تاجز:

في حوار لوطني مع الدكتور أكرم حسام، نائب مدير مركز رع للدراسات الاستراتيجية، والخبير السياسي، والحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال: “إن التطورات الأخيرة التي حدثت في الجبهة الأوكرانية والحديث عن استعادة اكتر من 20 بلدة أو مدينة على حسب التقديرات الأوكرانية والغربية والحديث عن أن المساحة التي تم استعادتها تعادل مساحة لندن أو أكبر مساحة واشنطن، وهو مايشير إلى أنها ليست مساحة بسيطة والمفاجأة أن الاستعادة تمت في وقت قصير في شكل حرب خاطفة أو هجوم معاكس بشكل خاطف كانت نتيجته انسحاب للقوات الروسية من هذه المواقع وتمركزت في أماكن بعيدة عن نفوذ السيطرة الأوكرانية، تشير إلى أن الدعم الغربي أصبح أكثر حدة وانتقل من استراتيجية الدفاع للهجوم وهو التطور الهام.

وتابع قائلًا: “في بداية الحرب الروسية الأوكرانية كان هناك تحفظ أمريكي غربي على إرسال منظومات هجومية واكتفت بتزويد الأوكرانيين بنوعيات من المنظومات أو حتى بطاريات الصواريخ الدفاعية بمدى قصيرة ومتوسطة مع وضع شروط على استخدام بعض الأسلحة الغربية والأمريكية وهو ما ظهر في الانتقادات التي سمعناها من القيادة الأوكرانية للدعم الغربي، أما الشهرين الماضيين حصل تطور كبير للاستراتيجية الأمريكية والناتو بشكل عام بعد أن ارتأوا أنه لا مجال لإرغام روسيا للعودة لطاولة المفاوضات إلا بتحقيق نصر عسكري للأوكرانيين على الأرض ليخلق نوع من التوازن وهو ما رأيناه عند إمداد الأوكرانيين بأسلحة مثل منظومة هيمارس وهي منظومة أمريكية متطورة جدا وحققت نقلة في القدرة الأوكرانية في الحرب على المستوى الميداني، أيضًا ألمانيا بدأت الحرب بدفع مجموعات من الدعم الطبي والخوذات والأدوية ثم انتقلت تدريجيا الى إمداد أوكرانيا بأسلحة متطورة وبعضها اسلحة هجومية.”

ولفت إلى أن هذا التطور عزز الطموح الأوكراني بليس فقط الدفاع عن كييف بل أيضا استعادة المناطق التي تم احتلالها بما فيها دونباس والقرم. والآن أصبح هناك خطاب أوكراني يتحدث عن ان الحرب لن تنتهي إلا باستعادة القرم نفسها.

وأوضح الدكتور أكرم أن ما حدث يعبر عن خلل في الأداء العسكري الروسي وهو ما يشير إلى فجوة بين القيادات الروسية على الجبهة وبين منظومة القيادة والسيطرة في موسكو وعلى رأسها وزارة الدفاع والرئيس بوتين، ملمحًا إلى أن ذلك ما أشار إليه الرئيس الشيشاني بصورة أو بأخرى في إحدى التصريحات، حيث نبه إلى خطورة وجود نوع من الفجوة بين القيادة الميدانية وبين القيادة السياسية العسكرية في موسكو.

وألمح الخبير السياسي إلى أن ما حدث عقب استيلاء أوكرانيا على 20 مدينة أعقبه الرد الروسي بعنف وهو ما سيستمر في الحرب الفترة القادم، مؤكدًا أن الروس لن يسمحوا بأن يتم هزيمتهم.

ولفت إلى أن الجيش الروسي سيسعى إلى حماية سمعته وسمعة بلاده وسمعة الأسلحة الروسية التي روج لها بوتين خلال السنوات الماضية أنه يمتلك اسلحة لا تمتلكها الدول الغربية وقوى عظمى أخرى. وقال: “توقعاتي الشخصية أن أي هجوم من جانب أوكرانيا ستُقابل برد أعنف من جانب الروس، وهو ما رأيناه في الرد الروسي على استعادة أوكرانيا للمدن العشرين بإيقاع خسائر بقتل 500 عسكري أوكراني الروسية وإيقاع 1000 جريح حسب التصريحات الغربية. ونجد ربما لأول مرة يقوم الجيش الروسي بهذا الشكل بالكثافة النيرانية حتى في أماكن فيها مدنيين، وفي الغالب روسيا كانت تتجنب التعرض للأماكن المدنية في المراحل السابقة، لأنهم كانوا يريدون الاستفادة من أوكرانيا وعدم التورط في إعادة إعمارها أو استلامها ككومة من الخراب.

وشدد حسام على أن الهجمة الأوكرانية جعلت الجبهة الروسية أكثر عنفًا وشراسة، موضحًا أن الهدف الغربي الطامح أن الروس سيجلسوا للتفاوض تحت الضغط العسكري لن يتحقق.

وأفاد أن خروج روسيا منهزمة من تلك الحرب سيعيد روسيا إلى الوراء وهو ما لن يقبل به بوتين أبدًا، لافتًا إلى أن القوميون يضغطون على بوتين إلى احتلال كامل أوكرانيا وهو ما قد يحدث في حال تعرضت روسيا إلى الإهانة.

وأضاف نائب مدير مركز رع أن هناك سيناريو آخر وهو انفجار الداخل الروسي والضغط الداخلي على القيادات الروسية لإنهاء الحرب والاكتفاء فقط بالسيطرة على دونباس ودعم الجمهوريات المستقلة هناك وخصوصا أن تلك الجمهوريات بها قوات انفصالية هناك تستطيع تدافع عن أراضيها مع قليل من الدعم الروسي.

وفيما يتعلق بالبيانات المتعلقة بالحرب، أجاب د. أكرم حسام أن كل الأرقام الخاصة بالحرب الروسية الأوكرانية منذ انطلاقها وحتى الآن لا يمكن التحقق منها لأن الجبهتين يشنان معركة حرب نفسية وإعلام حربي ونفسي. لافتًا إلى أن الروس عندهم أرقام وتقديرات للمعركة من حيث أرقام الضحايا والأسلحة والأوكرانيين والغرب يقدمون رواية مختلفة منذ اندلاع الحرب وحتى الآن. ولهذا يمكننا أن نقول أن هناك ضحايا لكن العدد الحقيقي للضحايا غير معلوم، وهناك شراسة واضحة في استخدام الأسلحة والكثافة النيرانية من قبل الروس لكن مدى كثافة تلك الأسلحة غير واضح أيضًا.

وفيما يتعلق بتكوين عالم متعدد الأقطاب شدد دكتور السياسة والاقتصاد أن ذلك هدفًا روسيًا معلنًا وقد تحدث بوتين عن ذلك بوضوح في خطاب الحرب، وأجرى حديثًا في ذلك مع الصين وقد دعمته، فضلًا عن وجود دول أخرى مؤيدة لهذا الاتجاه. وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية هي نقطة مفصلية في مسار التحول أو انتقال العالم من نظام أحادي القطب إلى نظام ثنائي أو متعددة الأقطاب أو العودة إلى النظام الأحادي مرة أخرى. وفي حال هزيمة روسيا سنعطي مزيد من السنوات لهيمنة أمريكا على العالم.