لا يخفى أن الحلف الأطلسى الناتو ليس على قلب رجلٍ واحدٍ فيما يتعلقُ بالإجراءات التى يمكنُ اتخاذها لردع روسيا فى الأزمة المتصاعدة انطلاقًا من أوكرانيا. أقر أمينهُ العامُ ينس ستولتنبرج فى مقابلة أُجريت معه قبل أيام بوجود هذا الخلاف، بعد أن انتُقد الرئيسُ الأمريكىُ حين سبقه إلى ذلك. فقد أشار بايدن بشكلٍ عابرٍ خلال مؤتمرٍ صحفىٍ فى 19 يناير الماضى إلى وجود (خلافات بشأن ما ترغب الدول فى القيام به اعتمادًا على ما يحدث) وفق ما قاله تحديدًا.
وليس المقصود هنا الخلاف الجوهرى القائم منذ أشهرٍ بين بولندا ودول البلطيق الثلاث التى تفضلُ الخيار العسكرى ضد روسيا، وهنغاريا التى أعلنت أن سلوك أوكرانيا غير مقبول, والأعضاء الباقين المتفقين على دعم كييف عسكريًا بدون نشر قوات الحلف على أرضها.
الخلافُ الآن على نوع العقوبات التى يمكنُ فرضها على روسيا حال إقدامها على غزو أوكرانيا. وهذا خلاف طبيعى نظرًا لتفاوت مستوى العلاقات بين الدول الأوروبية الأعضاء فى الحلف وروسيا. وتتجهُ الأنظاُر بصفةٍ خاصة إلى ألمانيا لأنها الشريكُ التجارىُ الأولُ لروسيا فى أوروبا، والثانى فى العالم بعد الصين. ويتراوحُ حجمُ التبادل التجارى بينهما بين 38 و50 مليار دولار سنويًا. ويميلُ الميزانُ التجارىُ فى مصلحة ألمانيا، برغم ضخامة وارداتها من الغاز الروسى.
وبينما تنتظرُ ألمانيا أزمةُ طاقةٍ خطيرةٍ فى حالة وقف وارداتها من هذا الغاز، فى الوقت الذى مازال توفير بدائل صعبًا، ستفقدُ روسيا أحد أهم المصادر الأساسية التى يعتمدُ اقتصادها عليها.
لكن موقف ألمانيا أصعبُ لأن حكومتها الجديدة ستصبحُ فى مهب الريح فى حالة تناقص إمدادات الغاز الذى ارتفع سعرهُ هذا الشتاء، ولهذا تتخذُ حكومةُ شولتز موقفًا هو الأكثر حذرًا بين أعضاء الناتو، وتحافظُ على قدرٍ من الغموض بشأن مدى مشاركتها فى أى عقوبات على موسكو، بعد أن رفضت تزويد أوكرانيا بالسلاح.
وهذا غموضُ من النوع البنَّاء الذى يختلفُ عن التلاعب، لأنه قد يُسهمُ فى تخفيف اندفاع واشنطن ولندن، وربما يُحفز موسكو أيضًا على التروى لكى لا تضطر برلين إلى المخاطرة باتخاذ موقف أكثر تشددًا.
* نقلا عن "الأهرام"
