تتعرّض مجموعة "أبل" الأمريكية، الّتي تتّخذ من دول جنوب شرق آسيا مقرّاً لعديد من مصانعها، لانتقادات واسعة من مجموعات حقوقية حول حقوق عمّالها وظروف العمل المميتة الّتي يواجهونها، مقابل رواتب زهيدة لا تتناسب أبداً مع أرباح عملاقة التكنولوجيا الأمريكية، الّتي تُصنَّف وفق كثير من الإحصاءات الأعلى عالمياً بين مثيلاتها.

وتتعمّد المجموعة الأمريكية اختيار مناطق فقيرة لتدشين مصانعها بسبب العمالة الرخيصة، وهو ما يسمح للشركة بمضاعفة أرباحها، إلّا أنّ ذلك يأتي في كثير من الأحيان على حساب العمّال الذين يفتقرون إلى أبسط قواعد السلامة والحقوق الأوّلية في أثناء تأدية عملهم.

كما تُتَّهم الشركة، صاحبة المقرّ الرئيسي بولاية كاليفورنيا بالساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، بتجنّب تدشين منشآتها الصناعية بدول متقدّمة، لما تفرضه تلك الدول من قواعد الأمن والسلامة والمهنية الصارمة في ما يتعلّق بالعمّال.

تسمُّم مئات العاملات

أُصيبَ خلال شهر ديسمبر/كانون الأوّل الجاري نحو 250 امرأة يعملن في مصنع مختصّ بتصنيع هواتف "آيفون" لحساب شركة "أبل" الأمريكية، بتسمُّم غذائي، مما استدعى إدخال 159 منهن المستشفى، وذلك بولاية تاميل نادو جنوبي الهند.

وأعلنت مجموعة "أبل" الأربعاء وضعها المصنع في مرحلة تجريبية لاعتماد "سلسلة تدابير تصحيحية" سريعة، وذلك عقب سلسلة من حالات التسمّم الغذائي، وما تلاها من تظاهرات مندّدة بظروف العمل في الموقع، وظروف المعيشة في المساكن التابعة للمصنع، الّذي لا يزال مغلقاً منذ 18 ديسمبر/كانون الأوّل الحالي.

ويعمل في هذا المصنع أكثر من 17 ألف شخص، فيما تعهّدت شركة "فوكسكون" المتعاقدة مع "أبل" بأنّها ستتخذ "تدابير فورية لتحسين وضع المنشآت والخدمات" في المهاجع التابعة لها، وأنّ الموظفين سيستمرون في الحصول على رواتبهم حتى اكتمال هذه التحسينات.

عمالة الأطفال

كشفت تقارير أنّ نقص العمالة بشركات متعاقدة مع "أبل" مثل "فوكسكون" و"بيغاترون" و"سوين"، أدّى إلى خرق تلك الشركات قواعد العمل عبر توظيف أطفال لضمان وجود عدد كافٍ من العاملين، إذ ثبت تشغيل عمّال لا تزيد سنهم على 14 عاماً بمصانع تلك الشركات.

ونفّذت الشركات تلك الانتهاكات معتمدة على وكلاء يتعاملون بمنتهى القسوة عبر أساليب مثل الاستحواذ على رواتب العمال وأحياناً بطاقات هويتهم لمنعهم من مغادرة المصانع، وسط تَعامٍ وتباطؤٍ من إدارة "أبل" في التعامل مع تلك التقارير.

وذكر مراقبون أنّ عملاقة التكنولوجيا الأمريكية تتدخّل في مثل هذه الحالات عندما يكون الأمر حصراً متعلّقاً بتحسين سير العمل وعدم خسارة أيّ جزء من أرباحها، وعلى سبيل المثال بدلاً من إلغائها التعاقد مع شركة "سوين" فور انتهاكها سياساتها الأخلاقية بسلسلة التوريد، الّتي تحظر عمالة الأطفال، استمرّت "أبل" في الاعتماد على الشركة لأكثر من ثلاث سنوات، وفقاً لما ذكرت التقارير ذاتها.

موجات انتحار

دفعت ظروف العمل البشعة الّتي تُجبِر مصانع منتجات "أبل" عمّالها على العمل تحتها، إلى إقدام عشرات العمّال على الانتحار في سلسلة متصاعدة ومستمرّة من الحوادث المتشابهة عام 2010، إذ ألقى أحد العمال بنفسه من أعلى أحد المباني داخل تلك المصانع، بلا تدخُّل يُذكر من إدارتها.

وأجرت مجموعات حقوق العمال تحقيقاً مستقلّاً في الوفيات وممارسات العمل بتلك المصانع، وأفادت بأنّ العمّال يتلقّون ما يُعادِل 32 دولاراً فقط مقابل 40 ساعة من العمل أسبوعياً، وهو ما يُجبِرهم على السعي إلى العمل بعدد ساعات طويلة من العمل الإضافي لتحصيل راتب يسدّون به رمقهم.

وورد في التحقيق أنّه "صُمّم نظام خط الإنتاج بتلك الشركات على نحو لا يسمح لأيّ عامل بأن يرتاح ولو لثانية واحدة في أثناء العمل". الأمر الذي أكّده لي تشيانغ، المدير التنفيذي لمجموعة "تشاينا ليبور ووتش" الّتي تتّخذ من نيويورك مقرّاً لها، والذي قال إنّ القائمين على تلك المصانع "يتأكّدون من أنّك مشغول دائماً في كل ثانية".

من ناحية أخرى رفض جينغ جون، أستاذ علم الاجتماع في جامعة "تسينغهوا" بالعاصمة الصينية بكين، فكرة مسؤولية ممارسات العمل في تلك الشركات عن موجات الانتحار، مفيداً بأنّ الضحايا من فئة الشباب الّذين تتراوح سنهم بين 18 و24 عاماً، وأغلبهم انتقل مؤخّراً من مناطق ريفية للعمل بتلك المصانع، الأمر الذي وضعهم أمام مشكلات شخصية وتحدّيات التكيّف مع الحياة بالمدن الصناعية، وهو ما دفعهم إلى الإقدام على الانتحار.

TRT عربي