المشهد المغربي يقدم دروس الوحدة والحرية في نصرة القضية الفلسطينية


الدار/ تحليل

يبدو التناغم الحاصل بين المغاربة شعبا وحكومة وملكا حول التضامن مع الشعب الفلسطيني ومناصرة القضية الوطنية والدفاع عن ضحايا العدوان الإسرائيلي في غزة نموذجا يحتذى في المنطقة العربية. قبل أن تخرج المسيرة الكبرى التي شهدتها مدينة الرباط وشارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني واستنكارهم للاعتداءات الإسرائيلية التي لم تميز بين مقاتلي حماس وبين الأطفال والنساء من المدنيين، سجلت بلادنا موقفا حازما وواضحا لا لُبس فيه يستنكر الاعتداء على المدنيين من أي طرف كان، ثم جاء خطاب وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة في اجتماع وزراء الخارجية العرب ليؤكد أن ما يحدث جريمة ينبغي أن تتوقف.

الموقفان الشعبي والرسمي في بلادنا يضعان معا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية في ضرورة حلّ القضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين، ويوجهان رسالة قوية لأنصار المغامرة والتضحية بالمكتسبات وبأمن واستقرار المنطقة لفائدة أطراف إقليمية. ما يميز المغرب في التعاطي مع هذه الأزمة الجديدة في غزة هو هامش الحرية الكبير الذي أتيح للجميع من أجل التعبير عن رأيه وموقفه دون قمع أو تضييق، في الوقت الذي منعت فيه العديد من دول الجوار مواطنيها من حق تنظيم مسيرات أو مظاهرات احتجاجية نصرة للشعب الفلسطيني واستنكارا للعدوان الإسرائيلي. والذي يزيد الحالة المغربية أهمية هي أن بلادنا تحافظ في الوقت الراهن على علاقات طبيعية مع كلا الطرفين.

فالمغرب تجمعه منذ عقود طويلة علاقات تاريخية وثقافية بل وعائلية مع الفلسطينيين والشعب الفلسطيني ثم مع ممثليه التاريخيين في منظمة التحرير الفلسطينية وما أفرزته من سلطة فلسطينية في رام الله ما تزال تناضل من أجل استرجاع الحقوق وبناء الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة. وفي الوقت نفسه أعادت بلادنا قبل فترة استئناف علاقاتها مع إسرائيل ومع الشعب الإسرائيلي الذي يضم بين صفوفه مئات الآلاف من اليهود ذوي الأصول المغربية. هذا الوضع يتيح لبلادنا موقعا تفاوضيا مميزا يجعل صوتها مسموعا لدى كلا الطرفين وقادرا على تقديم مبادرات سياسية للصلح أو العمل على التوصل إلى هدنة أمنية مؤقتة على الأقل في انتظار الحلّ.

لكن الأهم في المقاربة المغربية للقضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط هو النأي التام عن المزايدات السياسية والتوظيف السياسوي لما يحدث بين مختلف الفرقاء في بلادنا سواء تعلق الأمر بالدولة أو الأحزاب السياسية أو المجتمع المدني أو حتى عموم المواطنين. لا أحد يبحث لحسن الحظ عن تحويل هذه القضية إلى رصيد يستغله أو تجارة يتربّح منها أو ورقة يستخدمها لممارسة الابتزاز أو المعارضة أو الضغط على هذا الطرف أو ذاك. نحن المغاربة نؤمن أن وحدتنا الوطنية وتماسك جبهتنا الداخلية أهم من أيّ قضية قومية أو أممية أو إسلامية أخرى، ولا شيء يعلو فوق شعارنا الخالد: الله الوطن الملك.

لذا لن تجد أبدا في المغرب من يزايد على مغربي آخر لأنه تضامن أو تقاعس عن التضامن أو عبّر عن تضامنه بشكل مختلف أو زاد على ذلك موقفا وتوضيحا لا يتماشى مع رأي الأغلبية. القضية الفلسطينية طبعا من ثوابتنا وجزء من إجماعنا الوطني على الالتزام بقضايا الأمة والعروبة، لكنّها لا يمكن أن تكون أبدا عامل تفرقة أو تشتيت في صفوفنا، لأن ذلك لن يخدم في شيء هذا الشعب الفلسطيني المظلوم، ولن يؤدي إلى تحقيق مطالبه، بل على العكس من ذلك يمكن أن يزيد من حالة الشتات والضعف والهوان العربي. وهذا التصور المنطقي للغاية المتجرد من القراءات العاطفية المنفعلة استمد الكثير من الدروس البليغة من تجربة الفرقاء الفلسطينيين أنفسهم. فعلى مدار تاريخ هذه القضية كان العامل الذي أخر حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه ودولته المستقلة مرتبطا بعنصرين: الفُرقة المزمنة التي يعانيها الصفّ الفلسطيني ومن مظاهرها هذا الاقتتال الدائم بين فتح المسيطرة في الضفة الغربية وحماس المسيطرة في غزة. والعنصر الثاني هو الارتهان الدائم إلى أطراف خارجية في الشرق الأوسط لم تكن تدخلاتها ومواقفها دائما في مصلحة الفلسطينيين. لذا لا بد للمشهد العربي أن يستفيد الكثير من الدروس من المشهد المغربي في أفق إنهاء هذه القضية وبناء دولتين إسرائيلية وفلسطينية يتعايش فيها الشعبان جنبا إلى جنب في أمن واستقرار ورخاء.

تاريخ الخبر: 2023-10-17 12:25:56
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:45
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

جلالة الملك يوجه خطابا إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

سمرقند تستضيف قرعة كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة يوم 26 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:05
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية