هزت حادثة احتجاز رهائن داخل كنيس يهودي بولاية تكساس يوم السبت 15 يناير/كانون الثاني الجاري، الرأي العامّ، واستُنفرت على أثرها الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية للتفاوض طوال ساعات، مع المحتجِز المسلّح، للإفراج على الرهائن.

وكشفت لاحقاً وسائل إعلامية، أن منفّذ العملية زعم أنه شقيق العالمة الباكستانية المحتجزة في قاعدة كارسويل العسكريّة قرب دالاس، عافية صديقي. وطالب بالإفراج عنها مقابل الإفراج عن الرهائن.

تمكنت في النهاية فرق قوات التدخل والأمن من إحباط العملية وإنقاذ المحتجزين وإجلائهم، وقتل منفذ الهجوم.

واتجهت الأنظار من جديد إلى صديقي الملقبة بـ"سيدة القاعدة"، التي كانت على قائمة مطالب محتجز الرهائن، حسبما ادّعت وسائل إعلامية. ولكن الأخيرة نفت في المقابل على لسان محاميتها الخاصة أي علاقة لها بمنفذ الهجوم، مُدينة في الوقت ذاته الحادثة.

من جانبه حدّد لاحقاً مكتب التحقيقات الفيدرالي هوية المسلح، الذي احتجز الرهائن في الكنيس بأنه مواطن بريطاني يُدعى مالك فيصل أكرم، ورجّح بناء على ذلك محللون أن لفظ "أختي" الذي استخدمه فيصل في الإشارة إلى صديقي، تعني في الغالب "أخُوّة العقيدة" على حد تعبيرهم.

مَن عافية صديقي؟

تَصدَّر اسم عافية صديقي خلال السنوات الأخيرة أعمدة الصحف، واحتلت قضيتها أهمية كبرى باعتبارها من أهمّ النساء المطلوبات في العالم، وذلك لاتهامها بارتباطها بتنظيم القاعدة.

وتعود أصول صديقي المولودة عام 1972 بباكستان إلى عائلة مرموقة ومهمة. وببلوغها سن الثامنة عشرة انتقلت الفتاة الباكستانية إلى تكساس لإنهاء تعليمها، وهناك التحقت بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وحصلت على درجة الباكالوريوس.

وبعد أن تزوجت بطبيب تخدير باكستاني واصلت صديقي تعليمها، وحصلت الأم الباكستانية لثلاثة أبناء، على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب، ولمع نجمها بخاصة في الأوساط الإسلامية، لنجاحها وإنجازاتها الأكاديمية، كامرأة مسلمة في بلد أجنبي.

كما عُرفت في الأوساط الجامعية بنشاطاتها المختلفة، وكان من بينها جمع التبرعات لأفغانستان والشيشان.

ولكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 غيرت بعد ذلك مجرى حياة العالمة الباكستانية، التي اضطُرّت إلى العودة إلى باكستان، بعد أن طالتها التحقيقات الفيدرالية الأمريكية هي وزوجها، للاشتباه في كثير من تحركاتهما.

وتباينت بعد ذلك الروايات حول قصة طلاقها وزواجها الثاني من عمار البلوشي، شقيق أحد العقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، الذي اعتُقل عام 2003 ونُقل إلى سجن غوانتانامو.

من عالمة الأعصاب إلى "سيدة القاعدة"

عادت عافية صديقي بعد ذلك إلى الولايات المتحدة من جديد عام 2002، مدّعية بحثها عن عمل أكاديمي. ولم تمضِ فترة قصيرة مُنيَت فيها محاولاتها بالفشل حتى عادت إلى مسقط رأسها. وأكدت في تلك الأثناء السلطات الأمريكية أن العالمة الباكستانية عادت لتنفيذ مهمات تتبع تنظيم القاعدة.

وفي طريق عودتها اختفت صديقي، ولم يكن أحد حينها يعلم مكانها، وبقيت مختفية من عام 2003 إلى عام 2008، وكانت أسرتها تعتقد أنها محتجزة لدى القوات الأمريكية، التي أصرت بدورها على نفي ذلك.

وأدرج في تلك الأثناء مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية اسم عافية صديقي ضمن قائمة المطلوبين، باعتبارها "شخصية خطيرة" تعمل مع تنظم القاعدة ضد المصالح الأمريكية، حتى اعتُقلت عام 2008 في أفغانستان.

وكشف تقرير استقصائي أمريكي سابق أنه على عكس المزاعم الأمريكية، فإن عافية صديقي كانت محتجَزة لدى القوات الأمريكية في سجن باغرام الأفغاني قبل 2008، في حين واصلت السلطات الأمريكية والأفغانية نفي هذه التهم.

ومنذ عام 2008 نُقلت صديقي الملقبة بـ"سيدة القاعدة" إلى الولايات المتحدة وقُدّمَت للمحاكمة، في محكمة اتحادية بنيويورك. وزعم التحقيق آنذاك أنه عُثر عليها ومعها "فلاش" يحتوي على وثائق حول أسلحة كيماوية وبيولوجية، إضافة إلى بعض الملاحظات المكتوبة بخط اليد توضح تفاصيل بعض العمليات الإرهابية على عدة مواقع في مدينة نيويورك، كما اتُّهمت بإطلاق النار على عسكريين أمريكيين قبل القبض عليها واستجوابها في أفغانستان. وأضاف تقرير المدعين أن صديقي كانت "مليئة بعديد من الأفكار التآمرية".

وحُكم على عافية صديقي عام 2010 بالسجن 86 عاماً، ولاقى الحكم تنديداً واسعاً، بخاصة من طرف الباكستانيين، وانطلق عديد من الاحتجاجات التي تندّد بالمحاكمة "الظالمة" لصديقي، وتَعرُّضها للتعذيب خلال احتجازها، وفق ما كشفت عنه محاميتها الخاصة، التي أكدت أن حياتها في السجن في خطر.

من جانبهم أعرب مسؤولون باكستانيون عن دعمهم لإطلاق سراحها. وأصدر مجلس الشيوخ الباكستاني عام 2018 قرارا يطالب بإعادة صديقي التي أُطلقَ عليها لقب "ابنة الأمة" إلى باكستان. وتَعهَّد حينها رئيس الوزراء عمران خان في بيان انتخابي لعام 2018، بأن حزبه "سيبذل قصارى جهده لإعادة السجناء مثل الدكتورة عافية صديقي وآخرين إلى باكستان".

وتوسعت في هذه الأثناء مطالبات الجماعات المسلحة بالإفراج عن عافية صديقي، وسط تخوف من تكرُّر سيناريو احتجاز الرهائن في كنيس بتكساس وإلهام مزيد منهم، على الرغم من أن صديقي عبّرت عن رفضها ربط اسمها بهذه الحوادث وإصرارها على إدانتها.

TRT عربي