بركة خان (توفي 1266) هوزعيم القبيلة المضىية، وقد كان ابن عم هولاكوتحالف مع الملك الظاهر بيبرس سلطان مصر والشام أحد سلاطين دولة المماليك البحرية.

بركة خان

هوبركة خان بن جوجي بن جنكيز خان'، وهوأحد سبعة أبناء لجوجي وهم 'باتو، أوردا، شوبان، بركة، جمتاي، بركجار، توقاتيمر وكان الابن الأكبر 'باتو' وكان ترتيبه على اخوته هوالرابع بعد شوبان، قد ورث منصب أبيه وأصبح زعيما للقبيلة المضىية، والتي تعد أولى قبائل التتار إسلاما وأكثرها تعاطفا وتأدبا مع المسلمين.

وبسبب تعاطف 'باتو' مع المسلمين في بلاده أخذ النصارى خاصة الرهبان والقساوسة في بلاد المغول، وكان لهم دور وتأثير كبير على الحرب المروعة على بلاد الإسلام، في تحريض الزعيم الكبير للمغول 'كيوك بن أوغطاي' لمحاربة 'باتو' قبل حتى ينتشر الإسلام في جميع ربوع الشمال.

وتوفي 'باتو' سنة 650 هجرية وخلفه من بعده في رئاسة القبيلة المضىية ابنه 'حرتق' الذي لم يعش طويلا حتى توفي وانتقلت الرئاسة لعمه 'بركة خان' وذلك سنة 653 هجرية.

دخل 'بركة خان' الإسلام سنة 650 هجرية وكان من قبل محبا ومتأثرا بالإسلام بسبب امرأة أبيه 'رسالة' وقد التقى 'بركة خان' في مدينة 'نجارى' مع أحد فهماء المسلمين ومسماه نجم الدين مختار الزاهدي وكان بركة عائدا لتوه من زيارة عاصمة المغول 'قرة قورم' وأخذ 'بركة' في الاستفسار عن الإسلام من هذا العالم المسلم وهويجيبه بكل وضوح وسلاسة، فطلب بركة منه حتى يؤلف له رسالة تؤيد بالبراهين رسالة الإسلام وتوضح بطلان عقائد التتار والتثليث وترد على المخالفين والمنكرين للإسلام، فألف 'الزاهدي' الرسالة ودخل 'بركة خان' الإسلام إثر قراءتها عن حب واقتناع وإخلاص ورغبة عارمة في نصرة هذا الدين.

أهم أعماله

لم يكن دخول 'بركة خان' الإسلام كدخول آحاد الناس بل ولج الإسلام بطلا ملكا سلطانا لقبيلة مغولية، والمغول وقتها هم الكابوس المفزع للبشرية جمعاء وللمسلمين خاصة، لذلك اتىت أعمال هذا البطل العظيم على نفس المستوى الفائق من المسؤلية والقيادة، وتحول هذا السلطان الوثني إلى جندي من أخلص جنود الإسلام شديد الحب والتفاني في نصرة الدين وأهله، حيث ضرب أروع الأمثلة في الولاء والبراء وهذه طائفة من أبرز أعمال 'بركة خان' في نصرة الإسلام.

أولا: مبايعة خليفة المسلمين

بعدما أعرب 'بركة خان' إسلامه كان أول ما عمله حتى أوفد ببيعته للخليفة العباسي المستعصم ببغداد، وهذا الإجراء رغم أنه سهل وبه كثير من الشكلية؛ لأن خليفة المسلمين وقتها لم يكن له أي نفوذ حقيقي إلا على مساحة ضيقة من الأرض، إلا أنه يعطي صورة واضحة جلية نحوولاء 'بركة خان' لسلطان المسلمين وانضوائه تحت جماعة المسلمين.

ثانيا: إظهار شعائر الإسلام

بعدما اعتلى 'بركة خان' رئاسة القبيلة المضىية أخذ في إظهار شعائر الإسلام، وقام 'بركة خان' بإكمال بناء مدينة 'سراي' وهي مدينة 'سراتوف' الآن في روسيا على نهر الفولجا وجعلها عاصمة القبيلة المضىية، وبنى بها المساجد والحمامات ووسعها جدا حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها، وجعلها على السمت الإسلامي الخالص.

ثالثا: غيرته على المسلمين

وقد ظهرت هذه العقيدة بوضوح عندما فكر القائد المغولي 'هولاكوبن تولوي بن جنكيزخان' في الهجوم على بغداد، وكان 'مونكوخان بن تولوي' أخو'هولاكو' هوخان المغول وقد نال هذا المنصب بمساعدة قوية من 'باتو' الأخ الأكبر 'لبركة خان'.

وحاول 'هولاكو' إقناع أخيه الأكبر مونكوخان بهذه الفكرة، وبالعمل وافق على الفكرة ورحب بالهجوم على باقي بلاد المسلمين، وبدأ 'هولاكو' في الإعداد لذلك، وما حتى وصلت الأخبار إلى 'بركة خان' حتى التهبت مشاعره وأسرع إلى أخيه 'باتو' وألح عليه في منع الهجوم على المسلمين ونطق له: [إننا نحن الذين أقمنا 'مونكو' خانا أعظما، وما جازانا على ذلك إلا أنه أراد حتى يكافينا بالسوء في أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة وهوصاحبي وبينى وبينه ممحررات وعقود ومودة وفي هذا ما لا يخفى من القبح].

وبالعمل أقتنع 'باتو' تماما بكلام أخيه وبعث إلى هولاكويكفه عما ينويه من قتال المسلمين؛ وبالعمل أجل 'هولاكو' الهجوم على المسلمين حتى وفاة 'باتو'.

رابعا : تفريقه لوحدة المغول الوثنيين

فقد استغل 'بركة خان' خروج الخان الأعظم مونكولقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخاه قوبلاي خان وهجر أخاه الآخر 'أرتق بوكا' مكانه لتسيير الأمور لحين عودته، فاستغل 'بركة خان' وفاة 'مانغو' في الطريق لإثارة الفتنة بين 'أرتق بوكا' قوبلاي'، حيث اتفق الجند والأمراء على تولية 'قوبلاي'، فأوفد 'بركة خان' إلى 'أرتق بوكا' بقوة عسكرية لمنازعة أخيه 'قوبلاي' على منصب الخان الأعظم، وحرض أيضا أسرة أوقطاي خان على مساعدة 'أرتق بوكا' وسقطت الحرب بينهما سنة 658 هجرية وذلك قبل معركة عين جالوت بقليل مما جعل هولاكويعود مسرعا من الشام لفض النزاع.

واستمرت الحروب عدة سنوات، وكان 'بركة خان' في نفس الوقت يقنع ويحث كثيرا من جنود 'هولاكو' بالشام على الدخول في الإسلام والانضمام إلى جيش 'بيبرس'؛ وبالعمل أقنع الكثيرين منهم وتحولوا إلى حرب 'هولاكو'.

خامسا : محالفته للمماليك

فقد ولج 'بركة خان' في حلف مع المماليك الذين بهروا العالم عندما انتصروا على التتار في مسقطة عين جالوت سنة 658 هجرية، وكثرت المراسلات والاتصالات بينه وبين السلطان بيبرس وكان لها أثر كبير في توجيهه لحرب 'هولاكو'.

وبالعمل اتفق 'بركة خان' و'بيبرس' على محاربة 'هولاكو' وخط 'بركة خان' برسالة إلى 'بيبرس' يقول له فيها: [قد فهمت محبتي للإسلام وفهمت ما عمل هولاكوبالمسلمين، فاركب أنت من ناحية حتى آتيه أنا من الناحية الأخرى؛ حتى نهزمه أونخرجه من البلاد، وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد].

سادسا : محاربته لهولاكو

لم يكتف 'بركة خان' بمناصرة المسلمين، فلقد انقلب حربا ضروسا على المغول الوثنيين عموما وعلى 'هولاكو' خصوصا حيث لم ينس 'بركة خان' ما عمله 'هولاكو' بالخلافة العباسية أبدا عندما اكتسح هولاكوبجحافله بغداد. فقد حاول 'بركة خان' بشتى الوسائل حتى يوقف هذا المد الجارف الذي ينذر بمحوالإسلام من الوجود، ولكن لأن معظم جنوده كانوا لا يزالون على الوثنية فقد رفضوا الانصياع لأمره بمحاربة 'هولاكو' لأنهم بذلك سيخالفون الخان الأعظم للمغول والذي قد وافق على الهجوم على بغداد.

فأخذ 'بركة خان' في اختلاق الذرائع والحجج لإشعال الحرب ضد 'هولاكو' ووجد ضالته في مسألة الغنائم حيث كان من عهد 'جنكيزخان' القديم حتى أسرة 'جوجى' لها ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول جميعا في أي معارك يخوضونها.

وبالبتر لم تكن الغنائم دافعا لـ'بركة خان' فأوفد 'بركة' رسلا من طرفه وأمرهم حتى يشتدوا ويغلظوا على 'هولاكو' في السؤال، وبالعمل نجحت الحيلة واستشاط 'هولاكو' غضبا وقتل رسل 'بركة خان' وسير جيشا لمحاربة 'بركة خان' فانهزم جيش هولاكوشر هزيمة وذلك سنة 660 هجرية، فعاود الهجوم مرة أخرى بجيش أكبر فانهزم جيش 'بركة خان' وكان يقوده أحد قواده ومسماه 'نوغاي'، فأراد 'هولاكو' حتى يجهز بالكلية على 'بركة خان' فأوفد جيشا جرارا فيه معظم جنوده يقودهم ابنه أباقا، فخرج لهم 'بركة خان' بنفسه على رأس الجيش ومزق جيش هولاكوشر تمزيق سنة 661 هجرية في منطقة القوقاز ولم ينج منهم سوى القليل.

أما 'هولاكو' فوجد حتى جميع البلايا والهزائم التي حاقت به وبالتتار جميعا كان سببها 'بركة خان' فاشتد غيظه وحقده على 'بركة خان' وحاول محاربته عدة مرات ولكنه هزم شر هزيمة مما أشعل الغيظ في قلبه حتى وصلت نيران غيظه إلى عقله وجسده، فأصيب بجلطة في المخ بعد وصوله خبر هزيمة ولده 'أباقا' أمام 'بركة خان' سنة 661 هجرية وظل يعاني من الصرع حتى هلك سنة 663 هجرية، فانتقم 'بركة خان' للإسلام والمسلمين من هذا المجرم الطاغية الذي دمر دولة الخلافة الإسلامية وسفك دم الملايين من المسلمين.

رحيل بركة خان

فبعدما هلك الطاغية 'هولاكو' من شدة الغيظ والحقد على ما جرى على يد 'بركة خان' ورث مكانه ابنه 'أباقا' وورث عنه أيضا حقده وحسده على 'بركة خان' خاصة حتى 'بركة' قد هزمه هزيمة كبيرة سنة 661 هجرية، لذلك كانت محاربة 'بركة' هي أولى خطوات وقرارات 'أباقا بن هولاكو'.

وبالعمل أعد 'أباقا' جيشا جرارا لمحاربة 'بركة' وأوفد 'بركة' أولا قائده 'نوغاي' ولكنه هزم وأصيب بسهم في عينه، وكان 'بركة خان' يحب 'نوغاي' لإسلامه وجهاده معه في جميع موطن، فخرج 'بركة خان' بنفسه للقاء 'أباقا' وفي نيته محاربة عدوالإسلام وإزالة هذا الفرع الخبيث من شجرة التتار التي بدأت تتحول للإسلام شيئا فشيئا.

أعرب ألغوالحرب على بركة بعد رفضه الولاء لقوبلاي، فاستولى على فاراب وخوارزم. ثم استولى على الضفة اليسرى، ففقد بركة خان سيطرته على ماوراء النهر. لم يلبث حتى قام بركة على رأس جيش كثيف وتوجه نحوتفليس للقاءة أباقا، لكنه توفي في الطريق في ربيع الآخر 665هـ / ديسمبر 1266م فارتدت عساكره. وبعدها بعدة أشهر توفي أولغوخان الجغتاي.

وقد هجر ولدين أحدهما له أربعة أولاد والثاني ولد واحد، ولكن أيا منهم لم يخلفه على العرش، وكانوا يعيشون في مدينة ساكسين. وقد سمى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ولده الأكبر بركة خان حبا في شخصية بركة خان.

المصادر

• الكامل في التاريخ لابن الأثير
• البداية والنهاية لابن كثير
• سير أعلام النبلاء 'المضىي
• فتوح البلدان البلاذرى
• التاريخ الإسلامي محمود شاكر
• موسوعة التاريخ الميسرة مجموعة من الباحثين
• أطلس تاريخ الإسلام حسين مؤنس

وصلات خارجية

• القائد التتري بركة خان، سيرة الإسلام