أبوعبد الله حسين بن منصور الحلاج (858 - 26 مارس، 922) (244 هـ 309 هـ)؛ شاعر عراقي عباسي، يُعد من روائد أعلام التصوف في العالم العربي والإسلامي.

حياته

الحسين بن منصور بن محمى الملقب بالحلاج يعتبر من أكثر الرجال الذين اختلف في أمرهم، وهناك من وافقوه وفسروا مفاهيمه. وهومن أهل البيضاء وهناك خلاف حولها هل هي البلدة التي ببلاد فارس، أم البلدة التي في جنوب العراق وهوما رجحته الدراسات الأكاديمية، نشأ في مدينة واسط التي تبعد ب180 كيلومترا جنوب بغداد في العراق، وصحب أبا القاسم الجنيد وغيره يقول الدكتور علي ثويني في الأصل العراقي للحلاج: وبالرغم من اقتران اسم الحلاج ببغداد فإنه لم يولد فيها وإنما ولد في أطراف واسط القريبة من جنوبها عام 858م في منطقة (البيضاء) التي ينطق لها (الطور) وربماقد يكون ذلك الموضع يقع في تخوم (أهوار) العراق التي تدعى (البيضاء) حتى يومنا هذا، ويؤكد مسقط رأسه هذا المؤرخ (الاصطخري) الذي عاصره وذكر ذلك ابن الجوزي في (المنتظم) حيث ذكر(الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل البيضاء)، إلى غير ذلك فإنه عراقي المولد والمنشأ بالرغم من انادىء البعض بفارسيته والتي لا يؤيدها منهج البحث التاريخي .ثم انتقل إلى البصرة قبل وروده بغداد وهوفي الثامنة عشر من عمره . لم ترض فلسفته التي عبّر عنها بالممارسة الفقيه محمد بن داود قاضي بغداد، فقد رآها متعارضة مع تعاليم الإسلام ، فحمل أمر الحلاج إلى القضاء طالبًا محاكمته أمام الناس والفقهاء فلقي مصرعه مصلوباُ بباب خراسان المطل على دجلة على يدي الوزير حامد بن العباس، تطبيقًا لأمر الخليفة المقتدر في القرن الرابع الهجري بعد حتى طال محاكمته سبع سنين واستتابه الخليفة فلم يرجع عن قوله.

نشأ الحسين الحلاج في واسط ثم ولج بغداد وتردّد إلى مكة واعتكف بالحرم فترة طويلة، وأظهر للناس تجلدًا وتصبرًا على مكاره النفوس، من الجوع والتعرض للشمس والبرد. وكان الحلاج يظهر للغوغاء متلونًا لا يثبت على حال، إذ يرونه تارة بزي الفقراء والزهاد وتارة بزي الأغنياء والوزراء وتارة بزي الأجناد والعمال، وقد طاف البلدان ودخل المدن الكبيرة وانتقل من مكان لآخر داعيًا على طريقته، فكان لهُ أتباع في الهند وفي خراسان^[] ، وفي بغداد وفي البصرة، وقد اتهمه مؤرخوأهل السنة بأنه كان مخدومًا من الجن والشياطين ولهُ حيل مشهورة في خداع الناس ذكرها ابن الجوزي وغيره، وكانوا يرون حتى الحلاج يتلون مع جميع طائفة حتى يستميل قلوبهم، وهومع جميع قوم على ممضىهم، إذا كانوا أهل سنة أوشيعة أومعتزلة أوصوفية أوحتى فساقًا.

فكره

التصوف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكًا فرديًا بين المتصوف والخالق فقط. لقد طور الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهادًا ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع ونظرًا لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه. عن إبراهيم بن عمران النيلي أنه نطق:

محاكمته

روى إسماعيل بن علي الخطبي في " تاريخه " نطق : وظهر أمر رجل يعهد بالحلاج ينطق له : الحسين بن منصور، وكان في حبس السلطان بسعاية سقطت بهِ، وذلك في وزارة علي بن عيسى الأولى وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة وسحر وانادىء النبوة، فكشفه علي بن عيسى عند قبضه عليه وانتهى خبره إلى السلطان - يعني الخليفة العباسي المقتدر بالله - فلم يقر بما رمي به من ذلك فعاقبه وصلبه حيًا أيامًا متوالية في رحبة الجسر في جميع يوم غدوة وينادى عليه بما ذكر عنه ثم ينزل به ثم يحبس. فأقام في الحبس سنين كثيرة ينقل من حبس إلى حبس حتى سجن في النهاية بدار السلطان، فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموه عليهم واستمالهم بضروب من حيلهِ حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه، ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها فاستجابوا لهُ، وتراقى به الأمر حتى ذكر أنه ادعى الربوبية وسعي بجماعة من أصحابه إلى السلطان فقبض عليهم ووجد عند بعضهم خطا تدل على تصديق ما ذكر عنهُ، وأقر بعضهم بلسانهِ بذلك وانتشر خبره وتحدث الناس في قتلهِ، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس وأمر حتى يكشفه بحضرة القضاة والفهماء ويجمع بينه وبين أصحابه فجرى في ذلك خطوب طوال؛ ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه، فأمر بقتله وإحراقه بالنار، فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط وبترت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه للناس على سور الجسر الجديد وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه، ويذكر مصطفى جواد أنه بعد حرق جثته تم دفن ما تظل منها في القبر المعروف في بغداد.

منتقدوه

اكتفى بعضهم بتكفيره بالاعتماد على ما قيل على لسانهِ من أقوال أوأشعار، بينما سعى بعضهم إلى تبرئته بالزعم بأن ما قيل على لسانه لا أساس له من الصحة وأنه كلام مدسوس عليه. أما أتباعه فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها إليه، ولكنهم يقولون إذا لها معاني باطنة غير المعاني الظاهرة، وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم. بينما جنح المستشرقون إلى تفسيرات أخرى وجعلوا منه بطلًا ثوريًا شبيهًا بأساطير الغربيّين.

وعند الشيعة: ذكره الطوسي في كتاب الغيبة في المذمومين الذين ادعوا النيابة البابية.

ونطق ابن تيمية: (مَنِ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنَ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أنا الله. وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ...وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنَ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنَ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ، وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ)اهـ .

ونطق أيضًا: (وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَأيِخِ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ; لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَهُ).اهـ

ونطق عنه عبد القادر الجيلاني حين سُئل عن الحلاج نطق: عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده، ولوأدركته لأخذت بيده.

ونطق عنهُ أبوالحسن الشاذلي: أكره من الفهماء تكفير الحلاج، ومن فهم مقاصده فهم مقصدي.

نطق الخطيب البغدادي: والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى حتىقد يكون الحلاج منهم وأبى حتى يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أبوالعباس بن عطاء البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري وصححوا له حاله ودونوا كلامه حتى نطق ابن خفيف : الحسين بن منصور عالم رباني .

نطق ابن كثير: لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره. فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من الأئمة إجماعهم على قتله وأنه كان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا، وكذلك قول أكثر الصوفية منهم. ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه، وقد كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يكن له فهم يسلك به في عبادته، فدخل عليه الداخل بسبب ذلك، كما نطق بعض السلف : من عبد الله بغير فهم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه. وعن سفيان بن عيينة أنه نطق : من فسد من فهمائنا كان فيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. ولهذا ولج على الحلاج باب الحلول والاتحاد فصار من أهل الانحلال والإلحاد . 

نطق الخطيب : وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكويه الشيرازي، سمعت أبا غرسة الطبري يقول : الناس فيه - يعني حسين بن منصور - بين قبول ورد، ولكن سمعت محمد بن يحيى الرازي، يقول : سمعت عمروبن عثمان يلعنه ويقول : لوقدرت عليه لقتلته بيدي، فقلت : أيش الذي عثر الشيخ عليه ،يا ترى؟ نطق : قرأت آية من كتاب الله، فنطق : يمكنني حتى أؤلف مثله وأتحدث به . 

نطق أبوغرسة الطبري : وسمعت أبا يعقوب الأبتر يقول : زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر. 

بعض ما رُوِيَ عن حِيَل الحلاج

روى الخطيب البغدادي أن الحلاج أنفذ رجلا بين يديه إلى بعض بلاد الجبل، فأقام بتلك البلدة يظهر لهم الصلاح والنسك ويقرأ القرآن، فأقام فيهم مدة على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد عمي، فمكث حينا على ذلك، ثم أظهر أنه قد زمن، وكان أولا يقاد إلى المسجد ثم صار يحمل، فمكث سنة كذلك، ثم نطق لهم : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويقول : سيرد على هذه البلدة رجل صالحقد يكون شفاؤك على يديه، فما كان من قريب حتى كان الوقت الذي واعده فيه الحلاج، ودخل الحلاج البلدة مختفيا وعليه ثياب صوف بيض فلزم سارية من المسجد يتعبد فيه لا يلتفت إلى أحد، فابتدر الناس إلى ذلك المتعامي المتزامن، فقيل له : قدم رجل صالح فهلم إليه، فحملوه حتى وضعوه بين يديه فحدثه فعهده فنطق له : يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهويقول لي كذا وكذا، فعسى حتىقد يكون أنت إياه. فحمل يديه ونادى الله عز وجل، والناس حضور متكاثرون ينظرون ماذاقد يكون من أمره، ففتح الرجل عينيه وقام قائما على قدميه، فضج الناس وعظموا الحلاج تعظيما زائدا، وليس ذلك بحق، فأقام عندهم مدة ثم خرج من بين أظهرهم، وبقي ذلك الرجل عندهم عدة شهور، ثم نطق : إذا من نعمة الله علي حتى رد علي بصري وشفاني وينبغي حتى أجاهد في سبيله بثغر طرسوس؛ فعزم على ذلك فجمعوا له من بينهم مالا جزيلا ألوفا من المضى والفضة، ثم ودعهم وودعوه، فمضى إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال.

وروي عن بعضهم نطق : كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات فأحببت حتى أختبره فجئته فسلمت عليه فنطق لي : تشه علي الساعة شيئا، فقلت : أشتهي سمكا طريا، فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين، فنطق : دعوت الله فأمرني حتى آتي بالبطائح لآتيك بهذه، فخضت الأهواز وهذا الطين منها. فقلت : إذا شئت أدخلتني منزلك لأكشف أمرك فإن ظهرت على شيء وإلا آمنت بك، فنطق : أدخل، فدخلت فلم أجد في البيت منفذا إلى غيره فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا تأزير فكشفته فإذا من ورائه باب فدخلت فخرجت منه إلى بستان هائل فيه من سائر الثمار الجديدة والمعتقة قد أحسن إبقاؤها وإذا أشياء كثيرة معدة للأكل وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثيرة كبار فدخلتها فأخرجت منها واحدة، فنال رجلي من الطين كما نال رجليه وجئت إلى الباب فقلت له : افتح قد آمنت بك، فلما خرجت ورآني على مثل حاله جرى ورائي ليقتلني فضربته بالسمكة في وجهه، وقلت : يا عدوالله أتعبتني في هذا اليوم. ولما خلصت منه لقيني بعد ذلك فضاحكني، ونطق : لا تفش هذا لأحد أبعث إليك من يقتلك على فراشك. نطق : فلم أحدث به أحدا حتى صلب .

وقد نطق يوما لرجل: آمن بي حتى أبعث لك بعصفورة تأخذ من ذرقها وزن حبة فتضعه على كذا وكذا رطلا من نحاس، فيصير مضىا، فنطق له الرجل : آمن بي أنت حتى أبعث إليك بفيل إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمه السماء وإذا أردت حتى تخفيه وضعته في إحدى عينيك. نطق : فبهت وسكت. 

ولما ورد بغداد جعل يدعوإلى نفسه ويظهر أشياء من المخاريق وغيرها من الأحوال الشيطانية. وأكثر ما كان يروج على الرافضة؛ فاستدعى يوما رئيسًا من الرافضة فنادىه إلى الإيمان به، فنطق له الرجل : إني رجل أحب النساء وإني أصلع الرأس وقد شبت فإن أنت أمضىت عني هذا وهذا آمنت أنك الإمام المعصوم، وإن شئت قلت أنك نبي وإن شئت قلت أنك أنت الله. نطق : فبهت الحلاج ولم يحر إليه جوابا. 

ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبوعلي الجبائي عن ذلك، فنطق : إذا هذا كله مما ينال بالحيلة ولكن أدخلوه بيتا لا منفذ له ثم سلوه حتى يخرج لكم جوزتين من شوك. فلما بلغ الحلاج كلام أبي علي الجبائي تحول من الأهواز .

بعض ما رُوِيَ عن فساد عقيدته

نطق أبوبكر بن ممشاذ: جاء عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة، فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه : من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان. فبعث به إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه خطه فنطقوا له كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الألوهية والربوبية ؟! فنطق : لا ولكن هذا عين الجمع عندنا، هل المحرر إلا الله وأنا واليد آلة،يا ترى؟ فقيل له : معك على ذلك أحد ،يا ترى؟ نطق : نعم، ابن عطاء وأبومحمد الجريري وأبوبكر الشبلي، فسئل الجريري عن ذلك، فنطق : من يقول بهذا كافر. وسئل الشبلي عن ذلك فنطق من يقول بهذا يمنع. وسئل ابن عطاء عن ذلك فنطق بقول الحلاج في ذلك، فعوقب حتى كان سبب هلاكه. 

وحكى ابن كثير أنه قد اتفق فهماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته وأجمعوا على قتله وصلبه . 

نطق أبوبكر الصولي قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ وفاجرا يتعبد.

فتوى ابن تيمية في الحلاج

سُئِلَ ابن تيمية سؤال نصه "ما تقول السادة الفهماء رضي الله عنهم في " الحلاج الحسين بن منصور " هل كان صديقا ،يا ترى؟ أوزنديقا ،يا ترى؟ وهل كان وليا لله متقيا له ،يا ترى؟ أم كان له حال رحماني ،يا ترى؟ أومن أهل السحر والخزعبلات ،يا ترى؟ وهل اغتال على الزندقة بمحضر من فهماء المسلمين ،يا ترى؟ أواغتال مظلوما ،يا ترى؟ أفتونا مأجورين ؟"

فأجاب ابن تيمية بالتالي :

الحمد لله رب العالمين. الحلاج اغتال على الزندقة التي ثبتت عليه بإقراره وبغير إقراره ; والأمر الذي ثبت عليه بما يوجب القتل باتفاق المسلمين ومن نطق إنه اغتال بغير حق فهوإما منافق ملحد وإما جاهل ضال. والذي اغتال به ما استفاض عنه من أنواع الكفر وبعضه يوجب قتله ; فضلا عن جميعه. ولم يكن من أولياء الله المتقين ; بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات : بعضها شيطاني وبعضها نفساني وبعضها موافق للشريعة من وجه دون وجه. فلبس الحق بالباطل. وكان قد مضى إلى بلاد الهند وتفهم أنواعا من السحر وصنف كتابا في السحر معروفا وهوموجود إلى اليوم وكان له أقوال شيطانية ومخاريق بهتانية. 

وقد جمع الفهماء أخباره في خط كثيرة أرخوها ; الذين كانوا في زمنه والذين نقلوا عنهم مثل أبي علي الحطي ذكره في " تاريخ بغداد " والحافظ أبوبكر الخطيب ذكر له ترجمة كبيرة في " تاريخ بغداد " وأبويوسف القزويني صنف مجلدا في أخباره وأبوالفرج بن الجوزي له فيه مصنف سماه " حمل اللجاج في أخبار الحلاج ". وبسط ذكره في تاريخه أبوعبد الرحمن السلمي في " طبقات الصوفية " حتى كثيرا من المشايخ ذموه وأنكروا عليه ولم يعدوه من مشايخ الطريق ; وأكثرهم حط عليه. وممن ذمه وحط عليه أبوالقاسم الجنيد ; ولم يقتل في حياة الجنيد ; بل اغتال بعد موت الجنيد ; فإن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين. والحلاج اغتال سنة بضع وثلاثمائة وقدموا به إلى بغداد راكبا على جمل ينادى عليه : هذا داعي القرامطة وأقام في الحبس مدة حتى عثر من كلامه الكفر والزندقة واعترف به : مثل أنه ذكر في كتاب له : من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتا ويطوف به كما يطوف بالبيت ويتصدق على ثلاثين يتيما بصدقة ذكرها وقد أجزأه ذلك عن الحج. فنطقوا له : أنت قلت هذا ،يا ترى؟ نطق نعم. فنطقوا له : من أين لك هذا ،يا ترى؟ نطق ذكره الحسن البصري في " كتاب الصلاة " فنطق له القاضي أبوعمر : تكذب يا زنديق أنا قرأت هذا الكتاب وليس هذا فيه فطلب منهم الوزير حتى يشهدوا بما سمعوه ويفتوا بما يجب عليه فاتفقوا على وجوب قتله. 

لكن للفهماء قولان في الزنديق إذا أظهر التوبة : هل تقبل توبته فلا يقتل ،يا ترى؟ أم يقتل لأنه لا يفهم صدقه ،يا ترى؟ فإنه ما زال يظهر ذلك ،يا ترى؟ فأفتى طائفة بأنه يستتاب فلا يقتل، وأفتى الأكثرون بأنه يقتل وإن أظهر التوبة، فإن كان صادقا في توبته نفعه ذلك عند الله وقتل في الدنيا وكان الحد له كما لوتاب الزاني والسارق ونحوهما بعد حتى يحملوا إلى الإمام، فإنه لا بد من إقامة الحد عليهم ; فإنهم إذا كانوا صادقين كان قتلهم كفارة لهم ومن كان كاذبا في التوبة كان قتله عقوبة له. فإن كان الحلاج وقت قتله تاب في الباطن فإن الله ينفعه بتلك التوبة وإن كان كاذبا فإنه اغتال كافرا. ولما اغتال لم يظهر له وقت القتل شيء من الكرامات؛ وكل من ذكر حتى دمه خط على الأرض اسم الله وأن رجله انبتر ماؤها أوغير ذلك فإنه كاذب. وهذه الأمور لا يحكيها إلا جاهل أومنافق وإنما وضعها الزنادقة وأعداء الإسلام حتى يقول قائلهم : إذا شرع محمد بن عبد الله يقتل أولياء الله. حتى يسمعوا أمثال هذه الهذيانات وإلا فقد اغتال أنبياء كثيرون وقتل من أصحابهم وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم من الصالحين من لا يحصي عددهم إلا الله، قتلوا بسيوف الفجار والكفار والظلمة وغيرهم ولم يخط دم أحدهم اسم الله. والدم أيضا نجس فلا يجوز حتى يخط به اسم الله تعالى. فهل الحلاج خير من هؤلاء ودمه أطهر من دمائهم وقد جزع وقت القتل وأظهر التوبة والسنة فلم يقبل ذلك منه. ولوعاش افتتن به كثير من الجهال لأنه كان صاحب خزعبلات بهتانية وأحوال شيطانية. ولهذا إنما يعظمه من يعظم الأحوال الشيطانية والنفسانية والبهتانية. وأما أولياء الله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه ؛ ولهذا لم يذكره القشيري في مشايخ رسالته ؛ وإن كان قد ذكر من كلامه حدثات استحسنها. وكان الشيخ أبويعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته فلما اطلع على زندقته نزعها منه. وكان عمروبن عثمان يذكر أنه كافر ويقول : كنت معه فسمع قارئا يقرأ القرآن فنطق : أقدر حتى أصنف مثل هذا القرآن. أونحوهذا من الكلام. وكان يظهر عند جميع قوم ما يستجلبهم به إلى تعظيمه ؛ فيظهر عند أهل السنة أنه سني وعند أهل الشيعة أنه شيعي، ويلبس لباس الزهاد تارة ولباس الأجناد تارة. 

وكان من " مخاريقه " أنه بعث بعض أصحابه إلى مكان في البرية يخبئ فيه شيئا من الفاكهة والحلوى ثم يجيء بجماعة من أهل الدنيا إلى قريب من ذلك المكان فيقول لهم : ما تشتهون حتى آتيكم به من هذه البرية ،يا ترى؟ فيشتهي أحدهم فاكهة أوحلاوة فيقول : امكثوا ؛ ثم يمضى إلى ذلك المكان ويأتي بما خبأ أوببعضه فيظن الحاضرون حتى هذه كرامة له. وكان صاحب سيما وشياطين تخدمه أحيانا كانوا معه على جبل أبي قبيس فطلبوا منه حلاوة فمضى إلى مكان قريب منهم واتى بصحن حلوى فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن حمله شيطان من تلك البقعة. ومثل هذا يحصل كثيرا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني فكل من خرج عن الكتاب والسنة وكان له حال من مكاشفة أوتأثير فإنه صاحب حال نفساني أوشيطاني. وإن لم يكن له حال بل هويتشبه بأصحاب الأحوال فهوصاحب حال بهتاني. وعامة أصحاب الأحوال الشيطانية يجمعون بين الحال الشيطاني والحال البهتاني كما نطق تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين { تنزل على جميع أفاك أثيم  . و" الحلاج " كان من أئمة هؤلاء : أهل الحال الشيطاني والحال البهتاني. وهؤلاء طوائف كثيرة؛ فأئمة هؤلاء هم شيوخ المشركين الذين يعبدون الأصنام مثل الكهان والسحرة الذين كانوا للعرب المشركين، ومثل الكهان الذين هم بأرض الهند والهجر وغيرهم. فالحلاج كان من الدجاجلة بلا ريب ; ولكن إذا قيل : هل تاب قبل الموت أم لا ،يا ترى؟ نطق الله أفهم ; فلا يقول ما ليس له به فهم ; ولكن ظهر عنه من الأقوال والأعمال ما أوجب كفره وقتله باتفاق المسلمين . والله أفهم به . 

الحلاج في الأدب العربي المعاصر

قناع الحلاج يوظّف بشكل واسع في الشعر العربي المعاصر منذ ستينيات القرن العشرين، مثلا، في أعمال عبد الوهاب البياتيوصلاح عبد الصبور وأدونيس.ومحمد لطفي جمعة ونجيب سرور. غنى من أشعاره الفنان الكبير العربي كاظم الساهر وبشار زرقان وظافر يوسف. كما خط عنه المحرر والمسرحي الكندي كريم الراوي مسرحية مدينة السلام حيث عرض فيها هي سيرة حياته وإعدامه بتهمة الزندقة.

مرقده في بغداد

بني مرقد لهُ في بغداد، وتبلغ مساحته 150 متر مربع، ولقد تم إعادة بناء مرقد الشيخ منصور الحلاج الواقع في جانب الكرخ من بغداد وتم تجديده عام 2005م، من قبل ديوان الوقف السني في العراق.

مراجع

مصادر أخرى

• السراج الطوسى، اللمع في التصوف، تحقيق: د. عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، دار الخط الحديثة، مخطة المثنى، 1960، ص 468.
• د. عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، وكالة المطبوعات، الكويت، الطعبة الثانية، 1976م، ص 26.
• ابن باكويه، أخبار الحلاج، نشرة ماسينيون وكراوس، باريس، 1936، ص 43.
• الحلاج ديوان
• أخبار الحلاج
• تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (8/112-141).
• المنتظم لابن الجوزي (13/201-206).
• سير أعلام النبلاء للمضىي (14 / 313-354).
• البداية والنهاية لابن كثير (11/132-144)
• د. مهدي كاكه ئي: الفيليون: أصالة وعَراقة وآمال وهموم (13) شخصيات فيلية معروفة

الحسين بن منصور الحلاج في المشاريع الشقيقة

---

• صور وملفات صوتية من كومنز
• اقتباسات من ويكي الاقتباس