في فلسطين العيد بنكهة الموت
في فلسطين العيد بنكهة الموت
أطفأت مدينة بيت لحم أنوارها, وخلت شوارعها من حشود المصلين, غابت الزينة, وصمتت أجراس الكريسماس, ليحل محلها دوي المدافع وقصف الطيران, ماتت كل الأشجار لم تعد هناك شجرة تصلح للاحتفال, لأن شلال الدم مازال متدفقا, وها هو العالم يحتفل بعيد الميلاد, بينما يخصص مسيحيو فلسطين غدا 25 ديسمبر الموافق عيد الميلاد هناك لرفع الصلاة من أجل وقف الحرب وسلام بلادهم, بعد أن قررت الكنائس في بيت لحم والقدس إلغاء مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد هذا العام بسبب الحرب في غزة والضربات التي توجهها إسرائيل إلي الفلسطينيين في الضفة الغربية, وإلغاء الاحتفال رسالة قوية بعث بها مسيحيو فلسطين, وكنائس القدس للعالم, ليعلنوا أنهم ليسو أقلية في الأرض المقدسة, وهو ما جاء علي لسان المطران عطا الله حنا حينما صرح قائلا: نحن مسيحيون فلسطينيون, نحن جزء من هذا الشعب, ونحن لسنا أقلية أو جالية أو عابري سبيل في هذه الأرض المقدسة, نحن ننتمي إلي شعبنا, وآلام الشعب الفلسطيني هي آلامنا ومعاناته هي معاناتنا.
سلب الاحتلال الإسرائيلي كل شيء من الناس, لكنه لم يسلبهم الأمل, فتنازلوا عن المغارة المعتادة لمشهد ميلاد المسيح, وبنوا المغارة وبها التمثال الرمزي للطفل يسوع راقدا وسط الركام وبين الأنقاض, مغارة بنكهة الدمار والخراب والموت الذي حل بأطفال غزة, مغارة هذا العام تعكس مشهد الدمار بسبب الحرب, هذا ما فعلته الكنيسة اللوثرية إذ استبدلت المغارة العادية لعيد الميلاد بمغارة يرقد داخلها الطفل يسوع بين الأنقاض, لتعكس واقع الأطفال الذين يعيشون ويولدون في فلسطين اليوم, لتجسيد معاناة أطفال غزة الذين يجدون أنفسهم مدفونين تحت ما تبقي من منازلهم, ضحايا للقصف الإسرائيلي المتواصل.
يذكرني هذا المشهد المبكي بصورة انتشرت في عام 2021 لأطفال يرتدون الطراطير الملونة, ويلتفون حول تورتة صغيرة في العيد, وسط أنقاض منزل أحدهم الذي قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية, في غزة, قال ناشرها الحياة مستمرة في غزة رغم كل شيء, لأطفالنا الحق في العيش مثل الأطفال الآخرين في العالم. تذكرت هذه العبارة وتذكرت أيضا عدد الأطفال الذي لقوا حتفهم منذ بداية الحرب وتخطي عددهم 8 آلاف طفل وطفلة. وتذكرت المخيمات علي طول الحدود, والذين تركوا بيوتهم حفاة عراة باحثين عن مأوي أو كسرة خبز, فلم يعد في غزة شيئا صالحا لاستمرار الحياة. هل سينسي من تبقي علي قيد الحياة من أولئك الأطفال, ما عايشه من رعب ومآسي ما شكل شباب المستقبل في تلك البقعة المنكوبة؟ هل يمكنها أن تنتج شيئا سوي المرارة؟ أطفال غيبهم الموت, وآخرون عاشوا الموت ألف مرة وحينما حل العيد لم يجدهم, فأبشروا ياطغاة العالم الذين لم تقفوا إلي جوارهم لن تحصدوا نتيجة تخليكم سوي المقاومة, فمن يزرع الكراهية والتمييز العنصري أبدا لن يحصد حبا.
وما زالت إسرائيل ترفض هدنة عيد الميلاد التي دعا إليها الغرب, حتي وقت كتابة هذه السطور! واستمرار الحرب يعني أنها تمنع ضمنيا كل من له مقدسات علي الأرض من الزيارة والحج والصلاة, لأنه ما من أحد سيذهب إلي هناك تحت القصف ليصلي, وهو ما يحقق لها رغباتها في استفزاز كل من له مقدسات هناك لتعمق فكرة تديين القضية كما سبق وأشرنا في مقالات سابقة, ومن خلال بسط نفوذها علي مقدسات الآخرين, تقوم بتصفيتهم في صفوف الموالين لحماس أو حلفاء إسرائيل, وليس أدل علي ذلك من قصف دير راهبات الأم تريز, وتدميره, واغتيال سيدتين برصاص القناصة الإسرائيليين في رعية العائلة المقدسة, وكأن طرفا, يبتغي توسيع جبهات الاشتباك وإنتاج مزيد من العداءات, فلمصلحة من يحدث ذلك؟