متى تتوقف فرنسا عن لعبها على الحبلين؟


الدار/ تحليل
من الضروري في المرحلة الراهنة التي يمرّ بها المغرب وشمال إفريقيا ككل التفكير جيدا في أبعاد المؤامرات التي تُحبك لهذه المنطقة، وتحاول زعزعة استقرارها والتلاعب بمستقبلها. التفكير العميق المطلوب في هذه المرحلة الحساسة يتجاوز الأبعاد الإقليمية الضيقة للصراع والخصومة التاريخية بين المغرب والجزائر، وتورّط نظام العسكر الحاقد في الكيد المستمر للوحدة الترابية للمغرب. كما أن هذه الرؤية المدقّقة لما يحدث تتجاوز تحركات بعض الدمى على شاكلة الرئيس التونسي قيس سعيد أو بعض المنظمات التي تأتمر بأموال البترودولار الجزائري. هناك حرب في مستوى أعلى تقودها للأسف بعض القوى التي كانت دائما تمثل حليفا تقليديا للمغرب وعلى رأسها فرنسا.

لنتحدث بصراحة وبأوراق مكشوفة. فرنسا قوة استعمارية سابقة تربطها بالمنطقة وبالمغرب والجزائر على الخصوص علاقات تاريخية قديمة، لكن ارتباط فرنسا بالجزائر مختلف تماما عن ارتباطها بالمغرب. فرنسا كانت ولا تزال تعتبر الجزائر جزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي، ومقاطعة من مقاطعاته، ولم تستطع إلى اليوم التخلص من الحنين إلى هذه العلاقة الاندماجية، التي لم يكن فيها أبدا منطق الندية والتكافؤ حاضرا في أي وقت من الأوقات. ومن هنا عقدة النقص التي تجتاح نظام العسكر وتبرز جليا في كل زيارة يقوم بها رئيس فرنسي إلى الجزائر. بينما لم تنس فرنسا أن المغرب امبراطورية عريقة كانت تقارع الكبار عندما تمدّ سلطتها على أجزاء من أوربا في شبه الجزيرة الإيبيرية أو غالبية مناطق غرب إفريقيا. ولذلك فإن المشروع الاستعماري الفرنسي في المغرب الذي لم يبدأ إلا في سنة 1912 كان يراهن على تمزيق أوصال الإمبراطورية العريقة والحد من نفوذها الترابي والسياسي والروحي.

واليوم نلمس أن التاريخ يعيد نفسه، هناك قرائن وشواهد عديدة تؤكد أن ما يحدث من تهجّم على المغرب ومحاولات متكررة لتحجيم دوره في إفريقيا وفي المغرب العربي مصدره الرئيسي هو هذه القوى الأوربية وعلى رأسها فرنسا، التي ترى أن الصعود والاختراق الذي تقوم به المملكة المغربية في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية في القارة السمراء، يمثل منافسة مباشرة لمصالحها ودوائر نفوذها المتراجعة. لا يجب أن ننسى أن فرنسا تعيش في الوقت الراهن معركة كسر عظام مفتوحة مع روسيا في المنطقة، وأن أُولى هزائمها كانت خروجها المذلّ من مالي، في الوقت الذي بدأت فيه دول أخرى في غرب إفريقيا تعلن رسميا رغبتها في التخلص من الهيمنة الفرنسية. وإذا كانت فرنسا لم يسبق لها أن صرحت بهذه الرغبة في الحد من النفوذ المغربي المتنامي فإن من ينقلون السياسات الأوربية سبق أن تحدثوا علانية عن ذلك كما حدث في المجلة الألمانية التي تحدث بعض خبرائها المقربين من السلطات عن ضرورة تحجيم دور المغرب في المنطقة لصالح الجزائر.

من هنا فإن السؤال الذي طرحه جلالة الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب الأخير كان سؤالا من أهم أسئلة المرحلة التي نعيشها. إن الحديث عن الشركاء التقليديين الذين ينبغي عليهم توضيح مواقفهم تجاه ملف الوحدة الترابية المغربية كان رسالة صريحة موجهة إلى باريس، التي كان من المفروض أن تكون من أوائل الدول السباقة في العالم لإصدار إعلان صريح ومباشر يؤكد دعم الوحدة الترابية للمغرب والخروج من دائرة المواقف الرمادية التي تتحجّج أحيانا بالشرعية الدولية ومقتضيات قرارات مجلس الأمن من أجل الاستمرار في هذا الصمت. هذا الصمت بالمناسبة هو الذي تتراكم تحت ظله الكثير من القرائن الإضافية المثيرة للشكوك مثل تعمّد السلطات القنصلية الفرنسية رفض أكثر من 70 في المائة من طلبات التأشيرة التي تقدم بها المواطنون المغاربة الراغبون في زيارة الديار الفرنسية.

ما نقوله اليوم عن لعب فرنسا على الحبلين، ليس نابعا فقط مما صدر عنها في الآونة الأخيرة تجاه المغرب وإنما أيضا من هذا التناقض الصارخ الملحوظ في سياساتها الإفريقية والعربية والمغاربية. ومن مشاهد هذه المفارقات الصارخة سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا إلى محاولة استقطاب المزيد من الغاز الجزائري نحو الأسواق الأوربية في الوقت الذي يعلم فيه الفرنسيون علم اليقين أن الجزائر تعد حليفا تقليديا لروسيا، التي تهدد بقطع إمدادات الغاز من أنابيب أوربا الشرقية. كيف يمكن الاعتماد على دولة تكاد تتحول إلى ولاية روسية من أجل محاربة الضغط الروسي من الجهة الأخرى؟ لأجل هذه المفارقات وغيرها، نتساءل: متى تتوقف فرنسا عن اللعب على الحبلين؟

تاريخ الخبر: 2022-09-03 21:24:39
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:21:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية