كتاب الأب الغني والأب الفقير: قصة مراهقَيْن دفعهما الكتاب إلى ترك المدرسة والمنزل بحثا عن الثروة


AFP
كانا يحلمان بغيابٍ يمتد لستِ سنوات؛ بحثا عن ثروة يصنعانها بالاستثمار والعمل الحر، بعيدا عن البيت والمدرسة، لكنَّ رحلة المراهقَيْن الأردنيين انتهت بعد عدة أيام عندما عثرت عليهما السلطات الأمنية في العاصمة عمّان. بدا أن حياة الصديقين المراهقين أيهم العمري وراشد الصبح تسير وفق طموح أسرتيهما، فهما يتعلمان في مدرسة حكومية تحتضن الطلبة المتميزين، ويعيشان في بيئة أسرية صحية كما يقول حسين العمري والد أيهم. ويضيف العمري أن ولده يتميّز بذكائه وشعبيته بين أهله، لكنَّ أيهم الذي بدأ مؤخرًا في إهمال دراسته قال لوالده ذات يوم إن الدرجات المدرسية مجرد أرقام على ورق لا معنى لها، وإن سقفها موظف محكوم بالفقر، وهذا خطاب جديد على أسرة العمري، كما يقول الأب. كتاب "الأب الغني والأب الفقير" هذا الخطاب الجديد الذي تبناه الصديقان أيهم وراشد شرحاه في رسالة من أربع صفحات مكتوبة بخط اليد وبلغة عربية تنم عن جدية الطالبين. وتشير الرسالة التي تَركها المراهقان لأسرتيهما إلى أنهما قرءا كتابًا بعنوان "الأب الغني والأب الفقير"، من تأليف الكاتب الأمريكي روبرت كيوساكي بالاشتراك مع شارون إل.ليتشر. ويشرح الصديقان أيهم وراشد أنهما تدارسا الكتاب أربعين يوما واكتشفا أن التعليم التقليدي يصنع موظفين فقراء، وأن النظام العلمي العالمي يهدر قدرات الناس ويحولهم إلى موظفين فقراء، وأن من يريد فهم طبيعة المال والاستثمار فعليه تعلم ذلك خارج أسوار المدارس والجامعات. ومن هنا، غادر الصديقان منزليهما ومدرستهما عازمين على الغياب لست سنوات، في رحلة صناعة الثروة التي ستكون "خادمة" لهما، وليس العكس، كما تقول الرسالة. هذا الكتاب من تأليف الكاتب الأميركي ذي الأصول اليابانية روبرت كيوساكي بالاشتراك مع شارون إل.ليتشر، ويحكي كيوساكي في الكتاب الذي حقق انتشارا عالميا واسعا قصة طفولته بين نصائح والده المتعلم المكافح والذي سماه "الأب الفقير"، ووالد صديقه مايك، رجل الأعمال الذي لم ينهِ تعليمه المدرسي لكنه كان واحدا من أثرى أثرياء هاواي وسمّاه "الأب الغني". ويحاول الكاتب شرح قاعدته الأهم "الأصول والخصوم" وهدم كثير من المعتقدات السائدة عن المال وطبيعته، وعدم الحاجة للمنظومة التعليمية الكلاسيكية للوصول إلى الثراء. ويصف الكتاب الذي تم نشره قبل نحو ربع قرن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها روبرت كيوساكي في الولايات المتحدة الأمريكية واستطاع من خلالها تكوين رؤيته وثروته.

رفض الواقع وحب المغامرة

يقول الباحث الاجتماعي الأستاذ الدكتور حسين الخزاعي إن أكثر ما يميز هذه الفئة العمرية الصغيرة من شباب اليوم هو رفض الواقع، وحب المغامرة، وإثبات الرجولة والحرص على التغيير نحو الأفضل. ويضيف أن عصر السرعة لا يسمح للشباب بالانتظار كحال آبائهم وأجدادهم، بل يبحثون عن تحقيق أهدافهم بشكل فوري ودون القيود الزمنية التي يفرضها التعليم والعمل والراتب الشهري. ويرى الخزاعي أن هذين الشابين ربما تعرضا للإغراء بعد قراءتهم هذا الكتاب، لكن دون أن يأخذا بعين الاعتبار الفروقات بين المجتمعَين الأردني والأمريكي. ويقول الخزاعي إن الواقع الاقتصادي وانتشار الفقر والبطالة اليوم من الأمور التي تمنع الشباب من الحصول على الثروة، أو حتى تأسيس مشروع شخصي. ويؤكد الخزاعي أن نحو 50 في المئة من الشباب الأردني يعاني من "البطالة اليائسة"، في إشارة إلى هؤلاء الذين أمضوا سنتين فأكثر بلا عمل، ويضيف أن الظرف الاقتصادي يشكل عاملا مهما فيما سمّاه "الطرد الإجباري". ويقول إن الشباب العربي يتمتع بحس انتمائي عالٍ تجاه أسرته، لكنه يعيش اليوم غريبا داخل بلده، وحتى داخل أسرته؛ نظرا للضغوطات والظروف الاقتصادية والبطالة وتآكل الطبقة الوسطى، إلى جانب ترويج بعض الأفلام أو الكتب لنماذج ريادية فاحشة الثراء وامتلاء الفضاء الإلكتروني بالمشاهير أصحاب "الحياة المثالية"، وهو ما يحفز حرمان الأسرة من أُلفة أبنائها ويدفع الشباب للتمرد على واقعهم الجامد.

مراهقان "أكثر وعيا"

تقول فداء أبو الخير، الأستاذة المساعدة في جامعة عمّان الأهلية في علم النفس الإكلينيكي، إنها تنظر لأيهم وراشد بعمرهما العقلي وليس الزمني، وتعتقد أنهما "أكثر وعيا" من أقرانهما، وذلك نظرا للطريقة التي كتبا بها الرسالة ووجودهما في مدارس مخصصة للمتفوقين. وتضيف إلى ذلك أن العالم اليوم أصبح أوسع، ما يعني أن التربية والتعليم ليسا محصورين بالأسرة ولا حتى المدارس التي صارت بحاجة لإعادة النظر في منظومتها ككل، لكن لهذا الانفتاح العقلي وجهان: إيجابي وسلبي، وهنا يأتي دور الإرشاد والمتابعة. وتشير إلى أن المراهقين يتأثرون بنماذج سلبية، سواء من المشاهير أو الرياديين، الذين جنوا مالا سهلا وسريعا، وضخما، مما يحصر تفكير الأولاد في المشاريع الخاصة التي يرونها طريقا سهلا للثروة. لكن أبو الخير تؤكد أن نماذج الأثرياء الذين نجحوا بسبب فكرة ما، معدودة على أصابع اليد، وإن الكثير من ريادي الأعمال يعانون من نسب اكتئاب عالية، في حين لا يتم التركيز على النماذج التي كافحت ونجحت واغتنت بشهاداتها العلمية وقدمت إسهامات جليلة للعلم والعالم.

أهمية قنوات الاتصال

وتضيف أبو الخير أن وجود قناة اتصال مفتوحة بين الأبناء والأسرة، والمدارس، والجامعات، أمر أساسي لتقليل الفجوة مع هذا الجيل والاستماع له واستغلال قدراته وميوله بشكل إيجابي، حتى لا يتم استغلال طاقته سلوكيا واجتماعيا بشكل سلبي. كما ترى أن مسؤولية التواصل مع الأبناء مشتركة، وتبدأ من الأسرة والمؤسسات التعليمية والريادية والإعلام، ودور النشر والكتابة، وصولا لكافة فئات المجتمع. وتقول إن نموذج العائلة المتسلط المتسم بالصرامة والسيطرة المفرطة يؤدي إلى مشكلات عديدة من أهمها الشعور بالفشل وتدني تقدير الذات، في المقابل تحذر أبو الخير من النموذج المتساهل للغاية أو منح الاستقلالية التامة أو الدعم اللامشروط للأبناء، والذي قد يؤدي لخلق مشكلات عديدة عند الطفل وسهولة انسلاخه عن أسرته مستقبلا.

كيف انتهت رحلة المراهقَيْن؟

قال إمام أحد المساجد في العاصمة الأردنية عمّان إنه شاهد المراهقَيْن أيهم وراشد وقام بإبلاغ السلطات الأمنية عن مكانهما من منطلق الواجب تجاه الأسرتين القلقتين. وانتهت حالة قلق مؤقت على خير، لكن من يدري فربما تثير جذور التحولات المجتمعية مستقبلاً قلقا أطول عمرا. https://www.facebook.com/100004542705325/posts/pfbid027XjTpb2B3yurBVv1LuMAXXfDnEyEhrrsyoAZufqojZZt91Z8GNt9pWnZHe8zUJFyl/?mibextid=cr9u03
تاريخ الخبر: 2023-02-19 03:19:11
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 65%
الأهمية: 83%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية