الصحراء الغربية: هل تحجب ظلال "المنطقة الرمادية" رؤية مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية؟


إعلان

كان المغرب أول بلد في المنطقة المغاربية يزوره إيمانويل ماكرون إثر انتخابه رئيسا لفرنسا في أيار/مايو 2017، وأبدى سيد الإليزيه خلال هذه الزيارة  لـ"بلد صديق وشريك استراتيجي"، "إرادة لمواصلة الاهتمام بمصالحنا المشتركة، ليس فقط بالمغرب، ولكن أيضا بالمنطقة وبأفريقيا".

لكن منذ ذلك الحين جرت الكثير من المياه تحت الجسر، وفقدت هذه العلاقات الفرنسية المغربية جزءا كبيرا من بريقها، وتحديدا في الأشهر الأخيرة، وأصبحت حديث وسائل الإعلام هنا وهناك بأنها دخلت مرحلة من الجمود لأسباب مختلفة، أبرزها قضية الصحراء الغربية التي قرر المغرب بناء شراكاته بالاعتماد على مواقف الدول منها.

ويدور هذا النزاع منذ عقود بين الرباط وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر المجاورة. وتدعو البوليساريو لإجراء استفتاء حول تقرير المصير برعاية الأمم المتحدة بينما تسعى الرباط إلى كسب التأييد الدولي لمقترح حكم ذاتي تحت سيادتها.

وكان الملك محمد السادس واضحا في خطاب له بهذا الشأن بمناسبة "ثورة الملك والشعب" في الصيف الفائت إذ قال "أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".

طبعا، لم تكن قضية الصحراء الغربية لوحدها التي أثرت على العلاقات بين البلدين، بل ظهرت قضايا أخرى زادت من بعد المسافة بين شريكين تاريخيين، بينها قضية التجسس "بيغاسوس" التي اتهم فيها المغرب بأنه تجسس على الرئيس ماكرون وسياسيين وصحافيين، وأيضا ملف الهجرة وتقليص باريس للتأشيرات الممنوحة للمغاربيين جميعا، "معاقبة" لبلدانهم على عدم التعاون في ترحيل المهاجرين الذين دخلوا التراب الفرنسي بطريقة شرعية.

"شراكة مثالية"

في كانون الأول/ديسمبر، لاحت في أفق العلاقات بين الرباط وباريس مؤشرات إيجابية عقب الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى الرباط، والتي أعلنت خلالها انتهاء "أزمة التأشيرات"، وهو قرار اتخذ "من جانب واحد من طرف السلطات الفرنسية" حسب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مفضلا عدم التعليق عليه "احتراما لسيادتها"، لكنه اعتبره "يسير في الاتجاه الصحيح".

رد وزير الخارجية المغربي جاء ليؤكد انزعاج الرباط من الشريك الفرنسي، وأن بلاده  تنتظر خطوات أكبر منه لترميم ما تكسر في العلاقات بين العاصمتين. وحسب تصريحات كولونا، فرنسا ترغب في أن تكون علاقتها مع المغرب "شراكة مثالية، استثنائية، أخوية وعصرية".

وهذه "الشراكة المثالية" التي تحدثت عنها مسؤولة الدبلوماسية الفرنسية، تريد الرباط "تطويرها" وفق رؤيتها لملف الصحراء ومكاسبها الجديدة بخصوصه، لاسيما الاعتراف الأمريكي بمغربية المنطقة ودعم إسبانيا وألمانيا لمقترح الحكم الذاتي المغربي. "خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبفضل مبادرات الملك محمد السادس، حصلت تطورات جوهرية في موقف البلدان القريبة من فرنسا، سواء على المستوى الجغرافي أو السياسي"، يلفت بوريطة في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع نظيرته الفرنسية أثناء زيارتها المغرب.

لكن كولونا لم تفوت الفرصة للتذكير بالموقف الفرنسي. "بخصوص مخطط الحكم الذاتي، فإن موقفنا يدعم المغرب. وقد أظهرنا ذلك في الأمم المتحدة حتى في الوقت الذي كنا فيه الوحيدين الذين لديهم الإرادة لتطوير بعض الأفكار". إلا أنه يبدو أن بقاء الموقف الفرنسي في هذا المستوى لم يعد يرضي الشركاء المغاربة، لا سيما مع مواقف أكثر تقدما لدول أخرى أقل شراكة مع الرباط.

"معروف أن فرنسا لا تريد أن تملى عليها سياستها حول الصحراء الغربية"، تقول الخبيرة السياسية المتخصصة بالمنطقة المغاربية خديجة محسن فينان لوكالة الأنباء الفرنسية، قبل أن تضيف: "تنوي فرنسا إظهار أنها تستطيع إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية، لكنها تقرر وحدها سياستها بشأن الصحراء الغربية".

"المنطقة الرمادية"

وهذا الموقف تنظر له الرباط كـ"منطقة رمادية" حسب تعبير رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في مقابلة مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، إذ أكد على ضرورة "خروج فرنسا منها"، معتبرا أن باريس لا يجب أن تكتفي اليوم بلعب "دور الملاحظ"، باعتبار أن "هناك تطورات كبيرة في قضية الصحراء عقب اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية".

وكتفسير لمفهوم "المنطقة الرمادية" بالنسبة للحكومة المغربية، يقول الأستاذ الجامعي ورئيس المرصد المغربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية ميلود بلقاضي، إنه "في ظل التطورات المتسارعة للوحدة الترابية، حدد عزير أخنوش خطة تواصلية مع عدة مؤسسات وطنية ودولية لجعل قضية الصحراء المغربية قطب الرحى في هذه الخطة خصوصا في عالم أصبحت السياسة فيه خادمة للاقتصاد والمال. وأخنوش سيد العارفين بهذه المعادلة لذلك نلاحظ ظهورا مثيرا في خطاباته حول الصحراء لمفهوم المنطقة الرمادية".

ويعود هذا المفهوم، حسب بلقاضي، "إلى خطاب الملك بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لـ’ثورة الملك والشعب‘، والذي شكل محطة تطور في علاقات المغرب مع شركائه الغربيين بعدما أكد بلغة صارمة جدا أن ملف الصحراء، هو ’النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات‘".

ويقصد أخنوش "بالمنطقة الرمادية" تحديدا، حسب بلقاضي، "عدم الوضوح في المواقف من الوحدة الترابية". وبالنسبه له "لا يعقل أن يرتبط المغرب بشراكات اقتصادية مع عدد من الدول تستثمر في الصحراء المغربية وتبقى مواقفها مزدوجة وغامضة. إما أن تكون الشراكة شاملة اقتصاديا وسياسيا أو لا تكون".

وتعتبر المقاربة المغربية للعلاقات بين الرباط وباريس نوعا من الضغط تمارسه الأولى لأجل انتزاع مكسب دولي جديد تجاه رؤيتها لملف الصحراء في خضم أجواء جيواستراتيجية جديدة. وهذا الأمر يفسره بلقاضي بأن ملك المغرب "مدرك جيدا للنظام الدولي الجديد الذي لا مكان فيه لدول دون سيادة قرارتها".

كما أضاف أن "الملك طبق مضمون خطابه. وهو اعتبار ملف الصحراء معيارا يحدد مستوى العلاقات مع باريس لأسباب متعددة:

أولا- فرنسا كانت مستعمرة للجزائر والمغرب وهي من وضعت هذه الحدود بشكل ملغوم.

ثانيا- هي أكثرالدول معرفة بحقيقة الصراع المغربي الجزائري...

ثالثا- فرنسا أول شريك اقتصادي للمغرب ومن أكبر الدول استثمارا في الأقاليم الجنوبية، فغير معقول أن تبقى في مواقف الحياد والمناطق الرمادية اتجاه مغربية الصحراء".

مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية 

يبقى التساؤل الأكبر في خضم هذه التجاذبات حول ملف الصحراء الغربية، هو أي مستقبل للعلاقات المغربية الفرنسية؟ الأكاديمي العراقي الباحث في العلاقات الدولية د. حميد الكفائي، يبدو متفائلا بهذا الشأن، ويعتقد أن هذه العلاقات سوف تحافظ على طبيعتها بين البلدين.

وذلك، لأن "علاقة المغرب بالدول المختلفة، بما فيها فرنسا، هي علاقات متوازنة، مبنية على المصالح، وهي عقلانية في العادة. والمغرب لا يدخل في علاقات متشنجة مع الدول الأخرى حتى وإن اختلف معها"، حسب تفسير الكفائي.

ويبدو أن فرنسا تجد نفسها في موقف حرج أمام الخصومة التي تعمقت بين جارين شقيقين، أي المغرب والجزائر، وفق ما يفهم من توضيحات الكفائي: "فهي تهتم بإرضاء الجزائر على الأقل حاليا، لأن الجزائر تزود أوروبا بالغاز... كما أنه عليها أن تحافظ على علاقاتها مع شريك اقتصادي مهم بالمنطقة" أي المغرب.

ويعتبر الكفائي أنه "ليس في صالح باريس اتخاذ موقف محدد، أي أن تغادر ’المنطقة الرمادية‘ كما طلب منها رئيس الوزراء المغربي". ويضيف: "بالتأكيد أن فرنسا تؤيد الطرح المغربي في ملف الصحراء، لكن لا يمكن أن تتجاوز هذا المستوى، وإن كانت الرباط تصر وهي محقة في ذلك".

ويعتقد الباحث في العلاقات الدولية أن المغرب يمرر رسالة عبر فرنسا للدول الأخرى أيضا "حتى تفهم أنه لا يتساهل بشأن قضية الصحراء. ويضع هذه الدول أمام مسؤوليتها".

ولا يمكن لوضع كهذا بحسبه، أن "يضر بالعلاقات المغربية الفرنسية كثيرا. ففرنسا تستثمر كثيرا في المغرب وهو المستفيد الأول من هذه الاستثمارات. وهي تؤيد الرباط في مجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء كذلك... فالعلاقات بين البلدين ستستمر وإن لم يتطور موقف باريس من الصحراء وحتى من الجزائر. ولا أعتقد أن فرنسا ستغير موقفها من القضية". في كل الأحوال، الصورة قد تتوضح أكثر مع الزيارة المرتقبة لماكرون إلى المغرب، والتي من المفترض أن يقوم بها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.

 

بوعلام غبشي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-01-19 21:16:52
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 84%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 18:26:01
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 18:26:10
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 18:26:11
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 18:26:17
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية