«صلاح سالم» يروى 10 تأملات عن الحياة والتنوير والسلطة

شهادة ضمير يدلى بها الكاتب والباحث صلاح سالم فى كتابه الجديد «تأملات فى الوضع البشرى»، الصادر مؤخرًا عن دار العين للنشر، من خلال الكشف عن عالمه، فقد أراد لنفسه حرية الاسترسال على سجيته، التى تمنحه المرونة والديناميكية اللازمتين لمتابعة رؤية كلية لقضايا مختلفة، عابرة للتخصصات والحقول المعرفية؛ خصوصًا أن الشهادة هذه، وإن تقدمت نسبيًا فقد سبقها ربع قرن من البحث والكتابة منذ أصدر كتابه الأول الذى تلاه خمسة عشر كتابًا، وعشر دراسات مستقبلية وعلمية، أوحت له بقدرته على تحمل مسئولية شهادته.

يقع الكتاب فى ٤٢٥ صفحة من القطع الكبير، ففى مقدمته، التى جاءت بعنوان «من تدنيس المقدس إلى تقديس الدنيوى»، أوضح المفردات الثلاث فى عنوان الكتاب قائلًا: كلمة «تأملات» تشير إلى طريقة تقسيمه إلى عشرة تأملات وليس إلى أبواب وفصول، وأيضًا إلى منهجيته التى تقوم على الاستبطان الذاتى، حيث يكتب المؤلف على مسئوليته، دون استشهاد تحكمه أقواس وينتهى بمراجع لأسماء أولئك الذين صنعوا تاريخ الفكر الإنسانى؛ ليس تعاليًا عليهم، إذ لا يعدو المؤلف أن يكون تلميذًا محبًا لهم، على تعدد ثقافاتهم وأديانهم، قرأ معظم أعمالهم وتأثر بهم، وحفظت ذاكرته بعض أفكارهم ومؤلفاتهم مما يشير إليه أحيانًا.

لم يكتفِ صلاح سالم بذلك، بل حرص على توضيح الكلمتين الأخيرتين «الوضع البشرى» قائلًا: تشيران إلى مضمونه كمقاربة فكرية للقضايا العشر الأكثر أهمية وتأثيرًا فى الموقف الإنسانى الراهن، والتى تضغط عليه بقوة أو بقسوة.

ففى التأمل الأول ينطلق صلاح سالم فى حديثه إلى نقطة بدئه الطبيعية وهى «جوهر الشرط الإنسانى»، موضحًا أن مفهوم «الشرط الإنسانى» يتداخل مع مفهوم «القدر الإلهى» دون أن يتماهى معه أو يذوب فيه، فكل شخص عاش فى هذا العالم سلفًا، أو لا يزال، صادف ملابسات حياة تختلف كثيرًا أو قليلًا، سلبًا أو إيجابًا، عن الآخرين السابقين عليه أو التالين له، البعيدين عنه أو المحيطين به.

وأشار إلى أن هناك محددات حضارية- سياسية للشرط الإنسانى تختلف بين دول متقدمة أو حرة وأخرى متخلفة أو مستبدة، مستشهدًا: لو تصورنا شابًا ذكيًا وطموحًا ولد فى ريف مصر أو بغداد أو حلب أو الرباط هذه الأيام، فلن يزيد حلمه عن أن يكون طبيبًا أو قاضيًا أو غير ذلك من مهن الطبقة الوسطى، أما ميلاده بنفس السمات الشخصية، فى مجتمع حر يتسم بالتعددية والديناميكية كالمجتمع الأمريكى، فيفتح الباب أمامه إلى أعلى موقع فى البلاد على منوال الرئيس الأسبق ذى الأصول الإفريقية باراك أوباما؛ ما يعنى قدرتنا على تعديل الشرط الإنسانى بالسعى والصبر وإن لم يكن ممكنًا كسره والخروج من فلكه كلية. 

وفى التأمل الثانى، وعنوانه «فى الخطيئة والخلاص والنزعة الإنسانية»، تحدث صلاح سالم عن النزعة الفردية؛ وقبل أن يوضح مفهومها قال: تعنى كلمة الفرد ذلك الشىء الذى لا ينقسم ماديًا وإلا فقد اسمه وصفاته المميزة، ولأن الجمادات يمكن أن تنقسم بلا نهاية إلى دقائق أصغر من مادتها الأولية دون أن تفقد صفتها بل تبقى مجرد عينات، فإنها تخرج بالمطلق من سياق الفردية التى تتطلب شروطًا ثلاثة أساسية، هى: العضوية والحياة والتفكير، تجمع العضوية والحياة بين الحيوان والإنسان، لكن الفردية لا تظهر لدى الحيوان الذى لا يمتلك سوى مجرد ذهن ينطوى على عقلانية غريزية تنعكس فى مجموعة الأفعال الشرطية الضرورية لاستمرارية الحياة البيولوجية، بينما يفتقد إلى العقل الذى لا يتمتع به سوى الإنسان، الكائن الوحيد الذى يمارس الفكر.

ومن ثم انطلق حديثه فى التأمل الثالث نحو «الإصلاح الدينى والأفق العلمانى» مؤكدًا أن الإنسان لا يتعرف إلى الله حقًا إلا عندما يكون حرًا، فالإيمان اختيار ضمير لا دخل فيه للغير، وهذا سر حلاوته ومصدر روعته، أما الخضوع لأى سلطة روحية فيفسد الدين والدنيا، لأن قمع الضمير لا يبنى إنسانًا مؤمنًا، ولا مجتمعًا حرًا، بل يؤدى إلى تدمير الحرية والإيمان معًا.

«فى الديمقراطية الليبرالية وتحدياتها» تجول صلاح سالم فى تأمله الرابع الذى أشار فيه إلى أن العلمانية أفضت إلى بروز تأويلات دنيوية لظاهرة السلطة السياسية، فلم تعد حقًا إلهيًا مقدسًا مفوضًا إلى ملك أو كاهن مثلما كان الأمر طوال الحقبة التقليدية، التى شهدت ولايات وإمارات صغيرة ثم دولًا كبرى فإمبراطوريات كلاسيكية لعبت التقاليد القبيلية والأعراف المجتمعية، ناهيك عن المعتقدات الدينية، دورًا بارزًا فى تبرير سلطان حكامها، ومنحهم المشروعية السياسية، بل صارت رهنًا لإدارة الجماعات البشرية داخل دولها القومية، ولكن ذلك التحول لم يفض تلقائيًا إلى ميلاد الديمقراطية الليبرالية، فالإصلاح الدينى الذى أنهى العصور الوسطى جوهريًا ودشن مسيرة العلمانية فعليًا أفضى إلى ظهور ملكيات قومية مستبدة استمرت لنحو القرنين، قبل بروز النظريات الليبرالية التى توازن بين الحقوق والواجبات، بين الحاكم والمحكوم، كنظرية العقد الاجتماعى التى تخيلت اتفاقًا مكتوبًا بين بشر أرادوا الخروج من حالة الطبيعة «الهمجية» والدخول فى أفق الحالة المدنية «المتحضرة»، وإن اختلفت أشكال هذا العقد بين مفكر وآخر، وراوحت بين الاستبداد والحرية، انطلاقًا من تصورها لحالة الطبيعة السابقة على صياغة العقد. وخلال هذا التأمل أيضًا كشف عن التحديات التى تواجه الديمقراطية الليبرالية، وهى: التحدى الفلسفى.. الامتياز النخبوى والمبدأ العمومى، التحدى الأيديولوجى.. الشيوعية والتسلطية والاشتراكية، التحدى البنيوى.. القومية العضوية والنزاعات الشعبوية، والتحدى الثقافى.. جنرالات السلاح وحراس العقيدة.

تأملات أخرى لصلاح سالم حرص على تسليط الضوء عليها، فمن «جدل الدين والتنوير» و«مغزى التاريخ ومنطق التقدم» و«الحقيقة والهوية والاختلاف» إلى «تكنولوجيا التحرر والاغتراب» وكذلك «الأصولية الدينية والعنف العبثى» كانت له تأملات روحية حول الوضع البشرى، رصدها بلغة بسيطة وأسلوب سلس، إذ يعلم يقينًا كم أن الوضع البشرى بالغ التركيب، وأن مقاربة شمولية له لا تعدو أن تكون مغامرة، فرضتها اللحظة الكونية.

وفى التأمل العاشر والأخير توقف صلاح سالم عند الوباء الكونى وما صحبه من فزع وخوف شديدين، مشيرًا إلى أن هناك ثلاثة دوافع أساسية لحالة الفزع الرهيبة التى أثارتها جائحة كورونا، وهى: ارتفاع قيمة الشخصية الإنسانية فى عصر الديمقراطية الليبرالية، اتساع حركة السفر والسياحة على نحو جعل انتقال العدوى أمرًا حتميًا مثلما جعل تأثير الوباء على حركة التجارة كارثيًا، وكذلك انتشار وسائط التواصل الاجتماعى التى أكسبت الموت بُعدًا مسرحيًا، فما كانت تعلنه الحكومات عن ضحايا الأوبئة السابقة لم يكن يعدو مجرد أرقام صماء.

وتوقف مؤلف الكتاب أيضًا عند الأسئلة الكبرى التى طرحها الوباء على الأنساق المحيطة بالوجود الإنسانى، التى تكاد تصوغ شروطه الدين والزمن والمجتمع والدولة والنزعة العالمية.

تاريخ الخبر: 2022-03-24 21:22:04
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

رواد مركبة الفضاء الصينية “شنتشو-17” يعودون إلى الأرض في 30 أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

الصين: “بي إم دبليو” تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:11
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:07
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية