تباطأ نمو الوظائف الأمريكية بشكل حاد في كانون الأول (ديسمبر)، وفقا لبيانات صادرة عن مكتب إحصاءات العمل "بي إل إس" الأسبوع الماضي، ما يشير إلى أن تعافي سوق العمل قد يفقد قوته.
لكن بالنظر إلى ما وراء الأرقام الرئيسة التي أظهرت إضافة 199 ألف وظيفة فقط، فإن هناك صورة مختلفة تتشكل، يقول اقتصاديون إن سوق العمل أقوى بكثير مما يبدو للوهلة الأولى، وهي في الواقع في أحد أكثر المواقف صلابة في التاريخ.
قال ريك ريدر، كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي في "بلاك روك"، "سوق العمل نشطة. يمكن القول إنها الآن أكثر سخونة من أي وقت مضى".
إليك الدليل الذي يراه الاقتصاديون والمستثمرون والرؤساء التنفيذيون:
انخفاض معدل البطالة
على الرغم من الانخفاض في وتيرة إضافة أرباب العمل للوظائف إلى أكبر اقتصاد في العالم، فقد انخفض معدل البطالة بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. عند 3.9 في المائة، فإنه يقع الآن في أدنى مستوى له منذ ما قبل الوباء.
لحساب معدل البطالة، استطلع مكتب إحصاءات العمل نحو 60 ألف أسرة حول نشاطها على صعيد التوظيف. في كانون الأول (ديسمبر)، ظهر أنه تم إنشاء 651 ألف وظيفة، أي أكثر بكثير من الرقم الرئيس البالغ 199 ألف وظيفة.
الرقم الأخير مستمد من مصدر مختلف، "مسح المؤسسة" الذي يركز على أصحاب العمل، الذي يستقصي نحو 144 ألف صاحب عمل ويتأثر بتشوهات البيانات المتعلقة بالوباء.
تم تطبيق ديناميكية مماثلة الشهر الماضي، حيث أشار مسح الأسر إلى تحقيق مكاسب في التوظيف 1.1 مليون. ساعد ذلك في دفع معدل البطالة إلى الهبوط إلى 4.2 في المائة وقدم توقعات أفضل لسوق العمل من 210 آلاف وظيفة تم الإبلاغ عنها في الأرقام الأولية لتشرين الثاني (نوفمبر).
"الاستقالة الكبرى" وزيادة فرص العمل
نظرا لأن عدد الأمريكيين الذين تركوا وظائفهم قد ضرب أرقاما قياسية في الأشهر الأخيرة، فقد ازداد النقص الحالي في العمالة بشكل أكثر حدة.
أظهرت الأرقام من مكتب إحصاءات العمل الأسبوع الماضي أن أكثر من 4.5 مليون عامل استقالوا في تشرين الثاني (نوفمبر)، ليتجاوز عددهم الرقم القياسي السابق البالغ 4.4 مليون المسجل في أيلول (سبتمبر) ـ وأعلى بكثير من 4.2 مليون في تشرين الأول (أكتوبر).
أسهم ذلك في عدد شبه قياسي من فرص العمل الشاغرة، مع 10.6 مليون وظيفة شاغرة في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، أي أقل بقليل من 11.1 مليون تم الإبلاغ عنها في تشرين الأول (أكتوبر).
أطلق الاقتصاديون على هذا الاتجاه اسم "الاستقالة الكبرى"، حيث يستفيد العمال من سعي جاد للتوظيف من جانب أصحاب العمل الذين اضطروا إلى رفع الأجور لتحفيز الطلب.
حذرت شركة تيسون فوود في إعلان أرباحها الأخير من أن المنافسة على المواهب "تؤثر في كفاءاتنا التشغيلية"، وقالت "فيديكس" إن نقص العمالة يكلفها نحو 470 مليون دولار في الربع الأخير.
مارك جورج، كبير المسؤولين الماليين في "نورفولك ساوثرن"، أخبر المحللين في كانون الأول (ديسمبر) أن سوق الشاحنات "النشطة" وسوق البناء القوية ومستودعات أمازون "ظهرت في كل مكان" وهذا يعني الآن أن "الناس لديهم كثير من الخيارات".
في الوقت نفسه أدت المخاوف المتعلقة بكوفيد وقضايا رعاية الأطفال إلى ردع العاملين عن العودة بسرعة أكبر إلى القوى العاملة، ما أدى إلى انتعاش أكثر انخفاضا في نسبة الأشخاص الذين يعملون أو يبحثون عن وظيفة.
تحسن معدل المشاركة في القوى العاملة بشكل أكبر في كانون الأول (ديسمبر)، ووصل إلى 61.9 في المائة، لكنه لا يزال أقل عن مستواه السابق للوباء بأكثر من نقطة مئوية.
معدل المشاركة لمن تراوح أعمارهم بين 24 و54 عاما أعلى، حيث يبلغ 81.9 في المائة، لكنه أيضا أقل من معدل شباط (فبراير) 2020.
تصاعد نمو الأجور
في محاولة لإغراء العاملين، رفع أرباب العمل الأجور لدرجة أن الاقتصاديين ومسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يقولون إنهم يراقبون الارتفاع عن كثب بحثا عن أي مؤشرات تؤدي إلى تضخم أعلى باستمرار.
تعد مطاعم الوجبات السريعة وتجار التجزئة وشركات الخدمات اللوجستية من بين الجهات التي تحسن الشروط التي تقدمها للمبتدئين. أخيرا، حذرت شركة لويس للتجزئة، من ارتفاع تكاليف الأجور نتيجة لنقص العمالة. ارتفع متوسط الأجر في الساعة 0.6 في المائة عن الشهر السابق، وهو يترجم إلى مكاسب سنوية 4.7 في المائة.
وجدت "بزنس راوند تيبل" في أحدث استطلاع لها بشأن الرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبرى، أن تكاليف الأجور المرتفعة الناجمة عن نقص العمالة ارتفعت إلى أعلى قائمة مخاوف الرؤساء التنفيذيين، متجاوزة إلى حد كبير قضايا مثل اضطرابات سلسلة التوريد أو ارتفاع تكلفة المواد.
قال شون كونولي، الرئيس التنفيذي لشركة كوناجرا، للمحللين الأسبوع الماضي، "إنها سوق عمل ضيقة تتطلب كثيرا من البراعة والإبداع والجهد لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم بأفضل ما في وسعنا. أشعر بالرضا حيال ما توصلنا إليه الآن، لكن ليس هناك من ينكر إنه روتين يومي".
تشوهات البيانات
أدرك الاقتصاديون أيضا، أن التقدير الأولي لنمو الوظائف الرئيسة يمكن تعديله بشكل كبير في التقارير المستقبلية نظرا لصعوبة المقياس الاقتصادي أثناء الوباء.
سيتم تحديث رقم الرواتب لكانون الأول (ديسمبر) في شباط (فبراير) ومرة أخرى في آذار (مارس). من المحتمل أن يتم الإبلاغ عن هذا الرقم بشكل ناقص. خلال 2021، أضافت التنقيحات التصاعدية أكثر من مليون وظيفة - وهو رقم قياسي في عام واحد.
يعد قياس الرواتب أثناء الجائحة تحديا بشكل خاص لسببين رئيسين. أولا، كانت الشركات أبطأ في الاستجابة لمسح المؤسسة الذي استقي تقديرات الرواتب منه، ما يعني أن التقدير الأولي يعتمد على بيانات غير كاملة.
بحلول الموعد النهائي في كانون الأول (ديسمبر)، استجابت 71 في المائة من الشركات، مقارنة بـ81.5 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2019. يقول الاقتصاديون إن الشركات ذات النشاط الأكبر، مثل تلك التي توظف بسرعة أكبر، من المرجح أن تكون من بين أبطأ الشركات في الاستجابة، ما يسهم في تقدير مبدئي أقل من كشوف الرواتب.
ثانيا، أدى الوباء إلى تعطيل الأنماط الموسمية، وهذا بدوره أدى إلى تعقيد النماذج الإحصائية التي يستخدمها مكتب إحصاءات العمل لإزالة التأثيرات الموسمية من البيانات الأولية، مثل التوظيف في الإجازات.
في كانون الأول (ديسمبر)، أظهرت الأرقام الأولية نموا في كشف الرواتب قدره 72 ألفا، عدله مكتب إحصاءات العمل بزيادة تبلغ 127 ألفا. هذا أقل من التعديل المعتاد لكانون الأول، وفقا لجريجوري داكو، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في أكسفورد إيكونوميكس. يتم أيضا تعديل نموذج التعديل الموسمي مع ورود البيانات، ما يؤدي إلى مزيد من التنقيحات في المستقبل.
