عن الأحزاب السياسية العسكرية


عن الأحزاب السياسية العسكرية

خالد فضل

لم يعد تذويق الحديث عن المنظومة العسكرية والأمنية ينفع، ففي ظل واقع يعرفه كل الناس بات من المستحيل التستر وراء الرغبات أو التمنيات أو التطلعات.

فمن الحقائق الواضحة وضوح الشمس في نهار قائظ أنّ هذه المنظومات تشكل أحزاباً سياسية مكتملة الأركان، فهي تضم مئات الآلاف من السودانيين، شأنها شأن أي حزب عتيد، الفرق أن جميع منسوبيها يتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم من ميزانية الدولة، ثم هي تمارس السياسة في أرفع مستوياتها؛ الحكم وإدارة شؤون البلاد وفق رؤية سياسية محددة، بل هذه الأجهزة وخاصة الجيش يعتبر أكثر الأحزاب التي حكمت البلاد لأطول فترة، ونفذ هذا الحزب العسكري ما يريد من الأطروحات السياسية.

حارب من اختلف معه سياسياً، وقصف من قصف وقتل من قتل وجرح وأعاق، كل ذلك بإدعاء حماية الوطن وفق رؤية سياسية محددة، ففي فترة رئاسة الفريق عبود (عليه الرحمة) لذلك الحزب المسلح والدولة بالتالي، كانت الحرب ضد المتمردين الجنوبيين بداعي أسلمة وتعريب الجنوب لتأسيس الوحدة الوطنية كما تتصورها الرؤية السياسية لحزب الجيش، وفي فترة زعامة المشير المرحوم النميري للحزب والحكم في السودان كانت رؤيته الوطنية للسودان وما يجب أن يكون عليه السودانيون تتلخص في بادئ الأمر في محاربة الرجعية والطائفية وحل مشكلة الجنوب بالطرق السلمية ونمط التنمية الاشتراكية! ثم تبدلت رؤية ذاك الحزب على أخريات أيامه في اغتصاب الحكم (دون انتخابات طبعاً) إلى سوق السودانيين إلى الحكم بما أنزل الله تحت إمرة أمير المؤمنين! ثم خلف النميري في رئاسة الحزب العسكري ورئاسة البلد المشير البشير، والذي لم يحتج لزمن طويل حتى يعلن السودان أرض المعاد للدولة الإسلامية المزعومة، والسودانيون للجنة يساقون زمراً زمراً، والتنمية والاقتصاد والتعليم والإعلام وحتى الطب والهندسة تنبع من تررررااااثنا الإسلامي الزاهر!!!

كانت تلك رؤية سياسية شاملة وشمولية، وقادة المنظومات العسكرية يأمرون جنودهم بحمل الناس على ما يشتهي طموح القيادة، وقادة الأجهزة الأمنية يتبارزون في إظهار رؤاهم الفكرية والسياسية، وحميد النصيح يرحمه الله في رسائل ست الدار بت أحمد جابر وعلى لسان الزين ود حامد (البوليس صاقع فينا شيوعية فاكر نفسو بنبذ فينا) أها من يذم الآخرين بانتمائهم لحزب معين كيف يتأتى له ذلك إن لم يكن هو نفسه من منسوبي حزب آخر مناوئ، يرى في الشيوعية تهديداً لمصالحه الطبقية، صدف أن هذا الحزب هو حزب البوليس!! ولا تقل لي المهنية، هل سمعتم بالأطباء يتولون الحكم بزعم إنقاذ البلاد من الكوليرا والحانكلو، أم هل استولى المهندسون على السلطة بدافع تصليح الطرقات، إنّهم مهنيون مثلهم مثل من يرتدي البزّة فوق كتفو النجم والصقر مقصّب، والمعروف أنّ كل هذه المهن يسعى لها الناس اختياراً وليس غصباً، فلم يجتمع أهل صراصر مثلا ليدفعوا ابنهم البشير للكلية العسكرية عن طريق صناديق الاقتراع حتى يأتينا آخر الزمان ليحكمنا 30 سنة، كما ليس لنا دخل في أحلام والد البرهان وطموحاته، فطريق الرئاسة في البلد المحترم والشعب الجدير بالتقدير هو أصوات الناخبين وليس فتح الزنازين للمعارضين، لماذا يقول لك المحقق الأمني وهو يستدعيك لأنّك كتبت رأياً ضد رأي الجبهة الإسلامية وممارستها: شوف نحنا الإسلاميين أهل الحرية والديمقراطية ولستم أنتم. الله أنت في تحقيق أمني (مهني) أم في حلقة تقريع سياسي حزبي؟ وتقول لي مهنية!!

من الأفضل والحال هكذا أن نعترف بهذه الأحزاب السياسية العسكرية رسمياً، وهي بالفعل كذلك، فجماعة أنانيا 1 زمان عندما تمّ استيعابهم في الجيش لم يكن ذلك لأنهم قدّموا طلبات التحاق بالخدمة واجتازوا الشروط الموضوعة للتوظيف في مهنة العسكرية، لكنهم دخلوا حزب الجيش من طرف حزب الأنانيا بتحالفه السياسي مع ذلك الحزب وتقاسم السلطة معه، وهو ذات ما فعلته أحزاب جبريل ومناوي  وعقار… إلخ، فمنسوبي أحزابهم السياسية العسكرية هم الذين دخلوا في رحاب الحزب السياسي العسكري الكبير الحاكم، ولم يدخل أؤلئك الأفراد من بوابة خيم تجنيد المستجدين المنصوبة في الأسواق مثلما كان يحدث في أوقات سابقة. وبرضو تقول لي مهنية؟.

ثم ها هو الحزب السياسي العسكري الآخر الكبير الدعم السريع، نبدأ معه من حيث انتهت تسميته، مثلما هي الحال مع حزب جماعة الإسلام السياسي الذي ابتدأ بالإخوان المسلمين مروراً بجبهة الميثاق فالحركة الإسلامية فالجبهة الإسلامية حتى استقر أخيراً على المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي والإصلاح الآن!! ابتدر الدعم السريع عهده بنظام تأسيس، وتبعية لحزب جهاز الأمن، وتنافر الموقف السياسي للمنظومتين السياسيتين العسكريتين، فانضم لحزب المشير البشير، وصار حميدتي من جماعته المقربين أو كما قال المخلوع (ناسي)، وصدع الخلاف السياسي بين قيادة حزب الدعم وأحمد هرون القيادي في الحزب العسكري الكبير حتى قال حميدتي (مكان هرون السجن وليس والي ولاية)!! ولأنّ الطريفي زول نصيحة، واصل حميدتي نسج المواقف السياسية لحزبه العسكري، فوقف مع الثورة ورفض إبادة الشباب والصبايا في البداية، ووافق في النهاية على فض (كولومبيا) وحدث ما حدث كما قال السياسي القيادي الكبير في الحزب العسكري الأكبر، ومؤخراً صارت تصدر من القيادات في الحزبين العسكريين الكبيرين تصريحات متناقضة، فرئيس حزب الجيش البرهان يظهر تنصله مما يعرف بالاتفاق الإطاري الموقع مع أحزاب سياسية غير عسكرية، وحميدتي يعلن تمسكه بما وقّع، بل يدعو الممانعين للتوقيع ويستشهد بالاقتباس من القرآن (إنّ العهد كان مسؤولا)!! وكلا الموقفين من المواقف السياسية التي لا يختلف في توصيفهما شخصان، إضافة إلى الممارسة الفعلية للعمل السياسي وشؤون الحكم كما أسلفنا القول، أبعد هذا ندفن الرؤوس في الرمال ونعيد مبحوح القول عن، قومية ومهنية وحيادية و و و و!

هل سمعتم يوماً في بلد ديمقراطي عريق بأنّ قيادة الجيش أو الأجهزة الأمنية يمهرون بتوقيعاتهم نصوص وثائق سياسية مع قوى وأحزاب مدنية؟ هل يحدث هذا من أكبر وأقوى جيش في العالم اليوم وهو الجيش الأمريكي أو الجيش الإسرائيلي! ويحدثونك عن الانسحاب من السياسة ها ها ها ها……

تاريخ الخبر: 2023-02-09 21:24:14
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

القمة العربية.. عزيز أخنوش يتباحث بالمنامة مع الرئيس العراقي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:25:42
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

التشهير بـ10 متحرشين خلال 25 يوما السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:23:55
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

الهيئة الملكية في ينبع تقيم لقاء رواد الاعلام السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:23:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

القمة العربية.. عزيز أخنوش يتباحث بالمنامة مع الرئيس العراقي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:25:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية