شهدت السياسة الخارجية لتركيا خلال الحملة الانتخابية لعام 2023 مناقشات عدة حول النظريات المختلفة التي تتبناها الحكومة والمعارضة.

شهدت السياسة الخارجية لتركيا خلال الحملة الانتخابية لعام 2023 مناقشات عدة حول النظريات المختلفة التي تتبناها الحكومة والمعارضة، إذ كان المرشح الرئاسي عن تحالف الأمة، كمال كليجدار أوغلو، يقول إنّه سيغير شكل السياسة الخارجية تماماً في حال فوزه، مؤكداً وجوب خروج تركيا من ليبيا وسوريا، واتخاذ موقف أكثر وضوحاً لصالح أوكرانيا في حربها مع روسيا، وتعزيز علاقات أوثق مع الغرب.

آفاق السياسة الخارجية

وتعني تلك الخطوات عودة تركيا إلى السياسة الخارجية الكلاسيكية التي كانت متبناة في تاريخها القريب، بالخروج من كل الملفات الإشكالية في المنطقة والتخلي عن حماية مصالح تركيا في المجالات الشائكة، وخلق أرضية لسياسة خارجية منطوية تلعب بها تركيا دوراً يتماشى مع تحالفها مع الغرب، ولا تخاطر من أجل مصالحها.

أما المرشح الرئاسي عن تحالف الشعب، رجب طيب أردوغان، وبصفته فاعلاً سياسياً في حكم البلاد منذ 20 عاماً، فقد كان يدافع عن السياسة الحالية واصفاً إياها بـ"السياسة الخارجية الوطنية"، قائلاً إنّ السياسة الخارجية لتركيا في إطار المحور الغربي لم تكن كافية لحماية مصالحها الخاصة، أما تركيا اليوم فلديها القدرة على حماية مصالحها الخاصة وإعادة بناء استقرار المنطقة من شرق المتوسط ​​إلى أذربيجان، ومن سوريا إلى ليبيا.

وأشار أردوغان إلى أنّ وجود تركيا في سوريا وليبيا لا غنى عنه لمصالحها الخاصة، وأنّ دورها الوسيط بين روسيا وأوكرانيا موضع تقدير وإشادة في جميع أنحاء العالم.

وبعد فوز تحالف الشعب في الانتخابات البرلمانية 14 مايو/أيار 2023، والجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 من نفس الشهر، أُعلنت الحكومة الجديدة بعد أسبوع بتاريخ 4 يونيو/حزيران، ومنذ ذلك الحين نشهد تطورات مهمة في مجال السياسة الخارجية.

وعلى رأس التطورات المطروحة في أجندة الحكومة الجديدة المتعلقة بالسياسة الخارجية، العلاقات بين تركيا وسوريا التي وصلت إلى مستوى اللقاء بين وزيرَي خارجية البلدين، ثم نقله إلى مستوى أعلى وعقد القمة الرباعية في موسكو بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.

ويضاف إلى ما سبق، الحديث حول لقاء الرئيسين التركي والمصري، بعد الزيارات المتبادلة لوزيرَي خارجية البلدَين، وكذلك العلاقات التركية الإسرائيلية، بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لتركيا في مارس/آذار 2022.

كما تبرز إلى الواجهة عدداً من القضايا الخارجية المهمة والحيوية لمصالح تركيا، مثل حل التوترات التي نشأت بينها وبين اليونان بسبب أزمة الجرف القارّي، وتسليح شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وجزر بحر إيجة.

بوصلة السياسة الخارجية

من ناحية أخرى، يأتي ملف عملية تقييم طلبي فنلندا والسويد لعضوية الناتو، فقد قُبل طلب فنلندا أما طلب الثانية علّقته تركيا، مؤكّدة أنّ السويد تحتضن الإرهابيين في بلادها، بالإضافة إلى الشرط الذي طرحه الرئيس أردوغان في القمة الثلاثية بين تركيا والسويد ورئيس حلف الناتو في ليتوانيا، بدعم تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي ورفع التأشيرات، والذي أثار المفاجأة لدى الجميع، كما كشف عن الخلافات داخل الكتلة الغربية.

وبعد القيام من طاولة المفاوضات، ومن أجل موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو، جرى التوصل إلى حلول تعالج مخاوف تركيا بشأن مكافحة التنظيمات الإرهابية، مثل إنشاء آليّة أمنيّة ثنائية بين تركيا والسويد وتعيين منسّق خاص لمكافحة الإرهاب لأول مرة في تاريخ الناتو.

واتّفق الجانبان على بنود مهمّة، مثل دعم السويد لتركيا داخل الاتحاد الأوروبي، بخصوص الانضمام الذي طلبه أردوغان، بجانب العمل المشترك لرفع العقوبات والقيود الاقتصادية والتجارية بين دول حلف الناتو، وفي المقابل، يُرسل قرار قبول عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي إلى البرلمان التركي للتصويت عليه في الوقت المناسب لجدول أعماله، وسيدعم أردوغان عملية قرار القبول في هذا التصويت.

من جهة أخرى، تمت صفقة طائرات إف 16 بعد أزمة عدم تسليم الولايات المتحدة تركيا طائرات إف 35، بجانب أنّ الأولى تعيد النظر في علاقتها مع تنظيم PKK-PYD الإرهابي.

كما يمكننا الحديث عن الجولة الخليجية التي أجراها نائب الرئيس جودت يلماز ووزير المالية محمد شيمشك ثم الرئيس أردوغان، باعتبارها زيارة مهمة في السياسة الخارجية التركية في هذه الفترة.

فبجانب الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الكبيرة المتبادلة المُوقعة، جذبت تلك الزيارات الأنظار نحو السيارة التركية الكهربائية الجديدة TOGG، والتي أهداها أردوغان لرؤساء الدول الخليجية التي زارها، ونستطيع القول إنّ هذه الجولة أتت ثمارها سواء في جلب الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد التركي، أو نقل العلاقات التركية الخارجية، التي بدأت بالفعل قبل الانتخابات، إلى نقطة جيدة.

بسبب النظرة القاصرة للصورة الكاملة لكل هذه التطورات المتشابكة، يظهر سؤال: "هل تتحول السياسة الخارجية التركية إلى الغرب مرة أخرى؟"، كما طُرِح عام 2010 في الاتجاه المعاكس: "هل تتحول السياسة الخارجية التركية نحو المنقلب الآخر؟".

اعتماد سياسة التوازن

في الواقع، تحمي تركيا مصالحها الخاصة من خلال سياسة التوازن التي أرستها بين القوى الإقليمية والعالمية وتتبع سياسة خارجية تجاه بناء الاستقرار والحفاظ عليه في منطقتها.

فعندما احتلّ الفرنسيون مصر عام 1798 وتعاون السلطان العثماني في تلك الفترة سليم الثالث مع الإنجليز ضد الفرنسيين لطردهم من مصر، أُدخل عامل التوازن على السياسة الخارجية التركية، وكانت تُطبّق هذه السياسة كلّما دعت الحاجة.

فسياسة التوازن التي اتُبعت في الفترة العثمانية كانت للحفاظ على الأراضي والسلطة وعدم التسبب في خسائر سياسية واقتصادية وجغرافية جديدة، ومن أمثلتها اتفاقية مونترو 1936، وانضمام هاطاي إلى تركيا في 1939، وعملية السلام القبرصية عام 1974، والآن تستخدم تركيا عامل التوازن في سياستها الخارجية لاستعادة ما فقدته ولحماية مصالحها.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

نقله من اللغة التركية: سمية الكومي

TRT عربي