أسعار الوقود: زيادة تكلفة المحروقات أججت مظاهرات في أكثر من 90 بلدا

  • إفريم غبريب وتوماس نادي ورانغا سيرلال وبيكي ديل
  • بي بي سي نيوز

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

خرج المتظاهرون في الإكوادور إلى الشوارع احتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود وغلاء المعيشة

تدفع تكاليف المعيشة الباهظة الناس للخروج إلى الشوارع احتجاجا على الأسعار المرتفعة. وقد رسمت بي بي سي خريطة لجميع المظاهرات التي اندلعت بشأن الوقود منذ يناير/ كانون الأول عام 2021، وكشفت عن زيادة هائلة في الاحتجاجات هذا العام.

تؤثر تكاليف الوقود على العديد من جوانب الحياة اليومية كالسفر ونقل البضائع والطاقة المستخدمة للتدفئة وتوليد الكهرباء.

كيف تستغل شركات النفط أزمة الطاقة العالمية؟

ما هو وضع الأمن الغذائي في المنطقة العربية؟

وقد دعا المتظاهرون في جميع أنحاء العالم إلى التغيير، إذ طالبو بتوفير الوقود بأسعار مقبولة.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • تونس: هل يستطيع قيس سعيد إنقاذ بلاده من أزمة معيشية خانقة؟
  • ارتفاع تكاليف المعيشة: كيف تتعامل الحكومات العربية مع أزمة غلاء المعيشة؟
  • التضخم: ما هي قطاعات الأعمال المستفيدة من ارتفاع الأسعار واضطراب الأسواق؟
  • التضخم: ما هو؟ ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟

قصص مقترحة نهاية

خرج الكثيرون في احتجاجات سلمية وهاجموا الحكومات.

وقد دفع البعض ثمنا باهظا لتلك الاحتجاجات.

الاقتتال على الوقود

كانت خديجة باه البالغة من العمر 16 عاما تقف على الشرفة الأمامية لمنزل عائلتها عندما أصيبت بالرصاص.

لعدة أيام كانت خديجة تراقب حشودا متزايدة من المتظاهرين تتجمع على بعد بضعة أمتار من منزلها على الجانب الشرقي من عاصمة سيراليون، فريتاون.

كيف تأثرت دول الخليج بالتضخم العالمي؟

ما الذي يمكن أن تفعله السعودية والإمارات للمساعدة في خفض أسعار النفط؟

لكن في 10 أغسطس/ آب، تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف. وأثناء اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، أصابت رصاصة طائشة خديجة وأردتها قتيلة على الفور.

لا تزال والدتها ماريا سيساي تكافح وتعاني من أجل التصالح مع فكرة فقدان ابنتها. وكانت خديجة الطالبة في المدرسة الثانوية المحلية تحلم في أن تصبح ممرضة ذات يوم.

التعليق على الصورة،

والدا خديجة، ماريا وعبدول

تقول والدتها: "أنا حزينة للغاية فقد كافحت بشدة ولمدة طويلة لتربية ابنتي لكنها الآن ميتة، إن ألما شديد يعتصر قلبي".

ولم يشهد هذا البلد الصغير الواقع في غرب أفريقيا مثل هذا العنف الشديد منذ سنوات. هذه المرة اندلعت أعمال العنف بسبب أسعار الوقود التي ارتفعت بصورة قياسية.

وفي شهر أغسطس/ آب، أسفرت اشتباكات عنيفة في العاصمة عن مقتل 25 شخصا، بينهم خمسة من ضباط الشرطة.

فقد تضاعفت تقريبا أسعار الوقود في البلاد منذ مارس/ آذار، إذ ارتفعت من 12 ألف ليون (0.86 دولار) للتر إلى مستوى قياسي بلغ 22 ألف ليون (1.58 دولار) في يوليو/ تموز الماضي.

ما هو التضخم؟ وكيف يؤثر علينا؟

شهادات عن معاناة الناس جراء أزمة غلاء المعيشة

وفي يوليو/ تموز قدم البنك المركزي عملات ورقية جديدة - شطبت ثلاثة أصفار من الليون - في خطوة لاستعادة الثقة في العملة التي تعاني من التضخم.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

خرج المتظاهرون إلى الشوارع في 10 أغسطس/ آب في فريتاون

في نهاية المطاف، هدأ العنف بعد أن أعلنت السلطات حظر تجول على مستوى المدينة، كما حجبت شبكة الإنترنت لمنع المتظاهرين من التواصل وتنظيم مسيرات أخرى.

أعلن رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، في وقت لاحق أن الاحتجاجات كانت محاولة عنيفة للإطاحة بحكومته. وعلى الرغم من ذلك، يعترض العديد من السكان على تصريحات الرئيس، قائلين لبي بي سي إنهم نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج ضد ارتفاع أسعار الوقود والطعام.

لكن سيراليون ليست وحدها في كفاحها ضد ارتفاع الأسعار والاحتجاج على غلاء المعيشة.

أزمة وقود عالمية

من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالمظاهرات في جميع أنحاء العالم، والتي تم جمعها من قبل مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (Acled)، أثبتت بي بي سي أنه بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من هذا العام، خرج الناس في أكثر من 90 دولة وإقليم إلى الشوارع بسبب ارتفاع أسعار الوقود أو عدم توفره.

وثلث تلك الدول لم تشهد احتجاجات على الإطلاق بشأن الوقود في عام 2021. على سبيل المثال، لم تشهد إسبانيا أي احتجاجات في عام 2021، لكنها شهدت 335 مظاهرة في مارس/ آذار من هذا العام فقط.

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

وباستثناء القارة القطبية الجنوبية، لم تخلُ قارة واحدة من احتجاجات الوقود في الأشهر التسعة الماضية.

وقد شهدت إندونيسيا أكثر من 600 مظاهرة احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود حتى الآن هذا العام مقارنة بـ 19 مظاهرة فقط في عام 2021. كما شهدت إيطاليا أكثر من 200 مظاهرة احتجاجية في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 مقارنة باثنتين فقط في العام الماضي. وفي الإكوادور، كانت هناك أكثر من ألف مظاهرة احتجاجية في شهر يونيو/ حزيران وحده.

الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لهنري ويلكينسون، رئيس جهاز الاستخبارات في شركة دراغونفلاي Dragonfly لخدمات الأمن والاستخبارات، هو المكان الذي تحدث فيه الاحتجاجات.

ويقول ويلكنيسون: "ما هو غير عادي هذه المرة هو أننا نشهد احتجاجات في أماكن لا تكون عادة مسرحا للاحتجاجات... لقد كان للحرب في أوكرانيا تأثير كبير ومن شأن حل النزاع فيها أن يخفف من حدة الأزمة العالمية بشكل كبير".

لماذا تقطع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا؟

لماذا لا تعمل الدول الكبرى المنتجة للنفط على خفض أسعاره؟

أسباب الارتفاع في أسعار الوقود

الحرب في أوكرانيا هي مجرد واحد من العديد من العوامل التي أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للوقود.

كان النفط الخام أرخص في بداية جائحة كوفيد، لأن العديد من الشركات أغلقت مؤقتا وتراجع الطلب على الطاقة. ولكن مع عودة الحياة إلى "الوضع الطبيعي الجديد" وزيادة الطلب على الطاقة، وجد الموردون صعوبة في مواكبة الطلب على الوقود مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

كما سجل الدولار الأمريكي أعلى مستوياته على الإطلاق مقابل العملات الرئيسية الأخرى: الجنيه واليورو واليوان الصيني والين الياباني. وبما أن ثمن النفط المستخدم في صناعة الوقود يُدفع بالدولار الأمريكي، فإن ضعف العملة المحلية مقابل الدولار يجعل الوقود أكثر تكلفة.

وأخيرا أدى الصراع الأوكراني الروسي إلى إعلان العديد من الدول حظرا على واردات النفط الروسية. وهذا يعني أن الطلب على النفط من منتجين آخرين قد ارتفع، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

من الانهيار الاقتصادي إلى الانهيار السياسي

من بين 92 دولة ومنطقة تعاني من اضطرابات مدنية بسبب ارتفاع أسعار الوقود، تصدرت سريلانكا عناوين الصحف الدولية في وقت سابق من هذا العام، بعد احتجاجات حاشدة قضت على الحكومة وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا.

وبوجود واحد من أعلى معدلات التضخم في أي مكان في آسيا في سريلانكا، يعاني سكانها من أزمة كبيرة في تكاليف المعيشة مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والدواء.

التعليق على الصورة،

الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في العاصمة السريلانكية كولومبو

ويمالا ديساناياكا البالغة من العمر 48 عاما، تمتلك كشكا للخضروات في ضاحية ثالاواثوغودا التي تقطنها الطبقة العليا في العاصمة السريلانكية كولومبو. تقول إن العائلة باتت تعتاش على ما يكفيها بالكاد.

وتضيف: "لقد تجاوزت أسعار كل شيء السقف المعتاد، تكاليف معيشتنا آخذة في الارتفاع لكن دخلنا لم يتغير".

وتتابع: "لدي ثلاثة أطفال وزادت أجرة الحافلات بشكل كبير، فهي تكلف الآن 100 روبية (0.27 دولار) لكل طفل للذهاب إلى المدرسة، أي 600 روبية (1.65 دولار) لأطفالي الثلاثة كل يوم".

تقول ويمالا إنها لم تعد قادرة على ملء شاحنتها الصغيرة بالوقود لنقل منتجاتها من وإلى السوق. بدلا من ذلك، يتعين عليها استخدام وسائل النقل العامة أو مشاركة الرحلة مع البائعين الآخرين.

"الأسعار مرتفعة جدا، ولا يرغب زبائني في إنفاق الكثير. الناس الذين اعتادوا شراء 500 غرام أو كيلوغرام واحد من الخضار يطلبون الآن 100 غرام أو 250 غراما. وأولئك الذين اعتادوا القدوم بالسيارة أو الدراجة النارية باتوا يأتون سيرا على الأقدام أو باستخدام دراجة هوائية".

لا نهاية تلوح في الأفق

بينما تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم سعيا حثيثا لإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية في بلدانهم، تستمر الاحتجاجات. لكن بالنسبة للبعض، التكلفة باهظة.

توصلت أبحاث بي بي سي إلى أنه في الأشهر التسعة الماضية فقد أكثر من 80 شخصا حياتهم بسبب الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود، ويشمل ذلك أفرادا من الأرجنتين والإكوادور وغينيا وهايتي وكازاخستان وبنما وبيرو وجنوب أفريقيا وكذلك سيراليون.

وبالعودة إلى فريتاون، فقد عاد الهدوء إلى الشوارع وأعاد معظم التجار فتح متاجرهم مرة أخرى. لكن بالنسبة لعبدول والد خديجة ولعائلته بأكملها، لن تعود الحياة كما كانت مرة أخرى.

يقول: "كانت ابنتي طفلة واعدة، لكنها قد رحلت عن عالمنا هذا".