موقعة رفح

عودة للموسوعة

  مسقطة رفح وتعهد أيضا باسم مسقطة غزة (باليونانية: Μάχη της Ραφίας)‏ (بالإنجليزية: Battle of Raphia)‏ هي معركة نشبت بين السلوقيين والبطالمة عام (217 ق.م) عند رفح السورية التي تقع في منتصف الطريق المؤدية إلى غزة، ومن الواجب ذكره هنا حتى رفح هذه كانت ملتقى تطاحن جيوش منذ عهد سرجون الثاني ومن بعده في عهد آسرحدون الأشوري (672 ق.م)، حيث قابل فيها جيش بطليموس الرابع جيش عدوِّه وخصمه أنطيوخوس الثالث.

الاستعداد للمسقطة

في ربيع عام (217 ق.م) أخذ بطليموس الرابع القيادة في يده، وزحف من الإسكندرية على رأس جيش قوامه ثلاثة وسبعون ألف مقاتل من المشاة وخمسة آلاف من الفرسان يعززهم ثلاثة وسبعون فيلًا من الفيلة الأفريقية، وصحبت بطليموس الرابع في هذه الحملة أخته آرسينوي الثالثة أيضًا، وكان الوزير سوسيبيوس في هذه الحملة يقود الجنود المصريين القُحَّ، وهم الذين درَّبهم خصيصًا لهذه الحرب، والظاهر حتى القادة الآخرين لم يكن في مقدورهم قيادتهم.

هذا ما كان من أمر الجيش البطالمي، أما أنطيوخوس الثالث الذي قضى الشتاء في «بطاليمايس» فإنه زود جنوده بمجندين جدد، وقد أعد كلَّ جيشه ليباغت به بطليموس الرابع وجنوده، وقد دلَّ الفحص على حتى جيش أنطيوخوس الثالث كان خليطًا عجيبًا من جميع الأمم المجاورة؛ فكان يحتوي على جنود من «داهس» ومن «كارمانيا» ومن الفرس، ومن الميديون ومن كادوسيا ومن العرب، و«سيلسيسيا» وتراقيا وكريت وليديا وكرداسيا وبلاد الغال، هذا بالإضافة إلى جنود مرتزقين من الهيلانيين، وكان عدد جيشه يبلغ حوالي اثنين وستين ألفًا من المشاة وستة آلاف من الفرسان ومائة واثنين من الفيلة، ومن ثَم نرى حتى القوتين المتحاربتين كانتا متقاربتين بوجه عام من حيث العدد.

تقابل الجيشان عند رفح السورية التي تقع في منتصف الطريق المؤدية إلى غزة، ولا يفوتنا حتى نذكر هنا حتى رفح السورية هذه كانت ملتقى تطاحن جيوش منذ عهد سرجون الثاني ومن بعده في عهد آسرحدون الأشوري (672 ق.م).

وقد وقع أنه في خلال بضعة الأيام التي قضاها الجيشان يراقب الواحد منهما الآخر على مسافة حوالي خمسة أميال؛ حتى أخطأت بطليموس الرابع طعنة خنجر وهوفي سرادقه على يد تيودوتوس الأيتولي، وقد أخطأته الطعنة بوجه الصدفة؛ لأنه لم يكن موجودًا في سرادقه الرسمي أثناء تلك الليلة، وقد عاد تيودوتوس الأيتولي هذا مع شريكيه في الجريمة دون حتى يمسَّهم أقل أذًى، ولكن بعد حتى قتلوا خطأً «أندرياس» طبيب بطليموس الرابع.

وعلى أية حال لم يؤثِّر هذا الحادث في نفس بطليموس الرابع ومضى فيما جاء من أجله، ولا غرابة في ذلك فإنه لم يكن في مقدوره حتى يتخلَّى عن منازلة عدوه؛ لأن الصحراء المترامية الأطراف التي بترها في خمسة أيام كانت وراءه، وليس فيها ماء إلا ما حمله معه، يضاف إلى ذلك حتى جيشه لم يكن لديه ما يقتات منه إلا ما زُوِّد به في «بلوز» (الفرما)، وعلى ذلك وطَّد العزم على مهاجمة العدو، وقاد بنفسه جناحه الأيسر لقاءًا أنطيوخوس الثالث خصمه الذي كان يقود جناح جيشه الأيمن، وكان بجانب بطليموس الرابع أخته آرسينوي الثالثة ملكة البلاد، وقد كان بطليموس الرابع وبلاطه قد أهملوا هذه الملكة بأن جعلوا ملك البلاد ينصرف عنها بالانغماس في الشهوات، غير أنها مع ذلك أَبَتْ حتى تتخلَّى عن زوجها وأخيها في ساعة الخطر وفي وقت الشدة.

خلال المسقطة

كان كلٌّ من الفريقين قد وضع مُشاتَه حَمَلة الحراب في القلب، أما المشاة الآخرون فقد أخذوا مكانهم في الجناحين، في حين حتى الفرسان كانوا قد احتلوا أماكنهم على الطرفين، وكان الملك بطليموس الرابع — وبجانبه أخته آرسينوي الثالثة — يقود الجناح الأيسر، أي كان يقابل أنطيوخوس الثالث الذي كان يقود جناح جيشه الأيمن. هذا وكان أمامه أربعون فيلًا أفريقيًّا تقابل ستين فيلًا آسيويًّا رمى بها أنطيوخوس الثالث في ساحة القتال، وكان كلٌّ من العاهلين يصحب معه الجنود حملة الدرع الخاصين به والذين تحت قيادته، وبادر بطليموس الرابع بخوض غمار المعركة، ولكن أنطيوخوس الثالث تردَّد في بادئ الأمر غير أنه قبل خوض غمار الحرب على عدوه.

وعندما اقترب بطليموس الرابع من ميدان القتال ظهرت أخته آرسينوي الثالثة على صهوة جوادها على طول خط القتال البطالمي في مقدمة الجيش حاثَّة الجنود على منازلة العدوبقوة وحماس، وكان أول نتائج المعركة حتى كُسِر جناح الجيش البطالمي الأيسر الذي كان يقوده بطليموس الرابع؛ وذلك بقوة هجوم أنطيوخوس الثالث الذي كان يقود جناح جيشه الأيمن كما أسلفنا، وبذلك خرج هذا الجناح من الجيش البطالمي من ساحة القتال، يضاف إلى ذلك حتى الفيلة التي كانت على يساره فرت أمام الفيلة الهندية التي انقضت على حَمَلة الدروع مخترقين صفوفهم، وعندئذٍ انقضَّ أنطيوخوس الثالث بجواده حول طرف الجيش البطالمي، وشتَّت البقيَّة الباقية من جناح العدو.

ولما كان أنطيوخوس الثالث لا يزال غضَّ الإهاب تجرى في عروقه دم الشباب الحار فإنه ألقى بالقيادة في مهب الريح، ولم يفكر قط إلا في مطاردة بطليموس الرابع الذي ولَّى الأدبار مع فلول الجناح الذي كان يقوده، ولكن بطليموس الرابع في تلك الأثناء كان قد خلَّص نفسه من خيَّالته الفارِّين، وعاد إلى قلب الجيش الذي لم يكن قد ولج المعركة بعدُ وقاده بنفسه، ولم تلبث حتى ظهرت نتيجة التدريب الطويل الذي قام به سوسيبيوس لإعداد الفرق البطالمية أبناء النيل المنحدرين من أصلاب أبطال قادش وماجدو؛ إذ نرى جنودها يشتتون ضم فرقة حَمَلة الحِراب — من الإغريق المقدونيين — التي كانت أمامهم، وذلك بهجومهم الجبَّار يقودهم سوسيبيوس نفسه، يضاف إلى ذلك حتى الملك بطليموس الرابعوعلى غير انتظار منهم كان يقودهم في المعركة. هذا، ولمَّا عاد أنطيوخوس الثالث إلى ساحة القتال بعد مطاردته لفلول الجناح الأيسر البطالمي عثر أنه قد خسر المعركة.

نهاية المسقطة

هجر جيش السلوقيين على أرض المعركة عشرة آلاف من حَمَلة الحِراب وأكثر من ثلاثمائة فارس، كما سقط في الأسر أربعة آلاف جندي. أما جيش البطالمة فلم يخسر إلا حوالي 1500 مقاتل من حملة الحراب وسبعمائة من الفرسان، ومن الغريب حتى أنطيوخوس الثالث عندما عاد إلى ساحة القتال ظنَّ في بادئ الأمر أنه هوالمنتصر من وجهة نظره، وبعد حتى اتضحت له الحقيقة، وعاتب رجال جيشه على تخاذلهم عاد أدراجه بكل سرعة إلى رفح، وفي اليوم التالي حاول حتى يعيد تنظيم صفوفه، ويجعلها تقابل العدوكرَّة أخرى فلم يفلح، ورجع أدراجه متقهقرًا بفلول جيشه إلى غزة، ولكنه لم يمكث فيها إلا مدة قصيرة؛ ليحصل في خلالها من بطليموس الرابع على السماح له بدفن موتاه.

وبعد ذلك عاد أنطيوخوس الثالث يجرُّ ذيول الخيبة والهزيمة إلى أنطاكية على جناح السرعة وهوخائف يترقَّب وقوعه بين عدوَّيْه بطليموس الرابع وآخاوس، وقد أفاد بطليموس الرابع من فوزه هذا على أنطيوخوس الثالث بعض الشيء بينما كان في إمكانه حتى يحصل لنفسه على أشياء كثيرة من مثل هذا النصر الذي لم يكن يأمل يومًا ما في الحصول عليه، ولكن في الواقع كان بطليموس الرابع نفسه في دهشة، ولم يكد يصدِّق بما وضعه الحظ بين يديه، وعلى أية حال فإن هذا النصر كما يقول بوليبيوس قد أخرَّه عملًا عن الرجوع إلى الإسكندرية؛ ليتابع عيشة الخلاعة والمجون التي كان متعوِّدًا عليها.

هذا ونجد أنه بعد حتى تظاهر أولًا بمظاهر الكبرياء ليخفي تعجله للأمور منح المبعوثين الذين اتىوا من قبل أنطيوخوس الثالث هدنة مدتها سنة، وأوفد سوسيبيوس للمفاوضة في عقد هدنة نهائية، غير أننا وعلى أية حال لا نعهد شروط هذه المعاهدة حتى الآن، ومهما يكن من أمر فإن أنطيوخوس الثالث أخلَّى بطليموس الرابع المسقطين الهامَّين اللذين كان يحتلهما، وهما «بطاليمايس» و«صور» ولم يكن هناك ما يمنع بطليموس الرابع من الاستيلاء على «سوريا الجوفاء» دون أية حرب.

لهذا نجد حتى بطليموس الرابع بعد حتى كافأ «أندروماخوس» (بالإنجليزية: Andromachus)‏ بتوليته حاكمًا على سوريا، كما كافأ رجال الجيش كذلك بمبلغ ثلاثمائة ألف بترة من المضى سار بنفسه وبصحبته أخته وزوجه آرسينوي الثالثة، على رأس حملة في سوريا وفِلَسْطين لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا؛ ليتمم إخضاعها لحكمه، وقد غَمَره جماهير كثيرة من المدن بترحابهم الحار؛ وذلك لأن أهالي سوريا كانوا يفضلون الحكم «البطلمي» على حكم السلوقيين، وقد أجابهم بطليموس الرابع على استقبالهم الرائع له بأن احترم معبوداتهم، وقدَّم لها القربات في المعابد، كما أعاد النظام والوئام في المدن.

ولا نزاع في أنه خلال تلك الجولة التي قام بها بطليموس الرابع قد مضى إلى أورشليم، وهناك عهد عن تجربة شخصية تعصُّب اليهود؛ إذ إذا مؤلف الكتاب الثالث للمكابيين يؤكِّد لنا حتى بطليموس الرابع بعد حتى قدَّم هدايا لإله اليهود «يهوه» أراد حتى يدخل قدس الأقداس في معبدهم على الرغم من الكاهن الحارس له، وعند سماع هذا الخبر ثارت جميع المدينة مما أدَّى إلى إصابة الملك بنوع من الفزع الخارق عن المألوف، لدرجة حتى رجال حرسه حملوه مغشيًّا عليه.

وعلى أية حال عاد بطليموس الرابع بعد ثلاثة أشهر قضاها في سوريا تاركًا حكمها في يد «أندروماخوس» (بالإنجليزية: Andromachus)‏ ومعه أخته وزوجه آرسينوي الثالثة وسُمَّاره إلى الإسكندرية؛ حيث لم يدهش القوم كثيرًا عندما رأوا حتى الملك ينقلب على حين غفلة إلى صاعقة حرب.

أثر مسقطة رفح في سياسة البطالمة

انتهت مسقطة رفح بنصر سوسيبيوس ومليكه بطليموس الرابع على أنطيوخوس الثالث ملك السليوكيين، غير حتى هذا النصر كان له صورة أخرى ذات نتائج سيئة قائمة على أسرة البطالمة وحكمها في مصر، كما كانت في الوقت نفسه بداية عهد حديث مشرق في تاريخ الشعب المصري وجنوده الذين على يديهم نال البطالمة هذا الفوز، والواقع حتى المصريين منذ هذه اللحظة أخذوا يشعرون بعزَّتهم القوميَّة، ويحسُّون ثقتهم في أنفسهم بعد حتى ظلوا مغلوبين على أمرهم مهمَلين منذ بداية حكم البطالمة، ولا غرابة في ذلك فإن هذا النصر قد فتح أعينهم، وأظهر لهم أنهم أصلب عودًا وأشد بأسًا مما كان يظنه فيهم المستعمرون، ولقد رأوا بأنفسهم الإغريق وهم يولُّون الأدبار في حين أنهم كانوا يقفون في وجه جميع هجوم جبَّار يصوبه لهم العدو، وكذلك فطنوا إلى حتى حكَّامهم الإغريق لم يكن في استطاعتهم منازلة أنطيوخوس الثالث بجنودهم المرتزقين، ومن ثَم استنجدوا بهم لخلاص مصر، وقد نجَّوها عملًا من عار الاحتلال.

وفي عام (217 ق.م) كان الإغريق والمقدونيون يحكمون على حسب زعمهم شعبًا منحطًّا، ولكن منذ ذلك الفوز الذي ناله البطالمة في رفح أخذ العنصر الوطني المصري يُثْبِت وجوده على صفحات التاريخ أمام الإغريق، ومن ثَم نرى أنه منذ السنة التي أعقبت هذه المسقطة أخذت الثورات الوطنية يدبُّ دبيبها في طول البلاد وعرضها، وقد انتهز الكهنة المصريون الذين كان في يدهم زمام أهل البلاد هذه الفرصة وأعربوتحديهم لحكومة البطالمة. حقًّا اجتمعوا في مجلس ليقرِّروا مفاخر بطليموس الرابع ومآثره كما عمل أسلافهم من قبل لوالده بطليموس الثالث، ولكن كان هناك فرق ظاهر في كلا الحالتين؛ إذ في هذه المرة لم يظهر اسم الملك بطليموس الرابع في المرسوم الذي أصدره الكهنة بوصفه ملك الإغريق، بل الواقع أنهم أضافوا إلى اسمه في وثيقة إغريقية قائمة بذاتها الألقاب الأرثوذكسية المستقاة من الديانة المصرية التي كان يسير على نهجها فرعون مصر الوطني.

والواقع حتى بطليموس الرابع عندما عاد من حرب سوريا لم ينتبه للحركة الوطنية التي أخذت تتفشَّى بين جميع أفراد الشعب المصري الأصيل، بل ظنَّ حتى الأحوال أصبحت مستقرة بعد اتِّكاله على آخاوس للقاءة السلوقيين، ولم يكن في حسبانه المصريين الذين لم يكافئهم على النصر الذي أحرزوه له، وقد كان من جرَّاء ذلك أنهم أخذوا يتحدثون على وهن هذا التسلط الأجنبي الذي لم يكن في حاجة إليهم إلا عند الأزمات واشتداد الخطوب، وعلى أية حال لم يلبث بطليموس الرابع على الرغم من انغماسه في الملذات والشهوات حتى فطن إلى حقيقة أنه وإن كان قد جنَّد جيشًا من المصريين واللوبيين لمحاربة أنطيوخوس الثالث، وإن ذلك كان عملًا عظيمًا أنقذ البلاد من الخطر، إلا أنه رأى فيما بعد أنه كان إجراء خطرًا على سلامة حكم البطالمة، ولا نزاع في حتى المصريين قد داخلهم الكبرياء والزهوبفوزهم في مسقطة رفح، ومن ثَم أخذوا يشعرون بالعزة القومية؛ ولذلك أصبحوا ولا طاقة لهم على تلقي الأوامر من غيرهم من الأجانب الذين احتلوا بلادهم، ولهذا السبب أخذ المصريون يبحثون عن رئيس لهم من بني جلدتهم، كما أخذوا يتلمسون الحجج والمعاذير لإعلان عصيانهم على الفئة الحاكمة ظنًّا منهم أنه في مقدورهم حتى يستقلوا بأنفسهم، وأنه لا حاجة لحكم الأجنبي المتغطرس.

وعلى ذلك وضعوا بعد تردد وطول أناة خطة لتطبيق ما عقدوا العزم عليه، ومما يطِيب ذكره هنا حتى المؤرخ بوليبيوس قد زجَّ بأفكاره عن الأحوال الداخلية في مصر في عهد بطليموس الرابع في الحوادث التي سقطت في عام (216 ق.م) في مؤلفه العظيم، غير حتى هذا الجزء الذي اتى فيه ملخص هذه الحوادث قد ضاع إلا بعض فقرات لا تشفي غلة، وبذلك هجر فراغًا في تاريخ بطليموس الرابع الذي نفتقر كثيرًا إلى المعلومات الجمَّة عنه، وعلى أية حال فإن ما لدينا من المعلومات التاريخية يؤكد حتى الاضطرابات الداخلية في مصر كانت قد بدأت في عهد بطليموس الرابع وأنها استمرت في العهود التي تلت حكمه.

ولا أدل على ذلك مما اتى في مرسوم حجر رشيد وقد نُشِر بعد نحواثنين وعشرين سنة من التاريخ الذي نتحدث عنه الآن، أي بعد ثمانية أعوام من موت بطليموس الرابع، ففي هذا المنشور اتىت إشارة عن الرؤساء من المصريين الذين تزعموا جماعة من العصاة في عهد بطليموس الرابع، وقد عاقبهم ابنه بطليموس الخامس. من ذلك نفهم حتى الوطنيين المصريين منذ فوزهم في مسقطة رفح قاموا بسلسة ثورات ومؤامرات واضطرابات لم يمكن قمعها، وأسفرت الحوادث عن أنه كانت تحت التراب وميض نار لا بد حتىقد يكون له ضِرام تكشف عن خطر بالغ على الحكم البطلمي.

وقد أخذ البطالمة من جانبهم يقاومون هذه الثورات باتخاذ عدة إجراءات مضادة لقمع روح الفتنة؛ ومن ثَم نشطت الشرطة باتخاذ أعمال قاسية؛ فحُكم على الكثيرين من أبناء مصر بالقتل، ولكن المصريين كانوا بدورهم ينتقمون لأنفسهم حدثا وجدوا إلى ذلك سبيلًا، ويقول المؤرخ بوليبيوس في تعبير مختصرة: «إنه باستثناء القسوة والطغيان اللذين ارتُكبا من كلا الجانبين، وكذلك الحرب التي قَصَصت قصتها هنا لم تَدُر رحى مسقطة حربية منظمة، ولا حصار، ولا شيء آخر يستحق الذكر.»

وفي النهاية امتد حبل الاضطرابات والفتن مما أدى في نهاية الأمر إلى تقويض سلطان البطالمة ، ومما لا ريب فيه حتى المصريين الثائرين كانوا خارجين على القانون في نظر الإغريق، ولذلك فإنهم كانوا يجاوبون على تعسف الحكومة بالأخذ بالثأر، ومن ثَم فإن هذه الحروب التي كانت تعد حرب كرٍّ وفرٍّ قد امتد أمدها دون حتى تصل إلى نتيجة حاسمة شأن جميع حرب العصابات.

وعلى مرِّ الأيام سرت عدوى هذه الحروب إلى أهل الصعيد؛ إذ أخذوا يقدِّرون ما يقوم به مواطنيهم من أهل الوجه البحري من نضال في سبيل الحرية التي سلبها المستعمر الغاصب، وقد أخذتهم العزة القومية، وبدَوا بدورهم يشنون حرب العصابات على الإغريق حتى أصبح صعيد مصر شعلة نار على البطالمة، ولا أدل على ذلك مما تُقدِّمه لنا نقوش الإهداء التي حُفِرت على جدران معبد «إدفو»؛ فقد ذُكر فيها حتى أعمال البناء في هذا المعبد قد توقفت بسبب عصيان قام في العام السادس عشر من حكم «فيلوباتور» (207-206 ق.م) ولم يُستأنف العمل إلا في العام التاسع عشر من حكم ابنه بطليموس الخامس (186 ق.م) وذلك حتى عصابات من الثوار كانوا قد خندقوا في داخل المعبد في حين كانت نيران الثورة تستعر في شمال البلاد وجنوبها، وهذا يعني حتى جميع البلاد قد هبَّت يدًا واحدة في وجه الحكم البطلمي.

والظاهر حتى هذه الثورات لم تكن تُقْلِق بال بطليموس الرابع وبطانته كثيرًا؛ لأنهم كانوا يعهدون سرَّها، غير حتى تأثير جراح هذه الفتن الداخلية لم يظهر خطره إلا فيما بعد عندما اشتدت الحال لدرجة حتى بلاط بطليموس الرابع قَبِل عن طيب خاطر المساعدة التي قدَّمها لهم فيليب الرابع المقدوني ملك مقدونيا وأنطيوخوس الثالث ملك سوريا، وذلك بحجة أنهما قد أتيا لحماية السلطة الشرعية في البلاد المصرية من عبث الثوار من جهة، وللمحافظة على التجارة الدولية التي كانت تهمهما كثيرًا من جهة أخرى، وهذه هي الأسباب التي تبتدئ بها عادةً الدول القوية للتدخل في شئون البلاد الضعيفة؛ لتجد لنفسها منفذًا لمد سلطانها عليها شيئًا فشيئًا.

غير أننا نجد في نفس الوقت الذي كانت فيه الفتن قائمة على قدم وساق في أرض الكنانة؛ كان النزاع بين أنطيوخوس الثالث وآخاوس قائمًا في الشرق من جهة، وفي الغرب كانت نار الحرب حامية الوطيس بين «رومة» و«قرطاجنة» من جهة أخرى. هذا، ونلحظ حتى آخاوس عندما أصبح لا يعتمد إلا على ما لديه من قوة حربية، فإنه لم يستمر في حملته على أنطيوخوس الثالث؛ وذلك لأن بطليموس الرابع بعد حتى أخذ منه جميع ما يمكن لفائدته ظنًّا منه أنه قد كافأه على خدماته لمصر، وذلك بأنه حاول حتى يضمن له بمقتضى معاهدة ملك «آسيا الصغرى»، ومما زاد الطين بِلَّة في حرج موقف آخاوس حتى أهل «رودس» وكذلك أهل «بيزنطة» الذين أصبحوا في غنًى عن مساعدته وطلب محالفته؛ انفضوا من حوله ولم يمدوا له يد المساعدة على عدوِّه أنطيوخوس الثالث، ولذلك لم يمض طويلُ زمنٍ حتى حُوصِر آخاوس في سارديس (215-214 ق.م) من قبل جيش السلوقيين السوري، وظلَّ الحصار مستمرًّا إلى حتى ضُيِّق عليه الخناق مع فئة صغيرة من أتباعه في قلعة هذه المدينة التي كانت مستعصية المنال على المحاصرين، ولا يمكن اقتحامها والتغلب عليها إلا بالجوع.

وعلى أية حال لم يكن موضوع القبض على آخاوس إلا مسألة وقت قصير، وقد حاول سوسيبيوس العمل على خلاص حياة آخاوس بتسهيل الهرب له، فأوفد رجلًا كريتيًّا يُدعَى «بوليس» من الإسكندرية لهذا الغرض، وكان الأخير له أصدقاء بين الجنود المرتزقة الكريتيين الذين كانوا يحاصرون القلعة، وقد وعد هذا الكريتي لقاء خدمته هذه بمبلغ عشرة تالنتات من الفضة، غير حتى «بوليس» الذي كان قد تسلَّم النقود قد عثر الكيفية التي يمكنه بها زيادة فائدته المادية من هذه المأمورية، وهي حتى يسلم آخاوس للملك أنطيوخوس الثالث.

والواقع حتى آخاوس قد دبَّ في نفسه الخوف عندما تمكن من الهرب مع صاحبه الكريتي المزعوم، الذي اتى ليخلصه من الحصار الذي ضُرِب عليه في قلعة سارديس، وعملًا تحقَّق خوفه عندما عثر نفسه بين يدي عدوه، وقد أراد أنطيوخوس الثالث حتى يجعله عبرة ومثلًا لغيره؛ فاتخذ معه الإجراءات التي أُخِذت مع «مولون» السالف الذكر، فأمر بأن تُوثَق جثته المفصولة عن رأسه، وكانت موضوعة في مسلاخ حمار، وعندما فهم الذين يدافعون في داخل القلعة بهذا التمثيل البشع بجثة آخاوس استولى عليهم الفزع والجزع، وعلى إثر ذلك فتح جميع من «أريباز» و«لاؤديس» زوجة آخاوس أبواب القلعة على مصاريعها، وبذلك قُضِي على جميع منازعات داخلية، وقد كانت النتيجة الحتمية لذلك حتى كلَّ ما كان يملكه آخاوس في آسيا الصغرى أصبح ملكًا لأسرة السليوكيين. أما «أتالوس» ملك «برجام» فيجوز حتى أنطيوخوس الثالث لم يطالبه بشيء مما أخذه من آخاوس وقد يرجع السبب في ذلك إلى أنه قد بقي على الحياد مدة المنازعات التي قامت بين آخاوس وبين أنطيوخوس الثالث في السنين الأخيرة.

وبعد حتى أصبح أنطيوخوس الثالث آمنًا مطمئنًا على هذا القسم من ممتلكاته وجه اهتمامه وجهوده إلى الشرق الأقصى في الأصقاع التي كان سلطان السلوقيين فيها قد أصبح مجرد اسم، وبخاصة منذ عهد سلوقس الثاني، ومن أجل ذلك أخذ في تجهيز العدة والعتاد للقيام بحملة هناك، والواقع حتى هذه الحملة قد امتدت عدة سنين (212–205 ق.م) وقد كان اشتباكه في هذه الحروب وتفرغه إليها من حسن حظ حكومة البطالمة بالإسكندرية؛ إذ كان ذلك بمثابة خلاص من أعباء قيام حرب قد تقوم بسبب «سوريا الجوفاء» التي كان أنطيوخوس الثالث لا يزال يذكر ضياعها منه.

انظر أيضا

  • الحرب السورية الأولى
  • الحرب السورية الثانية
  • الحرب السورية الثالثة

مراجع

  1. ^ بيل ثاير (المحرر). "تاريخ بوليبيوس — الكتاب 5".
  2. ^ إيفلين; س. شوكبورغ, Evelyn S. . كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج. صفحات 79–116. ISBN . مؤرشف من الأصل في 05 مارس 2020.
  3. ^ "تاريخ بوليبيوس — الكتاب 14". penelope.uchicago.edu. جامعة شيكاغو. اطلع عليه بتاريخ 05 مارس 2020.
  4. ^ "تاريخ بوليبيوس — الكتاب 7". penelope.uchicago.edu. اطلع عليه بتاريخ 05 مارس 2020.
  5. ^ "تاريخ بوليبيوس — الكتاب 8". penelope.uchicago.edu. اطلع عليه بتاريخ 05 مارس 2020.
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:27:11
التصنيفات: 217 ق م, اليونان القديمة, إغريق, بطالمة, تاريخ سوريا القديم, تاريخ سوريا حسب الحقبة, تاريخ مصر القديمة, حروب سوريا, حروب سورية, سلوقيون, مصر القديمة, معارك الإمبراطورية السلوقية, معارك تشمل المملكة البطلمية, نزاعات عقد 210 ق م, مقالات تسيء استعمال حجم الصورة, صور كما في ويكي بيانات, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P276, صفحات تستخدم خاصية P625, خريطة موقع من ويكي بيانات, مقالات تحتوي نصا باليونانية, مقالات تحتوي نصا بالإنجليزية, بوابة سوريا/مقالات متعلقة, بوابة الشرق الأوسط القديم/مقالات متعلقة, بوابة اليونان/مقالات متعلقة, بوابة اليونان القديم/مقالات متعلقة, بوابة مصر القديمة/مقالات متعلقة, بوابة مصر/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات مع الخرائط

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالرقم القومي 2022 القاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

مصرع شخص غرقًا وإصابة 2 آخرين فى الساحل الشمالي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

إصابة شخصين فى انقلاب دراجة بخارية بالإسماعيلية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:18
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

وزير الرياضة يعلن إصابته بكورونا.. ويوجه رسالة للمصريين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

إحباط محاولة بيع 32 ألف لتر بنزين وسولار فى السوق السوداء بالجيزة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

الحكومة توافق على تأهيل «وطنية» و«صافي» تمهيداً للطرح بالبورصة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:11
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

وزير التموين: ثورة 23 يوليو ألهمت حركات التحرر حول العالم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:12
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

تفاصيل مسلسل إياد نصار الجديد «مهب الريح» وموعد عرضه

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:24
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

استعلام عن فاتورة التليفون الأرضي برقم التليفون

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:11
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

محافظ الفيوم يتفقد التشغيل التجريبي لكوبري الناصرية على بحر وهبي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:17
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 70%

كيف علق أكرم حسني على تعاونه مع محمد منير في «للي»؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:24
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

أنكر الاتهامات.. قائد أتوبيس المنيا يكشف سبب الحادث الدموى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:20
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

«الروح الفرفوشة»: سيمون.. التى غنت بالجينز فى زمن «السواريه»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:10
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

نموذج امتحان مادة الفلسفة 2021 لطلاب الثانوية العامة 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالأزهر 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:13
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

فيريرا يعلن قائمة الزمالك لمواجهة الأهلى فى كأس مصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:07
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وزراء الداخلية العرب يناقشون تداعيات جائحة كورونا على الأمن السياحى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 21:21:08
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية