منذ اليوم الأول لتأسيسه في سبتمبر/أيلول 2021، انتقدت الصين بشدة تحالف "أوكوس" الذي يجمع أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، ووصفته بأنه تحرك استفزازي يهدد الاستقرار الإقليمي ويقوض المصالح الأمنية للصين. إذ اتهمت الحكومة الصينية الولايات المتحدة وحلفاءها باتباع عقلية الحرب الباردة، ودعت إلى إنهاء ما تعتبره عسكرة المنطقة.

لكن الصفقة التي كُشف عنها يوم الاثنين من قاعدة سان دييغو البحرية بولاية كاليفورنيا بحضور زعماء البلدان الثلاثة، لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، صعدت من حدة الغضب الصيني تجاه المحاولات التي ترى فيهم بكين مساعي أمريكية لتطويق الصين وإبطاء صعودها.

وبينما تصر دول تحالف "أوكوس" على أن هذا التعاون ينصب على تأمين الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ضد الطموحات الصينية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين الثلاثاء إن الحلفاء "يسيرون أكثر فأكثر على طريق الخطأ والخطر". فيما اتهمت البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة الدول الثلاث بتأجيج سباق تسلح، وفقاً لما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

تأجيج سباق تسلح

على مدى الثلاثين عاماً المقبلة، ونظير مبلغ 245 مليار دولار أمريكي، أعلنت أستراليا بدء تدشين أكبر برنامج دفاعي في تاريخ البلاد بالتشارك مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضمن تحالف "أوكوس". ووفقاً لصفقة الغواصات النووية التي تحمل اسم "إس.إس.إن-أوكوس"، ستحصل أستراليا على أول غواصة نووية بحلول عام 2042، فيما سيجري بناء واحدة كل ثلاث سنوات حتى يصل عدد الأسطول إلى ثمانية.

وبموجب الاتفاق، تعتزم الولايات المتحدة بيع أستراليا ثلاث غواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية من فئة "فرجينيا" التي تنتجها شركة "جنرال ديناميكس"، أوائل العقد الثالث من القرن الحالي، مع إمكانية شراء غواصتَين أخريَين إذا لزم الأمر.

وفيما تملك البحرية الصينية بالفعل ست غواصات تعمل بالطاقة النووية يمكنها إطلاق طوربيدات وصواريخ كروز، اتهمت وسائل الإعلام الحكومية الصينية اتهمت شركاء "أوكوس" بـ"الخداع التام" فيما يتعلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، لأن الصفقة تتضمن نقل التكنولوجيا النووية إلى أستراليا - وهي دولة غير نووية، وفقاً لما نقلته الغارديان.

هل مخاوف الصين من انتشار الأسلحة النووية حقيقية؟

وضعت الصين مخاوف انتشار الأسلحة النووية في قلب حملتها الدولية ضد "أوكوس"، مع العلم أن هذه القضايا لها صدى في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، إذ تزعم بكين أن صفقة الغواصات هذه هي انتهاك لنص أو روح معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT).

وتجادل أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأن نظام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية يسمح صراحةً بنقل تكنولوجيا الدفع النووي البحري، على الرغم من اعترافهم بأن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها نقل مثل هذا من دولة تمتلك أسلحة نووية إلى دولة غير حائزة للأسلحة النووية.

وبينما يقول شركاء "أوكوس" إنهم ملتزمون التفاوض بشأن حزمة صارمة للتحقق والضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، جادلت الصين بأن عمليات النقل هذه يجب أن تكون للاستخدامات السلمية فقط. وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هذا الأسبوع أن دول "أوكوس" كانت تحاول "إجبار أمانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على اتخاذ ترتيبات الإعفاء من الضمانات، والتي من شأنها أن تقوّض بشكل خطير سلطة الهيئة".

وفي سياق متصل، انتقد رئيس مركز الصين والعولمة (CCG) وانج هوياو التعامل الدولي مع نقل التكنولوجيا النووية إلى أستراليا دون إبداء أي انتقاد مسموع، مشيراً إلى أنه في حال حاولت باكستان نقل التكنولوجيا النووية إلى دولة أخرى، فسيتم إدانتها على الفور.

هل اقترب الصراع؟

يعتقد بعض المحللين في الصين أن صفقة الغواصات النووية صُممت في الأساس لمواجهة التهديد المتصوَّر من بكين، لكن محللين في الصين يقولون إنها قد تدفع المنطقة أقرب إلى الصراع. وفي هذا الصدد، قال آندي موك، باحث أول في (CCG): "إذا كان لديك مطرقة فقط، فسيبدو العالم وكأنه مليء بالمسامير".

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت صفقة "أوكوس" ستؤدي فقط إلى زيادة توتر العلاقات بين كانبيرا وبكين، رفضت وزيرة الخارجية الاسترالية بيني وونغ تلك الحجة، وقالت: "إن نية أستراليا كانت المساعدة في الحفاظ على السلام، والمساعدة في الحفاظ على الاستقرار".

وإلى جانب تحالف "أوكوس"، يوجد أيضاً تحالف "رباعي" بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، يهدف إلى بناء حصن ضد النفوذ العسكري الصيني في المنطقة.

وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق أمني مشترك بين هذه التحالفات، تشكو الصين من أنها تحالفات ترقى إلى مستوى "الناتو الآسيوي"، ما يزيد تصور الصين بأنها محاطة بجيران معاديين يسعون لجر المنطقة إلى ساحة حرب باردة جديدة معها، إذ اتهمت بكين الغرب مراراً وتكراراُ بالانخراط في "عقلية الحرب الباردة" واتهم الرئيس الصيني شي جين بينغ الولايات المتحدة بـ "الاحتواء" لإبطاء صعود الصين.

TRT عربي