«لمحة عامة إلى مصر».. حياة المصريين بعيون أبوالطب المصرى

«كان للفرنسيين، وربما لا يزال، شغف خاص بمصر، وقد قدّم العديد من المفكرين ورجال السياسة والدبلوماسية مشروعات تغرى الحكومات الملكية فى فرنسا باحتلال مصر، لأنهم يرون أنها أخصب بقاع الأرض قاطبة، تنمو بها المحاصيل دون مشقة، كما أنها بلد صحى المناخ، ولا يبعد عن شواطئ فرنسا الجنوبية كثيرًا».. كلمات سطرت فى مقدمة كتاب «لمحة عامة إلى مصر» الصادر عن دار الكتب والوثائق القومية عام ٢٠٠١، ترجمة وتحرير محمد مسعود، وتقديم الدكتور أحمد زكريا الشلق، الذى كتبه الطبيب الفرنسى كلوت بك.

ويعد الكتاب مرجعًا مهمًا، لمن يريد أن يعرف مصر القديمة من العصر الفرعونى حتى مصر الحديثة، فى عهد محمد على، فقد قضى كلوت بك نحو عقدين من الزمان فى مصر، جمع خلالهما تلك المادة العلمية والوثائقية التى لا تخلو من تحليل اجتماعى وسياسى واقتصادى، لرحلة الحياة فى مصر.

مؤلف الكتاب، «كلوت بك»، طبيب الجيش أثناء فترة حكم محمد على، الذى خلّد التاريخ ذكراه بأن أطلق اسمه على أهم شوارع مصر، شارع كلوت بك مدخل العتبة عند رمسيس.

دخل كلوت بك بنا فى كتابه، الذى يضم بين دفتيه ٦٥٤ صفحة، الحوارى والبيوت وزار القرى والنجوع والكفور بالأقاليم والمحافظات، ففى بداية الكتاب تحدث عن أول حقبة تاريخية فى مصر كشف عنها البحث والتمحيص هى التى تضمنها جدول الكاهن «مانيتون» المصرى لحصر الأسرة المصرية المالكة، وهذا المؤرخ كان الكاهن الأعظم لعين شمس وقد عاش قبل الميلاد المسيحى بـ٣٠٠ عام، وكلفه أحد الملوك البطالسة بتدوين تاريخ مصر القديمة، واعتمد على الأوراق المقدسة، التى كانت فى عهدته.

ولم ينه المؤرخ سوى الجداول الزمنية الخاصة بحكم الأسر الـ٢٨، على الرغم من وجود بعض الخلل والنقص فى تلك الجداول، بينما توصل العلم الحديث إلى انتزاع أسرار الحقائق من الكتابة الهيروغليفية، إذ عثر فى هذه النقوش التى جللت بها الآثار المصرية على ما يؤيد غالب البيانات التى دوّنها الكاهن مانيتون.

وأوضح الكاتب أن أول الملوك الذين حكموا مصر هو «مينئى» الذى يسميه مؤرخو اليونان «مينيس» وهو الذى بدّل الحكومة الاستبدادية الدينية بالسلطة الملوكية، وفى المأثور عنه أن الدلتا فى عهده كانت عبارة عن مستنقع، وأنه شق للنيل مجرى آخر غير مجراه وأسس مدينة ممفيس التى عثر الباحثون على أطلالها فى قرى منف وميت رهينة وأم خنان.

وسرد بالحكى حقبة الهكسوس الذين اعتادوا اقتحام أخطر الحروب، وكانوا فى عهد الأسرة السادسة عشرة، فاستولوا على إقليم الدلتا وتناوب الحكم عليها ٦ كبار من زعمائهم، وفى عهد الرابع من أولئك الملوك الأجانب، تقلد نبى الله يوسف منصب الوزارة ودعا إلى مصر أسرة أبيه يعقوب الذى تناسلت منه الأمة اليهودية.

وتطرق الكاتب إلى باقى الأسر الـ٢٨، وتاريخ تقلدها حكم مصر وعاداتها وتقاليدها والمدن الجديدة التى أسستها، والمسلات التى بنتها، وإلى الممالك والأقطار التى كانت تعترف بسيادة فرعون عليها أو بحكمه فيها وهى: بلاد النوبة والحبشة وسنار، وكثير من أقطار جنوب إفريقيا وغيرها من المدن.

ورصد المؤلف أديان قدماء المصريين، التى تمثلت فى البداية فى مبدأ التوحيد، والثالثوث، الأعلى، الآلهة المختلفة، أوزوريس وإيزيس وحورس، وتيفون إله الشر، وتقمص الأرواح، وعبادة الحيوانات، وتطرق إلى المدن المخصصة لهذه العبادة، وأيضًا التقسيمات الدينية لها.

فلم تكن ديانة المصريين، كما وقع فى وهم الكثيرين بناء على روايات مؤرخى الإغريق والرومان، فظة تستدعى الاحتقار، لسقوط منزلتها وقدرها، بقيامها على عبادة الحيوانات والنباتات، فإن تلك الديانة قامت قواعدها على أسمى مبادئ علم ما وراء الطبيعة وأشرفها.

وكان مبدأ التوحيد قوام العلم الإلهى وعماده عندهم وبمقتضى قواعد هذا العلم كان «آمون رع» الكائن الأعلى الذى يشتق منه كل شىء فى الوجود، فكان يمثل مبدأ التذكير بذاته يمتزج به مبدأ التثليث عن طريق الاتصال والاختلاط بالآلهة «موث». كما تناول حالة قدماء المصريين وحكوماتهم وقوانينهم، فكان المجتمع يتكون من طبقة الكهان، طبقة الجند، الطبقة العامة، الملك، الحكومة.

ورصد تعداد مصر فى عهد الفراعنة الذى وصل إلى ٥ ملايين نسمة، وأن زمام الحكم آنذاك فى مبتدأ الأمر بيد رجال الدين، ثم تحوّل إلى قبضة الجند، إلا أن رجال الدين ظلوا محتفظين بكثير من الامتيازات قبل هذا الانتقال.

وضع الكهنة

وأوضح المؤلف مهام الكهنة آنذاك، فكانت لطبقة الكهنة مشاركة فى الإشراف على شئون الوطن وتداخل فى مرافقه ومصالحه، فى الحروب أو إبرام صلح، وكان الكهنة شديدى العناية بملابسهم لاعتبارهم إياها المظهر الأول لكرامة الوظائف المعهودة إليهم، وكان أغلب لباسهم الثياب البيضاء من نسيج الكتان.

وعلى مر تولى الحكام على مصر، فقد شهدت عصور ازدهار وعصور اضمحلال، فقد شهدت مصر فى عهد البطالسة حالة من الازدهار، وانفتحت على ثقافات أخرى، واندمجت فيها مدنيات جملة من الشعوب بانفتاح أبوابها لليونان واليهود والآشوريين والرومان وامتزجت أخلاق هذه الشعوب وأفكارهم وعقائدهم وديانتهم الامتزاج الذى تولدت منه مدرسة اشتهرت بالعلوم الفلسفية.

حروب وصراعات فى مصر

وتطرق الكاتب إلى الحروبات والصراعات التى عاشتها مصر، التى زادت حدتها فى الحكم الرومانى الذى شهد بعض التقسيمات والحروب والصراعات، ومن بعده عاشت مصر حالة من هذا النوع فى زمن المماليك والحملة الفرنسية، والتحولات الجذرية التى أحدثتها الحملة فى المجتمع المصرى، وحكم محمد على وأبنائه.

القصاص عند قدماء المصريين

وذكر الكاتب بعض الأحكام القانونية لدى قدماء المصريين نقلًا عن «هيرودتس وديودورس»، فإنهم كانوا يعاقبون الحانث فى يمينه بالإعدام، بينما الذى يمتنع عن الشهادة يُعاقب ضربًا بالقضبان ويحرم الغذاء ثلاثة أيام وصالًا.

وكان القصاص العقوبة الشائعة لمن يقتل النفس التى حرّم الله قتلها إلا بالحق، فمن يقتل أباه جزاؤه الإحراق بالنار، أما الوالدان اللذان يقتلان أبناءهما فكان عقابهما أن يعانقا جثثهما ثلاثة أيام بلياليها، وكان جزاء منتهك العرض التمثيل به وعقاب الزانية جدع الأنف والزانى يُضرب بالقضبان. 

سكان مصر

لقد كانت مصر أكثر بلد محطًا لرجال الثورات البشرية والحوادث السياسية، فلقد أغار عليها أقوام الفرس واليونان والرومان والمماليك والأتراك والفرنسيين، فنشأ امتزاج هذه الأمم بالجنس واندماج نوعيتها، وسكنها مسلمون وأقباط ويهود ويونان وأهل الشام والأحباش والترك والأوروبيون من مختلف الجنسيات.

وخلال رحلة الكاتب بداية من العصر الفرعونى حتى عصر محمد على، وصف لنا المنازل والقصور والحمامات العامة والمساجد والغابات والمدارس والأدوية والأطعمة وثياب الفلاحين ومنازلهم، والمقابر، كما تحدث عن الرقيق فى مصر واختلافه عن أوروبا، وعن الخصيان، وعن الختان، والزواج والطلاق وعادات وتقاليد المسلمين والعبادات، والأديان وطقوسها وشعائرها.

ثم سرد حدود مصر الجغرافية والمناخ، ثم المعادن والنباتات والأحجار الكريمة التى اهتم بها القدماء، والبحيرات، والحيوانات التى كانت توجد آنذاك، والغابات، والأشجار التى توجد بها، والفواكه، والقتل والانتحار والألعاب التى وجدت آنذاك، وفض البكارة، والختان، والأولياء والدراويش والأحجبة والأحلام والجن. والتنجيم وغيرها من كل الظواهر التى كانت توجد آنذاك.

وتناول أيضًا الحديث عن الضرائب والجيش والتجنيد والتعليم والأمراض، والحشرات والفواكه المستحدثة، والطيور فى مصر وأنواعها وعن الأسماك والزراعة والنباتات، وحكى عن الصناعة والتجارة والمواصلات، والموسيقى والرقص.

وتطرق المؤلف أيضًا إلى صحة المصريين والأمراض التى كانت سارية فى البلاد حتى منتصف القرن الثامن عشر، مثل الجدرى، الذى كان يحصد وحده نحو ثلث عدد الأطفال، حتى إن عدد سكان مصر لم يكن يزيد حتى رحيل الحملة الفرنسية على ثلاثة ملايين نسمة. 

ومن الفترات التى تناولها بالتفصيل فترة محمد على، حيث كان كلوت بك مهندسًا فى جيشه، لذا وضع صورة تفصيلية عن فترة حكمه، والطريقة التى بنى خلالها نهضة مصر العلمية والعسكرية، رغم المؤامرات والمكائد التى دبرها له كهنة الدولة العثمانية فى الأستانة.

وظل يمدح فى حكم محمد على وصفاته التى جعلته واحدًا من أعظم الشخصيات التى حكمت مصر فى العصر الحديث، بلا منازع، على حد قوله، واللافت للنظر أن الكاتب شدد على أن محمد على كان مشغولًا طوال فترة حكمه بزيادة أعداد المصريين، لأن أعدادهم كانت آخذة فى الانقراض، واستعمل كل الوسائل المتاحة لبقاء ذلك الجنس البشرى. 

ودوّن كلوت بك فصلًا كاملًا عن بعض أحوال المرأة المصرية فى النصف الأول من القرن الـ١٩من الزينة والتجميل والختان والراحة، فقال: «إن النساء المصريات بعد الزواج لهن ميل شديد إلى المضاجعة لأنهن تربين فى ظل الدعة والسكون والبطالة» وانتقد البعض كلوت بك على هذه الكلمات التى قيلت فى حق المرأة، وكأنه تغافل عن معاناة الأغلبية العظمى من المصريين فى الريف من الفقر وانتشار الأمراض ومنهم النساء ومشاركتهن فى العمل الشاق فى فلاحة الأرض.

وأما عن زينة المرأة التى بالغ كلوت بك فى وصفها، وكأن المصريات ليس وراءهن سوى التزين والتجميل، فقال: «تهتم المصريات كثيرًا بوسائل الزينة والتجمل، لأنهن شديدات الطموح إلى الظهور فى المظهر الفاتن لعقول الرجال وقد استنبطن لإصابة هذا الغرض ألف وسيلة ووسيلة كلها من الغرابة بمكان، منها أنهن بدلًا من تركهن الحواجب تنمو على طبيعتها يزججنها، أى يرققنها بالإنقاص من عرضها حتى لا يبقى منها سوى خيط رقيق، واعتاد نساء الطبقة الدنيا وشم شفاههن السفلى وأذقانهن وسواعدهن وأيديهن».

عملية الختان

ومن ضمن العادات التى تطرق إليها التى تعد جزءًا مهمًا، وما زالت قضية جدل حتى الآن، قضية ختان الإناث، فقال عنها كلوت بك: «تُعمل للفتيات المصريات عملية الختان أو الخفض متى ناهزن السابعة أو الثامنة، إذ يؤخذن إلى الحمام وفيه تؤدى تلك العملية الموكلات بها بواسطة مقراض ردىء، ولست أعلم أصل هذه العادة ولا سببها، ولكن يظهر أن الغرض منها التلطيف من حدة شهوة المرأة المصرية لا ما يعزون إليها من الأسباب الصحية، فإن بظر المرأة المصرية ليس أعظم حجمًا ولا أكثر انتشارًا منه فى المرأة الأوروبية، دع أن الديانة الإسلامية لم تحتم حذف هذا العضو من جسم المرأة».

تاريخ الخبر: 2022-06-16 21:21:17
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية