ميخائيل بولغاكوف

ميخائيل أفانيسيفتس بولغاكوف (بالروسية:Михаил Афанасьевич Булгаков) روائي ومسرحي روسي وُلد في 15 مايو1891 بمدينة كييف وتوفي فيعشرة مارس 1940 في موسكو. كان يعمل طبيبا اشتهر برواية المفهم ومارغريتا التي نُشرت بعد ثلاثة عقود من وفاته.

مسيرة حياته

ولد المحرر في عائلة بروفسور في أكاديمية كييف الدينية. وعاش طفولته وشبابه في مدينة كييف. وسوف تدخل كييف في إبداع بولغاكوف كمدينة في رواية الحرس الأبيض حيث لن تكون مكان الحدث وحسب، بل وتعبيراً عن الإحساس العميق بالعائلة وبالوطن (كما في منطقته " كييف – المدينة " 1923). انتسب إلى كلية الطب في جامعة كييف عام 1909 وتخرج منها عام 1916 مع شهادة طبيب معالج بدرجة امتياز.

لقد أرست الأعوام التي قضاها بولغاكوف في كييف الأساس لنظرته إلى العالم. فهناك بدأ يدغدغ المحررَ الحلم باحتراف الكتابة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى كانت شخصية بولغاكوف قد تبلورت بشكل كامل. بعد تخرجه من الجامعة عام 1916 عمل بداية في مستشفيات الصليب الأحمر على الجبهة الجنوبية الغربية. ومن هناك تم استنادىؤه للخدمة الإلزامية، ليتم فرزه في منطقة سمولنسك حيث عمل في البداية طبيباً في مستشفى القرية، ومن ثم اعتباراً من أيلول عام 1917 في مستشفى مدينة فيازما. وقد شكّلت تلك الأعوام مادة لثماني قصص خطها بولغاكوف وصدرت في عام 1925 ضمن سلسلة " مذكرات طبيب شاب ". وكان قد بدأ العمل في كتابتها هناك في مقاطعة سمولنسك، مضيفاً إليها بانتظام انطباعاته من اللقاءات مع السقمى.

لقد مرت أحداث عام 1917 بشكل غير ملحوظ تقريباً بالنسبة للطبيب الريفي بولغاكوف. وأما سفره إلى موسكوفي خريف ذات العام فلم يكن نابعاً من اهتمامه بتلك الأحداث، كما حاول حتى يلصق به ذلك بعض خطة السيرة وبحسن نية، وإنما لرغبته في التخلص من الخدمة العسكرية ومن دائه الخاص، الذي قام بتوصيفه بالتفصيل في قصته " مورفين " التي تم نشرها ضمن تلك السلسلة المذكورة أعلاه.

ولم ينشأ احتكاك بولغاكوف مع أحداث الثورة والحرب الأهلية سوى في مدينته كييف التي عاد إليها في آذار عام 1918. إذ لم يكن ممكناً البقاء على الحياد من الأحداث السياسية في ظروف التبدل المستمر للسلطة في أوكرانيا خلال العامين 1918 – 1919. وقد أشار المحرر نفسه إلى ذلك عندما خط في إحدى الاستمارات ما يلي : في عام 1919 أثناء إقامتي في كييف، تكررت دعوتي للخدمة طبيبا من قبل مختلف السلطات التي كانت تشغل المدينة ".

والدليل على الأهمية المحورية لتلك الفترة الممتدة عاماً ونصف في إبداع بولغاكوف يمكن حتى نستشفه من روايته " الحرس الأبيض "، ومن مسرحيته " أيام آل توربين" ومن قصته " مغامرات طبيب غير عادية " عام 1922. وبعد استيلاء قوات الجنرال دينيكن على مدينة كييف في أغسطس/ آب عام 1919 تم استنادىء بولغاكوف للخدمة في الحرس الأبيض، ومن ثم تم نقله للخدمة طبيبا عسكريا إلى شمال القوقاز. وهنا تم نشر أول مادة له – منطقة صحفية تحت عنوان " آفاق المستقبل" عام 1919. وقد كانت هذه الموضوعة مكتوبة انطلاقاً من مسقط رفض "الثورة الاجتماعية العظيمة " التي أسقطت الشعب في معمعة من المآسي والمصائب وكانت تنذر بعواقب وخيمة وبجزاء كبير من جرائها في المستقبل. لم يتقبل بولغاكوف الثورة، لأن سقوط القيصر بالنسبة له كان يعني سقوط روسيا ذاتها بدرجة كبيرة وسقوط الوطن مصدرا لكل ما منير وعزيز في حياته. وفي أعوام الانهيار الاجتماعي حسم المحرر خياره الرئيسي والنهائي: تخلى عن مهنة الطب وكرّس جميع حياته للعمل الأدبي. وخلال عامي 1920 – 1921، وأثناء عمله في مديرية الفنون في مدينة فلاديقوقاز التي كان يرأسها المحرر سليزكين، تمكن بولغاكوف من تأليف خمس مسرحيات تم إخراج وعرض ثلاث منها على خشبة المسرح المحلي. وقد قام المؤلف فيما بعد بإتلاف هذه التجارب الدرامية التي ألفها، كما نطق، على عجل، في زمن " المجاعة ". ولم تحفظ نصوصها، ما عدا واحدة بعنوان " أولاد الملا ". وقد تعرض المحرر هنا لأول صدام مع النقاد " اليساريين " أصحاب التوجه البروليتاري في الثقافة، والذين هاجموا المؤلف الشاب على تمسكه بالتنطقيد الثقافية المرتبطة بأسماء بوشكين وتشيخوف. وقد حكى المحرر عن تلك الفترة من حياته في مدينة فلاديقوقاز في قصته الطويلة " مذكرات على الأكمام " عام 1923.

وفي آخر أيام الحرب الأهلية، ولم يكن قد هجر القوقاز بعد، كان بولغاكوف مستعداً لمغادرة الوطن والسفر إلى الخارج. ولكن بدلاً من ذلك نراه يظهر في موسكوفي خريف عام 1921 ليبقى فيها إلى الأبد. وعلى الأرجح حتى ذلك لم يكن ليحصل من دون تأثير الشاعر أوسيب ماندلشتام، الذي التقاه في أواخر أيام تواجده في القوقاز. وقد كانت أولى أيام بولغاكوف في موسكوصعبة جداً، لا من حيث الإقامة والحياة وحسب، بل ومن الناحية الإبداعية أيضاً. إذ كان مضطراً للقيام بأي عمل لكي يعيش. ولكن مع الوقت أصبح بولغاكوف محرر منطقات هجائية في عدد من الصحف الموسكوفية وجريدة " ناكانوني" التي كانت تصدر في برلين. وقد نشر له الملحق الأدبي لتلك الجريدة، بالإضافة للسيرة الطويلة آنفة الذكر " مذكرات على الأكمام "، القصص التالية: " مغامرات تشيشيكوف "، " التاج الأحمر" و" كأس الحياة " (جميعها صدرت في عام 1922). ومن بين الإصدارات المبكرة، التي خطها بولغاكوف أبّان فترة العمل الصحفي ، ثمة سيرة " نار الخان " (1924) التي تتميز بمستوى فني رفيع. واللافت للنظر هوغياب التأثير الصريح لمختلف التيارات الأدبية المعاصرة على إبداع بولغاكوف في تلك الفترة، وذلك بدءاً من الكسندر بيلي وانتهاءً ببوريس بيلنياك، اللذين كان لهما تأثير واضح على الكثير من الكتاب الشباب العاصرين لبولغاكوف. لقد كانت غريبة عنه النظريات الشائعة آنذاك حول" يسارية الفن" وكذلك مختلف التجارب الإبداعية الشكلانية (من هنا كثرة الوخزات الهجائية التي وردت في كتاباته بحق جميع من شكلوفسكي ومائيرخولد وماياكوفسكي..).

كان غوغول وسالتيكوف – شيدرين من أحب الكتّاب إلى قلب بولغاكوف وذلك منذ نعومة أظفاره. ولذلك نجد حتى موتيفات غوغول قد دخلت إلى نتاجه الإبداعي مباشرة ابتداء من السيرة الساخرة " مغامرات تشيشيكوف" وانتهاء بالإخراج المسرحي لـ "الأنفس الميتة" (في عام 1930) وبتحويل راوية " المفتش العام " إلى سيناريوجاهز للسينما (عام 1934). أما سالتيكوف - شيدرين فكان يعتبره بولغاكوف معلِّماً له وقد عبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة وبصورة مباشرة.

لقد عاش بولغاكوف سنواته الأخيرة مع إحساس بأن مشواره الإبداعي قد مضى سدى. ومع أنه استمر في عمله بهمة عالية واضعاً عدد من الأوبرا (" البحر الأسود" ” عام 1937، " مينين وبوجارسكي "عام 1937، " الصداقة " عام 1938، " راشيل " عام 1939، وغيرها)، لكن هذا كان يشير على رصيده الإبداعي الذي لا ينضب أكثر مما يشير إلى سعادة الإبداع الحقيقية. وقد باءت بالفشل محاولة بولغاكوف تجديد علاقة التعاون مع MKHAT عن طريق وضعه مسرحية " باتوم " (التي تدور حول فتوة ستالين) والتي كان لمسرح موسكوالفني مصلحة كبيرة في إخراجها بمناسبة العيد الستين لولادة القائد. فقد تم حظر عرض المسرحية إذ تم تفسيرها من قبل الجهات العليا على أنها سعي من قبل المحرر لمد الجسور مع السلطات.

إلى غير ذلك توفي بولغاكوف في موسكوفي عام 1940 بعد حتى أحرق مخطوطة رواية "المفهم ومرغريتا " التي أنقذتها فيما بعد زوجته لترى النور متأخرة حوالي ثلاثة عقود عن تاريخ ميلادها الحقيقي، وليستمتع بها ملايين القراء في العالم ولتضاف بذلك درة أخرى إلى درر الأدب الروسي والعالمي. وحتى بعد نشر مسرحياته وروايته "المفهم ومرغريتا " فإن بولغاكوف لم ينل حقه من الاهتمام من قبل النقاد والمؤسسات الرسمية السوفيتية. بل إذا تعتيماً ممنهجاً كان يفرض في الفترة اللاحقة على المحرر وعلى إبداعه في الاتحاد السوفيتي السابق. إذ لم يفرج عن أعماله في الاتحاد السوفييتي السابق بشكل رسمي قبل انطلاق البيريسترويكا.. اللهم باستثناء العرض المتكرر لمسرحية " ايام آل توربين " كما أسلفنا. والبرهان على ذلك هوحتى السلطات الرسمية الروسية لم تقرر افتتاح متحف المحرر سوى في آذار من عام 2007 !! حيث صدر قرار عن حكومة موسكوبتحويل البيت الذي كان يقطن فيه بولغاكوف إلى متحف. وأظن حتى ذلك ما كان ليتم لولم تتبرع سيدة روسية بالأمور التذكارية والوثائق التي تعود للمحرر.

أسلوب ميخائيل بولغاكوف

لقد كان الموضوع الرئيسي للمنطقات الهجائية والقصص والحكايات عند بولغاكوف في عشرينيات القرن الماضي حسب تعبيره هوبالذات " تلك الفظاعات والتشوهات التي لا تحصى في حياتنا اليومية" - تلك التشويهات الكثيرة للطبيعة البشرية التي حدثت تحت تأثير الانقلاب الاجتماعي الذي أصبح حقيقة واقعة (" عرض شيطاني " عام 1924، " البيوض القاتلة " عام 1925). وفي نفس الاتجاه يسير العقل الساخر للمحرر في روايته الساخرة " قلب كلب " عام 1925، التي نشرت لأول مرة في عام 1987). جميع هذه الإشارات – التحذيرات كانت بالنسبة للبعض من معاصريه إما دافعاً للإعجاب (لقد رأى غوركي في سيرة " البيوض القاتلة " –شيئاً ظريفاً ) وإما سبباً لرفض النشر (فقد رأى كامينيف في رواية " قلب كلب " : ” هاتىًً لاذعاً للحقبة، ولذلك لا يجوز نشرها بأي شكل كان). ففي تلك القصص المذكورة اتضحت فرادة الأسلوب الأدبي الساخر لبولغاكوف.

أما بمثابة الحد الفاصل بين بولغاكوف الباكر وبولغاكوف الناضج فقد كانت روايته "الحرس الأبيض"، التي قام ي. ليجنيف بنشر جزئيها في مجلة " روسيا " عام 1925 (تمت طباعة الرواية بشكل تام لأول مرة في الاتحاد السوفيتي عام 1966 وقد كانت هذه الرواية أحبُّ الأعمال لقلب المحرر. وفيما بعد قام بولغاكوف وبالتعاون مع مسرح موسكوالفني MKHAT بإعداد مسرحية " أيام آل توربين " بالاعتماد على نص رواية " الحرس الأبيض " (عام 1926). وهذه المسرحية بالضبط (يمكن اعتبارها عملاً أدبياً مستقلاً) هي التي جلبت الشهرة لبولغاكوف. وبالعمل، لقد لقيت المسرحية نجاحاً باهراً لدى الجمهور. إلا حتى النقاد انهالوا على المسرحية ومحررها متهمين المحرر بالعداء للسوفييت وبالتعاطف مع حركة البيض.

وبنتيجة الهجمات المركزة على المسرحية اضطروا في مسرح MKHAT عام 1929 إلى سحب المسرحية من برنامج العروض (عاد عرضها في عام 1932).. إلى غير ذلك فإن نجاح الإخراج والحضور المتكرر للمسرحية من قبل ستالين واهتمامه غير المفهوم من قبل البيروقراطيين في إدارة المسارح تجاه " مسرحية معادية للثورة" – جميع ذلك ضمن استمرارية المسرحية وبالتالي عرضها حوالي ألف مرة ومع نفاذ التذاكر في جميع مرة.

ما رواية " المفهم ومرغريتا " فقد أكسبت المحرر شهرة عالمية، لكنها لم تصبح في متناول القارئ السوفييتي إلا بعد تأخير لثلاثة

عقود (تم نشر أول طبعة مختصرة من الرواية في الاتحاد السوفيتي السابق فقط في عام 1966). لقد خط بولغاكوف الرواية عن وعي بحيث تكون عملاً ختامياً متضمناً مجمل الموتيفات الواردة في إبداعاته السابقة وما تتضمنه مسيرة الأدب الكلاسيكي الروسي والعالمي