لم يكن نجيب محفوظ العَالِم الوحيد بمكنون سر أن «الانطلاق من المحلية يذهب بك إلى العالمية»؛ فهناك رجل عَرِف السر نفسه وهو الرسّام الراحل حسن عبدالرحمن حسن، الشهير بـ«حسن الشرق».

في قرية على الضفة الشرقية من نهر النيل في محافظة المنيا، لم يخلع «حسن الشرق» المولود في 28 مايو 1949 جلبابه قط، ووصلت أعماله إلى متحف اللوفر والمتاحف العالمية.

وفاة حسن الشرق

غيّب الموت «حسن الشرق»، يوم الأربعاء 23 نوفمبر، عن عمر ناهز 73 عامًا، بعد أن أبهر العالم بفنه ووضع «زاوية سلطان» في المنيا على خريطة السياحة، إضافة إلى متحفه الخاص في قريته ليكون قِبلة لمحبي الفن في صعيد مصر.

وعن هذا الأمر يقول: «أقمت متحفي بجهودي الذاتية على مساحة 1800 متر. يضم ثلاث قاعات للوحاتي وقاعة للمقتنيات، التي حرصت على الحصول عليها في أثناء جولاتي الخارجية، إذ كنت أبادل لوحاتي مع لوحات فنانين تشكيليين عالميين، أعرض لوحاتهم في متحفي، ويعرضون هم لوحاتي في متاحفهم. ويضم المتحف نحو ألف لوحة، وهو مقصد للسياح القادمين من الخارج والمهتمين بالفن، رغم عدم إدراجه على خريطة المتاحف المصرية بشكل رسمي».

معين حسن الشرق

إلى جانب ما استلهمه «حسن الشرق» من الطبيعة والتراث وروحانيات أولياء الله الصالحين، شكّلت أحاديث جدته في طفولته والألعاب الشعبية التي اشتهر بها الصعيد مثل «السيجا والتحطيب»، فضلًا عن عبقرية المكان الذي عاش فيه، دورًا كبيرًا في تشكيل وجدانه المعرفي الفطري ومخزونه الثقافي.

يقول «الشرق» عن ذلك: «كنت أسمع شعراء الربابة يغنون للحب والعشق والخيانة، وأزور الموالد، فأجسّد حكاياتهم بريشتي وألواني، وأستلهم منها أفكارًا تكون معينًا لي، وتنبض بالروح المصرية الخالصة».

موهبته الفطرية لم يستطع الفكاك من أسرها وهو ما استشعرته المستشرقة الألمانية أورزولا شيورنج، في عام 1985 عندما شاهدت أعماله، فانبهرت بها ونظَّمت له معرضًا في القاهرة، لاقى نجاحًا كبيرًا.

رحلة إلى العالمية

ومن هنا بدأت رحلته إلى العالمية مع مجموعة من المعارض، كان الأول في ألمانيا بمدينة شتوتجارت ثم في ميونيخ، وفي عام 1991 أقيم معرض في فرنسا في متحف اللوفر، ثم في سويسرا، وفي عام 1994 بقصر برج برنبخ الشهير بألمانيا وبعدها مُنح مفتاح مدينة نيولابك الألمانية عن مجموعة أعماله الفنية.

«حسن الشرق» استلهم واستوحى عددًا كبيرًا من أعماله بالفطرة من الشعر أيضًا؛ متأثرًا بأعمال الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي «حكايات ألف ليلة وليلة، والسيرة الهلالية»، فضلًا عن الحياة اليومية للقرية المصرية بكل تفاصيلها من فلاحين وأفراح وليالي الحنة، وهو ما عبّر عنه كثيرًا في لقاءاته الصحفية عندما قال: «إن العودة إلى تراثنا وجذورنا طريقنا نحو العالمية».

حقق «حسن الشرق» المركز التاسع من بين 300 فنان في بينالي أقيم في أمريكا للفنانين التلقائيين، إضافة إلى منحه شهادة تعادل الدكتوراه الفخرية.