تتفاوت رؤى دول مجلس التعاون الخليجي في تقدير الخطوات والإجراءات اللازمة لمنع التصعيد مع طهران، مع كبح جماح النفوذ الإيراني الذي يتسع في عدة دول بالمنطقة وفي الخليج والبحر الأحمر.

بحكم مكانتها الجيوسياسية في الخليج والمنطقة العربية انتدبت السعودية من نفسها قائداً لمحور التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار.

حدث ذلك منذ بداية تشكيل التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن ربيع عام 2015، وتصاعد حدة التوترات التي بلغت ذروتها في الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو النفطية في سبتمبر/أيلول 2019.

سابقاً شهدت العلاقات بين البلدين قطيعة دبلوماسية أوائل 2016 بعد إعدام السلطات السعودية المرجع الشيعي السعودي البارز نمر باقر النمر، والاعتداءات التي تعرضت لها المرافق الدبلوماسية السعودية بالعاصمة طهران ومدينة مشهد وتحميل السلطات الإيرانية مسؤولية عدم منع مثل هذه الاعتداءات.

وتماشياً مع الموقف السعودي قطعت دول خليجية علاقاتها مع إيران مثل الإمارات والبحرين، بينما خفضت دول أخرى مستوى تمثيلها الدبلوماسي كالكويت وقطر إلى مستوى القائم بالأعمال.

ظلت رؤى دول الخليج الست غير متفقة على شكل العلاقات مع طهران وطبيعتها ومستواها، والسبل المثلى في مواجهة تهديداتها أو التهدئة معها.

واجهت الإمارات والسعودية والبحرين التهديدات عبر تحالف تقوده الولايات المتحدة، وأحياناً بمشاركة الأردن ومصر وبالتنسيق مع إسرائيل، بينما ظلت سلطنة عمان بعيدة عن مثل هذه التحالفات.

وتراوحت علاقات قطر بين قطع العلاقات الدبلوماسية واستمرارها على المستوى الاقتصادي في حقل الغاز المشترك والتنسيق الأمني بعد أن قررت دول الرباعية العربية مقاطعة الدوحة في يونيو/حزيران 2017.

أما الكويت ففضّلت النأي بنفسها عمّا يزيد من التوترات مع إيران مع الحفاظ على مستوى عالٍ من التبادل التجاري هي والإمارات.

تعد الكويت من أوائل الدول العربية التي اعترفت بالثورة الإيرانية عام 1979، لكن علاقات البلدين توترت بعد حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق عام 1980، وزادت سوءاً بعد استهداف مصالح كويتية بصواريخ إيرانية ومسؤولية طهران عن تدبير محاولة اغتيال أمير الكويت جابر الأحمد الصباح عام 1985.

عادت علاقات البلدين بشكل طبيعي بعد غزو العراق للكويت عام 1990 وتنديد إيران بالغزو.

ورغم سعي الحكومة الكويتية للحفاظ على علاقات طبيعية مع طهران فإن الكويت اتهمت إيران بالمسؤولية عن أنشطة تخريبية عام 2011، طردت على إثرها عدداً من الدبلوماسيين الإيرانيين واعتقلت عشرات الكويتيين والوافدين الذين ضبطت بحوزتهم أسلحة وذخيرة ومعدات إيرانية.

لكن الحاجة إلى الغاز من إيران المجاورة لها وازدياد الطلب للاستهلاك المحلي دفعا الكويت إلى السعي لإعادة علاقاتها مع إيران خلال زيارة أمير البلاد السابق الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى طهران عام 2014.

حاولت الكويت تبني سياسة الحياد في الأزمات الإقليمية ولعب دور الوسيط فيها، سواء في الأزمة القطرية بين عامَي 2017 و2021، أو بمحاولة التوسط بين طهران والرياض، ونجحت الكويت في الأولى وأخفقت في الثانية.

وأخيراً تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن أن بدر عبد الله سفير الكويت الجديد لدى طهران قدم أوراق اعتماده لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كما أن مسؤولين إيرانيين وإماراتيين تحدثوا عن قرب إرسال أبو ظبي سفيرها إلى طهران.

عودة السفير الكويتي إلى طهران جاءت بعد أسابيع من إعلان الإمارات أنها تدرس إعادة سفيرها إلى العاصمة الإيرانية، إذ تدرس أبو ظبي إرسال سفيرها إلى طهران، حسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.

وأجرى مسؤولون إماراتيون زيارات عدة إلى طهران لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والتمهيد لعودة العلاقات، وناقش وزيرا خارجية أبو ظبي وطهران نهاية الشهر الماضي عبر اتصال هاتفي تعزيز العلاقات بين البلدين.

طيلة سنوات القطيعة الدبلوماسية لم تتأثر العلاقات الإماراتية مع إيران في القطاع الاقتصادي، إذ شهد حجم التبادل التجاري تصاعداً واضحاً.

ويرى مراقبون أن الإمارات بحاجة إلى مثل هذه العلاقات التجارية وضرورة عدم ربطها بالملفات السياسية.

وتعيش في الإمارات جالية إيرانية بعدة مئات آلاف المقيمين، الذين يعملون في القطاعات الاقتصادية والخدمية من خلال آلاف الشركات الإيرانية.

كما تجنبت الإمارات استعداء إيران بعد تخلي إدارة دونالد ترمب عن السعودية. في أثناء تعرضها لهجمات جماعات شيعية مسلحة انطلاقاً من العراق، استهدفت منشآت نفط أرامكو في سبتمبر/أيلول 2019.

وفي الآونة الأخيرة جرى الحديث عن تشكيل "ناتو عربي" تشارك فيه إسرائيل لمواجهة المخاطر والتهديدات الإيرانية.

وأعلنت الإمارات رسمياً أنها لن تكون طرفاً في أي تحالف يستهدف دولاً أخرى في المنطقة، إيران تحديداً، وأنها بصدد إعادة سفيرها إلى طهران، بعد قطيعة دامت سنوات، في إطار السعي لإيجاد حلول والتركيز على التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، وفق تصريحات أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان.

أدى ذلك إلى تراجع الحديث عن التحالف الذي كان يفترض أنه يضم الدول الخليجية الست بجانب العراق والأردن ومصر بمشاركة الولايات المتحدة وبالتنسيق أو بمشاركة إسرائيل.

وعلى ما يبدو فإن مسار تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران انعكس على مسارات الدول الخليجية الأخرى.

منذ أبريل/نيسان من العام الماضي قاد العراق وساطة ناجحة بخمس جولات من المفاوضات المباشرة بين وفود أمنية من البلدين، من المقرر أن ترتقي إلى مستوى وزيرَي الخارجية.

كان من المتوقع أن يعلن عن تطبيع العلاقات بالكامل بين الرياض وطهران خلال الأسابيع الماضية، لكن انشغال حكومة مصطفى الكاظمي بأزمة تشكيل الحكومة حال دون ذلك.

وفي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإيراني منتصف الشهر الماضي للتلفزيون الرسمي قال إن بلاده تلقت رسالة من وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، مفادها أن "الجانب السعودي مستعد لنقل المباحثات إلى المستوى السياسي والعلني، ونحن أبدينا استعدادنا لدخول المباحثات المرحلة السياسية".

وفي أواخر يوليو/تموز أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن ولي العهد السعودي طلب منه استضافة اجتماع لوزير الخارجية السعودي مع نظيره الإيراني في بغداد.

قد تساهم عودة السفير الكويتي إلى طهران في إيجاد حل لمشاكل عالقة أبرزها الخلاف حول ترسيم الحدود بين الكويت وإيران والخلاف حول حقل الدرة المشترك بين الكويت والسعودية.

وحتى اليوم فشلت جولات الحوار بين إيران والكويت لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ومنها جولة مباحثات عام 2000 حاولت فيها إيران بدء تطوير حقل الدرة واستخراج الغاز منه، لكن الكويت هددت حينذاك برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية فتوقفت طهران عن عمليات التطوير.​​​​​​​

TRT عربي - وكالات