نساء الكويت.. كتائب الوطنية الساخنة


أكتب لأول مرة عن المرأة الكويتية ودورها في حياة الكويت الحديثة، والسبب في ذلك أولاً: أن الآراء تعددت حول إمكانية تحديد كوتا للنساء ضمن لوائح البرلمان، تأميناً لوجودها وتحقيقاً لمشاركتها في التشريعات التي يتخذها البرلمان، وثانياً: لابتهاجي الشخصي بتعيين أربع مهندسات كويتيات في مجلس البلدية، ممثلات للحكومة، وهذه خطوة معبرة عن الحصافة، ووفق لغة البنوك، تملك الملاءة المهنية، في اختيار المؤهلات لمسؤوليات المجلس البلدي.
ولا شك في أن هذه الخطوة الرشيدة جاءت من قناعة القيادة بهذه المجموعة وإيمانها بقدرتها على المساهمة الجدية والبناءة، وهو أمر فيه تقدير من الدولة لأهل المواهب وأصحاب التخصص، والأمل أن تتسع هذه القناعة لتشمل مختلف القطاعات، بما فيها تمثيل الحكومة في البنوك وفي القطاع الخاص وفي مختلف الشركات.

وبصراحة لا أستحسن مبدأ الكوتا، ولا يليق بمكانة المرأة الكويتية في هذا الفصل من التطور الكويتي وبعد تجربة برلمانية بدأت من ستين سنة، أن تشرع الدولة الكويتية بحكومتها وبرلمانها نظام وصول المرأة إلى البرلمان، ولا يملك غطاء الشرعية الانتخابية التي تأتي من اختيار أبناء الشعب من نساء ورجال، وتدخلها من دون حصانة شعبية إلى قاعة فيها تبادلات حادة في الرأي عن الأفضل، وعن الخيارات لمستقبل الكويت، كما ستصاب لوحة البرلمانية الكويتية بتشوهات تمس نقاوة الخلطة البرلمانية وتصيب فعاليتها وتفتح أبواب التفسيرات حول جدية الالتزام بالإرادة الشعبية.

والمهم صون الترتيبات التي جسدها الدستور واحترام علو المكانة التي تحققها المرأة الكويتية.

فعندما أتصفح محتويات الغزو التي سجلها التاريخ، ومن أبرزها الجرأة الوطنية التي كانت رفيق المرأة الكويتية، أجد صدق النبض الوطني الذي قادها للتصدي للغزو، وما يمثله من بربرية وبدائية فكرية وسلوكية، فكانت شجاعتها فريدة وتضحيتها آسرة في عمقها وفي معانيها.

كان في مجاهرة المرأة الكويتية وأمام العدو، بالخصومة الحادة، والتحقير للغزو ولجنوده ورفض مهانة الغزو، دليل صلب على متانة العلاقات بين المرأة والوطن، فكانت صوت الكويت في المواجهة، متسلحة بتلاصقها بالتربة ومندفعة بقوة عشقها لمحتويات الوطن.

قرأت ما تم تسجيله عن فدائية التحدي في تعالي صوتها ضد الغزاة وما سببه لها من قتل متعمد، لأن جنود الغزو وأسيادهم في بغداد أصابهم الذهول من ولاء الكويتيين لأرضهم، ولم يدركوا أن جمال الأوطان ليس بحجم المتاحف ولا بأعداد الجيوش وإنما بجماليات القيم الإنسانية، وسطوة القانون لحماية كرامة الإنسان، وحكم المساواة، ولذلك تفكك جيش الغزاة، واختار جنوده الفرار عن الجبهة قبل بدء القتال.

هناك مكان واسع للمرأة الكويتية في مواقع اتخاذ القرار، سواء في الدولة أو القطاع الخاص، لا سيما لمالكات التخصصات ولغيرهن من أهل المبادرات.

بدأت علاقتي بالحياة في الولايات المتحدة، في عام 1964، حيث رافقت المرحوم الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزيراً للخارجية، إلى دورة الأمم المتحدة في سبتمبر من ذلك العام، وتكررت الزيارات ثم الإقامة فيها من 1981-1971، ومن سجلات الأمم المتحدة التي وقعت عيني عليها، دور السيدة اليانور روزفلت Mrs. Eleanor Roosevelt، في إبراز حقوق الإنسان وحماية كرامته والاعتراف بحقه في تقرير المصير، كانت تلك السيدة هي زوجة فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt، الذي أصبح عام 1933 رئيساً للولايات المتحدة لمدة اثنتي عشرة سنة، وأدار الحرب العالمية الثانية بعد اعتداء اليابان على الأسطول الاميركي في هاواي في 7 ديسمبر 1941، وقاد الحلفاء حتى هزيمة النازية في أوروبا، وتوفي عام 1944 وخلفه نائبه ترومان.

المهم أن سمعة اليانور روزفلت في العالم جاءت من دورها في إقرار إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1948، ووجودها داخل الأمم المتحدة مشاركة في المداولات المتعلقة بذلك الإعلان، ودخل اسمها مسار التاريخ الرافع لشأن البشر وآدميته.

كما كنت أقرأ خلال إقامتي في نيويورك، صحيفة الواشنطن بوست، التي تديرها وتملكها السيدة كاترين جراهام Katherine Graham، وأتابع حجم النفوذ الذي صنعته تلك السيدة بقربها من رؤساء الولايات المتحدة، بدأت خلال الحرب العالمية الثانية، وظلت تنعم بهذه القوة التي خرجت من مواهب إعلامية.

هذه أسماء وُجدت في مسار التاريخ الإنساني بالمواهب والجرأة والقناعة بما تؤمن.

وأنظر إلى واقع المرأة في وزارة الخارجية، فمن المؤسف أن عدد السفيرات الآن مجرد سفيرة واحدة في كندا، ولم يصل العدد أكثر من ثلاث سفيرات، تقاعدت اثنتان، ومن خبرتي فإن السبب الأكبر يعود إلى أوضاع الدبلوماسيات المتزوجات وصعوبة الاغتراب بتعقيدات الأولاد ومهنة الزوج التي يشغلها في الكويت، ولكن ذلك لا يبرر هذا الغياب الذي يمكن تقليصه.

وفيما يتعلق بغياب المرأة عن مجلس الأمة، فلا شك بأن غياب الاتفاق بين التجمعات النسائية على أسماء محددة ومقنعة في مختلف الدوائر أتاح للمرشحين الاستفادة من انقسامات النساء، ويمكن نجاح عدد منهن إذا تم تجاوز التباعد، وتحقق الإجماع لدعم لائحة واحدة من الأسماء المرشحة.

كما أن الضرورة تفرض الاتفاق بين هذه التجمعات على تبني أسماء نسائية قيادية في وزارات الدولة، والوصول إلى القيادة العليا بهذه اللائحة للتعيين في المسارات القيادية، فمن دون الجسور النسائية مع مواقع القرار، سيتأخر القرار وقد يحتكره الذكور.

كما أتمنى من وزارة الخارجية أن تسعى لوصول الكفاءات الكويتية النسائية إلى عضوية مختلف المنظمات العالمية التابعة للأمم المتحدة، وأشيد باختيار السفيرة الناجحة نبيلة عبدالله الملا التي أصبحت عضوة في هيئة استشارية لنزع السلاح التي تخصصت السفيرة نبيلة به منذ وجودها ضمن وفد الكويت عندما كنت سفيراً إلى المنظمة.. وواصلت هذا التخصص النادر والمرهق.

ولا نختلف بأن الكويت بحاجة إلى وجود النساء في النقابات المهنية، وإذا نجحت في الوجود في غرفة التجارة، فإن الجمعيات المختلفة، مثل المحامين، والخريجين والصحافيين، تتوق إلى الاعتماد على الخبرة التي تملكها، وعلى كياسة الإدارة التي ترافقها.

أتذكر بتقدير واحترام دور السيدة هند الصبيح كوزيرة، حيث التقت فيها عناصر الخبرة والحكمة والحزم، ونستفيد منها أكثر إذا دونت تجربتها في كتاب، كما تفعل ذوات الخبرات في بقاع العالم.

من الشخصيات النسائية العالمية التي قرأت عنها كثيراً، وهي السيدة Mamie EisenHower، زوجة الرئيس الأميركي إيزنهاور 1952 - 1960، التي كانت علاقتها بالسيدة جاكلين كنيدي جافة لأنها متأثرة بعسكرية زوجها وانضباطه، وجاءت جاكلين لتزيل الحزم العسكري من حياة البيت الأبيض.

تحتاج الكويت إلى أكثر من سيدة لإدارة تجمع إعلامي يفتح لهن الجسور المؤدية إلى مواقع القرار، وهي حالات توجد في عواصم الدول المتقدمة، وثمارها كبيرة وإيجابية في مسار نضال المرأة نحو المساواة، فالقوة ليست بالمال وحده أو بسطوة الموقع، وإنما أيضاً بالفكر المستنير، والتاريخ مملوء بأسماء نساء ملكن التأثير وقوة الحضور لدى أصحاب القرار.

نساء الكويت رواية مشوقة وجوهرة تضيء.

* نقلا عن "القبس "

تاريخ الخبر: 2022-06-13 21:18:03
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 76%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية