“أحد توما” بين الشك والإيمان


لقد قام السيد منذ ثمانية أيام وهذا يعد الأحد الأول بعد القيامة حسب العد اليهودي، وانتهت بهجة القيامة لمن لا يفتش عن القيامة إلا في هذا العيد .. لقد عبرنا فصح الرب ودخلنا في حقيقة صعوبات حياتنا المسيحية: أن نؤمن بما لا يمكن لعقل أن يفهمه، أن نصدق أن الرب قد قام، وأنه قام من أجلنا.
صعوباتنا الإيمانية هي صعوبة توما نفسه، أحب كثيرا فخاف أن يكون كلام الرسل مجرد أوهام، خاف من الأمل الخادع، خاف أن يعود إلى ألم موت المسيح مرة أخرى إذا اكتشف أن ما تقوله النسوة والرسل هو مجرد وهم عابر.

‏لذلك كان لموقع جريدة “وطني” لقاء مع أحد مسئولي الكنيسة لكي ندرك أكثر عن عيد أحد توما أو أحد العهد الجديد.

قال القس أبسخريون سعد كاهن كنيسة العذراء والقديس موريس، قصتنا اليوم، قصة خوفنا من المجهول، نفضل عدم التصديق، نفضل أن نعتبر المسيح غائباً عن حياتنا لئلاّ نتألّم من فقده مرة أخرى.. هي قصة اتكالنا المبالغ به على عقلنا وقوانا العاقلة وتفتيشنا عن حقيقة الله من خلال المنطق الإنساني والدلائل العلمية.. هي قصة قلب خفت حبه تحت وطأة عقل كثر شكه.

لقد حضر الرب إلى العلية مرة أخرى، من أجل توما هذه المرة، فالرب يرفض أن يخسر واحداً من القطيع ولو كان القطيع كبيراً جداً، فالرب جاء من أجل الجميع، وخلاصه لا ينتهي إلا بخلاص من لا يزال خارجاً، لذلك أسلمنا أن نكمل الخلاص معه، أن نعلن خلاصه للعالم ونبشر بقيامته في كل لحظة من لحظات حياتنا.

بعد ثمانية أيام من القيامة وهو يوم الأحد التالي ويجب ان نأخذ بعين الإعتبار الطريقة اليهودية في عد الأيام، إذ يضمون اليوم الأوّل والأخير إلى قائمة الأيام التي يريدون عدها.. في اليوم الثامن تم العديد من الأحداث المهمة والمرتبطة بقيامة الرب يسوع: رواية تلميذي عماوس، لم يتعرف عليه التلميذان إلا من خلال كسر الخبز الإفخارستي، وهنا وتوما لم يؤمن به إلا بعد الدعوة الى لمس جسده، وحدث التجلي في لوقا يتم في اليوم الثامن، لأنه حدث لا يمكن للتلاميذ فهمه إلا من خلال قيامة الرب من بين الأموات، ومن خلال الإفخارستيا داخل الجماعة الكنسية.

كان توما مختبئاً يترقب ما سوف تؤول اليه الأمور في أورشليم، ولكن فقد أنضم إلى جماعة الرسل.. في يوم أحد العهد الجديد، وسمي بالعهد الجديد لأنه بعد الصليب والقيامة وهذا يعد عهد جديد على جميع البشر.

يجب أن ندرك أن توما يتميز بشكه الدائم ورغبته في الحصول على ضمانات وتأكيدات محسوسة وبطبعه الحماسي غير الخالي من تهكم، إن توما هو صورة الإنسان المفتش عن الفهم، يبحث عن أجوبة على أسئلته وعن ضمانات، إن التفتيش عن الفهم ليس خطأ، وسوف نرى في تاريخ الكنيسة عظماء مثل أغوسطينوس القائل: “أؤمن لكي أفهم وأفهم لكي أؤمن”، وتوما الأكويني الفيلسوف واللاهوتي الغائص في بحور العلوم الشاملة، وأنسلمس القائل بالإيمان الباحث عن الفهم، إنما الخطأ في التفتيش عن الفهم هو الإنطلاق من نقطة: لا أومن إن لم أفهم.. فالقديسين إنطلقوا من الإيمان وفتشوا عن الفهم لكي ينيروا إيمانهم وإيمان الآخرين، وحين وصلوا الى نهاية طريق العقل، إستسلموا بين يدي الله بعين الإيمان، دون حاجة الى ضمانات.

وظهور السيد المسيح في وسطهم والأبواب مغلقه لم يكن بعمل معجزي، لأن هذه هي طبيعة الجسم القائم من الأموات، لن تستطيع المادة أن تعوقه.. إنما ما أراد تأكيده فهو أنه قام بذات الجسم، لكنه جسم ممجد. لم تكن قيامته تعني عودته إلى الحياة العادية على الأرض، بل هي انطلاق بالمؤمنين وصعوده بهم إلى حضن الآب.

ويجب أن ندرك يا أحبائي أن كلمات الرب يسوع لتوما: إلانّك رأيت تؤمن؟ هو توبيخ قاس للتلميذ الذي عايش معلمه وسمعه يقول للرجل الذي جاء يلتمس شفاء فتاه: “أنتُم قوم لا تُؤمنونَ إلاَّ إذا رأيتُمُ الآياتِ والعَجائِبَ” (يو 4، 48). فالتتلمذ يعني الدخول في علاقة حب، والحب لا يبحث عن ضمانات، الحب يثق ويرجو ويعرف الإنتظار ليفهم حين يحين الأوان.

“هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِنا”.. لقد قبل يسوع تحدي توما حباً به، جاء يتمم مطلبه ليجعله مؤمناً، وفي عمل يسوع هذا استمرارية لما تم على الصليب، فهو جاء يفتش عن الخروف الضال، والخروف الضال هو واحد من تلاميذ الراعي المقربين، يجتذبه اليه من جديد لكيما من خلال يجتذب الكثيرين الى الأيمان والدخول في صداقة مع السيد.

لقد فتش توما عن الفهم كما نفتش نحن كلنا، إنما علم أن الرب يطلب الصداقة والثقة، ويقدر أن يعطي الأجوبة والضمانات. ويا لها من ضمانات نالها توما فآمن: جراح وآثار مسامير.. هذا هو سر إيماننا كله، لا يكفي أن نؤمن بإله تجسد وهو مالك على الكون بأسره، نحن مدعوون لنؤمن بإله تألم من أجلنا، إله صار ضعيفاً، متألماً، لا يعطينا أية ضمانة أننا لن نتألم، بل بالعكس، يعدنا بالألم والتضحية والصعوبات على هذه الأرض، لنعيش شخصياً مسيرة آلامه وصولاً الى القيامة. الضمانة الوحيدة التي يقدمها المسيح لنا هي جراحه، هي آلامه وقيامته، لتصبح لنا برنامج حياة، نقبل إلهاً تألّم بسبب الحب، فنقبل نحن بالتضحية بأنفسنا حباً به وبالآخرين.

تاريخ الخبر: 2022-05-01 15:21:15
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية