زيارة جديدة لـ«نصر حامد أبوزيد»

مرة واحدة رأيت فيها نصر حامد أبوزيد رأى العين. 

مرة واحدة كانت كافية ليخفق قلبى مع خطواته البطيئة الثقيلة المتأنية التى يتحرك بها فى قاعة مناقشة رسالة الدكتوراه التى أعدها مساعد الدكتور حسن حنفى الذى كان يتولى التدريس لنا نيابة عنه مادة «الفكر المعاصر» أثناء غيابه عن مدرج «١» فى كلية الإعلام جامعة القاهرة فى مرات غيابه التى كانت قليلة. 

دعانا لحضور المناقشة فذهبنا. 

كنا فى شتاء العام ١٩٩٤. 

جلست فى آخر القاعة- أحب أن أستكشف العالم، دون أن أمنحه الفرصة ليستكشفنى- لمحته جالسًا فى الصف الأول، فحاز انتباهى كله، لم ألتفت إلى المناقشة التى كان فيها حسن حنفى مجاملًا لتلميذه الذى كان صدى لصوته، وبعد أن انتهى الأخذ والرد والنقد والتعقيب والمدح والإشادة، وجدته يقف من مكانه ويتجه إلى الباحث يسلم عليه وينصرف فى هدوء لا يتناسب أبدًا مع الصخب الذى خلفه وراءه فى المجال العام فى مصر. 

كان طبيعيًا أن تكون حركته بطيئة لا لثقل جسده الذى لازمه منذ صغره وارثًا إياه فيما يبدو من والده الشيخ حامد رزق أبوزيد الذى استقبله فى الدنيا على يديه فى ١٠ يوليو ١٩٤٣، لكننى شعرت به يسير تحت وطأة أثقال مطاردته بتهمة الكفر والهرطقة، بعد أن خان أحدهم أمانته العلمية، وبدلًا من أن يكتب تقريرًا علميًا عن إنتاج نصر وكتبه وأبحاثه، أصدر فتوى بتكفيره، لتتوالى بعدها الأحداث عاصفة، ولم تنته إلا بصدور حكم قضائى بتفريقه عن زوجته، ليودع مصر كلها، تاركًا وراءه أيامه وأحلامه وأهله الذين كان يعز عليه أن ينظروا إليه على أنه مهرطق. 

ظلت هذه صورة نصر أبوزيد لدىّ. 

وعندما ذهبت إلى بيته فى الذكرى الأولى لوفاته فى صيف العام ٢٠١١ وجلست إلى زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أفزعنى أننى كنت أراه يتحرك حولنا، ولما أخبرت ابتهال بإحساسى، نظرت حولها وقالت فى تأثر: نصر لم يمت.. كل ليلة ينادينى وعندما أقوم من فراشى لأجيبه لا أجده.. لكنه موجود.. أعرف أنه موجود. 

سألتها بشكل مباشر: كيف تعيشين دونه؟ 

قالت دون أن تمنح نفسها فرصة للتفكير، فالحالة كانت حاضرة: مفيش دنيا أصلًا من غيره، أنا حتى الآن لا أستخدم الماضى فى الكلام عن نصر، لم أضبط نفسى أبدًا أقول «كان» وأنا أتحدث عنه، إننى أتخيل أننى سأجده جالسًا على مكتبه يقرأ ويكتب، من الصعب جدًا أن أتخيل أن نصر مات، ناس كتير ممكن يكونوا شايفين إنى مجرد زوجة فقدت زوجها، ومع الأيام ستنسى، لكن هؤلاء لا يعرفون أن ما بينى وبين نصر أكثر من زواج وقصة حب، ما بينى وبين نصر من الصعب أن يفهمه أحد.. أى أحد. 

ثلاثة عشر عامًا مضت على وفاة نصر، لم تقصر ابتهال يونس فى الحفاظ على تراثه، ولم يتأخر أصدقاؤه وتلاميذه فى بعث الروح فى إنتاجه العلمى، فكتبه تصدر فى طبعات جديدة، والدراسات تتناوله، والمقالات تبحث عما خفى فى خريطته الفكرية، لكننى وطوال السنوات الماضية كنت على يقين أنه لا يزال هناك شىء ناقص، شىء يحتاجه نصر نفسه. 

 

دراما الحياة العنيفة المتوحشة اعتصرت نصر بين العامين ١٩٩٢ و١٩٩٥. 

بدأت بفتوى تكفيره.. وانتهت بحكم التفريق بينه وبين زوجته. 

ظل خلالها فى مصر لم يفارقها، كان يحاول أن يستيقظ من الكابوس الذى أحاط به رغمًا عنه، لكن قاده قدره إلى أن يعيش فى كوابيس لا تنتهى عندما وجد أن مصر تضيق عليه برحابتها ورحابها، وتفتح أمامه الباب ليخرج منها دون أمل، حتى عندما عاد للمرة الأولى فى العام ٢٠٠٣ بعد ثمانى سنوات من الرحيل، لم تخفت وطأة الكوابيس، فقد شعر بوطنه يضيق عليه أكثر، فلا جامعته ترحب به ولا الدولة تستقبله بما يليق بباحث وكاتب يحتفى به العالم أينما حل أو رحل. 

فى سنوات تغريبته الأولى قال لمن سأله: كيف ترى مصر من منفاك الإجبارى فى هولندا؟ 

قال: يحزننى أننى لا أرى مصر فى أحلامى.. أراها فقط فى كوابيسى. 

وعندما عاد فى المرة الأولى قبل أن يستقر بها نهائيًا- كل ما قضاه فى بيته الجديد بـ٦ أكتوبر كان شهرين فقط- تأكد أن الكوابيس لن تنتهى، وأعتقد أنها لم تنته إلا بكابوس كبير كان ختامه موتًا مريبًا ومراوغًا بفيروس غامض، أشعل النار فى قلوب محبيه، وأظهر الشماتة فى عيون كارهيه. 

 

فى أحد مساءاته التى امتدت بين العامين ٩٢ و٩٥ توقف هو وابتهال وهما فى طريقهما للمنزل عائدين من الجامعة عند سوبر ماركت لشراء بعض المستلزمات لإجازة طويلة قررا أن يقضياها فى البيت لا يخرجان منه. 

دخل نصر السوبر ماركت، بدأ هو وابتهال فى جمع أغراضهما فى عربة التسوق، وقبل أن يخرج وقف أمامه رجل كبير فى السن وأخذ ينظر إليه متأملًا، وقبل أن يسأله نصر عما يريده، اقتحمه الرجل العجوز وهو ينظر إليه من أعلى إلى أسفل: هل أنت..؟ 

كان نصر يعرف ما الذى يريده الرجل، ففى هذا الوقت وأينما ذهب كان الناس يسألونه إن كان هو الرجل المتهم بالكفر، وكان يجيبهم متململًا ساخرًا مستهزئًا: نعم نعم.. أنا هو. 

الرجل العجوز كان مختلفًا، لم يتوقف عند السؤال الذى قطعه نصر عليه، فقد أعصابه وبدأ يصرخ فى وجهه، وهو يقول له: ألا تشعر بالخجل من نفسك؟ أنا أعرف أن والدك رجل مسلم، أليس كذلك؟ نعم بالفعل واسمه حامد، كيف تعتبر نفسك أنت مسلمًا؟ كيف وأنت من أبوين مسلمين تهين القرآن الكريم، ألا تشعر بالخجل من نفسك؟ لا بد أنك مجنون.

ترك نصر الرجل العجوز يقول كل ما يريده، ثم سأله: من فضلك.. هل انتهيت؟

فأجاب: نعم.. انتهيت. 

كان كأس نصر ممتلئًا فأفاض. 

قال للرجل: حسنًا من فضلك استمع لى، لقد شاهدتنى لمدة عشر دقائق فى هذا السوبر ماركت، شاهدت كل إنش من جسدى ووجهى، فأخبرنى إذا لم تكن على دراية بما سمعت عنى، ما الانطباع الذى كنت ستأخذه عنى؟ هل أبدو لك فى حاجة لعلاج نفسى؟ أم أبدو طبيعيًا؟ أنت بالفعل لا تعرفنى بشكل شخصى، ما حكمك؟ 

اعترف الرجل: أنت تبدو طبيعيًا مثل الجميع.

سأله نصر: إذن أنا لست مختلًا عقليًا، لست مجنونًا؟ 

سارع الرجل: لا.. لا تبدو مجنونًا. 

عاد نصر إلى الحديث: أخبرنى إذن لو أن شخصًا لا يبدو مجنونًا بل طبيعيًا مثل ابنك ربما، يعمل فى جامعة القاهرة فى مجتمع مسلم مثل مصر، وأراد الحصول على ترقية ترفع من راتبه ليوافق الزيادة فى أسعار المعيشة، هل تعتقد أن هذا الشخص الطبيعى لو تقدم لنيل ترقية سيعلن إلحاده أمام لجنة الممتحنين؟، أنا لا أتحدث عما إذا كان ملحدًا أم لا، لدينا بالفعل ملحدون فى مجتمعنا ويظهرون أنفسهم كمؤمنين، لكن لو لم تكن صائمًا فى رمضان، هل ستذهب لتأكل أمام الجميع؟ بالطبع لا.. ستذهب لتأكل خلف باب مغلق، إذن حتى لو كنت ملحدًا، هل كنت سأعلن هذا أمام الجامعة وأطلب منها ترقيتى؟ كيف كنت سترى شخصًا يفعل ذلك؟ 

أجاب الرجل: سيكون مجنونًا بالطبع. 

عاجله نصر: لكنك قلت لتوك إننى لست مجنونًا، هل تعتقد أننى مجنون؟ فقال الرجل: لا. 

أمسك نصر طرف الخيط من جديد: هذا صحيح، رجل عاقل مثلى كان سيقدم شيئًا لائقًا للجامعة، شيئًا مخلصًا للإسلام، ثم بعد أن أنال الترقية ربما سأظهر إلحادى، لأننى مثلك تمامًا، الحياة صعبة، أحتاج لراتبى، وهذه هى زوجتى- قدم ابتهال له- وأنت تعلم الأسعار هنا. 

استرد الرجل الذى كان يهاجم نصر هدوءه ليسأله: إذن لماذا يتهمك هؤلاء الناس بذلك؟ هم ليسوا أغبياء إنهم رجال دين طيبون؟ 

اتفق معه نصر: نعم هم رجال دين طيبون، هل تريد أن تعرف ما المشكلة؟ 

أجاب الرجل فى إصرار: نعم أخبرنى. 

قال نصر: لقد انتقدت هؤلاء الرجال الطيبين، لأنهم يدعمون شركات توظيف الأموال الإسلامية، ولأنهم نفس الرجال الذين سرقوا الشعب المصرى. 

صرخ الرجل: لعنهم الله جميعًا، ثم سأل: إذن هذا هو سبب كل هذا اللغط حولك؟ 

أجاب نصر للمرة الأخيرة: هذا هو السبب تحديدًا، هل تعرف اسم الرجل الذى اتهمنى بالردة؟ لقد كان- يقصد الدكتور عبدالصبور شاهين- مستشارًا شرعيًا لإحدى تلك الشركات، لهذا السبب انتقدته، أنا مجرد مصرى مثلك، ولأنه لم يكن لدىّ أى أموال لأستثمرها، لم أخسر شيئًا مثلك، لكننى كنت أدافع عنك، عن ابنك وحفيدك ضد هؤلاء الناس الذين استطاعوا أن يسرقوا الآخرين باسم الدين. 

انهار الرجل تمامًا قبل أن يقول: يا بنى لم أكن أعرف، أنا آسف، لم أكن أعرف. 

ثم تقدم ناحية نصر وقبله واحتضنه وسط السوبر ماركت المزدحم. 

وهو فى طريقه إلى منزله أحس نصر حامد أبوزيد بالراحة والرضا، وقبل أن يدخل من باب بيته الذى كان يمثل له براح الدنيا، أمسك بيد ابتهال وقال لها: ما أحتاج إليه هو أن أقابل كل مواطن مصرى وأشرح له قصتى: كيف أفعل هذا؟ 

 

عندما قرأت هذه الواقعة منذ سنوات فى كتاب «صوت من المنفى.. تأملات فى الإسلام» الذى صدر باسمى نصر والباحثة إستر نيلسون واستقبلت المكتبة طبعته العربية الأولى فى العام ٢٠١٥، توقفت طويلًا أمام ما يريده نصر، اعتبرتها وصيته. 

كان يريد أن يقابل كل مصرى ليتحدث معه، وليبرئ ذمته أمامه، يقول له: أنا لست الرجل الذى يحدثونك عنه.. أنا مثلك تمامًا أحب إسلامى وأعمل من أجله.. لا تصدقهم، وصدقنى أنا. 

فى أزمته الكبرى أحاط كثيرون بنصر، نصروه وناصروه. 

وجد طلابه فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب يشدون على يديه، وصلته مشاعرهم عبر كراسات إجاباتهم، كان من بينهم طلاب ينتمون إلى التيارات الإسلامية، وجدهم يرسلون إليه بأبيات من قصيدة أمل دنقل الشهيرة «كلمات سبارتكوس الأخيرة»: المجد للشيطان معبود الرياح/ من قال لا فى وجه من قالوا نعم/ من علم الإنسان تمزيق العدم/ من قال لا فلم يمت/ وظل روحًا أبدية الألم/ معلق أنا على مشانق الصباح/ وجبهتى بالموت محنية/ لأننى لم أحنها حية. 

كان نصر يبتسم وهو حزين، فهو لم يكن شيطانًا يطلب المجد، لكنه كان فقط من قال لا فى وجه من قالوا نعم.. وهم كثيرون. 

وهو جالس فى شقته بـ٦ أكتوبر دخل عليه فرد الأمن المكلف بحراسته، يخبره بأن بالخارج أتوبيس طلبة، يقولون إنهم من تلاميذه ويريدون أن يسلموا عليه. 

كانت الشقة تضيق بضيوفه الذين جاءوا لدعمه، قرر أن يخرج لهم، قال له فرد الأمن: لكن يا دكتور قد يكون من بينهم من يحمل سكينًا يطعنك بها، استبعد نصر هذا الاحتمال، وقال لفرد الأمن: لا.. هؤلاء أولادى. 

خرج إلى الشارع ليجد أمامه أتوبيس رقيق الحال، جمع الطلاب نفقاته بأنفسهم ليعبّروا عن مساندتهم له. 

وخلال بداية صيف العام ١٩٩٥، وبعد أن أعلنت المحكمة عن إنهاء زواجه، تلقى مكالمة تليفونية من امرأة لها ابنة بالمرحلة الابتدائية، كانت منزعجة للغاية من الحكم، أخبرته: ابنتى فى المرحلة الابتدائية، لكنها منزعجة من إجبارك على التفريق بينك وبين زوجتك، هل يمكننا زيارتك؟ 

يقول نصر: على الرغم من أنها كانت فتاة صغيرة، فإنها كانت تأخذ الدين بجدية، أصرت على ارتداء الحجاب، وعلى الرغم من المسافة بيننا فإنهم جاءوا بالفعل لزيارتنا، كنت سعيدًا باستقبالهم، وكان المميز بتلك الزيارة هى حقيقة أن هؤلاء مثل غيرهم من عموم المصريين يعرفون القليل أو اللا شىء حول كتاباتى وأبحاثى، بل لم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة الجرائم التى من المفترض أننى ارتكبتها لأستحق ما قضت به المحكمة علىّ. 

حاول نصر أن يصل إلى عموم المصريين، أرسل طلبًا إلى وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف ليُمكِّنهُ من شرح قضيته فى التليفزيون أو الإذاعة، فليس له منبر مسجد كما يفعل الآخرون يخطب عليه، اقترح أن تعقد ندوة تليفزيونية تضم د. محمد عمارة ود. محمد سليم العوا من جهة، ود. محمود على مكى ود. مصطفى الصاوى الجوينى من جهة أخرى، ليعرف الناس هل هو على حق أم أنه كما يقولون، لكن طلبه سار فى اتجاه واحد، لم يتلق عليه ردًا ولا إجابة. 

رأى شباب الجامعة من أبناء كلية «دار العلوم»، وبتحريض مباشر من الدكتور عبدالصبور شاهين، يهتفون ضده أمام باب الجامعة، وهو يقف بالقرب منهم، كان شاهين يجلس فى سيارته يشير إليهم بيديه وكأنه يستحثهم على أن يهتفوا أكثر، ويلعنوا أكثر، ويسبوا أكثر، ويطالبوا برأسه أكثر، وكانت الطالبات يشاركن فى المهزلة، تنازلن عن قناعتهن بأن صوت المرأة عورة، هتفن ضده أيضًا، فما كان من نصر إلا أن تركهم وهو يحبس دموعه، فمن أجل هؤلاء الشباب اجتهد، قرأ وكتب وبحث، لكنهم استسلموا، فأصبحوا صرعى بين أيدى من قرروا تضليلهم. 

فى أبريل ١٩٩٥ حدث ما هو أكثر. 

كان الباحث أحمد سالم قد انتهى من أطروحته للماجستير وعنوانها «إشكالية التراث فى الفكر العربى المعاصر.. دراسة مقارنة بين حسن حنفى ومحمد عابد الجابرى»، شكل قسم الفلسفة بآداب القاهرة لجنة للحكم على الرسالة، وكان من بين أعضائها الدكتور نصر أبوزيد. 

تواصل أحمد مع نصر ليسلمه نسخته من الرسالة، لكن وقبل المناقشة أصدرت المحكمة حكمها بالتفريق بين نصر وزوجته، فخصصت الدولة حراسة خاصة لنصر ترافقه فى كل مكان خشية على حياته. 

أبلغ المشرف على الرسالة أحمد سالم أن الجامعة لا تريد حضور نصر للمناقشة خشية تعرضه للأذى، وكلفه أن يحضر منه اعتذارًا حتى يتم تشكيل لجنة جديدة، فتواصل معه سالم تليفونيًا، وعندما أخبره بما قاله مشرفه، انفجر فيه نصر قائلًا: يا بنى كان أولى بأستاذك أو جامعتك أن تقوم بمهاتفتى، بلغ أستاذك وجامعتك أن نصر أبوزيد ليس جبانًا، وأنا لن أقدم اعتذارًا عن المناقشة، وسوف أحضر متى اتفقنا على تحديد موعد. 

وجد أحمد سالم نفسه فى حرج، فقال لنصر ربما محاولًا تخفيف غضبه وتوتره: وأنا يا دكتور مصمم على أن تناقشنى. 

لكن ولأنه لم يكن يملك من أمره أو أمر رسالته شيئًا، عاد سالم إلى مشرفه وأخبره بما جرى، فقال له عليك بالذهاب إلى نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا الدكتور عبدالتواب اليمانى لعرض الأمر عليه، ذهب سالم لكنه لم يجد جديدًا، فقد أصر نائب رئيس الجامعة على عدم حضور نصر إيثارًا للسلامة، وأبلغ الباحث أن عليه الانتظار ثلاثة أشهر، وحينها يسقط تشكيل لجنة المناقشة حكمًا، وتشكل لجنة جديدة. 

كان هذا ما حدث بالفعل، سافر نصر إلى هولندا، وناقش سالم الرسالة بعد اختيار الدكتور حامد طاهر، عميد كلية دار العلوم، مكان نصر فى اللجنة. 

دافعت صحف عن نصر، طالبته بالصمود وعدم الهروب. 

وحملت عليه صحف أخرى، اتهمته بالكفر ودعت عليه باللعنة. 

حاول نصر أن يقاوم، أصدر بيانًا نشرته الصحف فى ١٦ مايو ١٩٩٥ تحت عنوان «د. نصر حامد أبوزيد فى بيان إلى الأمة.. الحقيقة أو الشهادة». 

قال فيه: «لأننى باحث مسلم وهب حياته للدفاع عن الإسلام وكرس طاقته الذهنية والعلمية للكشف عن غايته النبيلة ومعانيه الإنسانية السامية فى مناخ يسىء للإسلام ويعرضه لهجوم الأعداء بسبب بعض الذين يستغلون معانيه الإنسانية النبيلة لتحقيق غايات نفعية دنيوية رخيصة على حساب مصلحة الأمة ومصالح المواطنين مسلمين وغير مسلمين، لذلك أدهشنى بقدر ما أثار غضبى سعى هؤلاء حثيثًا لقتلى بدلًا من مناقشة أفكارى والجدال معى بأساليب البرهان العقلى الرشيد، لقد سمحوا لأنفسهم باتهامى بالردة، والزيغ عن الإسلام، وطالبوا بالتفريق بينى وبين زوجتى». 

«ولأن الإسلام الناصع الصفاء لا يسمح بذلك، فقد حاولوا التخفى وراء عباءة القانون، متجاهلين أن دعوى تكفير المسلم بلا برهان ترتد- عند الله سبحانه وتعالى- على المدعى، فالله وحده هو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور». 

«لقد كانت جريمتى فى نظر هؤلاء، الذين يرفعون مبادئ الإسلام غطاءً لأهدافهم غير النبيلة، أننى رفضت الانصياع لقرار جامعى يصم اجتهاداتى الفكرية والعلمية فى خدمة الإسلام بأنها كفر صريح، واعتداء على العقيدة والمقدسات، وليت التقرير الذى اعتمد عليه ذلك القرار كان تقريرًا علميًا أكاديميًا يناقش منهج الباحث ويحلل أدواته وإجراءاته العلمية، بل كان باختصار فتوى تكفير لا سند لها سوى آراء كاتبه التى هى محض آراء بشرية وليست دينًا، لقد تم تجريم الفكر بفكر آخر، وسمح البعض لنفسه أن يعتبر رأيه دينًا يجب اعتقاده، وكأنه بذلك يتصور نفسه إلهًا، تبارك الله عما يصفون، يريدون عودة عقرب الساعة إلى الوراء، وأن يعودوا بنا إلى عصر الوثنية والجاهلية الظلماء، العصر الذى صرخ فيه الصديق أبوبكر فى وجه مشركى قريش الذين أرادوا قتل النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، «مالكم قبحكم الله أتقتلون رجلًا يقول ربى الله». 

«ولأننى أعتز بإيمانى بالله وبرسوله، وإيمانى بنبل الإسلام وإنسانية مقاصده، فإننى أعتز كذلك بقيمة اجتهاداتى الفكرية والعلمية، لذلك لن تنال منى فتاواكم المغرضة، ولا محاولاتكم المستميتة لقتلى، سأظل أناضل عن الإسلام مسلحًا بالوعى العلمى، والمنهجية الصارمة، ولو كان دمى هو الثمن، ولا سبيل إلا الحقيقة أو الشهادة، أو معانقة النور يضىء عقول المسلمين، ويفتح أمامهم سبيل التقدم.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

كان هذا هو نص البيان كما نشرته مجلة روزاليوسف، لكن عندما نشر فى جريدة الأخبار طرأ عليه تغيير أغضب نصر. 

كان الدكتور جابر عصفور صديق نصر قد تولى أمر نشر البيان فى جريدة الأخبار، وعندما قرأه نصر وجد أن جابر أضاف الشهادتين إليه، وكأنه يعترف بأنه خرج من الإسلام وها هو يعود إليه، وشعر بمرارة منه لم تتبدد حتى عندما أخبره جابر بأنه أضاف الشهادتين بإلحاح من وزير التعليم، وأن الأمر بالفعل خرج عن يده، وما حدث جرى رغمًا عنه. 

ضاع البيان- رغم إضافة الشهادتين إليه طبقًا لما جاء فى جريدة الأخبار- فى الزحام، لم ينصت إليه أحد، ولم يلتفت له العابرون فى الطريق يبحثون عن مرفأ آمن، وظلت رغبة نصر فى أن يفهمه أهله كامنة فى قلبه، وأغلب الظن أنه مات بها. 

وفى ٥ أغسطس ١٩٩٦ أصدر بيانًا آخر، كان من مدينة ليدن بهولندا هذه المرة، وجهه إلى الأمة المصرية، وكان عنوانه «أنا أفكر فأنا مسلم». 

قال فيه: «لا مفر من الإقرار بأن هذا الحكم الظالم يبدو وكأنه يعلن للعالم الذى بدأ بالفعل الدخول فى القرن الحادى والعشرين، أن المسلمين فشلوا فى دخول القرن المنصرم، فهل تبدد كل شىء، التاريخ والتراث والوطن؟ هل صار شعارنا الآن: أنت تفكر إذن فأنت مرتد»، بعد أن كان فى كل عصور ازدهار الفكر الإسلامى «أنا أفكر لأننى مسلم»، أو «لأننى مسلم فيجب أن أفكر». 

«يا أهل مصر المعمورة، لا تصدقوا كلام القاضى ولو كان فى النقض، لأن المرتد والعياذ بالله لا يتقدم بردته لينال لقب الأستاذية فى جامعة فى بلد مسلم إلا لو كان مجنونًا، وقد عشت بينكم طفلًا وصبيًا وشابًا ورجلًا، وخدمت وطنى فى كل مواقع العمل من هيئة المواصلات اللا سلكية إلى الجامعة، ولم تظهر علىّ أعراض جنون من أى نوع، منذ نحو ربع قرن وأنا أدرّس لأبنائكم فى القاهرة والخرطوم وبنى سويف، فهل سمعتم أن أحدًا من طلابى اتهمنى بالكفر، أو كفر بتأثير تدريسى له أو لها؟». 

«كل الذى حدث يا أهلى وعشيرتى أننى رفضت الانصياع للظلم فى أروقة الجامعة العريقة، وقلت (لا) عالية مدوية ضد عبدالصبور شاهين ومأمون سلامة، ولو اخترت الطاعة والإذعان والانصياع وقبلت الأيادى الكريمة لنلت ترقيتى بعد شهور قليلة من مارس ١٩٩٣، ولكن ما كان لى أن أفعل ذلك حفاظًا على حطام الدنيا والوجاهة الاجتماعية، فأخون كل المبادئ والقيم التى تعلمتها وأحرص على تعليمها لأبنائكم أداءً لحق المواطنة وحماية للوطن من مزيد من التخلف والجهل». 

«ولست نادمًا على ذلك، ولو استقبلت من عمرى ما استدبرت من السنوات الأربع السابقة لصممت على رفض الانصياع وأعلنتها دائمًا (لا) مدوية تعانق السماء».

«من أجل هذا وحده كان علىّ أن أدفع ضريبة الشجاعة والجسارة فى زمن الركود والاستسلام، لا تصدقوا يا أهل وطنى من مسلمين ومسيحيين أن الذين سعوا ويسعون لقتل وتصفية فكرى يفعلون ذلك غيرة على الدين، كما يزعمون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا)، فمعظم كتبى وأفكارى التى يزعمون أننى ارتددت بها عن الاسلام تملأ الأسواق وأرفف المكتبات منذ سنوات طويلة، فأين كانوا منها قبل ذلك؟». 

«لقد بدأت المؤامرة كلها بتدبير (عصابة الأربعة) فى كلية دار العلوم، تضامنًا بمنطق القبيلة مع شاهين، الذى خلع عنه رفض العبد لله كل ورق التوت الذى كان يدارى به عورات الجشع والطمع والرياء والنفاق وفساد الذمة والضمير، ووجدت عصابة الأربعة فى بعض المحامين النكرات أدوات مستعدة للانخراط فى المؤامرة سعيًا للشهرة والأموال، وهؤلاء جميعًا من المستفيدين من التخلف والجهل، وما أكثرهم أفرادًا وحكومات». 

«ليس الأمر إذن أمر دفاع عن الدين، بل دفاع عن شاهين، هل قرأتم سفالات الحاصل على جائزة الدولة- أى والله جائزة الدولة- التقديرية فى الأدب وليس فى قلة الأدب، وهى الجائزة الوحيدة الجديرة به، التى يتعيّن على وزارة الثقافة التفكير فى إنشائها خصيصًا لتمنحها له ولأمثاله فى المستقبل، حين سُئل هل قرأ كتبى، أجاب بأنه جلس إلى شاهين ساعات طويلة، أليس هذا كافيًا وحده لبيان أن أمر الدين ليس من شواغل هذا أو أمثاله، من عصابة الأربعة ونكرات المحامين، وإنه مجرد مطية للاستيلاء علىّ وعليكم تحقيقًا لأطماعهم الدنيوية الحقيرة؟ ولو كان العبد لله قد اختار والعياذ بالله طريق الإذعان لما كانت هناك قضية ولا حكم ولا يحزنون». 

«ثم جاء دور القضاة وثغرات القوانين والفوضى الضاربة أطنابها فى كل الأركان، فتحول القاضى إلى جلاد يفتى ويحكم، ضاربًا بقوانين الدولة عرض الحائط، ودون أن يخامره أدنى شك فى أن فتواه فى شئون الدين والعقيدة محض رأى لا يجوز له الحكم على أساسه، لم يسأل أحد منهم نفسه: لماذا اجتمع هؤلاء الناس هكذا ضد رجل يعلن فى كل مناسبة أنه مسلم على الفطرة كيوم ولدته أمه، لم يسألوا، لأنهم لا يريدون أن يفهموا، لأن الفهم يتعارض مع استمتاعهم بالاستواء على عرش الفتيا باسم القضاء، ومنح شهادات صحة الإيمان أو فساد العقيدة، ويا سادتى قضاة نقض الأحوال الشخصية، هنيئًا لكم سدة حكمكم الظالم، ستذهب أسماؤكم أدراج الرياح، وسيكون مصير حكمكم هذا مزبلة التاريخ». 

«وأخيرًا يا أبناء وطنى، مسلمين ومسيحيين، يا مبدعى مصر، يا أدباءها وفنانيها ومثقفيها وكتابها وصحفييها الباقين على العهد، يا أساتذتى وزملائى وطلابى، يا كل المحامين الذين نهضوا منذ مايو ١٩٩٣ وحتى الآن، يحاولون الدفاع عن نضارة وجه الإسلام، أعلم أننى لست وحدى، فقد لقيت من مساندتكم ودعمكم ما هو جدير بكم، وعلىّ أن أرد الجميل فأثبت لكم أننى جدير بدعمكم ومساندتكم، والسبيل الوحيد هو الاستمرار فى العمل، البحث والكتابة، فى أى مكان من أرض الله الرحبة الواسعة، صوتى سيكون دائمًا معكم فى كل معارك الحق والعدل والشرف، وستصلكم كتاباتى واجتهاداتى الفكرية من أى مكان أكون فيه، فليس الوطن مجرد مكان نعيش فيه، بل هو بالأحرى حلم يعيش فينا، لقد صار الدفاع عن نضارة الإسلام منذ الآن أكبر من أن يكون همًا أكاديميًا، صار مسألة حياة أو موت، أن نكون أو لا نكون، وإذا كان شعار العالم (أنا أفكر فأنا موجود) فليكن شعارنا (أنا أفكر فأنا مسلم)». 

 

فى كتاباته الكثيرة التى أعقبت حكم التفريق بينه وبين زوجته، وفى لقاءاته التليفزيونية وحواراته الصحفية، حاول أن يصل نصر إلى ما يتمناه، أن يتحدث إلى كل مصرى على حدة، أن يقول له الحقيقة، أن يصرخ فيه: أنا لست الرجل الذى يتحدثون عنه، لكنه لم يتمكن من ذلك. 

سارعت الصحف إليه لتجرى معه حوارات صحفية، ظهر على شاشة التليفزيون المصرى وشاشات القنوات الخاصة، تحدث وحكى الحكاية أكثر من مرة دون أن تفارقه مرارة إجباره على البقاء فى المنفى دون أمل فى الرجوع، لم يمنحه الإعلام ما يريد، كان يحاصره بالاتهامات التى تلاحقه ليرد عليها، فبدا ضحية من ظلموه، رغم أنه لم يكن يرحب أبدًا بدور الضحية. 

كنت أشفق عليه وأنا أتخيله باكيًا عندما يقول: لا أريد أن يؤخذ عنى انطباع أننى ضد الإسلام، بل على العكس من ذلك، أنا لست سلمان رشدى جديدًا، إن أحد أكبر مخاوفى أن يعتبرنى الغربيون ناقدًا للإسلام، هذه ليست الصورة كاملة، أنا معلم وباحث ومفكر، أرى دورى هو إنتاج الأفكار، كما أتعامل مع القرآن كنص إلهى أوحى به للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، هذا النص وصلنا فى صورة لغة بشرية هى اللغة العربية، وبالتالى كانت أبحاثى تدور حول نقد الخطاب الإسلامى، لقد بينت أن المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تستخدم الخطاب الدينى لتستحوذ على السلطة، وقد هدد ما كتبته من يمتلكونها، هذا لا يمنع أننى أعرف نفسى كمسلم، ولدت مسلمًا وتربيت مسلمًا وسأعيش مسلمًا وسأموت إن شاء الله مسلمًا. 

تخيل نفسك مطالبًا بأن تثبت للآخرين أنك مسلم لم تفارق دينك، تفعل كل شىء لتقول ذلك، لكنّ أحدًا لا يستمع إليك، يمكن أن تقف على حافة الجنون، تفقد توازنك، تهيم على وجهك، تدخل فى موجات اكتئاب ليس بعيدًا أن تدفعك إلى الموت، كل هذا مر به نصر ولم ينكره، حدث له هذا وهو غريب منفى مطارد، تضن أرضه عليه أن تمنحه واحة سلام. 

أثناء نظر قضيته، وجد من يقولون له إن القضاة يمكن أن يطلبوا منه أن ينطق بالشهادتين أمامهم، فينتهى كل شىء، رفض ذلك تمامًا، فهو لن يأخذ بإسلامه خاتمًا رسميًا، لكنه وفى أول لقاء جماهيرى له فى هولندا، التى خرج إليها مجبرًا، وقبل أن يتحدث قرر أن ينطق الشهادتين، كان يريد أن يقول لمن يستمعون إليه: أنا مسلم حتى لو اضطهدنى المسلمون.. لن أكون ضد دينى أبدًا مهما فعلوا بى. 

وقبل أن يضع حقائبه فى بيته الجديد بهولندا، التفت إلى زوجته الدكتورة ابتهال يونس، قال لها: عندما أموت لا تعودى بى إلى مصر، لقد ضاقوا بى فى حياتى، ومؤكد أنهم سيضيقون بى فى موتى. 

عرف أحد أصدقائه بما طلبه من زوجته، فأفزعته الصورة، كيف يطلب منها أن تدفنه فى أرض ليست أرضه، اعترض عليه، طلب منه أن يتراجع عن هذه الفكرة المجنونة، لكن نصر قال له والحزن يعتصره: أنا لا أنظر إلى مصر على أنها قبر.. مصر بالنسبة لى وطن. 

عندما مات نصر أبوزيد فى ٥ يوليو ٢٠١٠ كان قد رتب أموره ليستقر فى مصر بشكل نهائى، لكن الأقدار لم تمنحه مطلبه، كان يفكر فى أنه لن ينقطع عن أسفاره ورحلاته ومحاضراته ولقاءاته فى الخارج، لكنه لن يركن إلى مستقر آخر غير وطنه، يفعل كل ذلك ثم يعود إليه، لكنه فى سفرته الأخيرة، خرج ولم يعد إلا مريضًا يحاصره الموت، وما هى إلا أيام وكتب الفيروس الغامض كلمة النهاية فى مسيرته التى لم يجد فيها طعم الراحة يومًا. 

كان الشعور الذى يسيطر عليه أنه استرد وطنه من أغلال من ظلموه، كان استردادًا منقوصًا، لكنه أدرك أنه لا مكان له حيًا وميتًا إلا فى تراب هذا الوطن. 

 

لن أدعى وصلًا بنصر حامد أبوزيد، فلم أكن من بين تلاميذه أو المقربين منه. 

لن أقول لكم إننى كنت صديقه، فلم أتحرك على خريطته بأى صيغة، كل ما جرى أننى رأيته مرة واحدة دون أن يرانى. 

لن أنسب لنفسى شيئًا لم أفعله، فعندما كانت معركته دائرة كنت لا أزال طالبًا أدرس فى كلية الإعلام، لا أملك قلمًا ولا منصة. 

كل ما سأفعله هنا أننى سـأقوم معكم بزيارة جديدة إلى عالم نصر أبوزيد الإنسان والباحث، فمن حقه علىّ أن أعيد إنتاجه من جديد، ومن حقه عليكم أن تعرفوه كما كان، لا كما صوره خصومه لكم. 

كان نصر يريد أن يقابل كل مصرى ليحكى له حكايته، يتحدث معه عن أبحاثه ودراساته وكتبه، يؤكد له أنه ما أمسك القلم إلا لنصرة الإسلام وتخليصه مما لحق به من شوائب البشر، لم يكن يدافع عن نفسه، بقدر ما كان يدافع عن الفقراء والبسطاء والضعفاء والمنكسرين، دون أن ينتظر منهم شيئًا، كل ما أراده هو أن يعرفوه كما عاش وكما كتب وكما مات أيضًا. 

سنخرج مع نصر أبوزيد بعيدًا عن الغرف المغلقة والكتب المغلقة والدراسات المغلقة والمؤتمرات والندوات المغلقة، سنجلس على المقاهى معًا، ونسير فى الشوارع سويًا، ونطرق أبواب البيوت المغلقة علها تفتح أمام «إمام التفكير»، الذى وهب نفسه للحياة والناس. 

سأروى لكم قصة الفتى الذى حاولت الأقدار أن تسحقه، لكنه تحداها وانتصر عليها. 

وسأحكى لكم الفصل الكبير فى حياته.. يوم القيامة الذى وجد نفسه فيه قبل أن يموت مهددًا ومطاردًا ومنفيًا. 

وسنسمعه سويًا وهو يقول لنا ما الذى قدمه.. وما الذى كان يريده؟ 

أفعل ذلك لأننى أشعر بأن روحه التى فاضت إلى ربها منذ سنوات لم تقابل الراحة إلى الآن، وحتى تقر وتستقر فلا بد أن يعرف الجميع: لماذا قتلوه وهو حى؟ ولماذا مثلوا بجثته وهو يراقبهم صارخًا دون أن يسمع لصراخه أحد؟ ولماذا حاولوا كتم أنفاسه فلم يمنحوه فرصة للدفاع- مجرد الدفاع- عن نفسه. 

لا تتعجبوا كثيرًا من هذه الصورة.

فروح نصر حامد أبوزيد لا تزال هائمة، تسير فى الطرقات مع السائرين، تسابقهم أحيانًا، وتتأخر عنهم أحيانًا، علهم يلتفتون إليها، فينصتون لما تريد أن تقوله، فهى لن تهدأ إلا بعد أن ينتصر صاحبها فى معركتها التى لم تحسم بموته.. فهل لكم أن تساعدوا هذه الروح فى أن تصل إلى مرفأها الآمن؟ 

بقى شىء واحد أريد أن أقوله لكم قبل أن نبدأ رحلتنا معًا، فهذا نصر نصر حامد أبوزيد ضيفكم فأحسنوا استقباله، واستمعوا منه ما حاول خصومه أن يحجبوه عنكم. 

تاريخ الخبر: 2023-03-31 18:21:36
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

المقابر الجماعية في قطاع غزة على طاولة مجلس الأمن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

المقابر الجماعية في قطاع غزة على طاولة مجلس الأمن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:53
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:58
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

بطولة السعودية.. ثلاثية الـ "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:26:01
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

بطولة السعودية.. ثلاثية الـ "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:26:07
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:39
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:54
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 57%

رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية