موسيقية الألحان القبطية (٢٠)




قيادة الألحان في الكنيسة القبطية

عزيزي القارئ، تحدثنا في المقال السابق عن كننيا رئيس اللاويين، وكيف كان هناك 288 خبير لتعليم الغناء للسيد الرب، وكيف كانت القيادة في هذه الأيام المباركة، واليوم سنتحدث عن نوعين من القيادة هما القيادة الأمامية والقيادة الخلفية.

القيادة الأمامية والخلفية:
إعتاد أغلب القادة على أن القيادة هى للأوركسترا والكورال الذي أمامه فقط، مما يمكن تسميتها “بالقيادة الأمامية”. إلا أن أحد القادة المصريين الباحثين (هو ضعفي) ألهمه نظام القيادة في الموسيقى القبطية الى إكتشاف قصور في منظومة القيادة العالمية. فعادة ما يتجاهل القائد أن هناك عدداً من جمهور يجلس خلفه أكثر بكثير من الذين يجلسون أمامه من عازفي الأوركسترا والكورال وأنه إن لم يمسك بزمام هذا الجمهور وإن لم يستطع أن يجعله مندمجاً فى العمل الموسيقى ليكون جزءاً لا يتجزأ منه حتى لا ينفصل الجمهور عن هذا العمل الذى يقوم الأوركسترا بتنفيذه، انفصل الجمهور عن الأوركسترا وفقد الأوركسترا تركيزه وإحساسه بالعمل الموسيقى الذى يقوم بتنفيذه.

وعادةً قبل حدوث هذا الانفصال يكون هناك بعض العلامات التى تدل على ذلك، منها أن يبدأ بعض من الجمهور بأن يبتعد عن العمل الموسيقى وجدانياً، ثم فكرياً بأن يشتّ بذهنه بعيداً، ثم يتدرج الى التحدث همساً مع من يجلس الى جواره، ثم يتدرج بأن ينتشر هذا الإحساس الفوضوى الى الآخرين، ويمكن أن يحدث كل ذلك والـ Maestro هو آخر من يشعر، إذ انه لا يوجد قيادة منه لهذا الجمهور الحاضر، والتى تم تسميتها “بالقيادة الخلفية”، أي قيادة المايسترو للجمهور الذي خلفه.

وفى هذا يمكن تسمية قيادة الـ Maestro للعازفين والكورال “بالقيادة المباشرة”، وقيادته للجمهور الذى خلفه “بالقيادة غير المباشرة”.

والقيادة الغير المباشرة يمكن أن توضع لها أسس وقواعد. فهناك قاعدة هامة مشتركة مع القيادة المباشرة للأوركسترا. وهي أن يقوم الـ Maestro قبل بدء القيادة بالإشارات، أن يبدأ القيادة برفع الغموض الذى يحيط بالعمل الموسيقى، ويفسره للجمهور بأسلوب مبسط مختلف عن تفسيره لأوركسترا العازفين. فإن تفسير العمل وقراءة مابين سطوره للعازفين الدارسين للعلوم الموسيقية، بالطبع يختلف عن تفسيره للجمهور المتبسط فى معلوماته الموسيقية.

وتكون الطامة الكبرى عندما لا يقوم القائد بعمل ذلك مع العازفين بشكل فعال متعمق، ومع الجمهور بشكل مبسط، قد لا يتجاوز الدقيقة الواحدة او الدقيقتين على الأكثر.

وهناك قاعدة أخرى فى القيادة الغير مباشرة، هى أن يلمح القائد جمهور الحاضرين أثناء قيادته للعازفين والمغنين الذين يقفون او يجلسون فى أطراف المسرح، فهذا هو التوقيت المناسب لمراقبة انفعالات الجمهور وتواصله مع القائد والعازفين والمغنين ومع العمل الموسيقى ذاته. إذ أن القائد عندما ينظر الى وسط المسرح “أى أمامه بالتمام” يكون قد أعطى ظهره للجمهور بالتمام ايضا، مما يجعل متابعة الجمهور شيئاً صعب الوصول اليه، ولكنه ليس مستحيلاً. وعملية اللمح هذه مشابهة لتلك التي يلمح بها العازفين الذين يجلسون في جوانب المسرح إشارات القائد، والتي تسمى “Peripheral Vision”[1] وعندما لا يقوم القائد بهذا اللمح الجانبي ولا بهذا التفسير للجمهور، يكون هذا دليلاً قاطعاً على أن رأسه خاوية من المعلومات الكافية عن العمل الموسيقى الذي يقدمه، وعن مؤلف هذا العمل وعن الظروف التى دفعت المؤلف الى تأليف عمله الموسيقى وتجربته الشعورية التى مر بها عند تأليف مؤلفه، كما يكون برهانا على عدم اكتراثه بالجمهور الذى حضر خصيصاً لهذا الكونسيرت، فإذا بالمايسترو* يتغافله ويهمل وجوده.

إن إدراك القائد لكل هذا وتوصيله للعازفين والكورال وللجمهور، هو أهم بكثير من دقة الإشارة التى تصدرها عصا القيادة التى تحدد سرعة اللحن والشكل الإيقاعى والموازين والضروب وكل التقنيات والبنود الأخرى لفنون القيادة، وذلك لأنه ثبت عملياً أن الأوركسترا والكورال الذى يفهم العمل الذى يعزفه ويغنيه، يستطيع أن يبدع فى أحاسيسه أثناء الأداء أكثر بكثير من الإبداع الذى ينشأ من جراء الإتقان فى القيادة ودقة الإشارات. والجمهور عندما يفهم مايقدم من فن موسيقى له اسراره، وعندما يشعر بأنه جزء من هذا الحدث الموسيقى، الذي يقدم له هو شخصياً دون غيره، فإنه يشعر بمتعة لا تضاهيها هذه المتعة التى يعيشها بسبب إتقان المايسترو لإشاراته القيادية. ويؤكد صحة ذلك أن المصورين المتمكنين لمثل هذه الكونسيرات، عادة ما تتنقل عدسات كاميراتهم مابين المايسترو والعازفين والمغنين والجمهور بالتساوى. فبالرغم من أن الجمهور لايعزف ولا يغنى، إلا أن هؤلاء المصورين ومدير التصوير الذى يوظفهم والمخرج الذى يوجه عدساتهم، جميعهم يدركون أهمية أن الجمهور جزءٌ من هذه السيمفونية وليس متفرجاً فقط، لأنه هناك نسيج حسّى يتولد بين الجمهور وبين هؤلاء الذين جلسوا أمام الجمهور. ويمكن إدراك ذلك في الفارق الشاسع بين البروفة النهائية التى تكون بلا جمهور، وبين الحفل الذى يليها بساعات ولكن بجمهور.

عزيزي القاريء، سوف نستكمل هذا الحديث الشيق عن قيادة الألحان القبطية في الكنيسة القبطية في المقال القادم، حيث سوف نتعرف على القيادة الغير مباشرة في الكنيسة القبطية.

[1] Don V Moses, Robert W. Demaree, Jr. and Allen F. Ohmesو“A Handbook for Choral Conductors”, Face to Face with orchestra and Chorus, Second Expanded Edition, Indiana University Press Bloomington and Indianapolis, 2004- P 35.

* المايستروMaestro : كلمة معناها أستاذ أو قائد أوركسترا، وفي القرن الثامن عشر كانت تطلق على عازف آلة “الهاريبسكورد” وكذلك على قائد الموسيقى الكنائسية، ودور المايسترو هو توصيل الألحان إلى المستمع على أكمل وجه، وذلك عن طريق الربط والتنسيق بين العازفين والمرنمين وتوجيههم لإخراج اللحن بالصورة والشكل الذي صيغ عليه. لذا يجب أن يكون مؤهلاً بثقافة موسيقية عالية تمكنه من فهم طبيعة الألحان التي سيقودها وأسلوب العصر الذي صيغت فيه، وأن يكون متمتعاً بأذن حساسة مرهفة وذاكرة قوية، وذا شخصية قيادية ومحبوبة تحمل الآخرين على التجاوب معه والإنقياد إليه، وأن يجيد العزف على آلة أو أكثر. ودائماً ما يكون للمايسترو إحساسه وفكره الخاص بالألحان التي يقودها فيترك بصماته عليها. لذا يختلف أداء الألحان باختلاف القائد، ومنذ القديم وعُرف القائد في التسبيح والترتيل للرب.

تاريخ الخبر: 2022-03-22 09:21:19
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية