منبــــر: الأزمة الاقتصادية في تونس نتاج ضعف القدرة المؤسساتية


شامل لمختلف المؤشرات الاقتصادية دون تفاعل جدي من السلطة الحاكمة. فأسباب الازمة ليست جديدة، بل هي تراكمات أدت إلى ثورة 2011 ووضع مهتز طيلة عشرية عقيمة للانتقال الديمقراطي توجت بأزمة صحية كانت اثارها مدوية على الاقتصاد. فقد سجلت تونس فالمدة الفاصلة بين سنة 2000 وسنة 2010 نسبة نمو بمعدل 4 ٪ وهذا النسق في خلق الثروة لم يكن كافيا، زيادة على أن توزيع الثروة لم يكن منصفا بالقدر الذي يمكن من تحقيق الاندماج الاقتصادي المأمول وفي العشرية التي تليها (2010-2020 ) لم تحقق تونس سوى نسبة نمو بـ1,6٪ وهي نسبة أضعف من أن ترافق اقتصاديا الانتقال السياسي وتضمن نجاحه، ثم جاءت الأزمة الصحية لتمحو القليل من النمو الذي تم تحقيقه في السنوات الفارطة وفي المحصلة أسفرت «عشرية الرماد» على صفر من النمو أو يكاد.

لقد أثرت الجائحة الصحية على كل اقتصاديات العالم، حيث سجل الاقتصاد العالمي تقهقرا في نسبة النمو بـ3,36 ٪ في 2020 حسب تقديرات البنك الدولي مقابل 2,8 ٪ في سنة 2019، إلا أن اغلب دول العالم عرفت استئنافا واضحا لنشاطها الاقتصادي بمجرد أن استأنفت المعاملات نسقها بصفة تصاعدية سنة 2021 اذ سجل الاقتصاد العالمي نسبة نمو في 2021 بمعدل 5,5٪ فاسترجاع النسق الإيجابي للنمو بعد الانفراج النسبي للجائحة الصحية مسألة آلية تتماشى وعودة محركات الاقتصادات العالمية للدوران.

بقي بالرغم من ذلك الاقتصاد التونسي عاجزا على ركوب موجة التعافي ولم يتم استغلال هذا المنحى الإيجابي الذي سجلته خاصة الدول الأوروبية التي تعتبر السوق التقليدية لتونس حاضرا ولا مستقبلا حيث تهدف الحكومة لتحقيق نسبة نمو بـ2,6 ٪ وفقا لتقرير قانون المالية لسنة 2022 كما تنوي الحكومة تحقيق نسبة نمو في سنوات 2022 - 2025 بمعدل 2,7 ٪ ووفقا للوثيقة الأولية لمخطط الهيكلة الاقتصادية المزمع تقديمه لصندوق النقد الدولي. بهذه الانجازات سوف نسترجع مستوى الاقتصاد الوطني لسنة 2019 في سنة 2025 في أحسن الأحوال. وبنهاية سنة 2025، سوف يكون لنا مليون عاطل عن العمل ونسبة تداين في حدود 170 ٪ من الناتج الداخلي الخام.

لا يمكن أن يكون هذا التدهور الاقتصادي نتاج الوضع السياسي الغير مستقر فقط، بل يمكن القول أن الوضع السياسي يمثل جزء فقط من مشكل هيكلي أعمق يتعلق بضعف القدرة المؤسساتية (la capacité institutionnelle) التي تعاني منها تونس.

تعرف المنظومة المؤسساتية بوصفها مجمل القواعد التي تتحكم بالمجتمع وأيضا مجمل القواعد التي يحددها الأشخاص لتنظيم العلاقات في ما بينهم (دوغلاس، المؤسسات، التغيير المؤسساتي والأداء الاقتصادي، 1990). وتتكون المنظومة المؤسساتية من قواعد رسمية مثل القوانين والقواعد غير الرسمية مثل معايير السلوك والاتفاقيات (دوغلاس، الأداء الاقتصادي عبر التاريخ، 1994). أما القدرة المؤسساتية فهي قابلية المنظومات على استيعاب التطور ومواجهة التغييرات الحاصلة في المجتمع وفي الاقتصاد. وبذلك فإن القدرة المؤسساتية ليست فقط نظاما سياسيا أو نظام حكم، بل هي مجمل القوانين المنظمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومجمل المؤسسات المتدخلة وطريقة التعامل بينها.

إن ضعف القدرة المؤسساتية في تونس يتمظهر في وضعية الانسداد السياسي وغياب الرؤية وضعف القيادة وهو السبب الرئيسي في عجز الأنظمة السياسية المتعاقبة على تحقيق التنمية بالشكل المطلوب. وضعف هذه المنظومات كبل الاقتصاد التونسي لمدة عقود. ولنا في مناخ الأعمال خير مثال على ذلك، حيث أن الأطر القانونية التي تم وضعت لتنظيم الدورة الاقتصادية والاستثمار بقيت متحجرة (قانون الصرف لسنة 1976 وقانون الديوانة لسنة 2008) وبرغم تعاقب القوانين (من المجلة التجارية إلى مجلة الشركات التجارية ومن قانون 1972 المتعلق بالاستثمار الخارجي إلى مجلة تشجيع الاستثمار لسنة 1993 إلى قانون الاستثمار لسنة 2016) فلم تتمكن المنظومة من تجديد الأطر المؤسساتية برغم كل التطورات الحاصلة في العالم وبقيت محكومة بنفس القواعد والمبادئ.

الى جانب أن أطر الاستثمار في تونس اعتمدت على تنظيم إداري متكلس منذ عقود وامتاز ببيروقراطية للتعامل مع الأنشطة الاقتصادية وكثرة الإدارات والهياكل المتدخلة، فالأصل فيه الترخيص والرقابة القبلية في ظل قواعد تجارية عالمية متسارعة ومتحولة، لا تتحمل كل هذا الكم من التدخل والتعطيل سببه ثقل تدخل الدولة بوصفها لاعبا أساسيا في كافة المراحل، فهي المنظم والمراقب والمنتفع وهي المرخص والمنافس وهو ما يؤدي حتما الى ضعف القدرة المؤسساتية التونسية في خلق الثروة ودفع عجلة النمو.

إن غياب المرونة في التنظيم المؤسساتي للدولة التونسية، بما فيه النظام السياسي والإداري، هو الذي كان سببا في صعوبة تطور الاقتصاد التونسي حيث لم يتمكن من تسجيل نسب نمو كافية لتحقيق الرفاه الاقتصادي. وتونس التي تحتل المرتبة 79 في عدد السكان في العالم، لم يتجاوز ترتيب اقتصادها المرتبة 92 بالنسبة لمعدل الناتج الداخلي الخام للمواطن (countryeconomy.com) وترتيب 119 في مؤشر الحرية الاقتصادية (www.tunisiacompetitiveness.tn) ومرتبة 78 في مناخ الأعمال ((World Bank doing Business 2020.
لا يمكن لدولة تطمح لإنجاح الإقلاع الاقتصادي من الخنوع في منظومة لا تستجيب لتطلعاته. وأي تغيير سياسي لا يضرب في العمق المنظومة المؤسساتية المتكلسة لا يعدو أن يكون تمرينا قانونيا لا علاقة له بشروط تغيير حقيقي.

تاريخ الخبر: 2022-02-15 15:19:30
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

أفضل 3 حسابات توفير بعائد نصف سنوي في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:21:08
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

هيئة المعابر بغزة تنفي ما ذكرته الولايات المتحدة حول فتح الم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:29
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

بايدن-خلافات-نتنياهو-غزة-رفح

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية