هكذا هشّم المتشددون إرث هاشمي رفسنجاني!


بعد مضي 6 سنوات على وفاته الغامضة، يبدو أن التيار المتشدد في إيران، مصرٌ أكثر من أي وقتٍ مضى على أن يُغيب ذِكرَ وأفكارَ هاشمي رفسنجاني، الرئيس الذي استطاع أن يقنع مؤسس الثورة الإيرانية روح الله الموسوي الخميني، بالقبول بالقرار الدولي رقم 598، والذي أصبح نافذاً في 8 أغسطس 1988، وعلى إثره توقفت حربٌ وصفت بـ"القاسية" بين الجارين العراق وإيران!

الشخصية القوية!

الباحث المختص في الشأن الإيراني حسن فحص، وفي مقال له بموقع "إندبندنت عربية"، حمل عنوان "المرشد الذي يعرقل الاتفاق"، 12 يناير الجاري، أشار إلى أن "رفسنجاني استطاع الحصول على موافقة الخميني في قرار وقف الحرب مع العراق، خاصة بعد أن قال له إنه على استعداد لتحمل مسؤولية هذا القرار وتداعياته، وأن يقدم إلى المحاكمة بتهمة الخيانة"، وبالتالي استطاع رفسنجاني أن يزيح عن كاهل من سيأتي بعد الخميني، ثقلَ ملف معقدٍ لا يستطيع أحد حسمه بسهولة!

أكثر من ذلك، عندما توفي الخميني، يونيو 1989، كان لهاشمي رفسنجاني، بوصفه رئيساً لـ"مجلس الشورى الإسلامي" وعضواً في "مجلس خبراء القيادة"، وأيضاً أحد رفاق مؤسس "الثورة الإسلامية" الأوائل، كان له دور رئيس في انتخاب آية الله علي خامنئي مرشداً أعلى للنظام، خلفاً للخميني، خصوصاً أن خامنئي حينها كان مع توجهٍ مفادهُ أن لا يكون "الولي الفقيه" فرداً واحداً، وإنما "مجلس قيادة" يتولى المسؤولية، إلا أن "الشيخ الرئيس" وبدعم من الراحل أحمد الخميني ومؤازرة المرجع الديني الفاضل اللنكراني، استطاع أن يُثبتَ انتخابَ خامنئي في منصبه.

هذه الجهود التي قام بها الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، لم تشفع له لدى أنصار "خط الإمام"، وتحديداً التيار الراديكالي، الذي ينظر لرفسنجاني بوصفه شخصية سياسية تتصرف ببرغماتية، وتبتعدُ يوماً بعد آخر عن أفكار الخميني!

هاشمي رفسنجاني رفقة مؤسس الجمهورية الإيرانية روح الله الخميني

منطقُ الدولة!

كان رفسنجاني يريد أن تتحول إيران من "الثورة إلى "الدولة"، إلا أن التيار "المتشدد" كان مصراً على استمرار "تصدير الثورة"، رغم أن رفسنجاني أصر على الحد من تغول "الأصوليين" في حياة الناس العامة، فعمد إلى تقييد نشاط دوريات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وسعى لأن يجعل "السياسة الخارجية" مناطة بمؤسسات الدولة المدنية، وليس "الحرس الثوري"، ولذا اشتغل على إغلاق مكتب "حركات التحرر" التابع لـ"الحرس"، والذي كان يدير شبكة من التنظيمات الثورية المناوئة لعدد من الدول الإقليمية، وهو الأمر الذي أثار عليه سخط "الأصوليين"!

تقاربُ هاشمي رفسنجاني مع دول الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية، والعلاقة الشخصية القائمة على الاحترام المتبادل، التي جمعته مع الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، لم تزدهُ في أعينِ "الأصوليين" إلا "قبحاً"، ولذا، كانت التهم والمؤامرات تحاك ضده.

الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني ومرشد الثورة علي خامنئي

مكائدُ الرفاق!

العام 2005، خسر "ثعلب السياسة الإيرانية" الانتخابات الرئاسية أمام شخصية تعتبر مغمورة جداً أمامه، ألا وهو رئيس بلدية طهران السابق محمود أحمدي نجاد، الذي صار رئيساً للجمهورية. حيث مُني رفسنجاني بهزيمة في انتخابات الإعادة، حاصلاً على 35% من الأصوات فقط؛ وذلك بسبب الدعاية المضادة السلبية التي صور فيها "المتشددون" رفسنجاني وعائلته بوصفهم "فاسدون" ينتفعون من أموال الشعب!

المفاجأة الأكبر كانت في الدورة التي تلتها، العام 2013، حيث قام "مجلس صيانة الدستور" برفض أوراق ترشح هاشمي رفسنجاني، واعتبر أنه غير مؤهل للدخول في السباق الرئاسي!

رغم أن الضربة كانت قاسية، إلا أن السياسي المخضرم لم يستسلم، وجرى بينه وبين رئيس الاستخبارات السابق حيدر مصلحي، جدلٌ علني، حين أعلن هاشمي رفسنجاني أن مصلحي هو من كان وراء شطبه من قوائم المرشحين، حيث ذهب إلى مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الماضية وطالب بحذف اسم رفسنجاني من القائمة بحجة أن "شعبيته تزداد يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، وفي حال ترشيحه سيجلب أكثر من 70% من الآراء"، وفق ما قاله رفسنجاني، ونشرته "العربية.نت" في تقرير حينها، ليرد صالحي باتهام رفسنجاني بأنه "رأس الفتنة"، وأنه يحاول من خلال هذا الكلام، صرف أنظار الرأي العام الإيراني عن فساد أولاده في عام 2009، بحسب ما نقلته وكالة "فارس".

بعد سنوات على الواقعة، تبينَ أن رواية هاشمي رفسنجاني كانت صحيحة، حيث أثير الجدل بعد تحدث حيدر مصلحي الذي شغل منصب وزير الاستخبارات الإيرانية في حكومة أحمدي نجاد، في مقابلة نشرت يونيو 2021، جاء فيها أنه أبلغ مجلس صيانة الدستور بأن تقييم وزارة المخابرات من نبض الشارع يشير إلى فوز هاشمي رفسنجاني في انتخابات 2013، وأكد أن استبعاد رفسنجاني ضروري للحفاظ على النظام!

التصريحات التي أثارت لغطاً لدى النخبة الحاكمة في إيران، وصفها البرلماني إبراهيم رضائي بـ"الشاذة"، وأنها نموذج من "النفوذ في التيار الثوري"، وقال: "في المستقبل ستتضح طبيعة هذه الحركة المشبوهة"، وفق تقرير نشره موقع "إيران إنترناشيونال"، رصد فيه تعليقات متنوعة على حديث صالحي!

جنازة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني

الحاجة لرفسنجاني!

اليوم، وفي الوقت الذي تشهد فيه إيران حركة احتجاجية واسعة من التيار "المدني" الرافض لحكم رجال الدين، يزادُ السؤال عن مدى أهمية وجود شخصيات كالراحل هاشمي رفسنجاني، قادر على التواصل مع النخب المدنية والتكنوقراط، وعلى مد جسور الحوار والتعاون مع دول الجوار العربي، خصوصاً أنه اشتغل على إعادة تأهيل الدولة بُعيد توقف المعارك على جبهات القتال في الحرب التي دامت 8 سنوات بين إيران والعراق.

"إيران إنترناشيونال"، نشرت خبراً جاء فيه، أن إسحاق جهانغيري، النائب الأول لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، أشار إلى الاحتجاجات العارمة ضد النظام الإيراني، وقال إن الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني قال له في لقاء جمعهما: "إنني قلق من أن يأتي يوم تنهض فيه نساء البلاد ضدنا بجدية".

من جهتها، نشرت صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية صورة كبيرة لرفسنجاني في صدر صفحتها الأولى، وعنونت "غياب الوسطية في الذكرى السادسة لرحيل آية الله رفسنجاني؛ غائب عن الوسط".

هذا الإحساس لدى النخب السياسية الإيرانية، الإصلاحية منها أو تلك الوسطية والواقعية، بمدى الفراغ الذي أحدثه غياب هاشمي رفسنجاني وتياره السياسي "كوادر البناء"، والتضييق الذي طال عائلته وأنصاره، جعلت صحيفة أخرى تستحضرُ "الشيخ الرئيس"، وهي "جمهوري إسلامي"، والتي رغم أنها ليس بمحسوبة على "التيار الإصلاحي"، إلا أنها وفي افتتاحيتها، أوردت عدداً من صفات رفسنجاني، واصفة إياه بأنه "أحد أعظم الرجال السياسيين في العالم"، وفق ترجمةِ موقع "جادة إيران"، مبينة أن "أغلب المفكّرين والخبراء والسياسيين الذين عاصروا رفسنجاني لا يزالون يكنّون له الاحترام، في حين شكل الرجل هدفًا في الداخل لدعاية سلبية واسعة النطاق وتعرض لضغوط سياسية شديدة، حتى عندما لم يكن في السلطة"، معترفة بأن "الضرر الذي لحق بالبلاد اليوم سببه سياسة إعطاء المجال لعناصر متطرفة ومؤثرة"، ومؤكدةً "أنها نفس السياسة التي عزلت رفسنجاني سابقًا".

إذن، ما حصل للرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، لم يكن بسبب أخطائه السياسية، أو انغماسٍ في الفساد، أو عدم حفاظ منهُ على الدولة ومقدراتها، كما يدعي خصومه؛ وإنما كانت سياسة ممنهجة ومقصودة، تواطأ على تنفيذها "المتشددون" طوال سنوات، دون اكتراث من عدد من رفاق درب الثورة، بل بمباركة بضعهم، والذين كانوا يهيلون التراب على "الشيخ الرئيس" ليدفنوه ويقبروا معه أفكاره ونهجه السياسي.

تاريخ الخبر: 2023-01-19 12:17:46
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

روسيا تشهد اليوم مراسم تنصيب بوتين رئيسا للبلاد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:06:55
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 86%

استراتيجية بايدن المتهورة قد تؤدي لحرب خطرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:16
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

دعاية النظام الجزائري.. خطاب صبياني واتهامات مضللة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-07 03:24:50
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

معركة بالأكياس بين الطلاب الأميركيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:17
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 99%

إيلون ماسك يتوقع اكتشاف آثار لحضارات فضائية قديمة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:06:57
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 86%

"لن يوجد يهودي آمن حتى يصبح الجميع آمنا"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:15
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:06:56
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 85%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية