الجديد هو أن السعودية تسعى من خلال هذا الكشف الجديد الذي ظهر نهاية عام 2021 إلى امتلاك تكنولوجيا صناعة وتطوير هذه الصواريخ على أراضيها بدلاً من استيرادها من الصين كما فعلت في وقت سابق. وفي الوقت الذي يثير هذا الكشف الكثير من الجدل في أوساط عديدة إلا أنه قد يكون فرصة للتوصّل إلى اتفاقية إقليمية متعددة الأطراف للحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

على مدار سنوات تدور بين أقوى قوّتين في الخليج العربي السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى حرب باردة وسباق تسلّح لا يخفى على أحد. تعززت هذه المواجهات بعد احتدام الصراع بينهما على الأراضي اليمنية من خلال الحرب التي تخوضها السعودية ووكلاء إيران في اليمن المتمثلة بجماعة الحوثي. وفي حين أن هذه التنافس الإقليمي بين الجارتين لا يمكن عزله عن مسار التنافس الدولي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وبين إيران من جانب آخر، فإن أي محاولة لوضع حدٍ لهذه الحرب الإقليمية الباردة لن يتحقق إلا عبر آلية متعددة الأطراف للقوى الإقليمية والدولية المنخرطة.

ويُعتبر وضع حدٍ لهذا التنافس الخشن بين السعودية وإيران أحد أهم أعمدة الأمن الإقليمي. بكلمة أخرى، فإن منطقة الشرق الأوسط والخليج لن تنعم بنوع من الاستقرار والازدهار دائمَين ما لم يتم التوصل إلى مقاربة تنهي هذه الحرب الباردة بينهما. وإذا كان من المنطق أن يتحقق هذا الأمر من خلال قنوات دبلوماسية مباشرة بين الرياض وإيران لحل الخلافات بينهما والوصول إلى صيغة للعيش السلمي المشترك، فإن جهوداً دولية بقيادة الولايات المتحدة تُعتبر أيضاً جوهرية في هذا الصدد. ولكن هذا يحتاج إلى مقاربة أكثر شمولاً تتعدى مجرّد التلويح بفرض مزيد من العقوبات على إيران. فهناك حاجة إلى التوصل إلى صيغة تطمينات مشتركة بين جميع الأطراف وذلك عبر مراعاة ضرورات الأمن القومي لكل طرف.

هناك من يرى أن سعي السعودية إلى تطوير برنامجها للأسلحة الباليستية سوف يزيد من حدّة سباق التسلّح في المنطقة خصوصاً مع إيران، وبالتالي وضع أمن المنطقة كلها على المحكّ وهو الذي يعاني بالأصل من هشاشة مزمنة. يبدو هذا للوهلة الأولى صحيحاً للغاية، فمن شأن هذه الصواريخ في حال حصلت عليها السعودية أن تقلب موازين القوى لصالح الرياض وحلفائها بشكل كبير، الأمر الذي سوف ترى فيه إيران تهديداً جوهرياً لأمنها القومي.

ترى إيران أن مخاوفها في هذا الصدد مشروعة. فموازين القوى حتى من غير أن تحصل الرياض على الصواريخ الباليستية تميل لصالح السعودية بشكل كبير. فالرياض تتمتع بتدفّق كبير للسلاح المتطور والذي تشتريه بشكل دوري مِن كلٍّ مِن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حيث تعتبر السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم. فبين عامي 2016 و2020 بلغت نسبة واردات السعودية من صادرات السلاح عالمياً ما يقرب من 11 في المئة. علاوة على ذلك، تمكّنت الرياض من تعزيز قدراتها الضاربة بعيدة المدى بشكل كبير من خلال إضافة 91 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة، و15 من بريطانيا، إلى سلاحها الجوي، كما اشترت أيضاً 14 نظام دفاع جوي إضافي. وقبيل نهاية عام 2020، شملت مشتريات الرياض من الأسلحة أيضاً سبعة أنظمة صواريخ أمريكية مضادة للصواريخ الباليستية.

في المقابل، فإن مشتريات إيران من السلاح لم تتجاوز نسبة 3 في المئة من صادرات السلاح العالمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العقوبات التي تتعرض إليها إيران منذ الثورة الإسلامية فإنها لا يمكن أن تحصل على أي طائرات أو أنظمة دفاع جوي متطورة من الغرب. هذا فضلاً عن أن هذه العقوبات قد جعلت من الصعوبة الكبيرة على إيران استيراد أو إنتاج قطع الغيار التي تحتاجها للحفاظ على أسطولها القديم من الطائرات أو الفرقاطات التي كانت حصلت عليها من الولايات المتحدة إبان حكم الشاه الذي كان يُعتبر حليفاً قوياَ لواشنطن في تلك الفترة.

وبالتالي، فإن إيران وفي ظل اختلال موازين القوى هذا، تحرص على تطوير برنامجها الصاروخي لتحقيق نوع من الردع المتبادل. وقد أثار برنامجها الصاروخي جدلاً واسعاً على المستوى الدولي وهو ما دفع إدارة الرئيس بايدن إلى التشديد على تضمينه إلى أي اتفاق قادم بين إيران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي. ومن نافلة القول التذكير إن تخوف المجتمع الدولي من برنامج إيران الصاروخي يعود في جزء كبير منه إلى برنامجها النووي بحد ذاته. فهناك تخوف أن تكون إيران قادرة على تحميل هذه الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى رؤوساً نووية في حال توصل إلى صناعة القنبلة النووية والتي تُعدّ قاب قوسين أو أدنى منها حسب تقديرات للعديد من الأجهزة الاستخباراتية.

اليوم، وأمام حقائق التسليح الجديدة هذه، فإن الولايات المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي أمام فرصة من أجل التوصل إلى مقاربة جديدة بخصوص الأمن القومي. فمن خلال محادثات فيينا حول برنامج إيران النووي تستطيع واشنطن استخدام برنامج السعودية الصاروخي كورقة ضغط على طهران للتخلي عن برنامجها الصاروخي وذلك عبر إقناع الجانبين أن مصلحتهما يمكن أن تتحقق من خلال تخفيض التسلّح والتوصل إلى اتفاقية متعددة الأطراف تُعنى بشكل أساسي بمراعاة اعتبارات الأمن القومي لكل القوى الإقليمية المنخرطة في الأزمة وتخوفاتها. فورقة التخلي المتبادل عن برنامج الصواريخ الباليستية يمكن أن تكون ورقة رابحة بيد إدارة بايدن لتحصين منطقة الشرق الأوسط ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يتواءم بشكل عام مع سياستها الدولية بهذا الإطار.

من شأن هكذا اتفاق أيضاً أن يضع حداً لتدخل قوى أخرى معنية ببيع منظوماتها من الأسلحة الاستراتيجية المتطورة كالصين وروسيا. فالولايات المتحدة معنية أن لا تتحول منطقة الخليج إلى مستودع للأسلحة الاستراتيجية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد مصالحها الاستراتيجية. هناك حرص واضح من الصين على الانتشار أكثر في منطقة الشرق الأوسط من خلال عقود بيع السلاح، والأمر ينطبق أيضاً على روسيا بلا شك، حيث تحاول إيران الحصول منها على منظومة S-400 للدفاع الجوي المتطورة. نحن أمام فرصة لوضع حد لسباق التسلح في المنطقة، وبرنامج السعودية للصواريخ الباليستية ربما يكون شرارة البدء إذا كان هناك نية سياسية جادة لدى الأطراف السياسية المعنية.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي