الدور الأجنبي في سودان اليوم (2-2)


 

الدور الأجنبي في سودان اليوم (2-2)

د. عبدالرحمن الغالي
(1)
دول الإقليم 

يحتل السودان موقعاً فريداً في القارة الافريقية والإقليم حيث يتوسط نظم إقليمية عديدة: نظام الشرق الأوسط، القرن الإفريقي، البحيرات الكبرى، وسط وغرب افريقيا ( ومنطقة الساحل) شمال افريقيا ( مصر وليبيا). تتداخل الاعتبارات السياسية والاقتصادية والأمنية مع تلك النظم ولكن الآن صار للاعتبار الأمني القدح المعلى.
ولا يقف الصراع في هذه النظم الاقليمية على دول المنطقة المعنية وإنما يجر إليه صراع قوى عظمى، فعلى سبيل المثال هناك الصراع الروسي الأوربي – لا سيما الفرنسي في منطقة الساحل ووسط وغرب افريقيا، وصراع الموارد والموانئ في القرن الافريقي وباب المندب المرتبط بالصراع الشرق أوسطي وهكذا. حسّن التعاون الأمني والاستخباري مع أمريكا كما ذكرنا علاقات النظام مع تشاد وجنوب السودان وحثت الولايات المتحدة تشاد على عدم السماح لحركات دارفور بالعمل منها بل أرغمت بعضها على الوصول لاتفاق سلام مع الحكومة وكذلك فعلت مع جنوب السودان ومطالبتها بكف يده عن دعم الجبهة الثورية.
(2)
وبين 2015- 2016 بدأ النظام يستجيب للضغوط والاغراءات الخليجية فتم قطع العلاقات مع إيران التي كان تحالفه معها في الأساس آيديولجياً وسياسياً وعسكرياً كما عمل السودان كنقطة عبور لتمرير السلاح الايراني لحلفائها في المنطقة.
ولكن بعد اتفاقيات السلام في الجنوب وهدوء جبهة دارفور وذهاب عائدات النفط صارت العامل الاقتصادي أكبر لذلك قطع النظام علاقته مع إيران طمعاً في العون الاقتصادي الخليجي: الاماراتي والسعودي. وانضم النظام في 2015 لعاصفة الحزم وأرسل جنوده للقتال مع القوات السعودية الاماراتية ضد قوات الحوثي.
ثم ذهب النظام في تقديم الاغراءات والتنازلات والتسهيلات الاقتصادية واللعب على التناقضات الاقليمية والدولية:
– ففي عام 2013 عُقد الملتقى السعودي السوداني في الرياض لتنفيذ 540 مشروعاً بتكلفة 15 مليار دولار.
– وتم منح 2 مليون فدان في الاقليم الشمالي لرجال أعمال مصريين.
– وتم بيع النقل النهري ومصلحة المرطبات لمستثمرين من قطر التي فاقت مشروعاتها في السودان الستين مشروعاً برأسمال 1.7 مليار دولار
– وتم تأجير 400 ألف فدان في الجزيرة لشركة من كوريا الجنوبية.
– وفي 2018 وقعت قطر صفقة بأربعة مليار دولار لإدارة ميناء سواكن ولاحقاً دخلت شركة تشاينا هاربور الصينية كمنافس لقطر على الميناء.
– وقبلها تمت صفقة لبيع ميناء بورتسودان الجنوبي لشركة “ICTSI MIDDLE EAST DMCC” الفلبينية ومقرها دبي، والتي اعتبرت حينها بمثابة غطاء لشركة “موانئ دبي”. لم تتم الصفقة بعد الوقفة الصلبة للعاملين بالميناء مما اضطر النظام للتراجع.
– وبدخول الجنود السودانيين حرب اليمن أودعت السعودية مليار دولار في بنك السودان المركزي في 2015 ووعدت بالمزيد حينما لوّح النظام بسحب الجنود في 2018.
– وبعد الوساطة القطرية بين حكومة الانقاذ وحركة العدل والمساواة والوصول لوقف اطلاق نار اشترت قطر مساحات زراعية.
– وفي عام 2018 أعلن النظام أن حجم الاستثمارات السعودية قد فاق الاثني عشر(12) مليار دولار.
– وفي نهاية 2017 سلّم البشير جزيرة سواكن لتركيا في صفقة ذكر أردوغان أنه لن يعلن عن كل بنودها! وهكذا.
(3)
واستمر الحال بعد الثورة حيث تم الانحياز لمحور واحد لا سيما من المكون العسكري وتمدد النفوذ الخليجي المصري في السودان. فراج الحديث عن تهريب الذهب السوداني لمصلحة الامارات وروسيا حيث ذكر مسؤول رسمي سوداني أن تقارير بنك السودان تشير إلى صادر ذهب للامارات بقيمة 1.5 مليار دولار بينما تشير تقارير بورصة دبي أن حجم الذهب القادم من السودان بلغ 6 مليار دولار ما يعني أن 4.5 مليار دولار تذهب خارج القنوات الرسمية ( بالتهريب).
ويشير تقرير آخر من موقع ( The Africa Report ) أن حصيلة صادر الذهب السوداني للامارات تبلغ 16 مليار دولار وهو تقدير يبدو أعلى من المتعارف عليه كثيراً.
كما راج بعد الثورة الحديث عن تسرب الموارد الزراعية والحيوانية لمصر بعيداً عن ضوابط الاستيراد والتصدير الرسمية أو بشروط مجحفة وهذا موضوع يستدعي أن يفرد له حديث معمق مستقصٍ يستجلي الحقائق والأسس التي تحكم ذلك التبادل لتبيين وجه الحق من الباطل حتى لا يسهم في تسميم العلاقات التي زادها التدخل الرسمي السياسي تعقيداً على تعقيدها.
أما على المستوى السياسي فلم يعد في عداد الأسرار قوة نفوذ دول المحور الخليجي المصري في السودان بعد الثورة ونفوذهم على مؤثرين فاعلين في المشهد السوداني لا سيما المكون العسكري بشقيه.
اتخذ ذلك النفوذ أحياناً بُعداً حميداً، ولكنه في كثير من الأحيان لعب أدواراً سالبة تجاه الثورة السودانية. انحصرت اهتمامات دول النحور الثلاث في السودان في القضايا التالية:
1. عدم رغبتها في وجود نظام إخواني في السودان.
2. عدم رغبتها في وجود نظام ديمقراطي في السودان.
3. رغبة دول الخليج في استمرار مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن.
4. رغبة تلك الدول في تأمين الأمن الغذائي بالزراعة في السودان.
5. رغبة بعض دوله في الاستثمار في التعدين لا سيما الامارات.
6. قلق مصر على أمنها المائي مما يجعلها تفضل وضعاً لا يسمح للسودان باستغلال حصته كاملة من مياه النيل.
7. رغبة مصر في نظام حليف في معركتها في سد النهضة.
8. رغبة الامارات بصفة أكبر في نظام يطبع مع إسرائيل.
ونتيجة لتلك العوامل تم دعم انقلاب البرهان/ حميدتي. وبالنظر الفاحص يمكن أن نرى أن أغلب تلك المصالح والمطالب يمكن تحقيقها وتلبيتها في ظل نظام ديمقراطي بطريقة تعاونية يكسب فيها الجميع كما سيأتي لاحقاً حين الحديث عن المقترحات في الحلقة الأخيرة بإذن الله تعالى.
أما إسرائيل فقد أشرنا لرؤيتها لمستقبل السودان ودورها في فصل الجنوب في سلسلة مقالاتنا عن تقرير المصير (تقرير المصير… تبصرة بالمصطلح والسياق ومدى انطباق ذلك على السودان – الجزء السادس)
https://web.facebook.com/abdulrahman.alghali.7/
وليس أدل على دعم تلك الدول من تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة في ضغطه على قادة الانقلاب أن أمريكا ستسعى لاقناع الدول الداعمة للانقلاب بوقف دعمها له وبالفعل تواصلت الولايات المتحدة مع إسرائيل والامارات ومصر والسعودية دون أن تنكر تلك الدول دعمها للانقلاب.
وبالاشارة لتأثير اللوبي الصهيوني القوي يمكن فهم تراخي الضغط الأمريكي على الانقلابيين. وهذا لا ينفي بالطبع توجه إدارة بايدن المختلف عن سلفه ولا اختلافه مع حلفائه في الاقليم: مع إسرائيل في سياسة الاستيطان وفي الملف النووي الايراني ومع السعودية في حرب اليمن وفي الأزمة اللبنانية ( أزمة قرداحي) ومع الامارات في تطبيعها مع النظام السوري ولا مع مصر في قضايا حقوق الانسان.
أما الأمم المتحدة وبعثتها فدورها السلبي مفهوم بحكم القيود والضعف الذي آلت إليه.
النظام الانقلابي الآن يحظى بدعم: إسرائيلي إماراتي مصري وإلى حد ما سعودي، ودعم دولي روسي في الأساس: عسكرياً وسياسياً ودعم صيني سياسي ومعايشة أو تعاطف جنوب سوداني ، تشادي افريقي إلى حد ما. بينما يحظى الحكم المدني والثورة السودانية بتعاطف غربي بينما تنشغل اثيوبيا بحربها الخاصة. ولكن داخل المسكر الداعم للانقلاب تتعارض الأجندة وتتقاطع المصالح.
(4)
مع استمرار حالة اللا- شرعية واللا- استقرار في السودان فإن احتمالات انهيار البلاد تتزايد، وربما يكون الكاسب الوحيد من انهيار السودان هو اسرائيل ومن يشايعها من الدول البعيدة مثل روسيا وغيرها. ولكن في حال انهيار السودان لا قدّر الله فسيمتد الحريق ليشمل منطقة واسعة جداً من العالم. وستكون مصر أكبر الخاسرين من ذلك بوجود دولة فاشلة وحرب أهلية أو حالة لا دولة في حدودها الجنوبية بعد ليبيا في حدودها الغربية والاضطرابات في سيناء في شرقها، وسيشكل ذلك الوضع لا سمح الله مهدداً من الدرجة الأولى للأمن القومي المصري. وسيكون الاتحاد الأوربي من أكبر الخاسرين فيما يتعلق بالهجرة وانتشار الارهاب من بوكو حرام إلى حركات النيجر وتشاد وارتباط ذلك الحزام بمجموعات شرق أفريقيا خاصة الصومال.
ولن تكون دول افريقيا كلها وسط وشمال وشرق وغرب افريقيا بمنجاة من عواقب ذلك الزلزال. وستتأثر كذلك دول الخليج لا سيما دول عاصفة الحزم بانشغال الجنود السودانيين بالداخل في حالة ذلك السيناريو لا قدّره الله. في الحلقة القادمة نستعرض المعادلة الكسبية في علاقة السودان بدول الاقليم والعالم إن شاء الله تعالى والتي يمكن أن تثمر ازدهاراً للسودان واستقراراً وفوائد اقتصادية للإقليم والعالم . اللهم يا جليلاً ليس في الكون قهر لغيره، ويا كريماً ليس في الكون يد لسواه، ولا اله إلا إياه وبحق سريان نورك في الأكوان احفظ السودان وأهله وهيء له فرجاً ومخرجاً يحقن دماء أهله إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

تاريخ الخبر: 2022-03-09 03:21:45
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية