العروسة


الاحتفاء بالحياة واستمرارها من أساسيات الثقافات الشعبية، ومنذ فجر التاريخ كان للمرأة، كرمز للخصوبة، مكانة خاصة فى المخيلة الشعبية، والخصوبة ذات دلالات متعارضة ومتناقضة، فهى سر الحياة، ولكنها أيضا سجن الصور النمطية. إن رمزية “العروسة”، التى تشكل حالة خاصة من الأنوثة، كانت دائما إيجابية نظرا لارتباطا بالجمال والبقاء، ولكنها أيضا خطرة لإرتباطها بالشرف والإغراء، ولكن بشكل عام تظل العرائس رمزا للحياة وووسيلة الخلاص من الشرور والأمراض. ومن المعروف أن وصف “عروسة” يُطلق على المرأة وهى فى أبهى صورها وفى أزهى مراحل عمرها. وتزخر المخيلة الشعبية والتراث الثقافي المادي بظاهرة العرائس، والتي تتنوع أشكالها وتتعدد وظائفها وفق السياقات والمناسبات والأحداث. وكما أن هناك عرائس عابرة للثقافات وذات صبغة كونية مثل “عروس البحر”، فثمة عرائس ذات صبغة محلية تخص ثقافة بعينها. ويزخر التراث الشعبى المصري بكوكبة من العرائس التي تعكس خصوصية هذا التراث سواء فى عمقه الفرعوني، أو في دياناته المسيحية والإسلامية، فضلاً عن ارتباط بعضها بالعادات والتقاليد مثل الزار والحسد ومواسم الحصاد والرقية، وقبل كل شئ مخاطبة النيل واسترضائه بعروس النيل.

وتفرد موسوعة التراث الشعبي (الدكتور محمد الجوهري) حيزا لهذه الظاهرة الشعبية، وفيها نتعرف على أنواع ودلالات العرائس الشعبية، حيث تصفها بأنها ذات قيمة رمزية ترتبط بقيمة الحياة انطلاقا من كونها رمزا للإخصاب والإنجاب. وقد أبدعت الثقافات الشعبية في تصوير وصناعة العرائس من الأشكال شبه الطبيعية وحتى الأشكال المجردة، وتم استخدام الخامات الطبيعية في صناعتها من أقمشة وخشب ومعادن وفخار وأوراق، فضلاً عن سعف النخيل وسنابل القمح والسكر والعجين. وتعدد الموسوعة أنواع العرائس فنذكر منها ما يلي:

“عروسة البحر” المعروفة بنصفها العلوي البشري الأرضي ونصفها السفلي الذي ينتمى إلى عالم البحر على هيئة زعانف سمكة، وتسمى، حسب مصادر أخرى “فتاة البحر”، وثمة رويات عن تزاوج بين بني البشر من البحارة وعرائس البحر. وعلى خلاف معظم العرائس الشعبية فإن عروسة البحر ذات هوية كونية، وخاصة في الأماكن المطلة على البحار وثمة اعتقاد بوجودها الفعلى وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير المحببة والخيفة. وقد أبدعت الفنون الشعبية فى نحت عرائس البحر ورسمها كوشم وصياغتها كحلي واستخدامها كتميمة. وإذا كانت عروسة البحر أسطورة كونية، فإن “عروس النيل” تقليد مصرى خالص. وثمة أراء تعتبر أن عروس النيل فتاة حقيقية من أجمل الفتيات يتم تزيينها وزفها فى موكب نهرى كبير قبل أن تُلقى فى النيل كقربان لاسترضائه قبل الفيضان، وذلك مقابل آراء آخرى تقول بأن عروس النيل كانت عبارة عن طقس رمزي، وليس فتاة حقيقة، لاسترضاء النيل بعروس مصنوعة من الذهب أو البرونز.

وعادة ما تعبر الثقافات الشعبية عن مشتركات ثقافية تبرز التقاليد المتشابهة بين الأديان المختلفة، والعروسة نموذج لهذا المشترك الثقافي في مصر. فكما أن لدى المسلمين “عروسة المولد” المرتبطة بالمولد النبوى الشريف والمصنوعة من السكر كنوع من الحلوى، فلدى الأقباط “عروسة السعف” المصنوعة من سعف النخيل وتسمى كذلك “عرائس أحد الشعانين”، وعلى ما يبدو أن الأطفال من الديانتين يفرحون بالعرائس بغض النظر عن هويتها الدينية. وتذكر الموسوعة أنه من التقاليد المصرية القديمة أن يقدم العريس لعروسه بعد الخطبة عروسة من الحلوى تعرف بعروسة “النفقة” وذلك إلى جانب هدايا أخرى، وتتكرر هذه العادة في المناسبات المختلفة إلى أن يتم الزفاف.

وتتعدد أشكال العرائس حسب المناسبات ومنها “عروسة الحسد” المصنوعة من الورق وتُستخد كنوع من “الرقية” لإبعاد الشر والشفاء من المرض، و”عروسة الزار” والتي تسمى “ركوشة” وتصنع من القماش والقطن وتزين وتوضع في صنيية بها مكسرات وشموع وتزف بها صاحبة الزار، و”عروسة القمح” المصنوعة من من سنابل القمح وقت الحصاد لجلب الرزق وتفادي الحسد، وهناك كذلك “عروسة الخماسين” التى كان يعرفها أطفال الريف فيصنعونها ويحرقونها تيمنا بقدوم فصل الربيع وخصوبة الأرض. وإلى جانب التصنيف حسب المناسبات، فإن العرائس تصنف حسب الخامات التي تُصنع منها كالخشب أو الجبس أو العضم أو الفخار.

لا شك أن المعتقدات الشعبية تتضمن الجيد والسيئ، وفيها ما يرتبط بممارسات قد تكون سلبية، حتى ومنها ما يشكل تقاليد جمالية تشيع البهجة وتثرى الحياة، وقد تنتهى طقوس وعادات وقد يبقىبعضها. وعالم العرائس نموذج لهذا الثراء الشعبي، ومنها ما يزال باقيا في الخيال والأدب والفن والتصميمات الجمالية، ومنها ما يتوارى بفعل الزمن والتحديث. ولكن أسوأ ما في الأمر، هو استبدال العرائس التقليدية بأخرى مصطنعة، كأن تتحول عروسة المولد المصنوعة من الحلاوة إلى عروسة بلاستيك مستوردة من الخارج، إنها لا تفقد جمالها فقط، بل تفقد روحها وأصالتها الشعبية والتراثية، ونتيجة سطوة الهيمنة الثقافية تغيب العرائس الشعبية المحلية لتحل محلها عرائس كونية مثل العروسة باربي.

تاريخ الخبر: 2022-03-14 09:21:16
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية