تصعيد السيكوباتيين
تصعيد السيكوباتيين
أدت الثقافة الرقمية إلي اكتساب الأشخاص صفاتالإنسان الرقمي, الذي يتميز بالاستخدام اليومي للأجهزة الرقمية ويتفاعل عبرها مع الآخرين طوال الوقت, وبسبب الثقافة الرقمية المدعومة بوجود الإنترنت والأدوات الإلكترونية, تم استبدال الأدوات التقليدية للتعبير والتفاعل مع الآخرين بأدوات إلكترونية, حتي التوقيع التقليدي تحول لتوقيع إلكتروني, والصورة المطبوعة أصبحت صورة افتراضية, وبسبب الثقافة الرقمية تعددت الاتصالات داخل المجتمع الرقمي وأصبح تبادل المعلومات سريعا أضعاف ما سبق, واكتسب الأشخاص شخصية افتراضية. نتيجة هذا بدأ المجتمع يعاني عدة عواقب اجتماعية وثقافية للرقمنة, فرقمنة المجتمع زادت من انعزالية الأفراد رغم أنهم متصلون 24 ساعة 7 أيام الأسبوع, وتسببت الثقافة الرقمية في مخاطر جديدة علي المجتمع, أحدها تغيير جذري في طبيعة الحياة اليومية للشباب أدت لتفكك المجتمع وإضفاء الطابع الفردي عليه, وظهور مخاطر الأمراض العقلية والتشوية الهائل للمعايير الأخلاقية الإنسانية العالمية.
ومن أجل حصد أكبر عدد من التفاعلات بالإعجابات علي المنشورات والتعليق بدأت بعض الصحف الإلكترونية تركز الانتباه علي أخبار شاذة وتافهة تتضمن عبارات مغلوطة يمكن أن تهدم النظام الاجتماعي, ولهثا وراء الترند قام الإعلام بجريمة وهي تصدير السيكوباتيين في المشهد, أو المرضي العقليين, ذوي السلوك المعادي للمجتمع, وتعظيم أحداث مرتبطة بالاضطراب السلوكي كأنه باب خلفي لتعميم تصرفاتهم الخاطئة, ليلتقط ضحايا جددا لهذا التلاعب الرقمي الخفي, فممارسات البيئة الرقمية تصنع عملية تآكل في التمييز بين الصواب والخطأ طالما يتم تعميم الخطأ علي أنه أمر معتاد, وبالتالي يتم استبدال هذه المعرفة بالثوابت بمعلومات لم يتم التحقق منها وأخذها كمسلمات, وهنا ينشأ تأثير جانبي مؤذ داخل مرحلة التنشئة الاجتماعية بسبب تكرار عرض المعلومات, التي يستقبلها المستخدمون دون تصفية وتمييز. وبدلا من أن تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في دعم القيم المجتمعية أصبحت عن وعي أو دون وعي تعمل علي تصعيد السيكوباتيين والنماذج الشاذة, خاصة أنه غالبا ما يتم إنشاء المحتوي الرقمي بواسطة أشخاص عادية ولا يتم التحقق من صحتة, ومن هنا يحل التدفق غير المنتظم للمعلومات المرئية والمسموعة محل المعرفة المنهجية التي تتطلب جهدا واعيا وكنتيجة يتم تقليل قيمة المعرفة, لتصبح عملية تداول المعلومات وإنشاء وتحديث المحتوي الرقمي غاية في حد ذاتها بغض النظر عن طبيعة المحتوي أو الأصالة أو معتقدات الأشخاص, وهنا يصاب الشخص الخاضع للثقافة الرقمية بإدمان نفسي جديد ينشأ نتيجة الخصائص التواصلية للوسائط الجديدة, وهذا
الإدمان يكون بديلا عن الإدمان الجسدي والعقلي, أحد أنواع الإدمانات الشائعة التي تشكلت في عصر الثقافة الرقمية هو إدمان عرض الصور الشخصية أو إدمان عرض الذات, وترتبط هذه الظاهرة بالرغبة الجامحة لدي الأشخاص في تحديث المعلومات المرئية عن أنفسهم باستمرار, بهدف نشرها علي منصات الوسائط الرقمة, وكذلك بهدف تلقي ردود فعل إيجابية من الجمهور الرقمي, لتتحول هذه الممارسات لنوع من الهستيريا التي تجلب لهم إجهادا عاطفيا وجسديا, فالبيئة الرقمية والافتراضية للحياة اليومية لها آثار مدمرة مثل تآكل الهويات وظهور هويات جديدة, فالشخص يمزج بين متطلبات هويته الرقمية والحقيقة. إن تعظيم وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام للحقيقة البديلة, أو الصواب الذي هو خطأ بتصعيد النماذج المنحرفة هو عملية تشويه متعمد لقيم المجتمع, هذا بالإضافة إلي الأخبار المزيفة بما تحويه من نصوص مزيفة, وصورة مصطنعة يتم تنفيذها باستخدام روبوتات الإنترنت والحسابات المزيفة وغيرها من التقنيات, هنا يصبح الخطأ وجهة نظربديلة ما يؤثر علي الوعي العام.
الاقتباسات الذي تبرزها الصحف الإلكترونية ليتم تداولها علي وسائل التواصل الاجتماعي, هي إبراز لأطر معينة دون غيرها ولكنها قد تحمل تصعيد لنماذج سيكوباتية أو كلمات مريضة لأصحابها, ليصبح انتهاك الأعراف الثقافية والاجتماعية هو نقطة التركيز الموضوعة تحت عدسة مكبرة, لكن الفكرة ليست في منع ما يتم تغطيته علي قدر كيف تتم تغطيته,