أظهرت البيانات الاقتصادية في معظم دول المنطقة تعافيا نسبيا لأسعار العقارات، بعد أكثر من 5 سنوات من الثبات أو الانخفاض خاصةً في دول الخليج، ليبقى السؤال قائماً هل بات شراء منزل مجدياً أكثر أم الإيجار؟.
ويبقى شراء المنزل هدفاً لكل أسرة، لأسباب منها ما هو نفسي ومنها ما هو مالي، وللوهلة الأولى الإيجار يبدو أسهل وأقل تعقيدا، ولكن بالنسبة لكثيرين يبقى الإيجار حالة مؤقتة وغير محبذة، ولديهم أسبابهم الوجيهة، فما تصرفه على الإيجار يذهب إلى غير رجعة، وهناك مقولة شائعة بأن كل ريال تنفقه لصاحب البيت لن تراه ثانية.
كما أن المستأجر يخشى على استقراره، خصوصا حين يتقاعد وتتراجع مداخيله. فقد يجد نفسه بين ليلة وضحاها، وبعد أعوام من دفع مبالغ كبيرة من الأموال بشكل منتظم، بدون منزل.
إضافة إلى ذلك؛ فإن أسعار الإيجارات هي رهينة للعرض والطلب، وبالتالي هي عرضة لقفزات كبيرة تجعل المستأجر غير قادر على البقاء في منزله.
وتعرض "العربية.نت"، مجموعة من العوامل التي يجب أن يحددها الشخص وفقا لظروفه، لتقييم قراره النهائي بالشراء أو الاستئجار.
وينصح الملياردير الشهير، وارن بافيت، خلال أوقات التضخم بوضع الأموال في استثمار لا يتطلب نفقات رأسمالية كبيرة للاحتفاظ به.
وأوضح بافيت أنه من المفيد بشكل خاص امتلاك العقارات في أوقات التضخم لأن الشراء "نفقة لمرة واحدة" للمستثمر، وله فائدة إضافية تتمثل في القدرة على إعادة البيع.
وأشار بافيت ذات مرة إلى أنه قام في وقت ارتفعت فيه أسعار العقارات بقوة في قلب التضخم في الستينات برهن منزله والاستفادة من أسعار الاقتراض الرخيصة آنذاك واستثمار المال في أسهم يمكنها الاستفادة من التضخم بصورة أكبر من العقار وسداد دفعات الأقساط لمنزله الذي رهنه.
وبعيدا عن مسألة الرهن فإن قرار الشراء يستوجب الانتباه إلى عدة أمور.
أولا: مستويات أسعار المنازل، فمن يشتري عندما تكون الأسعار في ذروتها قد يخسر الكثير. حاليا الأسعار منخفضة نسبيا في معظم دول المنطقة، بالتالي قد يجدها البعض فرصة للشراء.
ثانيا: لا بد أن تحسب جيدا المصاريف الدائمة بعد الشراء، والتي يتحملها مالك البيت في حالة الإيجار. مثل مصاريف الصيانة والضرائب والرسوم إن وجدت. في حالة السعودية، لا ضرائب على السكن، لكن قد تكون هناك مصاريف صيانة دورية.
ثالثا: يجب أن تنتبه لأسعار الفائدة أو الأرباح على القروض. يجب أن تعرف أن قروض الإسكان هي في الغالب قروض ذات فائدة متغيرة، بمعنى أن الفائدة ليست ثابتة طيلة فترة التقسيط. فقد ترتفع الفائدة لاحقا ويرتفع معها القسط الشهري بشكل كبير.
حاليا، أسعار الفائدة تعد رخيصة نسبيا، وبالتالي من المرجح أن ترتفع مستقبلا.
لكن في السعودية، هناك إيجابية كبيرة يستفيد منها المواطنون، وهي أن صندوق التنمية العقارية يغطي أرباح القروض بالكامل عن نحو 85% من المستفيدين منه، وبالتالي فإن خطر الفائدة لا مكان له.
ويضيف خبراء العقارات 5 معايير أخرى للمقارنة بين الإيجار أم شراء منزل.
1. التكاليف
يجب أن توازن دائماً بين التدفقات النقدية الداخلة والخارجة، فإذا رغبت في أن تستأجر منزلا فإنك تعي أن المبالغ المسددة شهرياً ستكون صغيرة لكنك لن تمتلك الأصل يوماً ما، في حين أن الشراء يتطلب دفعة مقدمة تصل إلى ربع قيمة المنزل، فضلاً عن الدفعات الشهرية التي تزيد عن الإيجار، كما ستتحمل تكاليف التشطيب والفرش والصيانة والفوائد والضرائب.
2. الاستثمار
ويحدد الخبراء أن مدة البقاء في المنزل عامل آخر للمفاضلة، فإذا كنت ستقطن في بيت أكثر من 5 سنوات، فإن شراؤه سيكون الاختيار الأوفر على المدى الطويل. وبعد تسديد الدفعات، يكون عندك أصل عقاري يمكن بيعه أو تأجيره للغير والحصول على دخل إضافي حسب حالة السوق.
3. ديكور المنزل
عنصر آخر مهم في تحديد القرار مرتبط بحالة المنزل الذي ستستأجره، فإذا كان الفرش والديكورات الخاصة به في حالة رديئة فإن الأموال التي ستنفقها على إصلاحه لن ترد إليك إذا ما وافق صاحب البيت على قيامك بهذه الأمور، تذكّر أنك لست المالك لهذا البيت!
4. الاستقرار النفسي
يؤثر شراء المنزل على الحالة النفسية لصاحبه، فيكفي أنك لن تكون في حالة من القلق ناتجة عن تهديد بالطرد أو استغناء المالك عن تأجيره، فضلاً عن الشعور بالانتماء والرضا النفسي، وهي أمور تستحق تحمل تكاليف إضافية.
5. مرونة الانتقال
وعلى الجانب الآخر، يمنح الإيجار مرونة أكبر، حيث يمكنك التكيف بصورة أسرع مع الظروف الطارئة التي تحل بك، ويمكنك التحكم بشكل أكثر فاعلية في نفقاتك الشهرية، أو قرب منزلك من مكان عملك أو مدارس أبناءك أو حتى تحديد جيرانك، بعكس شراء أصل ثقيل يصعب استبداله، وهي ميزة إضافية للإيجار عن التملك.
وينصح الخبراء بضرورة دراسة وضعك المادي، ولا تنسى تقييم مكان السكن والبيئة المحيطة به والخدمات المتوفرة بقربه.
مثال رقمي
من جانبه حدد خبير العقارات إبراهيم الصحن، طريقة حسابية لقياس الفارق بين تكاليف شراء منزل أو استئجاره، خاصةً إذا لم يكن هذا هو منزل العمر، وأنه منزل مؤقت لثلاث سنوات فقط، فعندها يمكن بسهولة تحديد الخيار الأنسب بين الاستئجار والشراء.
وافترض مثالاً بأنك تفاضل بين استئجار شقة سكنية بمبلغ 30 ألف ريال سنويا، ومتوقع أن تزداد قيمة الإيجار بمقدار 10% سنويا، ونفس مواصفات وموقع هذه الشقة معروضة للبيع بقيمة 500 ألف ريال، فما هو الخيار الأفضل.
تتطلب ملكية العقارات سداد رسوم صيانة وضرائب فضلاً عن وضع السوق الذي قد يؤثر على أسعار العقارات، وبالتالي فلنفترض أن هذه الأمور ستتكلف 5% سنوياً من ثمن الوحدة بمتوسط 24 ألف ريال، وقد يكون هذا المبلغ إضافة لك إذا كان السوق في اتجاه صعودي ولا يوجد ضريبة عقارية وحالة العقار جديدة.
ثانيا: سنفرض أن التمويل سيكون لمنزل مرحلي لمدة عشر سنوات بهامش مرابحة 3.5% سنويا ودفعة أولى تمثل 30% من قيمة المسكن بمبلغ 150 ألف ريال، وأن الشقة ستعتبر منزلا مرحليا فسيكون متوسط أرباح التمويل سنويا 19600 ريال.
ثالثا: سنفترض أن العائد من الفرصة البديلة لاستثمار الدفعة الأولى تمثل 2.5% ليكون المتوسط السنوي 3800 ريال، وأخيرا ستكون عمولة السعي 2.5% من قيمة السكن بمقدار 12500 ريال. ومن خلال تطبيق تكلفة الاستخدام نجد أن المتوسط السنوي لتكاليف الشراء للثلاث السنوات القادمة تمثل 47400 ريال (24000+19600+3800)، في مقابل متوسط الإيجار السنوي خلال ثلاث سنوات تمثل 36400 ريال، وفي هذه الحالة يظهر أن الإيجار لثلاث سنوات قادمة يوفر عليك 11 ألفا سنويا.
ويعد هذا المثال الرقم معيار يمكنك القياس عليه، ولكن يجب أن تأخذ في الحسبان جميع هذه البدائل والمتغيرات لتحديد قرارك النهائي.
