موسيقية الألحان القبطية (٢٥)


عزيزي القارئ، تحدثنا في المقالات السابقة عن أهم مايميز أسلوب الغناء في الكنيسة القبطية وهو ما يسمى بال “آكابيلا” أي الغناء الصوتي البحت بدون مصاحبة آلية، واليوم سوف نستكمل حديثنا عن أسباب منع إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا ورأي القديس كليمندص السكندري في هذا الشأن. حيث توجد رسالة للقديس كليمندس السكندرى جاءت في كتابه الشهير “المربى” ينتقد فيها بشدة استخدام الآلات الموسيقية إذ كتب يقول:”الانسان في حقيقته آلة للسلام، في حين أن باقى الآلات الموسيقية إذا بحثت وتحريت سنجدها آلات ووسائل للحرب والقتال تلهب المشاعر نحو الشهوات أو لحمل السلاح وتثير الغضب والحنق أما الآلة الوحيدة التى هى من أجل السلام فهى الرب الكلمة وحده، ذلك الذي علينا أن نستخدمه لكي نسبح الله، ولن نستخدم بعد ذلك الطنبور القديم ولا الصور ولا الدف ولا الناى، تلك التى كان خبراء الحرب والذين لا خوف من الله في قلوبهم يستخدمونها في اجتماعاتهم ومهرجاناتهم هادفين إلى إيقاظ أذهانهم المنحرفة بتلك الأنغام بل لتكن مشاعرنا المهذية الراقية متفقة مع الناموس”.

ومن رسالة القديس كليمندس السكندرى يتضح أن منع استخدام الآلة الموسيقية يرجع إلى القرن الثانى الميلادى وأن آلة الناي الرقيقة الخافتة الصوت العذبة النغمات، المريحة للأعصاب المتوترة، الحزينة بما يتناسب ولمسة الحزن الوقورة التى تغلف ألحان الكنيسة القبطية، نُظر إليها في هذا الوقت نظرة تجعلها آلة تلهب المشاعر نحو الشهوات أو لحمل السلاح وتثير الغضب والحنق ولا يجب أن يستخدمها إلا خبراء الحرب. إن الفكر الذي تحويه رسالة القديس “كليمندس السكندري” وإن جاء يتعارض مع نظرة “داود النبى” للآلة الموسيقية والتى كان يصنعها بنفسه لتسبيح الرب وحمده، ومع النظرة الروحية للآلات الموسيقية التى تغلف الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، إلا أنه يبدو أن طبيعة الموسيقى في أواخر القرن الثانى وبداية القرن الثالث الميلادى ربما كانت تثير الغضب والحنق وان مستخدميها كانوا في اجتماعاتهم ومهرجانتهم يهدفوا إلى ايقاظ الأذهان إلى الانحراف بتلك الأنغام مما أدخل الخوف في قلب القديس كيمندس السكندرى من أن تتسرب هذه النوعية الرديئة من الموسيقى داخل الكنيسة مستخدمة هذه الآلات الموسيقية فتنحرف الأذهان ويحل الغضب والحنق بديلاً عن السلام والوداعة. إن الحقبة التى سبقت مجيئ القديس كليمندس السكندرى في أواخر القرن الثانى كُتب عنها أن الأقباط قد تسلموا من النساك اليهود طريقة التسبيح بالناى المزمار “Flute ” في اجتماعاتهم العامة المسماة بالأغابى وظلوا يستخدمون الناى في اجتماعات الأغابى حتى سنة 190م.حينما أوقف كليمندس الاسكندرى الناى واستبدله بالناقوس “Cymbalon”. وأن سنة 190م هى السنة التى بدأ كليمندس السكندرى رئاسته لمدرسة الاسكندرية ونشاطه الكنسى الذي تركز في الفترة من عام 190 إلى عام 200م، فمنذ اليوم الأول لتوليه منصب مدير مدرسة اللاهوت ونشاطه الكنسى وقد عقد العزم على منع الآلة الموسيقية من التسبيح حتى في الاجتماعات التى يلتفون فيها حول مائدة الأغابى بعيداً عن طقوس الليتورجيا المقدسة. ويشرح القديس كليمندس السكندرى رؤيته الخاصة ونظرتة للآلة الموسيقية عندما يقوم بتحليل المزمور 150 والذي فيه يدعو داود النبى كل الخليقة وجميع الآلات الموسيقية لكى تسبح الرب فيقول كليمندس:

سبحوه بصوت البوق: لأن بصوت البوق سيدعو الراقدين إلى القيامة. سبحوه بالمزمار: أى اللسان الذي هو مزمار الرب. سبحوه بالقيثارة: وهى الفم حينما يحركه الروح القدس كالوتر. سبحوه بطبول ورقص: يشير إلى الكنيسة التى تتأمل القيامة من الأموات من خلال وقع الضرب على الجلد الميت. سبحوه بالوتار والأرغن: الأرغن هو الجسد وأعصابه هى الأوتار التى حينما تتقبل الانتعاش بانسجام من الروح القدس يوقع عليها من الأصوات البشرية. سبحوه بصنوج حسنة الصوت: فهو يشير إلى الشفتين في الفم حينما يوقع عليها النغمات. كل نسمة فلتسبح اسم الرب: هنا يدعو البشرية كلها أن تسبح لأنه يعتنى بكل مخلوق يتنفس والانسان هو حقاً آلة السلام. ويستطرد قائلاً: ولكن لأن الأجناس كل جنس يستخدم آلة من هذه الآلات لإعلان الحرب ولا توجد آلة واحدة للسلام وهى الكلمة التى بها نكرم الله ونمجده” فلذلك لا نستخدم إلا الكلمة وحدها. فنحن لا نستخدم البوق أو المزمار أو الطبل أو الصفارة التى يستخدمها المختصون في الحروب وفي حفلاتهم. أليست القيثارة ذات العشرة أوتار هى إشارة إلى كلمة يسوع” .

وإلا أن القيثارة المشهورة التى في منطقة أيرلاندا هى مأخوذة بالفعل من القيثارات التى نقلها المبشرون المصريون والتى كانت الكتيبة الطيبية التى بدأت من ايطاليا إلى سويسرا ثم ايرلاندا من أهم هذه البعثات التبشيرية. وهذا يدل على أن المبشرين كانوا حريصين على أن يحملوا معهم آلات موسيقية “كالقيثارة” ضمن برنامج التبشير ليكون التسبيح هو الركيزة الأساسية في كرازاتهم. إن المصريون السكندريون على وجه الخصوص كانوا يتفوقون على الشعوب الأخرى في العزف على الناى والجنك حتى أن الرجل من أدنى طبقات الشعب، ذلك الذي لا يعرف كيف يكتب إسمه كان يستطيع أن يضع يده على أدنى خطأ يمكن أن يقع فيه أى عازف عند التوقيع على آلة الناى أو الجنك بل لقد بلغ فن العزف على آلة الناى في مدينة الاسكندرية درجة من الاتقان إلى الحد الذي بات فيه العازفون السكندريون مطلوبين يستدعون إلى كل مكان، وكانت السعادة تتملك الناس حين يستحوذون على واحد من هؤلاء العازفين. وبالرغم من كل هذا إلا أن كليمندس الاسكندرى أوقف استخدام الناى واستبداله بالناقوس “Cymbalon”.

إن بعض الأوسطيون المعتدلون والمتحمسين للآلات الموسيقية يروا عدم حرمانها من التسبيح خارج الليتورجيا، ويؤيدون منعها داخلها. بإعتبار أن استخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا المقدسة سواء في خدمة القداس الإلهى او في الطقوس الكنسية المرتبطة بصحن الكنيسة تُخرج الكنيسة القبطية التقليدية عن صورتها التي تم إستلامها من الآباء الرسل.

عزيزي القاريء لقد شرحت لك في المقالين السابقين نوع الترتيل في كنيستنا القبطية ولماذا منعت الكنيسة القبطية إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا، ورأي القديس كليمندص السكندري في الآلات الموسيقية، وإلى أن نلتقي في مقال جديد اتركك في رعاية ملك الملوك ورب الأرباب.

تاريخ الخبر: 2022-05-03 09:21:03
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

إبادة جماعية على الطريقة اليهودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:06:57
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

ما خسائر قطاع النقل والمواصلات نتيجة الحرب في غزة؟

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:22:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

يعيش في قلق وضغط.. هل تُصدر المحكمة الجنائية مذكرة باعتقال ن

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:22:01
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

تعليق الدارسة وتأجيل الاختبارات في جامعة جدة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:23:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية