لماذا تغار فرنسا من تحالفات المغرب الجديدة؟


الدار/ تحليل

الشرط الذي وضعته وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية أمام المغرب بضرورة قطع علاقات التعاون العسكري مع إسرائيل من أجل تطبيع كامل للعلاقات بين المغرب والجزائر، ليس في الحقيقة سوى تعبير عن غيرة فرنسية كامنة من هذا التحوّل الدبلوماسي العميق الذي تعرفه خارطة العلاقات الخارجية لبلادنا. الانفتاح الذي سجّله المغرب منذ بضع سنوات على حلفائه الجدد والتقليديين باتجاه تمتين الشراكات وتعميق التعاون يثير لدى الفرنسيين شعورا بأن هذا البلد الصاعد ينفلت شيئا فشيئا من ربقة العلاقة الكلاسيكية التي كانت قائمة على نوع من الإحساس بالتفوق والتعالي الاستعماري. ومن يعتقد أن هذا الطلب بقطع علاقات التعاون العسكري مع إسرائيل قادم من الجزائر فهو واهم ولا يمتلك صورة كاملة عمّا يحدث.

هذا الشرط هو جزء من الرؤية الفرنسية الجديدة تجاه المغرب. منذ فترة بعد أن أصبح لبلادنا نفوذ أكثر اتساعا في عدة مجالات جغرافية واقتصادية، وأضحى المغرب رقما صعبا في الكثير من ميادين التنافس الطاقي والغذائي والاستثماري سواء في القارة السمراء أو في أسواق الاتحاد الأوربي، تشعر فرنسا بأن هناك نموذجا جديدا تكرّسه تجربة المغرب وقد تمثل مدخلا لانفلات إفريقي كامل من نفوذ باريس التي لا تزال تنظر إلى هذه القارة التي نعيش فيها باعتبارها كنزا فرنسيا محروسا لا ينبغي لأي منافس أن يقتحمه. فرنسا تدرك جيدا أنها لا تساوي شيئا دون مستعمراتها الإفريقية السابقة، وعندما يدخل فاعل جديد في هذا المجال الحيوي الفرنسي فهذا لا شك سيثير غيرتها وربما ثورتها ورغبتها في الانتقام.

المغرب قوّى علاقاته مع شركاء آخرين كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وغيرها من القوى الصاعدة اليوم. حتى بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوربي لم تتأخر كثيرا في الإعلان عن رغبتها في توطيد العلاقات التجارية مع المغرب. وإسبانيا التي كانت إلى الأمس تحافظ على تنسيق سياسي ودبلوماسي عالي المستوى مع باريس بخصوص العلاقات مع بلادنا لم تعد تلتفت كثيرا إلى الإملاءات الفرنسية. لقد اختارت إسبانيا المغرب لأنها أصبحت متيقنة أنه شريك لا يمكن بتاتا الاستغناء عنه. عندما ينجح المغرب إذن في توثيق علاقاته الخارجية مع جميع القوى الدولية والإقليمية، الصديقة والشقيقة فإن هذا الأمر هو الذي يثير انزعاجا فرنسيا مستمرا.

المغرب غير مستعد بتاتا لأن يتراجع عن استراتيجية التعاون الشاملة مع الدول الإفريقية. ووجوده في أسواق هذه البلدان ليس من باب الغزو أو الاستغلال الذي اعتادت القوى الاستعمارية نهجه، بل هو في إطار شراكات التعاون جنوب-جنوب التي لطالما أكد الملك محمد السادس على أهميتها في إخراج القارة السمراء من معاناتها والتخلص من تبعيتها ومن تخلفها. كما أن المغرب أيضا لا يقبل أبدا الإملاءات فيما يتعلق بتحديد طبيعة علاقاته الخارجية مع حلفائه الجدد أو التقليديين. فيما يخص العلاقة مع إسرائيل على سبيل المثال، تبدو مشاعر الغيرة المتجذرة من ارتباط اليهود المغاربة بوطنهم الأم مثيرة لقلق الفرنسيين. ففرنسا نفسها تحتضن جالية كبيرة من هذه الشريحة من يهود المغرب المرتبطين في أعماقهم بولاء تاريخي لملكهم وبلدهم الأصلي.

وإذا كان المغرب قد قرّر استئناف علاقاته مع إسرائيل فإن ذلك يأتي بالأساس دعما لجهود الاستقرار وإقرار السلام بمنطقة الشرق الأوسط وإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أكثر مما يجب. وهذا النهج ليس جديدا بالنسبة للمغرب الذي كان دائما ومنذ عقود يقدم مبادرات سلام ويتوسط فيها من أجل تحقيق حلّ الدولتين. ومن هنا فإن تحديد مستوى العلاقات التي يريد المغرب أن ينسجها مع إسرائيل هو قرار سيادي مغربي لا يمكن أبدا قبول أي تدخل أجنبي فيه. ولا يجب أن ترى فرنسا في هذا التقارب المغربي الإسرائيلي بأنه موجه ضدها أو ضد مكانتها لدى أي منهما. وإذا كان لدى الكابرانات أي تخوّف من هذا الجانب فإن عليهم أن يتذكّروا أنهم يسلحون ميليشيا إرهابية ويعطونها القواعد والتمويل على أراضيهم من أجل مهاجمة المغرب وقتل مواطنيه وتهديد استقراره.

لكن بالإضافة إلى هذه الغيرة الفرنسية من خارطة العلاقات الخارجية التي تتم إعادة بلورتها من جديد فإننا نعي جيدا في المغرب أن ما يزعج إيمانويل ماكرون وكيل الشركات والمقاولات الفرنسية في إفريقيا والعالم هو إمكانية انفتاح المغرب على مورّدين جدد للتجهيزات والبنيات التحتية والآليات التي سيطلبها المغرب في المستقبل القريب والبعيد. وعلى ماكرون أن يكون منسجما مع قيم الجمهورية الفرنسية التي على رأسها قيمة الحرية، ويدرك أن المغرب بلد حرّ يمكنه أن يشتري القطارات السريعة الفرنسية مثلما يمكنه أن يشتري القطارات الصينية أو الإسبانية.

تاريخ الخبر: 2023-02-20 21:27:20
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

"الكاف" تحدد موعد مباراة المنتخب المغربي بتصفيات المونديال

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:09:53
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:09:00
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 71%

مصر تمنع تصوير الجنائز

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:08:47
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 70%

التعادل السلبي يحسم نتيجة الشوط الأول بين الأهلي وبلدية المحلة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:08:32
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 43%

الأزمي: أخنوش “خاصو يجمع راسو” في موضوع البطالة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:08:55
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 76%

الحيداوي يفاقم مصائب نادي أولمبيك آسفي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:09:08
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 82%

بونو يقود الهلال للتتويج بلقب الدوري السعودي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:08:50
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 73%

ابن كيران: أخنوش “هش” ويعطي صورة سلبية عن رئاسة الحكومة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:09:05
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 74%

بوريطة يجري مباحثات هاتفية نظيره السويسري

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 21:09:53
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية