اختلاف الحديث (الشافعي)

كتاب اختلاف الحديث هوأحد مؤلفات الإمام محمد بن إدريس الشافعي، أحد الأئمة الأربع لأهل السنة، قام فيه ببدأ فهم اختلاف الحديث، والذي هوبالتعريف: الفهم الذي يبحث في الأحاديث التي ظاهرها متعارض، فيزيل تعارضها، أويوفق بينها، كما يبحث في الأحاديث التي يشكل فهمها، أوتصورها، فيدفع إشكالها، ويوضح حقيقتها .

قام الشافعي بكتابة كتابه خشية حتى يقع غير ذوي الفهم بالتناقض والغلط عند قراءتهم لحديث رسول الله حيث نطق فيه: (وصفت في كتابي هذا المواضع التي غلط فيها من عجل في الفهم قبل خبرته) .

مضمون الكتاب

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وأبواب:

المقدمة:

بدأ الشافعي كتابه بالتعريف بمكانة السنة النبوية في الإسلام، خصوصًا كونها أحد أبرز مصادر التشريع الإسلامي. ويبين منهجه الأساسي في دفع التعارض: (حدثا احتمل حديثان حتى يُستعملا معًا استخدما معًا، ولم يُعطل واحد منهما الآخر) .

ثم انتقل للاستدلال على حجية الخبر الواحد، وشرحها بعدد من الأمثلة.

أنكر على من تأول بعض الآيات القرآنية بغير مرشد فقام نتيجة هذا التأويل برد أحاديث ثابتة عن رسول الله ، حتى وصل إلى موضوع الاختلاف في الأحاديث.

قام بوضع الأسس النظرية لهذا الفهم، فجمع بعض القواعد التي يجب حتى يرجع إليها من أراد دفع التعارض عن أقوال النبي .

الأبواب:

أورد الشافعي 79 بابًا، صنف فيها الأحاديث المتنوعة. فكان في جميع باب يروي الأحاديث أولًا ويخط معها تام إسنادها، ثم يبدأ بتوضيح عدم التعارض بينها. أما إذا كان بعضها منسوخًا فيبدأ برواية الأحاديث المنسوخة، ويخط بعد ذكرها بأنها كذلك، ثم يأتي بالأحاديث التي نسختها. وأما إذا كانت الأحاديث لا يمكن دفع التعارض بينها فكان يقوم بترجيح أحدها على الآخر بعد رواية الأحاديث المرجوحة، ثم الراجحة، ويقول (وبهذا نأخذ) مع تبيانه سبب ترجيح لما رجح .

بدأها بباب الاختلاف من جهة المباح، ثم تابع بأبواب للصلاة، مثل باب القراءة في الصلاة وباب في التشهد وباب في الوتر وباب سجود القرآن، وتتابعت الأبواب في مواضيع شتى في الفقه، إلى حتى وصل في نهايته إلى أبواب في اختلاف الحديث، بدأها بباب الخلاف في هذه الأحاديث، ثم باب المختلفات التي لا يثبت بعضها، وصولًا إلى باب المختلفات التي عليها دلالة. ولكن يُظن بأن هذا الترتيب ليس ترتيب الشافعي نفسه، بل حتى هنالك من أعاد ترتيبها بعده. فنجد مثلًا باب اغتال المؤمن بالكافر من الأبواب الأخيرة بين أبواب اختلاف الحديث، وكذلك باب من أعتق شركًا له في عبد.

كما ذكرنا فلم يكتفي فقط بذكر الاختلافات والجميع بينهما أوترجيح أحدها، إنما وضع في كتابه أبوابًا يرد بها على من خالفه في طريقته في دفع التعارض بين الأحاديث .

روى الشافعي في كتابه 336 حديثًا مرفوعًا، و238 حديثًا مسندًا و98 حديثًا مجردًا.

أهمية الكتاب

1- يُعد كتاب اختلاف الحديث لمحمد بن إدريس الشافعي أول كتاب دون في مختلف الحديث.

2- قام فيه بدفع التعارض الظاهري بين الأحاديث النبوية. والذي كان يغفل عنه الشخص العامي.

3- الوقوف على حقيقة المراد من الأحاديث.

4- وضع فيه أسسًا وقواعد لفهم اختلاف الحديث.

منهج الشافعي في كتابه اختلاف الحديث

1- الاهتمام بإسناد الحديث: ذلك حتى فهم صحة الحديث وثبوته هوالركن الأساسي في قبول الحديث، فاجتهد الشافعي في كتابه على رواية الأحاديث بأسانيد متصلة إلى النبي إذا عثر الإسناد كاملًا. وأحيانًا يشك في الإسناد فيذكر شكوكه تلك.

2- حجية حديث الآحاد: واستدل على ذلك بجملةٍ من الأحاديث وأفعال النبي ، ومنها أنَّ رسول الله بعث بعماله واحدًا واحدًا ليفهموا الناس الدين، شرائعه، واجباته ومحرماته وحدوده وسننه، وما كان يبعث منهم إلا من هومشهورٌ بصدقه عند من بعثه إليه.

3- الاستشهاد بالحديث الضعيف: فقد كان يستشهد في بعض المواضع بأحاديث ضعيفة عندما لاقد يكون هنالك بأسٌ من ذلك. ومن الأمثلة على ذلك ما أورده في باب الإسفار والتغليس بالفجر أنَّ رسول الله نطق: (أول الوقت رضوان الله).

4- تصنيف الكتاب لأبواب حسب الموضوع، مثل باب الاختلاف من جهة المباح. وباب القراءة في الصلاة.

5- لم يضم الشافعي جميع أحاديث الاختلاف، إنما ركز على الجانب الفقهي، فتقريبًا جميع المسائل الواردة في الكتاب هي من مسائل الفقه، ويتضح ذلك من أسماء الأبواب.

6- تقديم الجمع بين الحديثين المتعارضين في الظاهر ما أمكن. فنطق: (حدثا احتمل حديثان حتى يُستعملا معًا استخدما معًا، ولم يُعطل واحد منهما الآخر) . فإن كانا ثابتين فيكون أحدهما ناسخًا والآخر منسوخًا. ولذلك الاختلاف بين الأحاديث أوجهٌ متعددة لا تستدعي التعارض، مثل اختلاف مقام ورود الحديث، واختلاف العام والخاص من المقصد من الحديث واختلاف المباح واختلاف الأمر والنهي واختلاف أداء الرواة للحديث.

7- طالما لم يكن الجمع بين الحديثين ولمقد يكون أحدهما ناسخًا للآخر، فمضى الشافعي لوجوب العمل بالراجح منهما دون المرجوح، فنطق في كتابه: (ومنها ما لا يخلوحتىقد يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى كتاب الله، أوأشبه بمعنى سن النبي ، مما سوى الحديثين المختلفين، أوأشبه بالقياس، فأي الأحاديث المتنوعة كان هذا فهوأولاهما عندنا حتى يصار إليه) .

8- الترجيح اعتمادًا على سند الحديث: وفيه يقوم بالترجيح بين الحديثين تبعًا لمن إسناده أقوى، ولذلك أوجهٌ متعددة ذكرها، منها كثرة الرواة ومنها فقه الراوي وحفظه ومنها رواية أكابر الصحابة، وغيرها من الوجوه.

9- الترجيح باعتبار متن الحديث: فيقوم بدراسة متن الحديث، فقد يجد ما يرجحه على ما يعارضه، فينظر بالأكمل لفظًا والأبين لغة (ومنه حديث الشفعة) والمزاد في لفظه (ومنه إثباته لحديث حمل اليدين عن تكبيرة الإحرام والركوع والحمل منه، على حديث من لم يثبت إلا عند تكبيرة الإحرام.

انتقادات على الكتاب

عدم استيفاءه لكافة الأحاديث التي قد يقع في الاختلاف والتعارض الظاهري. إلا حتى هذا كان من مقاصد الشافعي رحمه الله، فقد كان يأمل في هذا الكتاب جمع ما اشتهر بأنه أشكل على الناس وكذلك لتبيان الفكرة والمنهج في هذا الفهم، حيث نطق النووي: (وصنف فيه الشافعي، ولم يقصد استيفاءه، بل ذكر جملة ينبه بها على طريقه) .