محمود محمد طه (و. 1909- ت. 1985)، هومفكر سوداني. ألف الكثير من الخط وقدم الكثير من المحاضرات والندوات وقام بالكثير من الأنشطة الأخرى في سبيل التربية والتوعية ونشر الفكرة الجمهورية.

حياته

ولد محمود طه في مدينة رفاعة بوسط السودان، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان، وأم من رفاعة، حيث يعود نسبه إلى قبيلة الركابية من فرع الركابية البليلاب نسبة الى الشيخ المتصوف حسن ود بليل من كبار متصوفة السودان.

توفيت والدته فاطمة بنت محمود وهوطفلا وذلك في العام 1915م تقريبا، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم، وعملوا معه بالزراعة، في قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير حتى والده لمّا يلبث حتى التحق بوالدته في العام 1920م تقريبا، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة.

بدأ محمود طه تعليمه بالدراسة بالخلوة، وهى ضرب من التعليم الأهلى، كما كان يعمل سائر السودانيين في ذلك الزمان، حيث يفهم الاطفال شيئا من القرآن، ويتفهمون بعضًا من قواعد اللغة العربية، غير حتى عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة. ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله.

كلية غردون ودراسة الهندسة

بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود في عام 1932 إلى الخرطوم، الواقع حينها تحت سيطرة الاستعمار البريطانى، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غردون التذكارية، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط، حيث تفهم هندسة المساحة. كان تأثيره في الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله: كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق في جميع حدثة يقولها!.

حياته السياسية=

تخرج الاستاذ محمود في العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا في شرق السودان في العام 1937م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستنطقته من العمل في عام 1941، وأختار حتى يعمل في قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية.

كان الاستاذ محمود في تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، فهما بارزا في النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته في الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى في منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها، وقد استوعب الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه.

الحزب الجمهورى

أنتخب الأستاذ محمود رئيساً للحزب الجمهوري في أكتوبر عام 1945 وهونفس الشهر الذى نشأ فيه الحزب. كان الحزب الجمهوري حزباً سياسياً قد خط الأستاذ محمود بيانه الأول وكان الأستاذ وزملاؤه أول من نادى للنظام الجمهوري في السودان بينما كان حزب الأمة يدعوإلى مملكة تحت التاج البريطانى والحزب الإتحادي يدعوإلى مملكة متحدة مع مصر.

الاعتنطق

تم سجن الأستاذ محمود بواسطة الإستعمار الإنجليزى المصرى في شهر يونيومن عام 1946 فكان بذلك أول سجين سياسى في الحركة الوطنية ضد الإستعمار الإنجليزى المصرى. تم إستنادىء الأستاذ محمود ليمثل أمام السلطات بعد تصعيد المعارضة للإستعمار (أوما يعهد بملء فراغ الحماس) وقد تم ذلك في صورة منشورات بالرونيوتوزع بالليل وبالنهار علي المواطنين وتحمل إمضاءات الجمهوريين وفى صورة ندوات وخطب حماسية في الأماكن العامة. تم سجن الأستاذ لأنه رفض حتى يمضى تعهداً بحسن السلوك والإقلاع عن التحدث في السياسة لمدة عام أويسجن ، فلما رفض الأستاذ الإمضاء قرروا حتى يقضي عاما في السجن على حتى يتم الإفراج عنه متى ما أمضى على التعهد. لم يقض الأستاذ العام المقرر له ولم يمض التعهد ومع ذلك ونسبة لمقاومته لقوانين السجن من داخل السجن ولمقاومة الأخوان الجمهوريين من خارج السجن فقد خرج بعد خمسين يوماً بصدور عفوتام عنه من الحاكم العام البريطاني.

فى السجن الثانى للاستاذ محمود بدأت تتضح له تفاصيل الممضىية الاسلامية التى وقف حياته للدعوة اليها ، حيث أخذ نفسه بالعبادة ، وبخاصة الصيام الصمدى ، والصلاة ، فتهيأ لأداء المهمة التى استوعب حتى الله انما يعده لها. بعد اتمامه لمدة سجنه في العام 1948م خرج الاستاذ محمود الى مدينة رفاعة حيث اعتكف لمدة ثلاث سنوات في خلوة عن الناس ، حيث أتم ما كان قد بدأه في سجنه من تهيؤ لدعوته الاسلامية. كانت أيام خلوته واعتكافه عامرة بالاشراقات الروحية ، والسموالنفسى ، وقد بدا واضحا حتى الاستاذ محمود قد أقبل على موضوع كبير وخطير ، وكان الحزب الجمهورى طوال فترة اعتكافه قد توقف نشاطه ، في حين كان أفراده ينتظرون خروج قائدهم من اعتكافه.

فى ديسمبر 1976م واثر اصدار الاخوان الجمهوريون لكتاب اسمهم الوهابية ، وليس اسمهم أنصار السنّة)) والذى أثار غضب السلطات الدينية السعودية ، قامت سلطة مايوباعتنطق الاستاذ محمود وعددٍ من قادة الأخوان الجمهوريين ، وقامت بايداعهم سجن كوبر ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يسجن فيها الاستاذ محمود في عهد حكم وطنى بعد سجون الاستعمار.

حادثة الاعتداء عليه

فى الثانى والعشرين من مايو1969م وبمدينة الابيض بغرب السودان ، وبينما كان الاستاذ محمود يحاضر عن الصلاة في أحد الاندية كدأبه في حركته المتصلة وسط شعبه ، قام أحد المغرر بهم من المهوسين بالاعتداء عليه بضربه في رأسه بعصاة كان يحملها ، وقد نقل الاستاذ محمود على اثر الضربة الى المستشفى لتلقى العلاج ، وكان في هذا الاعتداء دلالة جديدة على النهج الذى اختارته قوى الظلام من أجل النيل من الاستاذ محمود وفكرته ، ويجدر بالذكر حتى الاستاذ محمود قد عفا عن الشخص الذى قام بهذا الاعتداء عليه.

الدستور الاسلامى المزيف وقيام حركة مايو

فى 25 مايو1969م قامت حركة مايوالمعروفة ، في لحظة تاريخية دقيقة كانت الاحزاب الطائفية وقوى الهوس الدينى تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الاحزاب من فرض حكم شمولى يتلفح برداء الاسلام ، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية ، فأعرب الجمهوريون تأييدهم لحركة مايوباعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودى باستقرار الوطن والشعب ، رغم ادراك الاستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو، ولقصورها عن شأوالحكم الصالح الذى ظل يدعوله طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايوملتزما بهذه المرجعية التى تاسست عند قيامها ، لم ينحرف منه الى الدخول في أجهزة مايو، اومشاركتها في تقلباتها السياسية. لم تتوقف محاولات الكيد للاستاذ محمود بقيام حركة مايو، بل ظلت تجرى في الخفاء ، ففى عام 1975م أصدر مجلس الأمن القومى لنظام مايوقرارا بمنع الاستاذ محمود من القاء المحاضرات العامة، وان ظل تلاميذه الجمهوريون يقدمون المحاضرات وأركان النقاش في جميع مكان دون توقف.

المصالحة الوطنية وسقوط مايو

بدأت سلطة مايوتتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى الدينية التقليدية .. وبعد دخولها في المصالحة الوطنية في العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة باعتبارها حقناً لدماء السودانيين بعد اقتتال ، رغما عن ادراكه للطبيعة الجديدة لمايوبعد دخول قوى الهوس الدينى ، فقد نطق عقب المصالحة ((بالمصالحة الوطنية انتهت الفترة الاولى من مايو، وبدأت الفترة الثانية والاخيرة)).

المؤامرة

لم تتوقف محاولات القوى الدينية التقليدية التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب السودانى عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشهجر لكل مؤامرات قوى الهوس الدينى هومحاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1958م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان حتى استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات في الاندية ، غير حتى الحركة استمرت في شكل ندوات مصغرة تعقد في المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة.

محكمة الرّدة

بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة، تجددت محاولات قوى الهوس الدينى لضرب الحركة الجمهورية، حيث دبرت مهزلة محكمة الردة في نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل الاستاذ أمامها ، ولم يستأنف حكمها، تأكيدا لعدم اعترافه بشرعية المحكمة المزعومة ، غير أنه استثمر المحاكمة كفرصة جديدة لمزيد من حملات التوعية عن خطر الهوس الدينى على حرية الشعب، وعلى حياته أيضاً.

اصطلحوا مع اسرائيل

نادى الاستاذ محمود محمد طه، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب ، مما جلب عليهم الخسران المبين. وقد كان هذا الرأى غريبا على جميع العرب! اذ أنه قد انبنى على قراءة دقيقةٍ للتاريخ وبصيرةٍ ثاقبةٍ بالمستقبل، جعلت صاحبه وكأنه آت للعرب من مستقبلهم الذى هم عن رؤيته قاصرون ، غير حتى الأحداث قد أيدت رأيه ، وأبانت صدق بصيرته لكل من يرى!

حل معضلة الجنوب في حل معضلة الشمال

كانت معضلة جنوب السودان من أبرز القضايا التى اهتم بها الاستاذ محمود في فكره السياسى ، اذ كانت معضلة الجنوب احدى قضيتين أخرج من أجلهما الحزب الجمهورى منشوراته التى قابلت الانجليز في عام 1946 م ، والتى على اثرها تم سجن الاستاذ سجنه الأوّل ، ثم كانت معضلة الجنوب أيضا هى أحدى القضايا التى من أجلها أخرج الجمهوريون منشورهم الشهير(هذا أوالطوفان) والذى قابل سلطة الهوس الدينى المايوى ، والذى تصاعد الى محاكمة الاستاذ محمود في يناير من العام 1985م ، وقد مضىت حدثة الاستاذ محمود الشهيرة (حل معضلة الجنوب في حل معضلة الشمال) مثلا على استواء البصيرة السياسية على جادة الحكمة التى تزن الأمور بميزان التوحيد ، وذلك بالاشارة الصائبة الى حتى معضلة الجنوب انما هى بنت افتقار القوى السياسية السودانية الى الممضىية الفكرية الرشيدة ، وركونها الى الفساد السياسى والمكايدة الحزبية ، وهى عين معضلة الشمال ، ولم ينفك الجنوب عن التأرجح تحت عجلة الاتفاقات التى لا تعقد الا لتنقض بيد القصور السياسى والتخبط الحزبى ، في تأكيد متصل على مقولة الاستاذ محمود سالفة الذكر.

الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة

فى مايو1983م أصدر الأخوان الجمهوريون كتاب ((الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة)) والذى قابل النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب بنقد قوى لقيامه بالسماح لجماعات مهووسة ، ونادىة مشبوهين من خارج القطر ، باستغلال مسجد يتبع له ، وباستغلال أجهزة الاعلام ، في القيام بحملة رأى الجمهوريون أنها تفتح الباب أمام فتنة دينية لا تظل ولا تذر ، فقامت السلطة باعتنطق الأستاذ محمود، وعددٍ من الجمهوريين من غير حتى توجه لهم تهمة، وظلوا في المعتقل حتى صدرت قوانين سبتمبر 1983م ، والتى نسبت زورا الى الشريعة الاسلامية ، فعارضها الاستاذ محمود وتلاميذه من داخل المعتقل ، ومن خارجه ، ثم تصاعدت وتيرة الأحداث الى اعلان حالة الطوارئ واقامة المحاكم الايجازية العشوائية في أبريل 1984م لتطبيق تلك القوانين السيئة الاخراج والقصد .

المؤامرة من جديد

فى تدبير مبّيت ومكشوف قامت السلطة باطلاق سراح الاستاذ محمود وتلاميذه في ديسمبر من عام 1984م ، في مقدمة لتدبير مؤامرة ضدهم ، ورغم فهم الاستاذ محمود بالمؤامرة وحديثه عنها ، الا أنه لم يتردد في 25 ديسمبر 1984م وبعد اسبوع فقط من مغادرته للمعتقل ، في اصدار منشوره الشهير (هذا! أوالطوفان!) والذى طالب فيه بالغاء قوانين سبتمبر 1983 م تنقيةً للدين من التشويه الذى ألحقته به ، ودرءاَ للفتنة الدينية ، وطالب السلطة ومعارضيها في الجنوب الى التفاوض لحل معضلة الجنوب ، والى ايقاف الاقتتال ، صونا لوحدة الوطن ، وحقنا لدماء أبنائه .. ولم يفت على الاستاذ محمود حتى السلطة انما كانت تتربص به ، وتنتظر فرصة كهذه لتقديمه لمحاكمها الجائرة ، غير حتى الأمر عنده قد كان ، كما كان طوال سيرته ، امر دين لا مساومة فيه .. ولما كان الدين عنده هونصرة المستضعفين من شعبه ، فقد نهض الى واجبه الدينى دون التفات للحسابات السياسية ، اوالاعتبارات الدنيوية.

فى يناير من العام 1985م أقام الجمهوريون مؤتمر الاستقلال بدار الاستاذ محمود بأم درمان ، وفى ختامه مساء أربعة يناير تحدث الاستاذ محمود عن ضرورة حتى يفدى الجمهوريون الشعب السودانى حتى يحملوا عن كاهله اصر الظلم الذى سقط عليه ، مقدما نماذج من تأريخ التصوف لصور من فداء كبار المتصوفة لشعبهم.

قوانين سبتمبر وأعتنطق الأ ستاذ 1983

أخرج الجمهوريون كتاباعن الهوس الدينى عاى أثره أعتقل الأستاذ محمود ومعه ما يقرب الخمسين من الأخوان والأخوات الجمهوريين لمدة ثمانية عشر شهرا. في نفس هذا العام صدرت قوانين سبتمبر 1983 والمسماة "بقوانين الشريعة الأسلامية" فعارضها الأستاذ محمود والجمهوريون من داخل وخارج المعتقلات.

اغتياله

فى 25 ديسمبر 1984 أصدر الجمهوريون منشورهم الشهير "هذا أوالطوفان" في مقاومة قوانين سبتمبر دفاعا عن الأسلام والشعب السودانى.أعتقل الجمهوريون وهم يوزعون المنشور واعتقل الأستاذ ومعه أربعة من تلاميذه وقدموا للمحاكمة يومسبعة يناير 1985 وكان الأستاذ قد أعرب عدم تعاونه مع تلك المحكمة الصورية في حدثة مشهورة فصدر الحكم بالأعدام ضده وضد الجمهوريين الأربعة بتهمة أثارة الكراهية ضد الدولة..حولت محكمة أخرى التهمة إلى تهمة ردة..وأيد نميرى الحكم .

وعند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التطبيق، انكشف وجهه عن ابتسامة وضاءة لفتت الأنظار، فانفتحت بموقفه الاسطورى هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات فوز الانسانية على عوامل الشر في داخلها وفى الآفاق.

فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايوأمام انتفاضة الشعب السودانى ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا السودانية حكمها بابطال أحكام المحكمة المهزلة ومحكمة الاستئناف المزعومة بحق الاستاذ محمود. وقد أعربت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي.

أفكاره

الإسلام والدعوة للسلام

فى عام 1952م صدر كتاب قل هذه سبيلي وصدر منشور بالانجليزية هوIslam, The Way out، وبدأت بذلك حركة واسعة لتأليف الخط التى تتولى شرح فكرة الدعوة الاسلامية الجديدة وتفصيل ممضىيتها.

نادى الأستاذ محمود الى الاسلام كممضىية تبشّر بتحقيق أنسانية الانسان ، عن طريق تقديم المنهاج الذى يحقق السلام في جميع نفس بشرية ، وعلى مستوى الكوكب البشرى ، حيث يُقدم الاسلام في مستواه الفهمى كدعوة عالمية الى السلام. وقد ظلت قضايا الفكر ، والحرية ، والتحليل الفهمى للحضارة الغربية ولواقع المسلمين قضايا مطروحة بالحاح منذ حتى تنالولها الاستاذ محمود في المنشور الأول وحتى اليوم.

فصدر كتاب أسس دستور السودان في ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى نادى له الجمهوريون ، ثم توالى اصدار الخط حيث صدر كتاب الإسلام في عام 1960م ، ثم كتابا رسالة الصلاة وطريق محمد في عام 1966م. وتوجت حركة البعث الاسلامى هذه في يناير 1967م بكتاب الرسالة الثانية من الاسلام والذى ُيعد الكتاب الأم للفكرة الجمهورية. وقد توالى بعد ذلك ، وعلى مدى زمنى يمتد الى قرابة العشرين عاما، صدور الخط التى تتولى تنزيل دقائق الفهم بالدعوة الى الاسلام في مستوى الرسالة الثانية ، وذلك في كافة مناحى الفهم ، فصدر في ذلك جملةً ما يفوق الثلاثين كتاباً ، هذا فضلا عن الكتيبات والمنشورات التى كانت تواكب مستجدات الأحداث برأى فكرى وسياسى سمته الدقة ، والاخلاص ، وقد صدر في هذا الباب ما زاد على المئتى كتيب ومنشور

الدعوة لطريق محمد وتطوير التشريع

نادى الاستاذ محمود الى تقليد النبى محمد صلى الله عليه وسلم كمنهاج للسلوك الدينى بهدف توحيد القوى المودعة في الانسان ، من قلب وعقل وجسد ، والتى وزعها الخوف الموروث والمكتسب ، ثم الى تطوير التشريع الاسلامى بالانتنطق من الآيات المدنية التى قامت عليها بعض صور الشريعة ، الى الآيات المكية التى نسخت في ذلك الوقت لعدم تهيؤ المجتمع لها ، حيث الدعوة الى الديمقراطية والاشهجرية والمساواة الاجتماعية ، المدخرة في أصول الدين ، وقد بسط الاستاذ محمود فكرته في آفاقها الدينية والسياسية والمعهدية بفهمٍ واسعٍ ، وحجةٍ ناصعةٍ ، وصبرٍ على سوء الفهم وسوء التخريج وسوء القصد الذى قوبلت به فكرته من معارضيها ، حتى مضى يقينه بفكرته واخلاصه لها ، والتزامه ايّاها في اجمال حياته وتفصيلها، مثلا فريداً في النادىة والدعوات.

المساواة الاجتماعية وحقوق النساء

كان موضوع المرأة من اهم المواضيع التى عالجها الاستاذ محمود في فكرته ، حيث نادى الى تطوير التشريع فيما يختص بشريعة الأحوال الشخصية ، والى وضع المرأة من حيث التشريع في موضعها السليم ، بعد حتى درست وتسنمت الوظائف الرفيعة ، متجاوزا بذلك القصور الفكرى الذى ظل ملازما للفكر الاسلامى السلفى تجاه وضع المرأة في التشريع الدينى ، ومتجاوزا دعوات تحرير المرأة التى هدفت لمحاكاة الغرب، ومقدما فهما جديدا مستمداً من اصول الدين ، يقوم على مساواة الرجال والنساء أمام القانون وفى النظام الاجتماعى ، انطلاقا من فكرة تطوير التشريع الاسلامى ، واستلهاماً أكبر لغرض الدين في الحياة الحرة الكريمة للنساء والرجال على قدم المساواة. وقد كان أكبر تجسيد لدعوة الاستاذ محمود الى تطوير وضع المرأة الدينى هوالمرأة الجمهورية نفسها ، فقد دخلت تلميذات الاستاذ محمود من الجمهوريات التاريخ كأول طليعة من النساء تخرج للدعوة الى الدين بصورة جماعية ومنظمة ، في ظاهرة فريدة ظللتها قوة الفكر وسداد السيرة وسموالخلق.

الثورة الثقافية وحركة الحوار والنشر=

أسس الاستاذ محمود بحركة التأليف ، والنشر ، ومنابر الحوار ، وأركان النقاش التى تقام في الطرقات العامة والميادين والحدائق ودور الفهم والأحياء ، ثورةً فكريةً لم ُيعهد لها ضريب في تاريخ الأديان والافكار! حيث حمل هووتلاميذه الفكرة الجمهورية الى جميع صقع ناءٍ من أصقاع السودان يمضىون الى الشعب حيث يعيش ، يحدثونه عن الدين ، ويحاورونه وينقلون له النموذج الحى للاسلام المجسّد الذى يسار على قدمين! وقد كانت حركة الحوار الفكرى هذه معالم بارزة في حياة الشعب السودانى حيث كانت كثير من أركان النقاش في الجامعات ، وفى الطرقات والأماكن العامة مدارس تفهم فيهل الشعب أدب الحوار ، وأدب الدعوة الى الدين. وقد كان أساليب الدعوة الفريدة حملات الدعوة الخاصة ، حيث كان الجمهوريون يمضىون الى لقاء المثقفين ورجال الدين والمفكرين في لقاءات خاصة يتم فيها الحوار الفكرى وتعرض الدعوة الى الرسالة الثانية من الاسلام وتقدم لهم فيها نسخاً من خط الفكرة الجمهورية .

كان شعار ثورة التغيير هذه هوالحدثة (لا اله الا الله) بعد حتى حملها الاستاذ محمود في دعوته الجديدة الى مستوً من التحقيق جعلها منهاجا ً لتغيير النفوس. وقد قامت هذه الحركة الكاملة في مداها ، والمنضبطة في أدائها ، والفاعلة في تأثيرها ، على موارد الجمهوريين الذاتية ، والتى يقتطعونها من دخولهم الشخصية ، وعلى العمل التطوعى الذى يكرّس له الاعضاء اجازاتهم وأوقات راحتهم ، وعلى ريع الخط التى يوزعونها بعد حتى يقوموا بطباعتها يدويا ً، فكانت بذلك ثورة شاملة في معناها ومبناها ، وارهاصا كبيرا بالثورة الثقافية المنتظرة والتى تعيد صياغة الأفراد والجماعات .

المجتمع الجمهورى

حرص الاستاذ محمود على تربية تلاميذه على معيشة ما يدعون اليه من قيم الدين ، وكان نهج الفرد الجمهورى في ذلك هوالمعيشة في (الهنا والآن) ، في اللحظة الحاضرة ، مشتغلا بتجويد أداء الواجب المباشر جهد الطاقة ، ثم الرضا بالنتيجة أيا كانت ، اذ أنها من الله ، على قاعدة من المراقبة والمحاسبة للنفس ، تنقية وترقية لها نحومعالى الفهم والسلوك. وقد كانت حركة الجمهوريين اليومية في الدعوة الى فكرتهم تتم تحت أعين الاستاذ محمود ووفقا لارشاده المتصل ، في حركة يومية لا تفتر من الجلسات الصباحية والمسائية التى تعقد لتدارس المعانى السلوكية والعهدانية ، ومن حلقات الانشاد العهدانى ، والذكر والقرآن ، ومن الندوات التى تعقد في منازل الاخوان الجمهوريين ، فضلا عن حركتهم الخارجية.

مؤلفاته

1. -الرسالة الثانية من الأسلام
2. -رسالة الصلاة
3. -طريق محمد
4. -مشكلة الشرق الأوسط
5. -التحدى الذى يقابل العرب
6. -تطوبر شريعة الأحوال الشخصية

الحياة الخاصة

تزوج من آمنة لطفى عبد الله، وهى من اسرة لطفى عبد الله العريقة النسب والدين، والتى تنتمى لفرع الركابية الصادقاب، وقد كان زقابلما في أوائل الأربعينات من القرن الماضى . كان أول أبنائه (محمد) وقد نشأ في كنف أبويه متفردا بين أترابه ، غير أنه ما لم يكد يخطونحوسنى الصبا حتى غرق في النيل عند رفاعة في حوالى عام 1954، وهولما يتعد العاشرة من عمره ، وقد صبرت أمه آمنة على فقده صبرا عظيماً . كان الاستاذ محمود وقتها خارج رفاعة ، فعاد اليها عندما بلغه الخبر ، وتلقى العزاء في أبنه راضيا ، قائلاً لمن حوله: لقد مضى أبنى لكنف أبٍ أرحم منى. له من الابناء بعد أبنه محمد وبنتان هما أسماء، وسمية.

المصادر