق نجاتي الوحيد الذي ينتشلني من الحضيض الذي يودي بي إلى قدري المحتوم .. إنه ملاذي وخلاصي ..)) .

وفي فبراير 1890 رسم لوحتين عن ((السجناء)) ورسم في أحدهما مشهدا داخل فناء سجن عالي الأسوار وفيه يدور في دائرة الجسناء مغلولين وكأنهم منذ الأبد يدورون هكذا دون تذمر استسلاما لقدرهم غ ير حتى أحد هؤلاء هوالفنان نفسه وقد بدت عليه ملامح ثورة مكتومة .

وعن لوحتي السجناء خط لأخيه : ((إنها صرخة ألم آتية من أعماقي)) وفي لحظات يأس وصراع مع نوبات صرع اجتاحته يخط لثيو((أشعر شعور قاطع بأن حيايت فاشلة لذلك أعاني بصورة لاتصدق وبشكل دفين .. مما جعلني أبحث في لقاءة عذابي عن وسائل دفاع شتى .. كالدين .. والعمل الخير .. والفن .. والآن أهب نفسي طواعية للرسم بشكل يتزايد حدثا تزايد إحساسي بأنني مهدد وأنني سأقابل بنوبة مقبلة لن تظل مني شيء)) .

وقد رسم بذات الإحساس القاسي المحموم وهوفي قمة آلامه الشموس تدور ذات إيقاعات دوارة بلا نهاية بإحساس غامض عدمي .. والأشجار ملتوية مرعبة .. وحقول قمح ثائرة .. وصور نفسه صورة ذاتية داخل مصحة سانت ريمي للمرة الأخيرة وبدأ فيها كم معاناته مع صراعاته ووحدته وحطامه الكاشف عما يدور بداخله من معركة قاسية .

وفي عزلته في مصحة سان ريمي التي ازادت عليه الوحدة والخوف نصحه أخيه ثيوبالذهاب إلى الطبيب النفسي دكتور جاشيت في أوفير سيرواز خاصة والدكتور جاشيت معروف بصداقاته مع الفنانين .

وأقام فان جوخ في فندق صغير ومن نافذته رسم ((كنيسة أوفير)) وفي ا|لأسبوع الأول من يونيووقد حقق فيها إيقاعات خطية ولونية باهرة في عنقها وحيويتها معا .. وبدت الكنيسة صاعدة أمام سماء زرقاء داكنة ملتوية وقد لون كلا من جانبي الكنيسة بدون مختلف .. فأحدهما أحمر والآخر برتنطقي .

وفي يونية رسم لوحتين للدكتور جاشيت مرتديا قبعته البيضاء وجاكته الأزرق .. وخط لأخيه يقول : ((إن البورتريه يلعب خيالي وإحساسي أكثر من أي شيء آخر .. ذلك هوالبورتريه الحديث وآمل حتى أكتشف سره وخفاياه الباطنية من خحلال اللون ولاشك حتى ماأريده هوهذا)) .

وفي تلك الفترة رسم فيتسعة يوليولوحة ذات أفق واسع ممتد عريض تعكس إحساسه البائس من حديث وأسماها ((حقل قمح والغربان)) 1890 .. وبدى فيها حقل للقمح متسع تحت سماء ضبابية وأعواد القمح ثائرة ومتماوجة بعمل الرياح والغضب .. وخط لأخيه معبرا عن يأسه ((لم أعد أحتاج حتى أخرج من طريقي .. ولا أحاول حتى أعبر عن الخوف والعزلة الطويلة)) .

وفي منتصف يوليورسم ((مبنى البلدية)) في أوفير قبل انتحاره بأسبوعين وهوفي قمة التوتر العصبي بلمسات مرتجة وخطوط ملتوية ومتقلصة بنسب غريبة وكأنه مبنى خيالي يتوسط أعلاه ما يشبه البرج الصغير ملتوي إلى أعلى .

وفي مساء 27 يوليو1890 بعد عودته من أحد حقول القمح وقد أنهى لوحته تحت ضوء شمس يوليو، أطلق على صدره الرصاص الذي لم يصبه في مقتل ليستريح فقضى يومين يعاني آلاما شديدة من إصابته وتنتهي حياته القاسية في 29 يوليو1890.

ومضى فان جوخ بعد حياة قاسية من المعاناة النفسية ومن تجاهل الآخرين لفنه .. فطوال حياته وإنتاجه الغزير لم يبع له أخيه ثيوإلا لوحة واحدة بفرنكات قليلة.


السجلات الطبية

Vincent and Theo van Gogh's graves at the cemetery of Auvers-sur-Oise.

قام ڤان گوخ ببتر شحمة أذنه اليسرى أثناء نوع من نوبات الصرع في يوم 24 ديسمبر 1888.

Still Life with Absinthe (1887)

وقد ظهرت رسائل فهمية وأبحاث طبية تعد بالمئات عن طبيعة السقم العقلي الذي أطاح بعقل فان جوخ، ونظر بعين فهم النفس إلى الخطابات المتبادلة مع أخيه والتي بلغت حوالي 652 خطابا بالإضافة إلى حوالي 40 خطابا لأمه ومعارفه. وتعتبر هذه الخطابات ثروة أدبية وفنية ضخمة يصف فيها معاناته وتجاربه ومواقفه الفنية بإبصار فذ تجاه عمله ومصدر رائع لأخذ الحقائق عن حياه من مصدرها دون أي احتمال للانادىء والتخمين.


تأثيره

يعتبر فان جوخ من الفنانين الموثقة حياتهم وتطورهم الفني المبكر بطريقة لانظير لها، حتى بالنسبة للفنانين العظام لم توثق حياهم بهذا الانضباط ويرجع الفضل إلى أخيه ثيوتاجر اللوحات أوقد يرجع هذا إلى عدم اهتمام الناس بأعماله فلم يفقد منها شيء بالبيع فتم الإحتفاظ بكل عمل نفذه مدى حياته تقريبا بما في ذلك تخطيطاته المبكرة جدا.

وظلت حياته ومعاناته ومماته مصدر موحي لإبداع الآخرين وإلا فلماذا لجأ محرر مثل آرفينج ستون في الفصل السادس من روايته "شغف الحياة" التي خطها عام 1934 بتصوير فان جوخ وقد التقى بآلهة الفن مايا التي تقول له في محادثة متخيل أنها أحبته منذ أمسك الفحم وخط رسومه الأولى لعمال المناجم في البوريفانج وأنها كانت ترافقه على الدوام.

وكما أثرت حياته على الخيال الأدبي، كذلك أثرت أعماله كأعظم مصوري مابعد التعبيرية بشكل بالغ وصريح على جماعة القنطرة الألمانية التي كونها لودفيج ىكيرشنر وايريك هيكل وكارل شميدث ورغم إقامة فان جوخ في باريس إلا أنه أثر على الفن في ألماني أكثر منه في فرنسا .. وهذا ليس بغريب كما خط الناقد والمؤرخ العالمي هربرت ريد بأن : ((فان جوخ بكل خصائصه فنان شمالي اصلا تيوتوني وليس لاتينيا .. قوطي وليس كلاسيكيا .. لذلك لم يكن من العسير على الفنان الألماني حتى يستوعبه دون حتى يتنكر لتراثه القومي .. فكان فان جوخ وفن إدوار مانش وفن الشعوب البدائية هي الأساس التي كونت أولى المدارس الألمانية المتيمة في الفن الحديث)) .


رؤيته الفنية

عن دراسة نفسية نجد الرد لدى المؤرخ الفني العالمي رينيه ويج في كتابه ((الفن واللوحات)) مستشهدا في كتابه بالمنظر الذي رآه فان جوخ من نافذته ورسمه بعد ذلك عن حقل القمح المحاط بسور حجري قديم وقد اتى في تحليل الناقد العالمي الذي يتفق مع مقولة ((بيكون)) بأن الفن هوالطبيعة مضافا إليها الإنسان قائلا رينيه ويج :((لقد تحول في لوحاته السور الحقير - وليس هذا يبحث تجسيمي بل هودراما فالأرض أخت في التموج وأصابها تشنج وتبدوصريعة فزع داهم .. إنها تهرب .. تعدووتقفز فوق الجدار الصغير في الداخل .. وهناك تأخذ الأشكال في الإشتعال كالحريق .. في الأعشاب والأشجار التي صارت شبيهة باللهب .. والجبال بدورها انضمت للعاصفة ، وبدت كأنها تتماوج والشدة الكامنة تنفجر في الشمس .. في أمواج الشمس التي تحرق العالم في نفس الوقت الذي تمده فيه بالحرارة والحياة .

وفان جوخ لايقلد الطبيعة بل يضع نفسه فيها .. إنه يستعين بها كما يستعين النحات بالطين الصلصال ليشكل فيه حماة بإبهامه .. ماذا يحدث الآن في اللوحة،يا ترى؟ .. ازداد بروز الحركة في الحقل الذي ليس حقل قمح كما يعنون غالبا .. بل هوحقل شعير ، هكذا ينبغي حتى ندقق) وقد تم الحصاد وجمعت الحزم في شكل أكوام صغيرة .. وهذه الأكوام تهتز مثل أمواج العاصفة التي أثارتها نفس فان جوخ .. لقد ألقى بنا في حضرة بحر هائج .. يزيد في دوامه .. وأصبح فان جوخ .. لقد ألقى بنا في حضرة بحر هائج .. يزيد في دوامه .. وأصبح العالم رهيبا وهبة المحيط في غضبه ..

وهذه اللوحة تاريخها يونيو1889 وبعد ذلك بعام في يوليو1890 نضج الموضوع وهذا ماعمله فان جوخ في حقل شعير سانت ريمي يوليو1890 .. حتى فزع العالم أصبح الآن متفجرا .. والأرض الصغيرة هذا المربع من الحقل الذي كان ثم أمامه ، قد اصبح عالما ينزلق إلى الهاوية .. والأرض تنهض .. والأعشاب تمثلها قسمات متوانية مثل سقوط مطر النواء .. والجدار يزحف .. ويسعى للنجاة .. وللتعلق وللقفز .. ولم تعد ثم سماء .. ولاضوء .. جميع شيء يختنقف وكل شيء يساقط ولم يبقى غير الشمس الرهيبة التي ظلت في زاويتها مستمرة في الدوران والتهام العالم.

إلى غير ذلك نرى حتى مخاوف فان جوخ وفزعه الباطن الذي انتابه الداء فاقتاده إلى الانتحار وكيف حتى نفس فان جوخ وعذابات فان جوخ تنتقل إلى مشاعرنا من خلال ماطبع به العالم من تحويل !!)).

هذا التوضيح من رينيه ويج يبين كيف من الممكن أن امتزج فان جوخ بالطبيعة ولم يعد يمكن التفريق بينهما فرسمها مضافا إليها معاناته أومن خلال معاناته .. فهذه الطبيعة في لوحاته هي طبيعة فان جوخ النفسية والعصبية وقد امتزجت بطبيعة ماتراه عينيه .

وعن رأي فان جوخ الأخير في الفن وفي معاناته كفنان خط لأخيه ثيو : ((أنت تتحدث عن الفراغ الذي تشعر به أينما مضىت وهذا هوبالضبط ما أشعر به .. لنأخذ إذا شئت الزمن الذي نحيا فيه كعصر نهضة عظيمة صادقة للفن .. فلاتزال دولة التقليد الرسي حية تنخرولكنها حقيقة واهنة مسلوبة الحركة .. والمصورون الجدد وحدهم فقراء .. يعاملون كالمجانين .. وبسبب هذه المعاملة أصبحوا كذلك .. على ا[لأقل بقدر مايخص حياتهم الإجتماعية)) .

أعماله

This piece from the Hermitage Museum was painted six weeks before the artist's death, at around eight o'clock on 16 June 1890, as astronomers determined by Venus's position in the painting.


عباد الشمس، 1888 م

حاول في أعماله حتى يلتقط أكبر قدر ممكن من الضوء وكما عمل على إبراز تماوج طيف الألوان في لوحاته المتنوعة: الطبيعة الصامتة، باقات الورد (عباد الشمس)، اللوحات الشخصية، اللوحات المنظرية (جسور لانغلوا، حقل القمح بالقرب من أشجار السَرْو، الليلة المتلألئة).

يعتبر "فان گوخ" من رواد المدرستين الانطباعية والوُحوشية (Fauvisme). تعرض أبرز أعماله في متحف أورسايْ، باريس (مخيم البوهيميون، لوحات شخصية)، وفي متحف فان غوخ الوطني في أمستردام.

نقد

لم يخط عنه إلا منطقة واحدة في حياته خطها الناقد الفرنسي ألبير أوريه بعنوان "المنسيون" بينما كان هوفي المصحة، نطق فيها الناقد "إن ما يميز لوحات فان جوخ تلك الشحنة البالغة والعنف في التعبير .. إنه يصور تصويرا تسجيليا حاسما الخصائص الأساسية للأشياء .. ويبسط الأشكال في جرأة عن طريق ألوانه وخطوطه المتأججة بالعاطفة .. وإصراره العنيد على الوقوف في وجه الشمس والتحديق إلى قرصها الباهر فتتجلى قوته كفنان .. وفي بعض الأحيان يظهر إنسانا رقيقا إلى أقصى حدود الرقة .. ولعل ما يميز لوحاته ورسومه هوفهمه العميق للموضوع الذي يرسمه وتقصيه عن جوهر الأمور وحبه الصادق للطبيعة .. ولكن هل سيقدر لهذا الفنان الأصيل ذوالروح العامرةب الضياء حتى ترد إليه الجماهير بعضا مما يستحقه من تقدير وإكبار فتدخل إلى قلبه السكينة ،يا ترى؟ .. لا أعتقد ذلك بالشيء القريب فهوإنسان سهل ومتواضع ومرهف الحس وهي صفات لا يعتبرها مجتمعنا المادي ذات أهمية".

معرض الصور

المصادر

اقرأ نصاً ذا علاقة في

ڤينسنت ڤان گوخ


  • موسوعة الفن الحديث، أخبار اليوم.
  • Beaujean, Dieter. Vincent van Gogh: Life and Work, Könemann 1999, ISBN 3-8290-2938-1
  • Callow, Philip. Vincent Van Gogh: A Life, Ivan R. Dee, 1990, ISBN 1-56663-134-3
  • Erickson, Kathleen Powers. At Eternity's Gate: The Spiritual Vision of Vincent van Gogh, 1998, ISBN 0-8028-4978-4
  • Gayford, Martin. The Yellow House: Van Gogh, Gauguin, and Nine Turbulent Weeks in Arles, Fig Tree, Penguin, 2006, ISBN 0-670-91497-5
  • Hammacher, A.M. Vincent van Gogh: Genius and Disaster, Harry N. Abrams, Incorporated, New York, 1985, ISBN 0-8109-8067-3
  • van Heugten, Sjraar Van Gogh The Master Draughtsman, Thames and Hudson, 2005 ISBN 978-0-500-23825-7
  • Hulsker, Jan. Vincent and Theo van Gogh, a dual biography, Fuller Publications, Ann Arbor, 1990, ISBN 0-940537-05-2
  • Rewald, John. Post-Impressionism: From van Gogh to Gauguin, revised edition, Secker & Warburg 1978, ISBN 0-436-41151-2
  • Walther, Ingo F., and Metzger, Rainer. Van Gogh: the Complete Paintings, Benedikt Taschen 1997, ISBN 3-8228-8265-8
  • Wilkie, Ken. The Van Gogh Assignment, Paddington Press, 1978; republished: The Van Gogh File. A Journey of Discovery, Souvenir Press, 1990, ISBN 0-285-62965-4
  • Wilkie, Ken. In Search of Van Gogh, 1991, ISBN 1-55958-101-8 (not valid?)
  • Grossvogel, David I. "Behind the Van Gogh Forgeries: A Memoir by David I. Grossvogel" Authors Choice Press (March 2001), ISBN 0595177174
† Tertiary sources, with little or no reference to sources
  • ابراهيم العريس (2010-10-21). "«الأب تانغي» لفان غوغ: الشرق نبع للألوان قبل الشمس أحياناً". جريدة الحياة اللبنانية.

هامش

  1. ^ DIEUMO, J.B. (2006). "Homage To Vincent Van Gogh (1853-1890)". vangoghpromo.co. Studio-web. Retrieved 2007-03-25.
  2. ^ Star dates Van Gogh canvasثمانية March, 2001
  3. ^ Branches with Almond Blossom

وصلات خارجية

  • تدوينة عن "لوحة الحجرة" للفنان فينيست فانكوخ
  • Vincent van Gogh Gallery. The complete works and letters of Vincent van Gogh.
  • Van Gogh's Letters, unabridged and annotated.
  • Van Gogh Museum, Amsterdam, The Netherlands.
  • Van Gogh at the National Gallery of Art, Washington D.C., United States.
  • Photographs of locations in Auvers-sur-Oise painted by Van Gogh.
  • 'Drama at Arles new light on Van Gogh's self-mutilation' from Apollo, September 2005 by Martin Bailey.
  • Painted with Words: Vincent van Gogh's Letters to Emile Bernard, New York Times, September 9, 2007
  • Works by or about ڤينسنت ڤان گوخ in libraries (WorldCat catalog)







ru-sib:Ван Гог, Винсен

تاريخ النشر: 2020-06-09 03:20:42
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, ڤنسنت ڤان گوخ, رسامو ما بعد الانطباعية, رسوم ڤنسنت ڤان گوخ, رسامون هولنديون, رسامو زهور, انتحارات بسلاح ناري, فنانون انتحروا, وفيات بسلاح ناري في فرنسا, مواليد 1853, وفيات 1890

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اقتصادي / أسعار الذهب تتراجع بشكل طفيف مع ارتفاع الدولار

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 09:27:47
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

سياسي / إصابة ثلاثة فلسطينيين خلال اقتحام قوات الاحتلال لشمال الضفة الغربية

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 09:27:49
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

اقتصادي / مؤشر الأسهم اليابانية يغلق عند أعلى مستوى في شهر

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 09:27:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 54%

الغلوسي: مراكش تعيش أسوء أيامها.. من يسير هذه المدينة؟

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 12:15:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 47%

مقتل وزير الداخلية الأوكراني في تحطّم مروحية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 12:15:21
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

استئنافية مراكش تسدل الستار على قضية جريمة مقهى “لاكريم”

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-18 12:15:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 39%

تحميل تطبيق المنصة العربية