يحكي الفيلم قصة تاريخية حقيقية، مع الوضع في الاعتبار أن كلمة قصة حقيقية في عالم السينما لا تعبّر عادة عن دقة تفاصيل وأحداث الفيلم، ومن الأفضل أن نفهمها بوصفها "قصة مستلهَمة من التاريخ". والقصة التي استُلهم منها هذا الفيلم هي قصة الفارس جون دوكاغوج Sir Jean de Carrouges وزوجته مارغريت Marguerite وصديقه جاك لوجغي Jacques Le Gris.

أحداث القصة باختصار هي أن دو كاغوج ولوجغي هما رفيقا حرب، وقد واجها الموت معاً عدة مرات، وأنقذ كل منهما حياة الآخر عدة مرات. بعد مرور سنوات يسير كل منهما في درب مختلف عن الآخر، فيترقى لوجغي في سلّم الوظائف الحكومية فيما يستمرّ دو كاغوج محارباً حتى يحصل على لقب فارس ويتزوج الجميلة مارغريت.

تتقاطع رحلتاهما في عدد من المحطات التي يبدو فيها أن دو كاغوج هو أسوؤهما حظّاً، فيما يخرج لوجغي دائماً بالمكاسب، وهو ما يثير الأحقاد بينهما فيتحولان بمرور الوقت من صديقين إلى غريمين، حتى يصل الأمر إلى موقف يزلزل علاقتهما تماماً، إذ يقيم لوجغي علاقة جنسية مع زوجة دو كاغوج. يُصِرّ دو كاغوج على حلّ الخلاف من خلال مبارزة تنتهي بموت أحدهما، وهذه المبارزة هي آخر مبارزة رسمية مسجَّلة في تاريخ دولة فرنسا، ومن ثم سُمّي الفيلم "المبارزة الأخيرة".

ثلاث قصص وفيلم واحد

يلجأ الثنائي مات ديمون وبين أفليك إلى حيلة قديمة في كتابة القصة، هي عرض القصة كاملةً ثلاث مرات، مرة من وجهة نظر كل واحد من أبطالها، وهي الحيلة التي قدّمها لعالَم السينما المخرج الياباني الأسطوري أكيرا كوراساوا Akira Kurosawa في فيلم راشومون Rashômon، حتى أصبحت تُنسَب إليه شخصياً.

نشاهد في الفيلم كيف أن الفارس دو كاغوج لا يعلم أن لوجغي أنقذ حياته من قبل، ومن ثم فهو يشعر أنه صاحب فضل عليه، وأنه أحسن الظن به في كثير من المواقف التالية التي جمعت بينهما، وأنه آثر السلام حتى وصلنا إلى الموقف الذي لا يمكن تجاهله، فقد استغلّ لوجغي غياب دو كاغوج عن بيته لبضعة أيام واغتصب زوجته مارغريت. على الجانب الآخر، نشاهد لوجغي الذي يعتقد أنه استغلّ موقعه بالقرب من دوائر الحكم في الدفاع عن صديقه، وتقديم الأعذار له، والأهمّ من كل هذا أن علاقته بمارغريت لم تكُن قَطّ علاقة اغتصاب، بل عشق مشتعل متبادَل بينه وبين الجميلة مارغريت، التي تحكي بدورها القصة الثالثة التي تتعرض فيها لعلاقتها بدوكاغوج الزوج الحازم خشن الشخصية المائل إلى العنف، فيما يعتقد هو أنه زوج صبور حنون متفهّم لمشاعر زوجته، حتى غاب عنها لأيام قليلة يهاجمها فيها لوجغي. إن مارغريت تؤكّد أن ما حدث -بلا مواربة- اغتصاب!

في ذلك الزمن، زمن العصور الوسطى في أوروبا، لم يكن تصريح المرأة باغتصابها أمراً هيناً على الإطلاق، بخاصة أن الملوم دائماً سيكون المرأة. في هذه القصة حظِيَت مارغريت بدعم زوجها الذي يعتقد أنه ينصرها، فيما تعتقد هي أنه ينتصر لذكورته المجروحة وينتقم من غريمه اللدود.

معضلة التواصل وغياب الحقيقة

في غياب الأدلة ومع إصرار كل طرف على روايته الشخصية، يصرّ دوكاغوج على الحلّ الذي كان معتمَداً في العصور الوسطى في أوروبا، وهو المبارزة حتى الموت، إذ اعتقد الأوروبيون وقتها أن الله ينصر المُحِقّ ويقتل الظالم في هذه المبارزات.

نلاحظ أن أوجه التعارض بين وجهات النظر المختلفة في الفيلم ليست بين ثلاثة أشخاص حول حدث واحد، بل هي دائماً ما تكون بين شخصين من الثلاثة، فمارغريت لا تعلم ما جرى في الحرب إلا من خلال زوجها، وهو أمر متكرر طول أحداث الفيلم لأن لوجغي لا يكون جزءاً من مشكلات دوكاغوج وزوجته، وفي حادثة الاغتصاب الأخيرة يقع التعارض بين رواية مارغريت ولوجغي، فيما لا يمكن وصف تبنّي دوكاغوج رواية زوجته كوجهة نظر لأنه ببساطة لم يكن جزءاً من الحدث. على الرغم من أن هذه الملاحظة أعدّها بصورة شخصية واحدة من نقاط ضعف الفيلم، فإنها أيضاً تتيح لنا أن نشاهد كيف تتطور العلاقات المختلفة، إذ لم تكن مارغريت جزءاً من علاقة الصداقة بين دوكاغوج ولوجغي، ولم يكن لوجغي جزءاً من علاقة دوكاغوج وزوجته، وهكذا.

يعرض لنا الفيلم ثلاث أنماط علاقات: الأصدقاء الذين تتغير مشاعرهم ببطء، والزوجين اللذين يواجهان صعوبة تحقيق تواصل كامل بين البشر، والانجذاب الذكوري الأنثوي الذي يفسره كل طرف تفسيراً مختلفاً تماماً عن الآخر. في رأيي الشخصي أن أجمل خطوط أحداث الفيلم هي علاقة دوكاغوج وزوجته مارغريت، وهي العلاقة التي تذكّرنا بحادثة التقاضي بين الممثل جوني ديب Johnny Depp والممثلة Amber Heard، ومن اللافت للنظر أن علاقة ديب وهيرد حقيقية معاصرة، وأننا تمكنَّا من مشاهدة خلافهما منقولاً نقلاً حياً من خلال كل الوسائط الإعلامية المختلفة، وهو بالطبع عكس قصة دوكاغوج ومارغريت التي نشاهد إعادة تمثيل لها، أي إنها أقرب للخيال من الواقع. أقول إنه على الرغم من ذلك كانت قصة مارغريت ودوكاغوج أكثر واقعية، وامتلأت بالتفاصيل الحميمية الرقيقة التي رسمت صورة حية لزواج يقيمه شخصان مختلفان، فيما كانت قضية ديب وهيرد، كما علّق عديد من المتابعين، إعلامية، أقرب إلى العرض السينمائي الذي يتنافس فيه الطرفان لحصد أكبر قدر من المشاهدين والمتعاطفين والداعمين. كانت قضية ديب وهيرد أكثر سينمائية من فيلم ريدلي سكوت.



TRT عربي